الوصايا اللقمانية التربوية 1
عبدالرزاق المضياني
الخطبة الأولى:(16/1/1442هـ)الوصايا التسع
أيها المسلمون:هذه وقفة مع رجل كان مِن أخير الناس، رقيق القلب، صادق الحديث، صاحب أمانة وعفَّة، وعقل وإصابة في القول، وكان رجلًا سِكِّيتًا، طويل التفكُّر، عميق النظر، لم ينَم نهارًا قط، ولم يرَه أحد يبزقُ ولا يتنحنح، ولا يبُول ولا يتغوَّط، ولا يغتسل، ولا يعبث ولا يضحك، وكان قد تزوج وولد له أولاد،فماتوا فلم يبكِ عليهم.ذكر هذا ابن كثير في البداية والنهاية.
والأعجب من ذلك أن اسمه مسطور في سورة من سور القرآن،والأكثر تعجباً أن الله سمى هذه السورة باسمه،إعلاءً لشأنه،والأرجح أنه ليس بنبي كما نقل ذلك البغوي في تفسيره !
أظنكم قد عرفتم هذا الرجل!
نعم إنه لقمان!
قال القرطبي في تفسيره:كان لُقمان عبدًا حبشيًّا نجارًا.
لُقمان اسمٌ أعجمي لا عربي،وقد اختُلف في نسبه:
فقيل: لُقمان بن باعوراء بن ناحور بن تارح، وهُو آزر أبُو إبراهيم الخليل عليه السلام.
وقيل:لُقمان بن عنقاء بن سرون، وكان نوبيًّا من أهل أيلة. وقيل: كان ابن أُخت أيوب عليه الصلاة والسلام، وقيل: ابن خالته.
ويكفيه ثناء الله عليه ووصْفَه بالحكمة والصلاح قبل الخوض في وصاياه لابنه؛لإشعار القارئ بأهمية هذه الوصايا اللقمانية ،فصاحبها ذو حكمة بالغة، وعقل بالغ راجح؛ ولذلك ذكَرَها الله في كتابه؛ ليَعمل بها المسلمون حتى تقوم الساعة، فليسَت مِن قبيل السرد، حاشا لله ذلك.
لقد اجتمع في وصية لقمان لابنه:كمال المحبة والنصح والعلم ؛فمن القلب منبعها،وعلى الصدق والقناعة والمعرفة والتجربة مبناها. عباد الله: إن تربية الأولاد تربية نافعة أمانة عظيمة ومهمة جبارة ووظيفة غير سهلة،فإنها قد تقارب الجهاد إن لم تَفُقْهُ في تعب امتداد مطالبها وتقويم مسيرتها،كما قال بعض العلماء. والكلام والتنظير لهذا النوع من التربية سهل، لكن الحال في الميدان التربوي والتطبيق العملي صعب غير ميسور.
قال بعض فلاسفة الإنجليز: "كان عندي قبل أن يصير لي أولاد أربع نظريات في تربية الأولاد، فلما صار لي أولاد ذهبت تلك النظرياتِ كلِّها!".
لقد استعمل لقمان في هذا الموقف التربوي أسلوبَ الوعظ، وهو أسلوب يتمثَّل في التذكير بوجوه الخير، والزجر المُقترِن بالتخويف من وجوهِ الشَّرِّ بأسلوب رقيق تَغمره الرحمة، يَشعُر معه الموعوظ بخوف الواعظ عليه، وإشفاقه عليه، رحمة به، فتلمس الموعظة شغاف قلبه، وتَستقرُّ في وجدانه؛ لذلك يعدُّ هذا الأسلوب الذي استخدمه ذلك الرجل الموصوف مِن قِبَل الله بالحِكمة - من أفضل وأحكم الأساليب التي تستخدم في التوجيه والإرشاد قديمًا وحديثًا؛ لأن الإنسان - وخاصة الصغير - إذا أحسَّ حرص مَن يُرشده عليه، وإشفاقه به، تمسك بمَواعظه وتوجيهاته بحيث تُصبح اتجاهًا مِن اتجاهاته وعادة من عاداته.
بارك الله لي ولكم،،،
الخطبة الثانية:
عباد الله:دعونا نتأمل موعظة لقمان لابنه فنحن بأمس الحاجة لها؛في زمن اتسعت الهُوَّةُ وبعُدت المسافة بين الآباء والأبناء. وبسبب انشغالنا عن نصحهم بحجة تحصيل الرزق وتوفير المال لهم﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾.
إنها وصايا ومواعظُ جامعةٍ تفيض بالحكمة، تتعلَّق بالعقيدة والعبادة والسلوك والأخلاق،يضع لقمان أمام الآباء نموذجًا صالحًا لِما يجب أن تكونَ عليه عَلاقة الأب بابنه،وهو الواجب الذي أغفله بل أسقطه كثيرٌ من الآباء من حساباتهم اليوم تجاه أولادهم.
اشتملت هذه الموعظة على تسع وصايا جمعْنَ في طياتها جميع مظاهر التربية.
سنتناولها في الخطبة القادمة إن شاء الله تعالى.
ثم صلوا وسلموا،،