الوصايا النبويةُ الثلاثُ-24-5-1442هـ-مستفادة من خطبة الشيخ د.منصور الصقعوب
محمد بن سامر
الوصايا النبويةُ الثلاثُ-24-5-1442هـ-مستفادة من خطبة الشيخ د.منصور الصقعوب
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ ونستغفره، ونعوذ باللهِ من شرورِ أنفسِنا، وسيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عليه وآلهِ صلاتُه وسلامُه وبركاتُه.
"يا أيها الذينَ آمنوا اتقوا اللهَ حقَ تقاتِه ولا تموتُنَّ إلا وأنتم مسلمون".
أما بعد: فيا إخواني الكرام:
إذا رأيتَ عاقلًا ديِّنًا فأوصاك بوصيةٍ فاستمعْ لها واعملْ بها، ففيها الخيرُ والفوزُ إن شاءَ اللهُ، فكيفَ إذا كانَ الـمُوَصِّي خيرَ الخلقِ، وأنصحَ الناسِ النبيَ ﷺ.
كان مربي الـمُربينَ النبيُ ﷺ يتعاهدُ أصحابَه بالتوجيهِ، والتذكيرِ بالخيرِ، والوصيةِ به، فأحيانًا يخصّ بالوصيةِ أفرادًا، وأحيانًا يوصي الجماعةَ، وكم نقل لنا التاريخُ من وصايا عظيمةٍ تحكي تجرِبةً، أو تحثُ على طاعةٍ، فجديرٌ بالـمُربِينَ أنْ يعملوا ويوُصُوا بها، فربـما ماتوا وما تزالُ وصاياهم حيةً يوفقُ اللهُ من يعملُ بها.
وحديثُ اليومِ عن واحدةٍ من وصايا النبيِ ﷺ، وصى بها أبا ذرٍ وأبا هريرةَ وأبا الدرداءِ-رضي الله عنهم-، فحدّثَ الثلاثةُ بذلك فقال كلٌ منهم: "أوصاني خليلي ﷺ بثلاثٍ: صِيَامِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ، قال أبو هريرةَ: لَسْتُ بِتَارِكِهِنَّ، ولا أَدعُهُنَّ في حضرٍ ولا سفرٍ، وقال أبو الدرداءِ: لَا أَدَعُهُنَّ لِشَيْءٍ".
هذه الثلاثُ معروفةٌ، ولكنْ المهمَ من انتفعَ وعمل بها.
أول الوصايا النبويةِ: صيامُ ثلاثةِ أيامٍ من كلِ شهرٍ، فمن صامَ يومًا باعدَ اللهُ بينهُ وبين النارِ سبعينَ سنةً. لماذا؟ لأنه ليس بهيّنٍ على اللهِ أنْ تتركَ طعامَك وشرابَك وشهوتَك صائمًا له نفلًا، والناسُ حولَك يطعمون ويشربون، ولذا كانَ الصيامُ جُنةً-وقايةً يـَجْتَنُ-يتقي-بها الصائمُ من العذابِ، قالَ ﷺ: قالَ اللهُ-عزَ وجلَّ-: "كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له إلَّا الصَّوْمَ، فإنَّه لي وأنا أجْزِي به".
ولماذا نصومُ ثلاثةَ أيامٍ من الشهر؟ لأنَّ ثوابَ اليومِ بأجرِ عشرةِ أيامٍ، قال أبو ذر-رضي الله عنه-: "مَنْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، فَذَلِكَ صَوْمُ الدَّهْرِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ: "مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا"، فَالْيَوْمُ بِعَشْرَةِ أَيَّامٍ".
وهذه الأيامُ الثلاثةُ لا تحديدَ لوقتِها، فَصُمْها في الوقتِ الأيسرِ لك، والأرفقِ بك، فقد كانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَصُومُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ في أي وقتٍ من الشهرِ، في أولِه أو في وسطِهِ أو في آخره.
وثاني الوصايا النبويةِ: صلاةُ الضحى، ففي هذا الوقتِ الناسُ مشغولونَ بدنياهم: بتجاراتـِهم وأعمالِهم، والمؤمنُ قلبُه معلقٌ بالصلاةِ، يتسللُ بين الناسِ متخفيًا لا يراه أحدٌ ليركعَ لربِه ركعاتٍ.
وصلاةُ الضحى صلاةُ الأوابين-المكثرينَ الرجوعَ إلى اللهِ-، وتكفي عن صدقاتِ أعضاءِ الجسمِ، قالَ ﷺ: "يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى".
فتأمل نعمَ اللهِ في جسمِك: مفاصلُ عديدةٌ تتحركُ فيه بلا عناءٍ، أقامته بفضلِ ربِّك بلا مقابلٍ، وعظامٌ وأعصابٌ، ولحمٌ وجلدٌ، فحقُ اللهِ المنعمِ عليك أن تشكرَه عليها كل صباحٍ؛ لأنهُ أنعمَ بها عليكَ وخفّف عليك الصدقةَ بأنواعٍ ليستْ من المالِ: تسبيحاتٍ وتهليلاتٍ وتحميداتٍ وتكبيراتٍ، وأمرٍ بالمعروفِ، ونهيٍ عن المنكرِ، ومساعدةٍ للآخرين، وكفٍ للأذى بعددِ المفاصلِ، ثم جعلَ صلاةَ الضُحى-في دقائقَ قليلةٍ-تكفي عن كلِ هذه الصدقاتِ، فما أعظمَ الأجرَ! وما أيسرَ العملَ! والموفقُ من وفقَه اللهُ.
وصلاةُ الضحى: شفعٌ-أعدادٌ زوجيةٌ-ركعتانِ أو أربعٌ أو ستٌ أو ثمانٌ أو أكثرُ، كانَ ﷺ يصلي الضحى أربعًا أو يزيدُ عليها، ومن صلى أربعَ ركعاتٍ في الضحى كفاه اللهُ الهمومَ والشرورَ بقيةَ يومِهِ، قالَ ﷺ: "ابنَ آدمَ اركعْ لي أربعَ ركَعاتٍ من أولِ النهارِ أكْفِكَ آخِرَه".
ويبدأُ وقتُها بعد شروقِ الشمسِ، وينتهي قبل وقتَ صلاةِ الظهرِ بدقائقَ.
أستغفر اللهَ لي ولكم وللمسلمين...
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:
فثالثُ الوصايا النبويةِ: صلاةُ الوِترِ أو الوَترِ قبل النومِ-أعدادٌ فرديةٌ-ركعةٌ أو ثلاثٌ أو خمسٌ أو سبعٌ أو أكثرُ.
ويبدأُ وقتُها بعد صلاةِ العشاءِ، وينتهي عند أذانِ الفجرِ.
وصلاةُ الوِتر بالليلِ من أفضلِ الصلواتِ النوافلِ، قالَ ﷺ: "أفضلُ الصلاةِ بعدَ الفريضةِ صلاةُ الليلِ". واللهُ يحبُها قالَ ﷺ: "أوتروا فإنَّ اللهَ وِترٌ يُحبُ الوِترَ".
وصلاةُ الليلِ هي العونُ في الشدةِ، واليسرُ عندَ العسرِ، والإعدادُ لتحملِ الأعمالِ الشاقةِ والثقيلةِ، ولذا أمرَ اللهُ بها نبيَه ﷺ فقال: "يا أيُّها المزملُ*قمِ الليلَ إلا قليلًا" إلى أنْ قال: "إنا سُنلقي عليك قولًا ثقيلاً".
قيامُ الليلِ مدرسةٌ لإخلاصِ العملِ وتصفيتهِ للهِ، فلا يراقبُ المصلي فيه إلا ربَّه، ولا يرجو إلا ثوابَه، وهو علامةُ الإيمانِ والبُعْدِ عن النفاقِ، فلا يسهرُ لقيامِ الليلِ إلا المؤمنُ.
وحين يَغُطُ في النومِ أقوامٌ، أو يسهرونَ على الآثامُ، يثني ربنُا على أهلِ قيامِ الليلِ: "تتجافى جنوبـُهم عن المضاجعِ يدعونَ ربـَهم خوفًا وطمعًا ومما رزقناهم ينفقونَ" ولما أخفوا عملَهم عن الناسِ أخفى اللهُ مقدارَ أجرِهم العظيمِ عن السامعينَ فقال ربُّ العالمينَ: "فلا تعلمُ نفسٌ ما أُخْفِيَ لهم من قُرةِ أعينٍ جزاءً بما كانوا يعملونَ".
وما أعجبَ حالَ كثيرٍ من المسلمينَ المحرومينَ، الذينَ يُفَرِّطونَ في الوترِ في دقائقَ معدوداتٍ، ولا يَكَلُّونَ ولا يـَمَلُّونَ من مشاهدةِ أجهزةِ الاتصالِ والجوالاتِ في ساعاتٍ.
وصلاةُ الوترِ في آخرِ الليلِ أفضلُ لـمنْ تيقنُ أنه يقومُ، وصلاتُها في أولِ الليلِ أفضلُ لـمنْ شكَ أنه يقومُ.
وبعد: فهذه الوصايا الثلاثُ: صيامُ ثلاثةِ أيامٍ من كلِ شهرٍ، وصلاةُ الضحى، وصلاةُ الوترِ، كلُها أعمالٌ صالحةٌ يسيرةٌ يقدرُ عليها كلُّ موفقٍ، وكلُها أعمالٌ خافيةٌ مخفيةٌ عنِ الناسِ لا يعلمُها إلا اللهُ، وهي وأمثالـُها لها عندَ اللهِ شأنٌ عظيمٌ، وأجرٌ عظيمٌ، لأنه لا يـُحافظُ عليها إلا أهلُ الإخلاصِ.
فوصيتي لنفسي ولكم أنْ نحافظَ عليها ونوصيَ بها أهلَنا والمسلمينَ، فهي التجارة الرابحةُ التي لن تبور، لأنها مع اللهِ.
لا إلهَ إلا اللهُ العظيمُ الحليمُ، لا إله إلا اللهُ ربُ العرشِ العظيمِ، لا إلهَ إلا اللهُ ربُ السماواتِ وربُ الأرضِ وربُ العرشِ الكريمِ، لا إلهَ إلا أنتَ سبحانَك إنَّا كنا من الظالمينَ، اللهم أصلحْ ولاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ، وأصلحْ بطانتَهم، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالمينَ غانمينَ، اللهم اهدنا والمسلمين لأحسن الأخلاق والأعمال، واصرف عنا وعنهم سيئها، اللهم اغفرْ لنا ولوالدينا وللمسلمينَ، نسألُك لنا ولهم من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، اللهم اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، اللهم عليك بأعداءِ المسلمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ يا قويُ يا عزيزُ، اللهمَ اسقنا وأغثنا(ثلاثًا).
اللهم صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ وأنبياءِ ورسلِه وآلِهِ وصحبِهِ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.
المرفقات
1610042713_الوصايا النبويةُ الثلاثُ-24-5-1442هـ-مستفادة من خطبة الشيخ د.منصور الصقعوب.docx
1610042715_الوصايا النبويةُ الثلاثُ-24-5-1442هـ-مستفادة من خطبة الشيخ د.منصور الصقعوب.pdf