الوَرَثَةُ
علي القرعاني
1431/08/22 - 2010/08/03 12:43PM
الورثة !
أحمد بن صالح الزهراني
قرأتُ قبل أيّام مقالاً لفؤاد الهاشم أحد أقذر الأقلام الصحفيّة وأشدّها انحطاطاً في الصحافة الخليجية يتحدّث فيه بسخرية شديدة وبلغة تهكميّة عن واحد من كبار أهل العلم بالشريعة في المملكة ، ألا وهو الشيخ عبدالرحمن البراك حفظه الله ، وفي صحيفة أخرى عربية مقالين لسفيهين آخرين كذلك عن الشيخ محمّد المنجّد وفقه الله ، وكل المقالات تنضح عنصرية وسخرية وتجنٍّ وعدوان .
في رأيي أنّ العلم الشرعي بشخوصه الذين نسميهم العلماء ، والدين بشخوصه الذين نسميهم المتدينين ، والدّعوة بشخوصها الذين نسميهم دعاة ، يتعرضون لأبشع حملة تشويه وتجريح منظمة ومُمنهجة .
لا شأن لي بمن مَنهَجَها أو رتّبها ، قد يكون جهةً رسمية ، قد تكون شخصيةً سياسية ، قد تكون منظماتٍ صهيونيّة ، قد يكون إبليس نفسه من يديرها مباشرة ، المهم أنّي أرى هجمة همجيّة بكل معاني هذه الكلمة ضدّ العلماء خاصّة ، إذ هم يشكلون عمق الدين والدعوة وساقها الذي يقومان عليه .
في الحقيقة مثل هذا الهجوم ليس بمستغرب أبداً ، وعلى طلبة العلم والمتدينين والدعاة القابضين على الجمر – أمّا أهل الميعة فقد أراحوا واستراحوا- أن يعوا جيداً حقيقة الدّين والتديّن ، وأنّ ما يعيشه أهل العلم والدّين اليوم من محنة وفتنة وما يذوقونه من مرارة العدوان والظلم رغم صعوبته وقساوته إلاّ أنّه نقلَ الدّعوة وأهل الدّعوة رغماً عنهم إلى ساحة التديّن الحقيقي ..
دين التمسّك والثبات والمصاولة والمجاولة ..
اليوم – واليوم فقط – نرى من كان يعبد الله لله ، ومن كان يعبد الله لأجل شيء آخر ..
اليوم اختفت سلطة الجمهور وسلطة السلطان وسلطة المربين ..
اليوم لا سلطان على الإنسان إلاّ سلطان الإيمان ، كما جاء عن سعيد بن جبير قال : «قال لي راهب : يا سعيد : في الفتنة يتبين لك من يعبد الله تعالى ، ومن يعبد الطاغوت» .
في هذه الأيام العصيبة يشعر المتدين المتمسك بالسنة قيمة الثبات وحقيقة تمسكه يالأصول حين يرى المتساقطين كل يوم بالمئات ..
واليوم نعي ماقاله بعض السلف :« يا بني لا تعجب ممن هلك كيف هلك ، ولكن اعجب ممن نجا كيف نجا» ..
وشيء آخر يزيل عجبنا ودهشتنا:
علينا جميعا أن نعي جيدا مسؤولية الإرث ..
« العلماء ورثة الأنبياء » ..والأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً ..
العلم الذي ورثه العلماء ليس متونا تُحفظ وحواشي تُحشى فقط ..
إنما ورثوا الدين بكل أمانته ومسؤوليّته ..
ورث أهل العلم عن النّبيّ صلى الله عليه وسلّم الدين والعلم ، وورثوا شيئاً مهماً قد لا نشعر به ..
ورثوا منه عداوة أعدائه من الكفرة والمنافقين ..
فكما ورّث النّبيّ صلى الله عليه وسلّم العلم والحق والإيمان ..
ورّث أعداؤه الجاهليّة والباطل والكفر..
فورثتهم هم أعداء ورثة النبيّ صلى الله عليه وسلّم ..
ولهذا يركّز أعداء الله من يهود ونصارى عبر منظمات ومراكز قوى سياسية ومدنية وعسكرية كذلك ، ومعهم من يدور في فلكهم من الزنادقة أياً كانت تسمياتهم ليبراليين أو علمانيين أو تنويريين أو عصرانيين ..
كل هؤلاء يركزون هجومهم على قلب الأمّة .. العلماء ..
كما كانت حملات الكفار تركز على قتل النبيّ صلى الله عليه وسلّم ..
وكما كان المنافقون يسعون مرات إلى اغتياله صلى الله عليه وسلّم ..
فهاهم ورثة القوم الذين ورثوا عن أسلافهم عداوة النّبيّ صلى الله عليه وسلّم يجدّدون أنفسهم مع ورثته من أهل العلم ..
ما يلاقيه أهل العلم شيء طبيعي وليس بمستغرب ..
بل إنّ هذه بشارة عظيمة لهؤلاء الذين تنهشهم أنياب الكلاب ..
فكلما كان أخذ العالم من ميراث النبوّة أكثر كان نصيبه من العداوة والحرب أكبر ..
وكلّما كان العالم من الحقّ أقرب كان حظّه من هجوم الباطل أعظم ..
وهذه سنّة الله في أهل العلم والإيمان ، وانظر إلى التاريخ يخبرك خبره ..
وتأمّل سير العلماء الذين كانوا اقرب إلى الله ورسوله ودينه تجدهم أكثر الناس بلاء وأكثر ما يحرض الشيطان جنوده على هؤلاء الصفوة ..
وأنا أدرك تماما أنّ ثبات هؤلاء العلماء على السنة هو سبب الحرب عليهم ..
وإلاّ فنحن نرى بعض من هم أشهر منهم وأكثر انتشاراً يعيش في مأمن وسلامة من هذه الأقلام المسمومة ، لأنّهم قدّموا من دينهم وعلمهم وثباتهم قرابين السّلامة !
وأدرك كذلك أنّ هؤلاء العلماء يعون جيدا ما قلته .. وأنّ كل هذه الحرب لا تزيدهم إلاّ إيماناً وثباتاً ..
وإنّما كتبت هذا المقال تفهيماً وتثبيتاً لي ولضعيف مثلي تستفزّه أفعال المنافقين وأقوالهم في أهل العلم الثقات ..والأمر لله من قبل ومن بعد .
قال ابن القيّم رحمه الله في مفتاح دار السعادة : « قوله :«إنّ العلماء ورثة الأنبياء» هذا من أعظم المناقب لأهل العلم فإن الأنبياء خير خلق الله فورثتهم خير الخلق بعدهم ولما كان كل موروث ينتقل ميراثه الى ورثته إذ هم الذين يقومون مقامه من بعده ولم يكن بعد الرسل من يقوم مقامهم في تبليغ ما أُرسلوا به إلا العلماء كانوا أحقّ الناس بميراثهم .
وفي هذا تنبيه على أنهم اقرب الناس إليهم فإن الميراث إنا يكون لأقرب الناس إلى الموروث.
وفيه أيضا إرشاد وأمر للأمة بطاعتهم واحترامهم وتعزيزهم وتوقيرهم وإجلالهم فإنهم ورثة من هذه بعض حقوقهم على الأمة وخلفاؤهم فيهم .
وفيه تنبيه على أنّ محبتهم من الدّين وبغضهم مُنافٍ للدّين كما هو ثابت لمورثهم وكذلك معاداتهم ومحاربتهم معاداة ومحاربة لله كما هو في مورثهم » انتهى .
المصدر: مجموعة الشريعة