الوحي الأول

الخطبة الأولى:(16/3/1438هـ)
أيها الناس: الْمُعْجِزَاتُ الَّتِي حَصَلَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ كَثِيرَةٌ جِدًّا،قِيلَ إِنَّ عَدَدَهَا بَيْنَ أَلْفٍ وَثَلاثَةِ آلافٍ،وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:«مَا أَعْطَى اللَّهُ نَبِيًّا مُعْجِزَةً إِلاَّ وَأَعْطَى مُحَمَّدًا مِثْلَهَا أَوْ أَعْظَمَ مِنْهَا». وإِنَّ أَعْظَمَ مُعْجِزَاتِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْجِزَةُ الْقُرْءَانِ الْكَرِيْمِ الَّذِي لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ،وَقَدْ وَصَفَهُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِقَوْلِهِ﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾أثنى الله عليه في مواضعَ كثيرة منه؛ليبين فضله؛ويوضح للناس مكانته ومنزلته،قال تعالى:﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ*وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾. فما من باطلٍ إلا وفي القرآن ما يدمغه،ولا شبهةٍ إلا وفيه ما يكشفها،قال تعالى:﴿وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا﴾. سمَّاه الله نورًا،وجعله للناس شفاءً قال تعالى:﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾وقال تعالى:﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾. أُعجب به الجن لما سمعوه،فآمنوا به واتبعوه:﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا﴾.
تكفل الله بحفظه وأعجز الخلق أن يأتوا بمثله.
قال تعالى:﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾.
وقال تعالى:﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾.
فهو كتاب لا كأي كتاب،جمع فضائل كل كتاب سبقه وزاد عليه ولذلك صار مهيمناً على ما سبقه من كتب،يقول الحق جل شأنه:﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾.
إنه كتاب عظيم القدر مبارك:يقول سبحانه:﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾.
مفصّل:يقول عز وجل:﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا﴾أي:مبيَنًا فيه الحكم فيما تختصمون فيه من أمري وأمركم .
مصدق لما قبله:يقول جل شأنه:﴿وَمَا كَانَ هَٰذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَىٰ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ﴾.
هدى ورحمة:يقول الله تعالى:﴿وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَىٰ عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾.
تبيان لكل شيء:يقول سبحانه:﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ﴾.
أُنزل للتدبر:يقول تبارك وتعالى:﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾.
وأنزل للحكم به،يقول تعالى:﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ﴾.
محكم لا اختلاف فيه ولا تناقض،يقول عز من قائل:﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾.
قال العلاَّمة السعدي رحمه الله:"القرآن العظيم والذِّكر الحكيم فيه الخير الكثير،والعِلْم الغزير،وهو الذي تُستمَدُّ منه سائر العلوم،وتُستخرَج منه البَركات،فما من خيرٍ إلاَّ وقد دعا إليه ورغَّب فيه،وذكَر الحِكَم والمصالح التي تحثُّ عليه،وما من شرٍّ إلا وقد نهى عنه،وحذَّر منه،وذكَر الأسباب المنفِّرة منه ومِن فِعْله،وعواقِبها الوخيمة،فاتَّبِعوه فيما يأمر به وينهى،وابنوا أصول دينكم وفروعَه عليه".
قال الله تعالى:﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾.هذه بعض أوصاف القرآن وخصائصه الواردة في كتاب الله عزَّ وجلَّ فالقرآن يتحدَّث عنها بأجلى صورةٍ،وأوضح بيان.
بارك الله لي ولكم،،،



الخطبة الثانية:
عباد الله:أما السُّنة النبوية فحديثها عن القرآن ووَصْفُها لآياته،وبيان فضله وعلوِّ مَنْزلته،وفضل تلاوته وتعلمه وتعليمه وفهمه وتدبره وتجويده والتغني به فالنُّصوص فيها كثيرة،منها:
ما رواه البخاري عَنْ عَائِشَةَ:عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ حَافِظٌ لَهُ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ وَمَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ وَهُوَ يَتَعَاهَدُهُ وَهُوَ عَلَيْهِ شَدِيدٌ فَلَهُ أَجْرَانِ".
وروى النسائي وابن ماجه والحاكم بإسناد صحيح عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنْ النَّاسِ"، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَنْ هُمْ؟ قَالَ:"هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ"صححه الألباني. وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال:خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة فقال: "أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم ولا قطع رحم؟فقلنا:يا رسول الله نحب ذلك قال:أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلَمُ أو يقرأُ آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين وثلاث خير له من ثلاث وأربع خير له من أربع ومن أعدادهن من الإبل" رواه مسلم .
لأجل هذه الفضائل العظيمة لكتاب الله،أمر الله بتلاوته والعمل به وتدبره،فمَن أرادَ الأجر الوافر،فعليه بكتاب الله؛يقول الله تعالى:﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ۞لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾.ومَن أشغَل وقته بتلاوة كتاب الله، فلينتظر ذلك الموقف العجيب حين يهب القرآن الكريم في يوم القيامة شفيعًا لأصحابه وأحبابه، الذين عطَّروا أفواههم بتلاوته،وأمضوا أعمارهم في صُحبته؛ فعن أبي أُمامة:(اقرؤوا القرآن؛فإنه ياتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه)؛رواه مسلم.
ثم صلوا وسلموا،،،
المرفقات

28 القرآن وحسب.docx

28 القرآن وحسب.docx

المشاهدات 1016 | التعليقات 0