الوظيفة الأهم في العالم

د. منال محمد أبو العزائم
1446/02/08 - 2024/08/12 15:13PM

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

          لقد تعددت مجالات العمل واتسعت دائرة الوظائف والخيارات المتاحة فيها. ومثال ذلك الطب والهندسة والقانون والتجارة والمحاسبة والتمريض وغيرها الكثير من المجالات. وجل الوظائف مفيد للبشرية ويمكن التكسب منه. ومع ذلك سأتحدث اليوم عن وظيفة هي الاسمى والأهم للناس، ورغم ذلك ليس لها مرتب ولا يتقاضى القائم بها سوى احتساب الأجر من الله. وذلك مع أنها وظيفة صعبة وتتطلب وقت كبير ومجهود جبار. ألا وهي وظيفة ربة البيت والزوجة والأم التي تقوم بها المرأة. ولقد خص الله تعالى المرأة بخصائص وفضائل كثيرة، تميزت بها المسلمة عن غيرها من النساء. وقد ذكر الله تعالى النساء في كتابه العزيز كثيرا وسمَّى سورة كاملة من القرآن بسورة النساء. وحث الرسول صلى الله عليه وسلم على إكرام النساء وحفظ حقوقهم والإحسان إليه. قال صلى الله عليه وسلم: (خيرُكم خيرُكم لأهلِه وأنا خيرُكم لأهلي)[1]. وقال: (اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم)[2]. وأمر الله تعالى المسلمين بحسن عشرتهن. قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)[3]. وفي هذا احترام للمرأة المسلمة ورفع لمكانتها ورعاية لها وحفظ لحقوقها ... فسلام وتقدير لكل مسلمة.

وإكرام النساء بمختلف صوره له أجر كبير. فمنهن الأم التي جعل الله الجنة تحت أقدامها. قال تعالى: (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)[4]. وقال صلى الله عليه وسلم: (الجنة تحت أقدام الأمهات)[5]. ومنهن الأخت والابنة والخالة والعمة وغيرهن ممن أمر الله ببرهن والإحسان إليهن. ومنهن الزوجة التي هي مربية الأجيال. وهي شقيقة الرجل في هذه الحياة. وقد خلق الله تعالى حواء من ضلع آدم لتكون له أنيساً ورفيقاً. قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[6]. وقال صلى الله عليه وسلم: (النساء شقائق الرجال).

وعندما استخلف الله آدم على الأرض حملت حواء على عاتقها مهمة التكاثر، ولولاها لانقطع نسل البشرية. فهي من تتحمل متاعب الحمل وآلام الولادة التي لا وصف لها يفيها حقها من شدتها وصعوبتها. قال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)[7]. ثم هي من تتولى رعاية الأبناء منذ الرضاعة والطفولة والمراهقة والنضوج. وتلك هي وظيفة المرأة الأولى التي هيأها الله لها بالفطرة، والتي اجتمعت عليها نساء العالم في مشارق الأرض ومغاربها ... الغنية منهن والفقيرة والعربية والعجمية والمتعلمة والجاهلة والشريفة والوضيعة. وذلك قبل تدخل العلمانية وإفسادها لفطرة النساء وتخريبها لحياتهن بعد أن نشرت سمومها عبر الإعلام وروجت لخروج النساء من بيوتهن ليكدحن وراء لقمة العيش ويجرين وراء المادة حتى ولو كُنَّ في غنى عن ذلك. فنتج من ذلك إنتشار الاختلاط الفاحش ونشر الرذيلة وتفكك الأسر وضياع الأطفال. وأصبح العالم بلا وعي ولا تفكير يُهمِّش مُهمة تربية الأطفال وتولى الأمهات رعاية أبنائهم بحجة العمل. فأوكلت تلك المهمة الصعبة لأقل طبقات المجتمع تعليماً ونتج من ذلك تضرر الأطفال ونشأتهم بعيدا عن الدين والقيم الاخلاقية والاسلامية. وخرجت أجيال ضعيفة الإيمان ولا تفقه من دينها سوى الأساسيات.

وتربية الأبناء وظيفة في غاية الأهمية لو نظرنا إليها بعين فاحصة. فالأطفال هم الأصل الذي يخرج منه المجتمع رجالا ونساء، ومنهم قادة الغد وسادته. ووجود رعاية الأم لهم منذ الصغر أمر هام للحفاظ على سلامتهم وحفظهم من مختلف أنواع الأذى الذي قد يصيبهم. فالطفل الرضيع مخلوق حساس ويمكن أن يتأذى من أقل شيء. وهناك الكثير من المخاطر التي تحيط به ويمكن أن تهلكه بسهولة وسرعة إن أهملته أمه ولم تحرسه وتحميه منها. ومثال ذلك الجوع والعطش والتعرض لظروف مناخية قاسية كالبرد والحر. أو التعرض للأمراض والإسهالات وسوء التغذية. أو يصيبه مرض معدي يؤدي به للشلل أو العمى أو الإعاقة إن لم يتعالج وكان بدون رعاية أمه ورقابتها. وربما يتعرض لأذى خارجي كلدغ دواب الأرض السامة أو افتراس الوحوش أو التعرض لأذى البشر أو الكوارث الطبيعية أو الآلات الحادة أو غيرها. ورغم وجود كل هذه المخاطر في الطبيعة إلا أن الخطر الأكبر على الصغار يأتي من بني البشر أنفسهم. فكم تعرض الأطفال للاختطاف والاغتصاب والقتل والتعذيب من قبل الناس. وما أكثر الحوادث التي وقعت للصغار عند غياب رقابة الأم. وكم من جرائم رصدتها دور البوليس ومواقع التواصل ارتكبت في حق الأطفال من قبل العاملين ومربيات الأطفال والخادمات والاغراب والمجرمين وغيرهم. ولولا الأمهات لمات الكثير مننهم أو تعرضوا لأذي فادح قد يلحقهم بعاهات مستديمة.

ورعاية الأم للأطفال لا تقف عند حد الحماية البدنية فقط، بل تمتد للرعاية المعنوية. فتوجيه الأم لأطفالها يساعد على نشوئهم بصحة نفسية جيدة، حيث تحبوهم بالحنان والمحبة والرفق. وكذلك تحيطهم بالرعاية العلمية والأدبية. وهي من تغرس فيهم القيم الإسلامية وأصول التوحيد والإيمان بالله والتخلق بمكارم الأخلاق والآداب السامية. وكل ذلك يتعلمه الطفل من أمه في سنين عمره الأولى. فتجد عادة الطفل ذو الخمس سنوات من أطفال المسلمين ملم بكل ذلك ويتصرف بأدب وحكمة بخلاف أطفال غيرهم من الملل في نفس العمر. حيث تلاحظ أطفال النصارى والملحدين لا يفقهون الكثير وليس لهم عقل أو بال سوى في اللعب واللهو. بل وحتى تلاحظ عليهم بعض السذاجة أحياناً. وأذكر على سبيل المثال جواب أدهش العالم عندما سُئلت إحدى الفتيات الأمريكيات عن مصدر الحليب بالشكولاتة فأجابت بجدية "انها من أبقار بنية اللون". ومثل هذه السذاجة لا تصدر من طفل مسلم. فهو عادة أكثر فطنة وعقل. وذلك لما وعاه من القرآن والإيمان ولما غرسته فيه أمه من قيم وآداب وحكمة. ودأبت أمهات المسلمين على مر العصور على رعاية أبنائهم وتعليمهم تعاليم الاسلام والتوحيد وحفظ القران الكريم منذ الصغر. وذلك ينمي في عقولهم الفطنة والذكاء ويزيدهم حكمة وعقل. فشكرا لكل أم مسلمة على هذا المجهود الجبار. نعم هو مجهود عظيم وخارق تفعله عن طيب خاطر وتحفه فوق ذلك بالمحبة والرحمة. فهي تقوم بوظيفة مربية الأطفال والمرضع والمعلم والطبيب والممرض وأحيانا السائق والطباخ والحارس والعاملة وغيرها معاً. وكل ذلك دون مقابل أو منّ ولا شكوى. فلا عجب أن يضع الله الجنة تحت أقدام الأمهات.

وغير تربية الأبناء فإن وجود المرأة في البيت يجلب له السكينة والطمأنينة ويسعد من في البيت. وهذا نعرفه بالتجربة ولا ينكره أحد. وأكبر شهادة له قوله صلى الله عليه وسلم: (الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة)[8]. وحديث ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال: (يا رسول الله أي المال نتخذ فقال ليتخذ أحدكم قلبا شاكرا، ولسانا ذاكرا وزوجة مؤمنة تعين أحدكم على أمر الآخرة)[9]. فهي من تملأ البيت دفئا بوجودها وحنانها. وهي من تسأل عن كل فرد في العائلة، ويلطِّف عبير حنانها جو الاسرة. كما أن النساء بطبعهن يحببن الحياة وزينتها، فتجد الواحدة منهن عادة تلبس الروائع من الحلى والذهب والملابس الجميلة المزهرة بالألوان، ويملأ شذى عطرها أركان البيت فيسر مطلعها العين والخاطر وتدخل البهجة على كل من رآها وحادثها. وهي من تهتم بالفرش والديكور وزينة البيت، بخلاف الرجال الذين لا يهتمون بتلك الأمور عادة والتي تضفي لمسات جمالية على الحياة وتجلب السعادة والهناء للبيت وأهله. ولا يعني ذلك أنهن يهملن الآخرة، بل هن يسعين في الأمرين معاً عادة. والمسلمة الفطنة تجعل من بيتها جنة ولا تكدِّر صفوه بالمشاكل والصراخ. بل تجعله بيت سلام وروضة غناء صافية السماء، تغرد عصافيرها وتسعد أطفالها بها. ويتبادر الى ذهني هنا ذكرى أمي – رحمها الله - التي كانت ريحانة البيت وجنته. وكانت تعتني بجماليات البيت حتى جعلته اجمل مكان يرتاح فيه قلبي. وأذكر في صغري عندما كنت ارجع من المدرسة متعبة فأسعد برؤيتها واهرع إليها واحدِّثُها بما جري معي، فتغمرني بحنانها وتدخل السرور والفرح في قلبي بابتسامها الحنون. وحتى بعد ما كبِرت وتزوجت كنت ألجأ إليها كلما احزنني أمر، فتواسيني وتزيل ما بي من قلق وحزن. وبعد موتها انطفأ ذلك المصباح من حياتي وما عاد هناك نور في البيت ولا دفء. البيت كان نظيفا لوجود الخادمة ولكنه جاف بلا طعم ولا سعادة. حتى أبي هربتْ منه فرحة الحياة ومات بعدها بشهور قليلة ... رحمهما الله وجعل مثواهما الجنة.

ورعاية المرأة في بيتها تجعله ملائم للحياة ومستقبل لسكانه، ولولها لما طاب فيه العيش. فهي من تجهزه بلوازم الحياة من أساسيات ومكملات. وهي من تقف على شراء حاجيات المنزل وتحضير الطعام وترتيب البيت وتهيئته للراحة والسكينة فيه. ولا يشترط أن تقوم هي بنفسها بتجهيز كل ذلك ويمكنها أن تستعين بالخادمات إن كانت مقتدرة. ولكن مجرد الإدارة والرقابة والوقوف على الأمور والتأكد من حصول ذلك وتحمل تلك المسؤوليه أمر في غاية الأهمية لصحة البيت وسعادة الأسرة. وبدونها تعم الفوضى ويخلو البيت من الطعام والترتيب وسبل الراحة. وحتى لو لم تكن ملزمة بكل ذلك فإن ترك القيام به سيزعج زوجها ويجوِّع أطفالها ويجلب لها الغم والمشاكل والنكد. ولذا فالأفضل أن تقوم على تهيئة البيت لتسعد فيه هي وأطفالها وزوجها بدلا من الفوضى والأوساخ وتجويع الأطفال. والأفضل أن تشرف بنفسها على رعاية أطفالها وزوجها ولا تترك تلك المهمة لغيرها. قال صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، والأمير راع، والرجل راع على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده، فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)[10]. فهي المدير في المنزل الذي يوازي مدير الشركة. ولولا المدراء لعمت الفوضى وفسد الحال.

ولو تركت الأم تلك المهمة لغيرها لأصبح وجودها وعدمه سيان ولتعود الأطفال على المربية وتعلقوا بها أكثر من أمهم. وربما يحدث ذلك مع الزوج أيضاً. وهذا يحدث عندما يتعودوا على غيابها أثناء خروجها للعمل. فتصير هي مُهمَلة ومُهمَّشَّة بينما تقضي وقتها في العمل وتكدح خارج البيت لجلب المال ليهنأ به من في البيت مع الخادمة بدلا عنها. ويصير الأطفال يعتبرون الخادمة أمهم الأولى ويحبونها أكثر من أمهم الحقيقية. ويخلو الجو للخادمة لتعيث فسادا في بيتها. وكم من حوادث رُصدت من قبل الخادمات عند غياب الأم. فهناك السرقة والأسحار ووضع القاذورات في الطعام والخيانة مع الزوج والقتل والاعتداء وما إلى ذلك. فأين هي الأم من كل ذلك؟ هي في مكتب العمل لساعات طويلة وتأتي متأخرة منهكة وبالكاد تنهي أعمالها لتنام. وتجد كثيرا من النساء العاملات يتسكعن في مكاتب العمل مع الصاحبات أو زملاء العمل بينما البيت يعج بالفوضى والمعصية وضياع الأطفال وتفكك الأسرة. وفي الصباح تهرع مرة أخرى لمكان عملها تاركة خلفها الصغار للخادمة. وهكذا يوما وراء يوم يكبر الأبناء بعيداً عن أمهم مفتقدين رعايتها وحنانها وتوجيهها والتعلم منها. حيث يقضون معظم يومهم مع الخادمة التي لم تحظى بتعليم كافي وربما كانت غير مسلمة أو مسلمة ولكنها أبعد ما تكون عن الإسلام. فيأخذون منها ما يرون منها ويقلدونها ويصبحون أبنائها وتصبح هي قدوتهم حتى ولو كانت جاهلة أو فاسقة أو دنيئة. فأي ظلم هذا يقع على الأطفال وما يلحقهم من أضرار. وربما زوجها لم يعد يحبها ويبقي عليها لتجلب له المال فحسب. وسيبحث عما يؤنسه ويسد الفراغ الذي تتركه الزوجة عند قضائها أكثر يومها في العمل. وقد يلعب من ورائها مع صديقاته أو حتى الخادمة وما تيسر له. فيا للخسار. أهذا هو ما كنت تطمحين له أيتها المسلمة العفيفة؟ وهل العمل أهم عندك من بيتك وأطفالك؟؟

ومن الغريب والمؤسف أن نرى في مجتمعاتنا تهميش وظيفة ربة البيت وجعلها بمثابة الخادمة أو وصفها بالبطالة. وذلك رغم كل المسؤوليات التي تتحملها ربة البيت والأهمية البالغة لوجودها في حياة الأسرة. وهذا لابد وأنه فكر شرير من مخلفات العلمانية وسموم الإعلام التي نشرها في أوساط المسلمين وغيرهم. حيث من قال أن وجود ربة البيت غير مهم للأسرة أو أنه وظيفة يسهل الاستغناء عنها. بل إن المتأمل لما سبق ذكره يجد أن وظيفة الأم والزوجة في حياة الناس ليست مهمة فحسب، بل تكاد أن تكون الوظيفة الأهم في العالم على الإطلاق. ولو قارناها بغيرها فمن الوظائف لرجُحت كفتها لمن كان ميزانه صادق وعقله واعي بعيداً عن الانحيازيات. فلو نظرنا لها مقابل وظيفة الطبيب مثلا، نجد أن كلاهما مهم ولكن الأهم هو وظيفة الأم. وذلك باختصار لأن ليس كل الناس مرضى ويحتاجون طبيب، ولكن كلهم كان لابد لهم أن يمروا بمراحل الإنسان الأولى منذ الحمل والولادة وما بعدها. وكلهم يحتاجون لحماية الأم ورعايتها وحفظها لهم عند الصغر. وكلهم يحتاجون لتلقي المبادئ العلمية والادبية والدينية في السنين الأولى، وما إلى ذلك. وقد تداوى البشر في الماضي بما تيسر لهم من معارف وأعشاب وغيرها قبل ظهور الطب الحديث، واستمرت حياتهم دون توقف. ولكن لو لم تكن هناك أمهات لما استمرت حياتهم على الأرض. ول قارنا مهمتها بمهمة المهندس نجد أيضا أن الناس صمموا بيوتهم وبنوها وأنشأوا طرقهم وتنقلوا بدوابهم وأخذوا الضروري لحياتهم دون وجود مهندسين. وكذلك تزوجوا وباعوا واشتروا وتقاضوا دون وجود محامين. وهكذا نفس الحال في كل مجال … نرى إمكانية الاستغناء عنه واستمرارية حياة الناس بدونه في الماضي قبل ظهوره. ولكن وجود الأم والزوجة لا غِنى عنه للبشر، فحقاً تلك هي الوظيفة الأهم في العالم.

فلا تسمعي أيتها المسلمة لدعاة العلمانية وتتبعي خطوات هؤلاء الكافرات ولا لما يروجون له من تزييف الحقائق ونكرانها. وانظري حال النساء في العالم اليوم وما وصلن له من دناءة لا توصف، ولم ينجو منها إلا المسلمات حفظهن الله وقليل من المحافظات من غيرهن. ولكن السواد الأعظم من نساء غير المسلمين اليوم أصبح في اسوأ وضع مرت به البشرية. ويكفي أن تتصفحي صفحات الويب ومقاطع اليوتيوب لتفهمين ما أقصده. وسيقشعر بدنك عندما ترين كيف أن المرأة أصبحت سلعة متداولة. وليس ذلك فحسب، بل ربما أصبحت من أرخص السلع في العالم. حيث انتشرت مواقع الدعارة، وتعرت النساء وأصبحن يلهثن وراء الرجال والمال والعمل والملذات في أحقر صورة. وذهبت كرامة النساء وتبخرت في تلك الأجواء النجسة. وتحكَّم الرجل في المرأة واحتقرها وصارت عنده كالألعوبة التي يلعب بها حين يريد ثم يتركها في أسواء وضع دون مبالاة ولا اكتراث. وما صار ذلك إلا بعد خروج النساء من بيوتهن وتعرضهن للفتن التي فتكت بهن وأحالتهن إلى دمى رخيصة الثمن.

فلا تتركي راحة بيتك أختاه لتخرجي إلى تعب العمل ومعاناته إن لم تكوني بحاجة له. فقد أغناك الله وكفاك كل تعب وجعلك ملكة في بيتك وأمَّن لك الرعاية والنفقة وحسن العشرة. وإن جلست فيه ستجدين الهناء والسعادة والراحة وستهدأ أعصابك ويصفو مزاجك وتحلو الحياة في عينيك. ولن يفوتك شيء في الخارج ولن يصيبك غبار الشوارع وأذى المارة وتسلط المدراء وخباثة زملاء وزميلات العمل. ولن يُفرَض عليك الاستيقاظ مبكرا للجري ومسابقة الزمن لتصلي لمكان عملك في الموعد. وليس عليك أن تعيشي ضغوط العمل وضغوط واجباتك المنزلية معاً. وأما إن اضطرتك الظروف والحاجة للعمل فتخيري الحلال منه والبعيد من الفتن والشبهات. ولا تتركي حجابك ولا الآداب والأخلاق الإسلامية. واحفظي نفسك وغيبة زوجك ولا تهملي بيتك وأطفالك. ونظمي وقتك ليستوعب كل ما هو مهم ويمكنك الاستغناء عن غيره. وعليكِ احتساب الأجر عند الله في ذلك كله.

وأخيرا اسأل الله سبحانه وتعالى أن يجزي كل أم مسلمة وزوجة وربة منزل الفردوس الأعلى من الجنة، ويرضيها ويرضى عنها. وأن يرحم أمهاتنا وأمهات المسلمين. واسأله تعالى يفتِّح أعين الناس على الدور الذي تقوم به النساء والذي يستحقون به التكريم، وأن يجعل نساء المسلمات يرجعن للصواب ولشرع الله ويلزمن بيوتهن إن لم يحتجن للعمل ويقمن بدورهن الأساسي والهام في رعاية الأبناء ولا يتأثرن بأفكار العلمانية التي لم تجر على هذه الأمة سوى البلاء والفساد وأزرت بحال النساء ووضعت عليهن ضغوط كبيرة وشتت الأسر ونشرت الفساد والطلاق وخراب البيوت وضياع الأطفال بين المسلمين. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

المراجع:

-      القرآن الكريم.

-      موقع الدرر السنية لتخريج الأحاديث.



[1] أخرجه الترمذي (3895) مطولاً، والدارمي (2260)، وابن أبي الدنيا في (مداراة الناس) (154) واللفظ له.
[2] صححه ابن القيم في زاد المعاد (5/171).
[3] النساء 19.
[4] الاسراء 23.
[5] صححه الزرقاني في مختصر المقاصد (348). وأخرجه الدولابي في (الكنى) (1910)، وأبو الشيخ الأصبهاني في (طبقات المحدثين بأصبهان) (3/ 568)، والقضاعي في (مسند الشهاب) (119)، والخطيب في (الجامع لأخلاق الراوي) (1702).
[6] الروم 21.
[7] الأحقاف 15.
[8] أخرجه مسلم (1467)
[9] صححه الألباني في صحيح ابن ماجه (1517).
[10] أخرجه البخاري (5200)، ومسلم (1829).

المشاهدات 115 | التعليقات 0