الوصايا الربانية في سورة الإسراء
محمد المطري
الوصايا الربانية في سورة الإسراء
الحمد لله خيرِ الراحمين، وأحكمِ الحاكمين، الحمد لله الذي أنزل القرآنَ المبين، على نبيِّنا محمدٍ خاتَمِ النبيين، هدىً للمتقين المتدبرين، وموعظةً وذكرى للمؤمنين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ * لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الحشر: 18 - 21].
أما بعد: فنتفكر معكم ونتدبر الوصايا الربانية في سورة الإسراء، فقد أوصانا الله بوصايا عظيمة في هذه السورة، بدأها بالوصية بعبادة الله وحده والإحسان إلى الوالدين.
﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ [الإسراء: 23] أي: وصَّى ربك وأوجب ألا تعبدوا إلا الله وحده لا شريك له، لا نعبد غيرَه كائنًا مَن كان، ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ [الجن: 18]، لا مَلَكًا ولا نبيًا ولا وليًا، ولا تعبُدِ الدنيا وشهواتِها، وتقدمها على عبادة الله وطاعته، ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا * أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾ [الفرقان: 43، 44]، ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: 28].
﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الإسراء: 23] بعد أن أمرنا الله بعبادته وحده أوصانا بأن نُحسِن إلى الوالدين بجميع أوجه الإحسان من الأقوال والأفعال التي تَسُرُّهما وتُطيِّب قلبيهما، والإحسانُ أعظمُ من البر، فبرُّ الوالدين طاعتُهما فيما يأمرانِك من المعروف، أما الإحسان فأن تُحسِن إليهما بالقول الطيب والفعل الحسن من غير أن يأمراك، جالِسهما ولا تبتعدْ عنهما، حدِّثهما واسمعْ منهما، لا سيما إن كبِر سنُّهما، فهما محتاجان لمن يوانسهما، اخدمهما، وأعطهما من مالِك من غير أن يطلباك، واهد لهما ما يَفرحانِ به من الطعام الطيب واللباس الحسن والهدية النفيسة، كلُّ هذا من الإحسان إليهما في حياتهما، فإن ماتا فأحسِن إليهما بالدعاء والاستغفار وأنواع الصدقات، والإحسانُ إلى الوالدين بعد الموت أنفعُ لهما من الإحسان إليهما في حياتهما، والآخرة خير وأبقى.
﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا﴾ [الإسراء: 23] أي: إن كبِر سنُّ والديك، وضعُفت قُواهما، فلا تتأفف عند خدمتِهما، وقد يحتاجان إلى إزالة الأذى عنهما، فلا تتضجر، ولا تقل لهما: أف، فقد كانا لا يتضجران من إزالة الأذى عنك وأنت صغير، ولا تزجرهما إن أتعباك، بل اصبر على برهما، ولا تغلظ لهما القول أبدًا، فبقدر المشقة في بِرِّهما يكون الأجرُ أعظم، ومن كان والداه أشدَّ فضاضةً وأغلظَ طبعًا وأسوأَ أخلاقًا فصبرَ على بِرِّهما ومداراتِهما فأجرُه أكثر، وفضلُه أكبر.
﴿وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ [الإسراء: 23] قل للوالدين قولًا حسنًا لينًا رقيقًا، فيه تأدبٌ معهما، وتلطفٌ لهما.
﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾ [الإسراء: 24] كن لوالديك ذليلًا متواضعًا؛ رحمةً منك بهما، ولا تخالفهما فيما يأمرانك به وينهيانك عنه مما ليس فيه معصية لله، بل بادِر بفعل ما يُريدان منك فعلَه وإن لم يأمراك.
﴿وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء: 24]، من صفات الولد الصالح أنه يدعو لوالديه في حياتهما وبعد موتهما، جزاءً لهما على تربيتهما له في صِغرِه، وحالِ ضعفِه؛ ولأنهما سببُ وجودِه، والوالدان لهما حقٌ عظيمٌ على الولد حتى ولو قصَّرا في تربيته، ولو أساءا إليه وظلماه، فقد أوصى الله بهما مهما كانا، حتى لو كانا كافِرَينِ أو فاسِقَينِ أو ظالِمَين.
﴿رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا﴾ [الإسراء: 25] أي: ربكم -أيها الناس- أعلم بما في قلوبكم من تعظيمِ حقِّ الوالدين والرحمةِ بهما أو الاستخفافِ بهما، لا يخفى عليه شيءٌ مما في قلوبكم، فاحذروا أن تُضمِروا لهما سوءًا، بل كونوا صادقين في البِر بالوالدين بإخلاص، تريدون بذلك رضا الله، فرضا اللهِ في رضا الوالدين، وسخَطُه في سَخَطِهما، فإن أصلحتم نياتِكم ممتثلين أمر الله بالإحسانِ إلى الوالدين والقيامِ بحقوقهما؛ فإن الله للتائبين إليه من الهفواتِ في حق الوالدين غفور، ومن تاب من التقصير في حق والديه تاب الله عليه، ومَن أصْلحَ وأحسَنَ عفا اللهُ له عما سلف.
أيها المسلمون، ثم قال الله تعالى: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ﴾ [الإسراء: 26] أي: وأعطِ القريبَ حقَّه من الصلة والعطف والمواساة، وأعطِ المسكينَ حقَّه من الصدقة والإحسان، وأعطِ ابنَ السبيلِ - وهو المسافر المنقطع - حقَّه من الضيافةِ والصدقةِ والإعانة.
﴿وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا﴾ [الإسراء: 26] بعد أن أمرنا الله بالإحسان إلى الأقارب والمساكين وابن السبيل نهانا عن تبذير الأموال، فكثيرٌ ممن يُقصِّر في الصدقات يبذر أمواله في الشهوات والملهيات، ولا يبالي فيها بدفع الكثير، ويبخل أن يتصدق بالقليل.
﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ﴾ [الإسراء: 27] أي: إن المفرِّقين أموالهم في المعاصي والشهوات إخوان الشياطين، فهم مثل الشياطين في التبذير والسفه ومعصية الله، وعدم شكر الله على نعمه، ﴿وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا﴾ [الإسراء: 27] أي: جَحُودًا لِنِعَمِ اللهِ، لا يشكر الله عليها.
﴿وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا﴾ [الإسراء: 28] أي: وإن تُعرض عن إعطاء الأقارب والمساكين وأبناء السبيل حقوقَهم المالية بسببِ قلةِ مالِك، وأنت تنتظر رزقًا من عند ربك ترجو أن ييسره الله لك، فلا تُغلِظ لهم القول، بل قُل لهم قولًا لينًا لطيفًا، كالاعتذارِ الحسن، والدعاءِ لهم بالرزق، والوعدِ الجميل بإعطائهم ومواساتهم حين يُيسِّرُ اللهُ لك رِزقًا.
﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا﴾ [الإسراء: 29] أي: ولا تُمسِك يدك بُخلًا عن النفقة في الخير كلَّ الإمساك وكأنها مقيدةٌ إلى عنقك، ولا تبسط يدك بالإنفاق على نفسِك وأهلِك والصدقاتِ على المحتاجين كل البسط فوق طاقتِك، وتبقى بلا مالٍ فتكون ملومًا عند الله وعند الناس، منقطعًا لا شيء لديك لتنفقه، فأمر الله بالتوسط، وخيرُ الأمور أوسطُها، ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ [الفرقان: 67]، والاقتصادُ نصفُ المعيشة.
﴿إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا﴾ [الإسراء: 30] أي: إن ربك يوسِّع رزقه على مَنْ يشاء من عباده، ويضيقه على من يشاء منهم، بحسب حكمته سبحانه؛ لأنه خبيرٌ بصيرٌ بعباده وأحوالهم وأخبارهم، فعلى المسلم أن يرضى بما كتب الله له من رزقٍ قليلٍ أو كثير، ولتكن نفقتُه بحسبِ رزقِه بلا إسرافٍ ولا تبذير، ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾ [الطلاق: 7].
أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، هو البرُّ البصير، التواب الجميلُ، الحاسِبُ الحسيب، الحافِظُ الحفيظ، الحقُّ الحَكَم، الحليمُ الحميد، الخبير الخلَّاق، الدَّيَّان، الرازق الرزاق، يبسط الرزق لمن يشاء، ويُقدِّره على من يشاء، اختبارًا وامتحانًا، وهو أحكم الحاكمين، وخير الرازقين، وأرحم الراحمين، والصلاة والسلام على رسولِه محمدٍ الصادقِ الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
يقول الله تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا﴾ [الإسراء: 31] أي: ولا تقتلوا أولادكم خوفًا أن يصيبكم الفقرُ بالإنفاق عليهم، نحن نرزقهم ونرزقكم، ولستم الرازقين لأولادكم، فلا تخشوا الفقر بسببهم، إنَّ قتلَ الأولادِ ذنبٌ عظيم، وقد كان بعض أهل الجاهلية يقتل أولاده وهم صغارٌ خشية الفقر، وفي الجاهلية المعاصرة بعضُ الناس يُجهضُ الجنينَ في بطن أمه خوفًا من الفقر، وهذا إثمٌ عظيم، وذنبٌ كبير، وكل من أعان على إجهاض الجنين في بطن أمه فهو مشاركٌ في هذه الجريمة الشنيعة، سواءً الأمَّ أو الأبَ أو الطبيبَ أو غيرهم، ومن وقع في ذلك فعليه التوبة والدية والكفارة.
أيها المسلمون، ثم قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: 32] أي: ولا تقربوا أيها الرجالُ والنساءُ مِنْ فِعلِ الزنا، وابتعدوا عن مقدماتِه ودواعيه من النظرِ الحرامِ والاختلاطِ والكلامِ بِلا حاجةٍ والغِناءِ الماجنِ ومجالسِ الفسق، إن الزنا كان ذنبًا عظيمًا غايةً في القبح؛ في الشرع والعقل والفطرة السليمة، وبئس طريقًا طريقُ الزنا؛ لأنه يؤدي إلى أنواعٍ من المفاسد في الدنيا، والعذابِ والخزيٍ في الآخرة، وتأملوا كيف قال الله: ﴿ولا تقربوا الزنا﴾، فنهى عن أي شيء يُقرب من هذه الفاحشة، فهي خطرٌ عظيم، فلا تقتربْ أيها العاقل من أسبابها فيغضب الله عليك، وفي هذا الزمان كثُرتِ الفواحشُ والمنكرات، وصار شياطينُ الإنسِ يتفنَّنون في إشاعةِ الفواحش في وسائل الإعلام ومواقع التواصل، ويروِّجون لها باسم الفن والانفتاح، فلا تشاهدِ ولا تتابع الذين يدعُون الناس إلى الزنا بالرقص والتفاهات، والأفلام والمسلسلات، ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 27].
ثم قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ [الإسراء: 33] أي: ولا تقتلوا النفس التي حرم الله قتلها إلا إذا استحقت القتلُ شرعًا.
﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا﴾ [الإسراء: 33] أي: ومن قُتِل ظلمًا بغير حق فقد جعلنا لولي المقتول في الشرع تسلطًا على القاتل، فهو بالخيار إن شاء قتله قصاصًا، وإن شاء أخذ الدية، وإن شاء عفا عنه، فلا يتجاوز وليُّ المقتول شرع الله فيتعدى بقتل غير القاتل أو يقتلُ بالواحد اثنين أو يقتل القاتل بعد حكم القاضي بأخذ الدية.
﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾ [الإسراء: 34] أي: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالطريقة التي هي أحسنُ وأفضل؛ وذلك بالإنفاق عليه منه بلا تبذير، وبإصلاحِه وتنميتِه بالتجارة ونحوها، فإذا بلغ اليتيمُ الحلمَ والرشدَ دفع وصيُّه إليه ماله، ولا يجوز لوصي اليتيم أن يحبِس عنه مالَه إذا بلغ وكمُل عقلُه وتمكن من تدبير مالِه.
﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: 34] أي: وأوفوا بالعهود التي عاهدتم الله عليها كالنذور، وأوفوا بالعقود التي بينكم كعقود الإيجار والصلح والبيوع، فالله سيسألكم عنها يوم القيامة.
﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [الإسراء: 35] أي: وأوفوا الكيل للناس إذا كِلتم لهم عند البيع وغيره، وأوفوهم حقوقهم بالعدل من غير نقص، وزِنوا للناس بالميزان السوي الذي لا انحرافَ فيه ولا اعوِجاج، ولا غشَ ولا خديعة، ذلك الوفاء في الكيل والميزان خيرٌ لكم من التطفيف، وأحسنُ عاقبةً لكم في الدنيا بالبركة والسعادة والقناعة، وفي الآخرة بالثواب العظيم في الجنة، ((ومن غشنا فليس منا))، ومن كثُر مالُه بالغش فهو مالٌ بلا بركة، وسينتقم الله منه ولو بعد حين.
﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [الإسراء: 36] أي: ولا تَتَّبِعْ ما لا علم لك به بمجرد الظن، بل تأكد وتثبت، ولا تقل أو تفعل شيئًا بمجرد الظن، بلا دليلٍ على صحته، ومن ذلك: الطعنُ في أعراض الناس، وتصديقُ الشائعات، والقولُ في الدين والدنيا بلا علم.
﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: 36] أي: إنَّ سمعَ الإنسانِ وبصرِه وقلبِه سيسأله الله عنها يوم القيامة فيما استعملها، وتُسأل هي عما عَمِل فيها صاحبُها، فتشهد عليه بما عَمِل من خير أو شر.
﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا﴾ [الإسراء: 37] أي: ولا تمشِ في الأرض مختالًا متبخترًا متمايلًا متكبرًا، إنك أيها الإنسانُ ضعيف، لن تخرق الأرضَ بشدة وطء قدميك مهما بلغ وزنُك، ولن يبلغَ طولُك طولَ الجبال، فتواضعْ ولا تتكبر، واعرفْ قدرَ ضعفِك وعجزِك.
﴿كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا﴾ [الإسراء: 38] أي: جميعُ ما ذكره الله في الآيات السابقة من الأوامر والنواهي كان ما نهى اللهُ عنه مكروهًا عند ربك، فلا تتجرأ بفعلِ ما يكرهه الله، بل سارع إلى فعل ما يحبه الله ويرضاه.
﴿ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ﴾ [الإسراء: 39] أي: هذه الأحكام والأوامر والنواهي التي تضمنتها الآيات السابقة مما أوحى إلى رسوله محمدٍ صلى الله عليه وسلم من الحكمة التي تُصلِح الناس في دينهم ودنياهم، وتُسعدُهم وتصلحُ أحوالهم، فلْنعملْ بهذه الوصايا الربانية العظيمة، ولْندعو الناس إليها.
﴿وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا﴾ [الإسراء: 39] أي: ولا تجعلْ مع الله معبودًا غيره، فتُرمى في جهنم تلومُك نفسُك، ويلومُك الخلق على عبادة غير ربك، مبعدًا مطرودًا من رحمة الله.
هذا وصلُّوا وسلِّموا على مَنْ أمركمُ اللهُ بالصلاةِ والسلامِ عليه فقال سبحانه: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِ محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
اللهم وسلِّم على نبينا محمد وعلينا وعلى جميع عباد الله الصالحين من السابقين واللاحقين.
اللهم اغفر لنا ولوالِدينا ولجميعِ المسلمين، اللهم ارحمْ آباءنا وأمهاتِنا كما ربَّونا صِغارًا، اللهم وفقنا للإحسان في عبادتك وفي معاملة خلقك، واجعل في قلوبنا رأفة ورحمة، اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وحبِّب إلينا الإيمان، وزينه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
المرفقات
1723719872_الوصايا الربانية في سورة الإسراء.docx
1723719872_الوصايا الربانية في سورة الإسراء.pdf