الوجازة في الإجازة١٤٤٤/١٢/١٢هـ

يوسف العوض
1444/12/11 - 2023/06/29 21:11PM

الخطبة الأولى

أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ: إِنَّ الوَقْتَ هُوَ الْحَيَاةُ، وَكُلَّمَا مَضَى جُزْءٌ مِنْ وَقْتِكَ: مَضَى جُزْءٌ مِنْ عُمْرِكَ، قَالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ –رَحِمَهُ اللهُ-: «يَا ابْنَ آدَمَ: إِنَّمَا أَنْتَ أَيَّامٌ، إِذَا ذَهَبَ يَوْمٌ ذَهَبَ بَعْضُكَ» ، إِنَّ لِلْوَقْتِ أَهَمِيَّةً عَظِيمَةً فِي حَيَاةِ الْمُسْلِمِ؛ وَلِذَلِكَ أَقْسَمَ اللهُ تَعَالَى بِهِ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَرَبُّنَا جَلَّ وَعَلَا لَا يُقْسِمُ إِلَّا بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، قَالَ تَعَالَى: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ}  وَقَالَ تَعَالَى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ }، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى }، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى }، وَغَيْرَهَا مِنَ الآيَاتِ الكَرِيمَةِ، فَيَنْبَغِي إِدْرَاكُ أَهَمِّيَّةِ هَذِهِ النِّعْمَةِ الْعَظِيمَةِ وَحُسْنُ اسْتِغْلَالِهَا، وَلْيَعْلَمِ الْمُؤْمِنُ بِأَنَّهُ مَسْؤُولٌ عَنْ وَقْتِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَلْيُعِدَّ لِلسُّؤَالِ جَوَاباً، فَعَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ؟ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ؟» [أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللهِ تَعَالَى الْعَظِيمَةِ عَلَى الإِنْسَانِ نِعْمَةَ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ فِي الأَبْدَانِ، وَلَا يَعْرِفُ قَدْرَهَا إِلَّا مَنْ سُلِبَهَا، وَكَمَا قِيلَ: الصِّحَّةُ تَاجٌ عَلَى رُؤُوسِ الأَصِحَّاءِ لَا يَرَاهُ إِلَّا الْمَرْضَى، انْظُرُوا فِي المُسْتَشْفَيَاتِ: هَذَا فِي غَيْبُوبَةٍ، وَهَذَا مُصَابٌ بِالشَّلَلِ، وَذَاكَ كَسِيرٌ، وَهَذَا مَبْتُورُ الأَطْرَافِ، وَآخَرُ مَبْطُونٌ، وَهَذَا يَشْتَكِي أَلَماً، وَذَاكَ يَتَمَنَّى لَوْ أَنَّهُ يَسْتَطِيعُ الْوُقُوفَ عَلَى قَدَمَيْهِ، وَحِينَئِذٍ سَتَعْرِفُ قَدْرَ نِعْمَةِ اللهِ عَلَيْكَ فِي صِحَّتِكَ، وَلِذَلِكَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَحْمَدُ اللهَ إِذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ وَهُوَ فِي صِحَّةٍ وَعَافِيَةٍ فَيَقُولُ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي فِي جَسَدِي، وَرَدَّ عَلَيَّ رُوحِي، وَأَذِنَ لِي بِذِكْرِهِ» [أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ]، وَبَيَّنَ صلى الله عليه وسلم عِظَمَ قَدْرِ هَذِهِ النِّعْمَةِ فِي قَوْلِهِ: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ: فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا» [أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ].

عِبَادَ اللهِ : لَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَسَارَةَ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ وَتَفْرِيطَهُمْ فِي اسْتِغْلَالِ نِعْمَتَيِ الصِّحَّةِ وَالْفَرَاغِ، فَقَالَ فِي الحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ عَبْدُاللهِ بْنُ عَبَّاسٍ –رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ» [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ]، فَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ لَا يُقَدِّرُونَ هَاتَيْنِ النِّعْمَتَيْنِ، وَلَا يُؤَدُّونَ شُكْرَهُمَا، وَلَا يَسْتَعْمِلُونَهُمَا فِيمَا يَنْفَعُهُمْ،وَلِذَلِكَ حَثَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى اسْتِغْلَالِ هَاتَيْنِ النِّعْمَتَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ النِّعَمِ الجَلِيلَةِ، فَقَالَ: «اغْتَنِمْ خَمْساً قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ» [أَخْرَجَهُ الحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ]،فَالمُؤْمِنُ الكَيِّسُ الفَطِنُ هُوَ الَّذِي يَسْتَغِلُّ صِحَّتَهُ وَفَرَاغَهُ بِطَاعَةِ اللهِ، وَفِيمَا يَعُودُ عَلَيْهِ بِالنَّفْعِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، كَأَنْ يُكْثِرَ مِنْ قِرَاءَةِ القُرْآنِ وَحِفْظِهِ، وَالإِكْثَارِ مِنَ الذِّكْرِ وَالِاسْتِغْفَارِ، وَصِيَامِ الأَيَّامِ الْبِيضِ أَوِ الإِثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ، وَكَذَا قِيَامِ اللَّيْلِ وَالْوِتْرِ، وَصَلَاةِ الضُّحَى، وَصِلَةِ الأَرْحَامِ، وَحُسْنِ تَرْبِيَةِ الأَوْلَادِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَعْمَالِ البِرِّ وَالإِحْسَانِ.

الخطبة الثانية

عِبَادَ اللهِ: وَنَحْنُ فِي مَوْسِمِ الإِجَازَةِ الصيفية: فَمَا أَجْمَلَ أَنْ يُخَطِّطَ الإِنْسَانُ هُوَ وَأَهْلُ بَيْتِهِ لِحُسْنِ اسْتِغْلَالِهَا: بِحِفْظِ سُوَرٍ مِنَ القُرْآنِ الْكَرِيمِ أَوْ بِخَتْمِ تِلَاوَتِهِ، أَوْ بِإِنْهَاءِ قِرَاءَةِ كِتَابٍ نَافِعٍ، أَوْ بِتَذَاكُرِ سِيرَةِ الصَّحَابَةِ الكِرَامِ وَأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فِي مَجْلِسٍ عَائِلِيٍّ مُحَاطٍ بِالإِيمَانِ، أَوْ بِتَعْوِيدِ الأَبْنَاءِ عَلَى الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ، وَالبَنَاتِ عَلَى الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا، وَوَضْعِ جَوَائِزَ لِلْمُلْتَزِمِ بِذَلِكَ، أَوْ بِالسَّفَرِ لِمَكَّةَ المُكَرَّمَةِ لِأَدَاءِ العُمْرَةِ، أَوِ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ لِزِيَارَةِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أَوْ لِصِلَةِ الأَرْحَامِ أَوْ غَيْرِهَا مِنَ الأَفْكَارِ الهَادِفَةِ وَالمَشْرُوعَاتِ النَّاجِحَةِ.

عِبَادَ اللهِ:إِنَّ النَّفْسَ تَمَلُّ مِنْ كَثْرَةِ العَمَلِ فَيَنْبَغِي إِرَاحَتُهَا وَاسْتِجْمَامُهَا فِي غَيْرِ مُحَرَّمٍ، وَهَذَا حَقٌّ مِنْ حُقُوقِهَا: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقّاً» [أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ]،فَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَجِمَّ الإِنْسَانُ فِي المُتَنَزَّهَاتِ وشَوَاطِئ البِحَارِ وَالِاسْتِرَاحَاتِ وَغَيْرِهَا، وَلَكِنْ لِيَحْذَرْ مِنَ المُحَرَّمِ والمُنْكَرِ والقِيلِ وَالقَالِ، وَالغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ، وَالبُهْتَانِ وَالكَذِبِ، وَالسَّهَرِ المُؤَدِّي إِلَى النَّوْمِ عَنِ الصَّلَوَاتِ المَكْتُوبَاتِ؛ فَإِنَّ اللَّهْوَ إِذَا أَشْغَلَ عَنِ الوَاجِبَاتِ يُصْبِحُ مِنَ المُحَرَّمَاتِ.

 

المشاهدات 1126 | التعليقات 0