الوباء عبر وعظات
أ.د عبدالله بن عمر السحيباني
الوباء عبر وعظات أول خطبة بعد الحجر 13/10/1441ه
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله حمدَ الصابرين الشاكرين، أحمدُهُ سبحانَهُ وأشكرُهُ، وأتوبُ إليه وأستغفرُهُ، وأصلي وأسلمُ على خيرتِهِ من خلقِهِ، وعلى آلهِ وصحبِه، ومن سارَ على نهجِهِ واهتدى بهديه إلى يومِ الدينِ.
أما بعدُ: فأوصيكمْ أيُّها المؤمنون ونفسي بتقوى اللهِ، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}.
أيُّها المؤمنون: إنَّ كلَّ مؤمنٍ عاقلٍ يدركُ من صروفِ الدنيا وأحوالِهَا عبراً وعظاتٍ، يستفيدُ منها زيادةً في الإيمانِ واليقينِ، والصبرِ والرضا، وإنّ من أعظمِ الآياتِ التي تحملُ العبرَ والعظاتِ هذا الوباءَ الغريبَ الذي يجتاحُ العالم.
فأولُّ تلك العبرِ التي أيقنا بها من هذا الوباءِ أنّ اللهَ قويٌّ قاهرٌ، وأنّ الخلقَ مهما أوتوا من قوةٍ ضعفاءُ عاجزون، لا يملكون لأنفسِهم نفعاً ولا ضراً، إلا بإذنِ اللهِ، مخلوقٌ صغيرٌ لا يُرى بالعين يرهبُ الإنسانَ ويكسرُ شموخَهُ، ويُلزمُهُ بيتَهُ، ويعطلُ معظمَ التجاراتِ، وتخسرُ بسببه كبرى الشركاتِ، فسبحانَ من جعلَ في هذا المخلوقِ الصغيرِ ما يدلُّ على عظمةِ الخالقِ القاهرِ الجبار.
وعلمنا هذا الوباءُ أنّ اللهَ سبحانه وحدَهُ هو المستعانُ، وأنّ عليه التكلانَ، وأنه لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله العليِّ العظيمِ، وأنه حسبُنا ونعمَ الوكيلُ، وأنه وحدَهُ الإلهُ الحقُّ، وأنه على كلِّ شيءٍ قديرٌ.
وتعلمنا من الوباءِ حقيقةَ حياتِنا الدنيا، وأنها حقيرةٌ قصيرةٌ، وأنّ أحوالَها سريعةُ التبدلِ، وأنها جبلت على كدرٍ، وأنّ كدرَها يزولُ بإذنِ اللهِ، فكلَّ يومٍ ربُّنا في شأنٍ، فاللهُ يغيرُ الحالَ، لكنه {لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ}.
وتعلمنا أيُّها الإخوةُ المؤمنون من هذا الوباءِ حقيقةَ نفوسِنا، فتبيّنَ فينا الضعفُ، وظهرَ على بعضِنا الهلعُ، وتكشفت معادنُ الرجالِ، وصدق اللهُ في قوله: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ}.
نفعني اللهُ وإياكم بهديِ كتابِه، وبسنةِ رسولِهِ، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولسائرِ المسلمين، إنه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ صاحبِ الفضلِ والإحسانِ، وصلى الله وسلم على المبعوثِ للإنسِ والجانِّ، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان. أما بعدُ:
أيها المؤمنون: ومما تعلمناه من الوباءِ أن لمساجدِنا قيمةً وأيُّ قيمةٍ، فهي سكينتُنا وأمنُنا، وروحُنا وحياتُنا، وعرفنا أنّ بيوتَ اللهِ من أعظمِ نعمِ اللهِ على عباده، فاجتماعُنا في المساجدِ يقوينا، وتفرقُنا عنها يضعفُنا، {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}.
وعلمنا الوباءُ سماحةَ شريعتِنا وفضلَ اللهِ علينا بهذا الدينِ الحنيفِ، فالدينُ الذي أمرَ بالذهاب للمساجدِ هو الذي أمر بالصلاة في البيوتِ لحفظِ النفوسِ عن المرضِ ونحوِهِ، {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}.
وعلمنا الوباءُ أنّ من بيننا رجالًا مخلصين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، علماءَ أجلاءَ، وأطباءَ رحماءَ، وجنودًا أبطالًا، لقد تعلمنا من هذا الوباءِ قيمةَ الرجالِ الحقيقيةِ، وأدركنا حاجتَنا إليهم في الشدائدِ، وسقطت أقنعةٌ مزيفةٌ لا قيمةَ لها في أرضِ الحقيقةِ.
وأخيراً فقد علمنا الوباءُ نعمَ اللهِ التي لم نكنْ نشعرُ بها، أدركنا نعمةَ بيوتِنا، وقيمةَ أسرِنا، وقيمةَ الأمنِ في الحركةِ والتنقلِ، ونعمةَ اللهِ علينا بالصحة، بل علمنا الوباءُ حاجتَنا لبعضنا، حتى تستقيمَ حياتُنا الطبيعيةُ، وعرفنا قيمةَ المصافحةِ والمعانقةِ والمؤانسةِ لما حرمنا منها.
وأيقنا جميعاً أننا بحمدِ اللهِ نعيشُ تحتَ ظلِّ قيادةٍ رشيدةٍ، تؤمنُ بالله، وترعى حقَّ الإنسانِ، وتحفظُ له مصالحَه، فاللهم أدمْ علينا نعمَك، اللهم ارفع الوباءَ عن عبادِك والطفْ بهم بلطفك، اللهم احفظنا والمسلمين بحفظك، اللهم لا تؤخذْنا بجهلنا وإسرافنا وتب علينا، اللهم إنا نستغفرُك يا رحمنُ، فاغفر لنا ولوالدينا وذريتِنا وأزواجِنا وأحبابِنا والمسلمين أجمعين، اللهم اشفِ مرضانا وعافِ مبتلانا وارحم موتانا يا حيُ يا قيوم.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.