الوحي الثاني

الخطبة الأولى:(1/4/1437هـ) اتباع السنة
أيها الناس: تعلمون جميعاً أن الله تبارك وتعالى اصطفى محمداً صلى الله عليه وسلم بنبوته،واختصه برسالته، فأنزل عليه كتابه القرآن الكريم،أعظم معجزة،وأمره فيه في جملة ما أمره به،أن يبينه للناس،فقال تعالى:(وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزِّل إليهم) قالت عائشة رضي الله عنها:"ومن حدثك أن محمداً كتم شيئاً أُمر بتبليغه:فقد أعظم على الله الفرية"ثم تلت قوله تعالى:"يا أيها الرسول بلِّغ ما أنزل إليك من ربك"أخرجه الشيخان.
وكنا تحدثنا في الجمعة الماضية عن القرآن الكريم وذكر شيء من فضائله وخصائصه،واليوم سيكون حديثنا عن الأصل الثاني لمعرفة أحكام الدين ألا وهي السنة النبوية المطهرة،فكم نحن بحاجة ماسة أن نعرف مكانة السنة في دين الله،وفضيلة لزومها والتمسك بها، ومعرفة ضلال من يرون الاقتصار على القرآن الكريم،زاعمين أن من قرأ القرآن فهو في غنى عن السنة والأحاديث،فلا يقبلون من أحد أن يقول لهم:هذا حرام أو هذا واجب،إلا إذا أخرج لهم ذلك بالنص من القرآن الكريم،ويزعمون أن الإنسان إذا قرأ القرآن وكان عنده المصحف فهو في غنى عن السنة والأحاديث؛لأن القرآن بيّن كل شيء،وينسون أن مما بيّنه القرآن اتباع السنة ولزوم طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم،فجهلوا معنى ما يقولون، وضلوا في فهم القرآن نفسه,وبخسوا الرسول صلى الله عليه وسلم حقه،وأهانوا سنته،فخرجوا بذلك عن سبيل المؤمنين،وعن نهج الصحابة والتابعين؛إذ اتباع السنة اتباع للقرآن في الحقيقة؛وذلك لقوله تعالى:"مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً" قال أبو حاتم:"طاعة رسول الله هي الانقياد لسنته بترك الكيفية والكمية فيها مع رفض قول كل من قال شيئاً في دين الله جل وعلا بخلاف سنته دون الاحتيال في دفع السنن بالتأويلات المضمحلة والمخترعات الداحضة"وقوله :(فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
إن الحديث عن فضل وعظم اتباع السنة النبوية هو الحديث عن الإسلام بتشريعاته وحكمه البالغة وآدابه،إذ السنة هي الدين كله فالدين هو الإسلام والإسلام هو السنة وقد قال الشافعي رحمه الله: "كل ما حكم به رسول الله فهو مما فهمه من القرآن،قال تعالى: "إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله"،وقد جاءت نصوص كثيرة من الكتاب والسنة توجب وتحث على اتباع السنة قال الله تعالى:"لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا".
وقال تعالى:"لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ".
قال الشافعي رحمه الله:سمعت من أرضاه من أهل العلم بالقرآن يقول:الحكمة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذا قال الحسن البصري وقتادة وغيرهما قالوا:"الحكمة في هذه الآية السنة".
وقال تعالى:"وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا".
وقال تعالى:"وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ".
وقال تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً".
وقال تعالى:"وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ".
وقال تعالى:"قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ".
من دون السنة -أيها المسلمون-لا نستطيع أن نعبد الله أو أن نفهم الشرع؛فإن الله عز وجل يقول:(وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ)فكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أصل في بيان كتاب الله عز وجل:روى البيهقي أن عمران بن حصين -رضي الله عنه- ذكر الشفاعة, فقال رجل من القوم: يا أبا نُجيد: إنكم تحدثوننا بأحاديث لم نجد لها أصلاً في القرآن, فغضب عمران وقال للرجل: قرأت القرآن؟! قال: نعم. قال: فهل وجدت فيه صلاة العشاء أربعًا والعصر أربعًا؟! قال: لا. قال: فعمن أخذتم ذلك؟! أخذتموه عنا -أي الصحابة- وأخذناه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟! أوجدتم فيه من كل أربعين شاة شاة -يعني في الزكاة- وفي كل كذا بعيرًا كذا، وفي كل كذا درهمًا كذا؟! قال: لا. قال: فعمن أخذتم ذلك؟! ألستم عنا أخذتموه، وأخذناه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-؟! أوجدتم في القرآن: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) أوجدتم فيه: فطوفوا سبعًا واركعوا ركعتين خلف المقام؟! أما سمعتم الله قال في كتابه: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) ؟!
فكما أن القرآن وحي من الله،فكذلك السنة وحي من الله،قال تعالى: (وما ينطق عن الهوى*إن هو إلا وحي يوحى)وقال صلى الله عليه وسلم:(ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه)رواه أبو داود وأحمد وصححه الألباني.
قال الحافظ الدارمي:قوله:"ومثله معه:من السنن التي لم ينطق بها القرآن بنصه،وما هي إلا مفسرة لإرادة الله به.
قال أيوب السختياني:إذا حدثت الرجل بسنة فقال: دعنا من هذا وأنبئنا عن القرآن, فاعلم أنه ضالّ.
بارك الله لي ولكم بالوحيين،،،
الخطبة الثانية:
ومن الأحاديث الدالة على وجوب التمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث العظيم:"عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي ، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ"رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه الألباني.
قال ابن رجب رحمه الله،قوله:"عليكم بسنتي":السنة هي الطريق المسلوك فيشمل ذلك التمسك بما كان عليه هو وخلفاؤه الراشدون من الاعتقاد والأعمال والأقوال،وهذه هي السنة الكاملة.اهـ
وقال الأوزاعي:"اصبر نفسك على السنة وقف حيث وقف القوم،وقل بما قالوا وكف عما كفوا عنه واسلك سبيل سلفك الصالح،فإنه يسعك ما وسعهم". اهـ
وقال سفيان:"لا يستقيم قول وعمل إلا بموافقة السنة". اهـ وعن ابن عباس أنه قال:في قوله تعالى:"يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ،وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ"قال:الذين ابيضت وجوههم:هم أهل السنة والجماعة وأما الذين اسودت وجوههم قال:هم أهل البدع والضلالة ".
قال ابن وهب:" كنا عند مالك فذكرت السنة فقال:" السنة سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق".
وقال سهل بن عبد الله:" الفتوة اتباع السنة".
ثم صلوا وسلموا،،
المشاهدات 1257 | التعليقات 0