الوباء يُذكِّرنا
سامي بن محمد العمر
الوباء يُذكِّرُنا
أما بعد:
العظة والتذكر، التعلم والتدبر، الرجوع والتفكر...
حِكمٌ عظيمة يمنُّ الله بها على من يشاء من عباده مع كل أزمة وبلاء، ومحنة ووباء.
ولكن... أين المتعظ المتذكر المتضرع؟
{وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ } [الأعراف: 94]
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} [الأنعام: 42
{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41]
{وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [السجدة: 21]
{وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الزخرف: 48]
وإن وباء هذه الأيام ليُذكرنا بعظمة باريه والآذن فيه،
فما الشأن إلا أنه أراده فأوقعه، وشاءه فأوجده {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82]
كن فيروساً صغيراً ضعيفاً لأخضع بك جبروت الجبابرة، وأرغم بك أنوف العتاة القاهرة.
كن فيروساً صغيراً مخفياً تعطل اللقاءات، وتوقف المناسبات، وتؤجل الرحلات، وتؤثر على الاقتصاد، وتنبه البلاد والعباد؛
تلك من عظمة الإله القادر...
نعم:{ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ } [الأنعام: 63 - 65]
وإن الوباء ليُذكرنا بمنة الله علينا في مبعث رسول كريم، رؤوف رحيم، ما ترك خيراً إلا دل أمته عليه ولا شراً إلا حذرها منه، فلا طريق للنجاة في الدنيا والآخرة إلا باتباع أمره والسير على نهجه؛ فلا بد من العودة إلى سنته امتثالا وعملاً، ورضا وقبولاً؛ في كل شؤون الحياة.
ومن ذلك هديه في محاربة الأوبئة وعزل المصابين والتحفظ عند الأكل والشرب والعُطاس والتنخم ونحو ذلك.
وإن الوباء ليذكرنا: أن شريعة الإسلام شريعةٌ سمحةٌ ميسرةٌ؛ تدور مع المصالح حيث دارت، وتدرأ المفاسد حيث جاءت؛ في زمن كان يحلو للبعض نقدها بوصف نقلتها من العلماء بالتعنت والتشدد، وما هم إلا سُرج العباد ومنار البلاد، يذكرون الغافل ويعلمون الجاهل، ويبلغون الكتاب والسنة، ويدعون بالحكمة والموعظة الحسنة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا" رواه البخاري.
وإن الوباء ليذكرنا أيضاً: أن البلاءَ إذا نزل عمّ الصالح والطالح، وأن على المسلمين هجرَ أسبابه قبل وقْعِهِ، ومبادرةَ التوبة لمنعه ورفعه
وفي حديث أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها قالت يا رسول الله أنهلِك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم إذا كثر الخبث" متفق عليه.
وإن الوباء ليذكرنا: أن للبلايا فوائدَ وحكماً:
من أبرزها: تذكير العبد بذنوبه ليتوب منها،
وزوال قسوة القلوب ليعود لها لينها ورقتها،
وانكسار النفوس بين يدي خالقها وبارئها،
ودوام استكانتها لربها وتضرعها؛ مخالفة لفعل الجاهلين المجرمين ممن قال الله عنهم{ وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (76) } [المؤمنون: 76].
وإن الوباء ليذكرنا: أن العاصم من كل مكروه، والمنجي من كل محذور؛ واحد لا شريك له، عليه توكلنا وإليه أنبنا؛ فلن يصيبنا إلا ما كتب لنا:
{قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ} [الأنعام: 63 - 65]
فمن ضعفت نفسه فقالت: إن الوباء يُعدي ويُبيد؛ قلنا له: بل الله يُبدي ويُعيد، فمَن ذا الذي سأل اللهَ فلم يعطه، أو دعا الله فلم يجبه، أو توكل عليه فلم يكفه، أو وثق به فلم ينجه؟
اللهم احفظنا بحفظك واكلأنا برعايتك
بارك الله لي ولكم..
الخطبة الثانية:
أما بعد:
وإن الوباء ليعلمنا: أن ما تقوم به الدولة أيدها الله من سد ذرائع الوباء وانتشاره، وقطع وسائل بلائه وإضراره؛ لعين الحكمة عقلا وشرعا، فما عاقل إلا سيستجيب لقراراتهم، وما مؤمن إلا سيبادر لطاعتهم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } [النساء: 59] {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا } [النساء: 83]
وليس الدين بأقل أهمية من الدنيا؛ فليتقبل الجميع من دروس هذا الوباء:
أن كل ذريعة إلى الشر يجب سدُّها وكلَّ وسيلة للمحرم يجب منعُها؛ - ولو كانت تلك الذريعة والوسيلة مباحة في أصلها - حمايةً لجناب الحرمات، وصيانةً من الوقوع في المحرمات...
اللهم إنا نشكو إليك ضعف قوتنا وقلة حيلتنا، وأنت أرحم الراحمين، ورب المستضعفين، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين.
اللهم إنا عبيدك المستغيثون المستجيرون الوجلون المشفقون المقرون بذنوبنا، نسألك مسالة المسكين ونبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل، وندعوك دعاء الخائف الضرير، دعاء من خضعت لك رقبته وفاضت لك عيناه، وذل جسده، ورغم لك أنفه.
لا إله إلّا الله العظيم الحليم، لا إله إلّا الله ربّ العرش العظيم، لا إله إلّا الله ربّ السّماوات والأرض وربّ العرش الكريم
اللهم ادفع عن بلدنا وبلاد المسلمين الوباء والغلاء والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهمَّ إنا نعوذ بك من جَهْدِ البلاء، ودَرَكِ الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء
اللهمَّ إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوُّلِ عافيتك، وفجاءةِ نِقْمتِك، وجميعِ سَخَطِك.
اللهم احفظنا من كل سوء ومكروه
المشاهدات 1208 | التعليقات 2
وأنت كذلك أخي الكريم،
وشكراً لاطلاعكم وتعليقكم.
عوض بن احمد
جزاك الله خيراً
تعديل التعليق