(الوَالِدَان... بينَ البِرِّ, والجَفَاء..) جامعُ العزيزية: 26/01/1435هـ

نايف بن حمد الحربي
1436/07/18 - 2015/05/07 06:18AM
الحمد لله إلى أصلٍ واحدٍ خلقَهُ نسب, تمايزت أرحامُهُم, وعِظَمُ الحقِّ مرهونٌ باستيثاق السبب, فالولاءُ لأهل الإسلام واجب, وأمَّا البِرُّ للعموم فمستحب, أمَّا مَن خُصَّ, فتَتَفاوتُ درجاتُ وجوبِ بِرِّهِم, والوجوب يَزْدَادُ, كُلَمَا ذو رحمٍ مِنك اقترب, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله وسلم وبارك عليه, وعلى آله وصحبه, وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد: فعليكم بتقوى الله عباد الله, تجدونها من عذاب الله واقية, لما كانت لأهلها دون الشهوات كافية, إذْ أنها لأدواء الصدور بإذن الله شافية.
معاشر المسلمين: ثمة فرقٌ واضحٌ, بين ما يُحكَى لنا وما نُعايشُه من انتشار القلم, فتكاد أُميَّةُ القراءةِ والكتابةِ أن تكون معدومةً في الجيل الصاعد اليوم, وهذه في حدِّ ذاتها نعمةٌ تستوجب الشكر, لكن النعمة لا تلبث أن تنقلب نقمة, إذا ما طرأ على حاملها انفصامٌ بين العلم والعمل, فلئن كان الله قد قال عن أهل العلم الذين ينتفعون به: {إِنَّمَا يَخْشَى اللهُ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ} فأنت والحالة هذه فتش عن نفسك في غير صنف هؤلاء/حقيقة/ فتش عن نفسك في غير أهل الخشية, ولا تأنف من قولي إذا ما كان علمك للترف المعرفي, لا يُر لكَ في قولٍ ولا عمل.
ولئن تعددت مظاهرُ الانفصام بين العلم والعمل تبعاً لتعدد الأهواء, فمستقلٌ ومستكثر, فأنَّى لمثلي أن يُحيطَ حديثُهُ بمثلها, ولكنِّي سأحدثكم عن هذه النقمة, في صورةٍ مخصوصةٍ من صورها, سأحدثكم عن الفصام النكد بين الترف المعرفي حول وجوب بر الوالدين, والتطبيق المناقض لما يقتضيه العلم, وانظروا في نصوص الوحيين, وستجدون أن لا حقَّ يفوق حقَّ الوالدين, ما خلا حقَّ اللهِ والرسول {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} بل قضى سبحانه بوجوب برهما ولو كانا مشركين داعيين إلى شركهما, ففي العنكبوت: { وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ۖ وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا} وفي لقمان: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}.
هذه إشارةٌ إلى بعض آي الكتاب, وأما نصوص السنة فأكثر من أن تُحصَر, ومع هذا, فلن نسلُك اليوم في تقرير حقهما سبيلَ حشد الأدلة, وإنما سنعتمد المناقشة الهادئة سبيلاً لتقرير الحق, رجاء إعادة الأمور إلى نصابها, ديانةً, أو حياءً, أو خوف مذمة, أو تحت أيِّ باعثٍ حركته هذه الكلمات في نفسك, وعلى الله المُعتمد, ومنه العونُ يُستَمد.
فتأمل أولاً في التربية, فأنت في حياة والديك, كالنابتةِ الخضراء, تَمتَصُ كُلَ ما في الحبة من غذاء, فتُحِيِّلُ الحبةَ بعد الصلابة قشرا, ولن أُحدثَكَ عن مراحل ما قبل ظهورك إلى الدنيا, لكن دع الحديثَ يدور حول المواقف بعد ولادتك, وما عليك إلا إعمال العقل والتأمل:
فوالداك لا يأنفانِ من أذاك, وإنما يُزيلانه عنك بنفسٍ راضية, لتبقى أنت في الأنظار أجمل, يُضنيهما السعيُّ لتأمين مستقبلك, وتحقيق مُتطلَبِك, ومع هذا, إذا ناما أيقظا لك أحاسيسهما تحسبا لحاجتك, وتأميناً لهدوء نومتك.
قد يُعوِزهُمَا المال, فيُبدِيَانِ التَبَرُمَ مِن كثرةِ طلبك, لكنهما من الداخل يتقطعان حسرةً, بوُدِهِمَا أن لو مَلكا من المال, ما يُحقق لك كُلَ رغبتك.
مهما تقدمت بك السن, فأنت في عينيهما لا تزال صغيرا, يخشيان عليك من العوادي, ومن صروف الجديدين كُلَ ما هو بادي, فلا تتبرم بكثرة سؤالهما عنك؛ مُراعاةً لمشاعرهما, وهذا ليس حديثاً تُملِيه العاطفة, وإنما هو مَلْحَظٌ, أشار اللهُ إليه لما أن قرر حق الوالدين {وَقُلْ رَبّ اِرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} فإذا ما دعاك داعٍ إلى عقوقهما فتذكر {كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}
في الصحيحين من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: "جَاءَتْنِي امرأةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا، فَأَطْعَمْتُهَا ثَلَاثَ تَمَرَاتٍ، فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً، وَرَفَعَتْ إِلَى فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلَهَا، فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا، فَشَقَّتِ التَّمْرَةَ الَّتِي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بَيْنَهُمَا، فَأَعْجَبَنِي شَأْنُهَا فَذَكَرْتُ الَّذِي صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الْجَنَّةَ، أَوْ أَعْتَقَهَا بِهَا مِنَ النَّارِ" موقفٌ يَتكرر في حياتنا كُلَّ حين لكننا عنه في غفلة, فوالداك يَكسُوانِكَ الجديد, ويَلبسان هما القديم, ويُطعِمَانِك ما تُحِب, ويكتفيان هما بأكل ما حضر.
وتأمل ثانية: إذا كان حسنُ العهد من الإيمان, وحفظهُ صفةُ مدحٍ حتى في العجماوات, فإن أحقَّ مَن تحفظ عهدهما والداك, وإذا ما دار في خلدك التبرمُ بهما حال الكِبَر {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا} فتذكر حنوهما عليك أيام الصِغر {كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} روى البخاريُّ في صحيحه من حديث جُبير بن مطعم -رضي الله عنه- أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال في أُسارى بدر: "لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا ، ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ" فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يحفظ المعروف لرجل من المشركين, فكيف بأبوين مسلمين؟ نعم, لا تُطعهما في معصية, لكن لا يَحِلُّ لك بحال, أن تُغلظ لهما في القول, ثم لا تظن أن كُلَّ مُعارضةٍ منهما لكَ فيما تأتي من الخير, هو بُغضاً له, أو عَدمُ إدراكٍ منهما لحقيقة الأمر, كلا, وإنما حملهما على ما ترى شفقتهما عليك, وفي الأثر: "الولد مبخلة، مجبنة، مجهلة، محزنة" فلا تَلُمهُمَا على أمرٍ تجشماه بسببك, وإنما أَلِن لهما الكلام, وتواضع أمامهما في المعرفة, لا تُسفه لهما رأيا, ولا يَعلُو بين يديهما لك صوت.
روى مسلمٌ في صحيحه من حديث أبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: "أنه كان يَدعو أُمَّهُ إلَى الإسْلاَمِ, فدعاها يَوْماً فَأَسْمَعَتْهُ في رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مَا يَكْرَهُ, فَأَتَى رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- وَهو يَبْكِي, وقال: يَا رَسُولَ الله أدعو اللهَ أن يهدي أمَّ أبي هريرة, فقد كُنْتُ أدْعُوها إلَى الإسْلاَمِ فَتأْبَى عَلَيَّ، وإني دَعَوْتُهَا الْيَوْمَ فَأَسْمَعَتْنِي فِيكَ مَا أَكْرَهُ, فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم (اللَّهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبي هُرَيْرَةَ) فرجع أبو هريرة مُسْتَبْشِراً بدَعْوَةِ النَّبي صلى الله عليه وسلم، فوجدها قد أسلمت, فعاد إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- باكياً من الفرح بهدايتها" فكيف هي مواقفنا من مخالفات والدينا؟ هل نتلطف بهم لتركها؟ ونحزن شفقةً لإصرارهم عليها؟ ونسأل اللهَ لهدايتهم؟ أم أننا نُخاطبهم باستعلاء؟ لأننا نرى لأنفسنا من المنزلة عند الله ما ليس لهم؟!
ثم لنكن أكثر صراحة في الوقفة الثالثة: بنوا الإسلام الذين يَشُوقُهُم الجهادُ في سبيل الله, وتُطربهم أخبارُ الشهادة, ونعمَ الهمُّ والهِمَّةُ يحمونهما في صدورهم, لهؤلاء جميعا, إن كان الجهادُ فرض كفاية, فكلمة العلماء مستقِرةٌ عل أنه لابد من استئذان الوالدين, وإن كان تَعَيُنُهُ محل خلاف, فوجوب برِّ الوالدين لا خلاف فيه, أما إن المرءُ يَدِيِّنُ بأن الجهادَ فرضُ عين, فليتأمل معي في موقف جابر بن عبدالله بن حرامٍ ووالده يومَ أحد, حينما دعا الداعي للنفير, ولم يُؤثِر أيٌّ منهما صاحبَه بالجنة, أقرعا بينهما في أيهما يَخرج, لأن من ورائهما تِسعُ بناتٍ لابد لهن من عائل, ثم اعمل فكرك: مَن كان به قيامُ بِرِّ والديه, هل يَسَعُهُ الخروجُ إلى الجهاد وتركهما؟!
دعا داعي عُمرَ أهلَ الطائفِ للخروج للجهاد في سبيل الله, فاستأذن كِلابُ بنُ أُميَّةَ أبَاهُ للخروج, فأذن له, فلما لاعَهُ الفِرَاقُ -وهو شيخ كبير- أنشأ يقول:
لِمَن شيخانِ قد نَشَدا كِلاباَ & كتابَ اللهِ لو عَقَلَ الكتابا.
إذا سَجَعَ الحَمَامُ ببطنِ وَجٍ & على بيضاتِهَا ذَكرا كِلابا.
تركتَ أباكَ مُرعَشَةً يَداهُ & وأُمَّكَ ما تُسِيغُ لها شَرابا.
أُناديهِ فَيُعرِضُ في إبَاءٍ & فلا وأبي كِلابٍ ما أصابا.
فإنَّكَ والتماسِ الأجرِ بعدي & كباغي الماءِ يَتَبِعُ السرابا.
فبلَغت أبايتُهُ عمرَ فلم يَرْدُدْ إليه كِلابا, فَقَدِمَ عليه المدينةَ وأنشأ يقولُ في أبياتٍ له:
فلو فَلَقَ الفؤادَ شديدُ وجدٍ & لَهَمَّ سَوادُ قلبي بانفلاقِ.
سَأَسْتَعْدِي على الفاروقِ رباً & لَهُ دَفْعُ الحجيجِ إلى سِيَاقِ.
وأدعو اللهَ مُجتَهِداً عليه & بِبَطْنِ الأخشَبينِ إلى دُفَاقِ.
إن الفاروقُ لم يَرْدُدْ كِلاباً & إلى شَيخينِ هَامُهُمَا زَوَاقِ.
فبكى عمرُ إذْ سَمِعَ الأبيات, وأمرَ برَدِ كِلاباً, فلمَّا قَدِمَ عليه, أمرَهُ بحُسنِ صُحبَةِ والديه.
أقول هذا القول, واستغفر الله لي ولكم, ...

الحمد لله بما مَلَك, والحمد للهِ بامتثالِ أمرهِ النَجَاءُ من الهَلَك, والحمد لله بفضلِهِ بُدُو النورِ بعدَ اشتداد الحَلَك, مَن لَزِمَ المَحَجَةَ لمنازل السابقين إدَرَك, ومَن أعرضَ فليحذر مُوغلاتِ الدُرَك, وصلى اللهُ وسلم على عبده ورسوله محمد, وعلى آله وصحبه والتابعين, ما قامَ قائمٌ وبَرَك.
أما بعد: أهل الإسلام, لئن كان حَقُّ الوالدينِ يَستَحِقُ التعظيمِ شرعاً وعقلاً فهاهنا وقفتان:
الأولى: الإخوةُ فيما بينهم, قد يَعلمون من مساوئ بعضِهِم ما لا يَعلَم أبوهُم, ولهذا قد يَجِدُ بعضُهُم في نفسِهِ على أبيه, إذا رأى إكرَامَهُ لأخيه الْمُسيء؛ إذْ هو أحَقُّ بهذا الإكرامِ في نظره, فيُحَدِثُ نفسَهُ بأنَّ أَبَاهُ ظالم, أو على أحسَنِ الأحوالِ لا يُحسِنُ التَصَرُف, ولهذا أقول: رُوَيِّدِكَ على نفسِك, لا تَلُمْ أباكَ على تَصَرفاتِهِ حتى تُجَرِّبَ أنتَ حُبَّ الولدِ كما جَرَّب, فما تَرَاهُ أنتَ في أخيكَ ذنبٌ لا يُغتَفَر, أبُوكَ يَرَاهُ أقلَّ مِن ذلك بكثير, ولئن كُنتَ قد حكمتَ على أخيكَ بأن لا خيرَ فيه مُطلقا, وأنه ميؤوسٌ مِن هدايتِه, فأبُوكَ على النَقِيِّضِ مِن ذلك, لم يزل يرى فيه الخير, ويُؤَمِلْ له الهِداية, وكُلٌ يَنطَلِقُ مِن رُؤَاه.
أما الثانية: فالأصلُ أن يَتناغمُ الأبُّ والأمُّ في الأسرة, حِرصاً على مُستقبَلِ الأولاد, لكن إذا ما كان بينهما اختلافٌ في الرؤى, وبَونٌ شَاسِعٌ في الاهتمامات, فالأبُ يَنظُرُ لِغَدِكَ, والأمُّ لا يَعدُ نظَرَها يَومَك, فاحفظ لأُمِّكَ حقها, واطع أبَاك في آرائه, فإنَّك لو صَحِبتَ أهل الأرض جميعا, لن تَجِدَ أَنصَحَ لَكَ مِن أبيك.
ثُمَّ المرأةُ إذا جَلستَ إلى بَنِيِّهَا, وأخذَتْ وإيَّاهُم بِتَعدَادِ مَسَاوِئِ أبيهم, ما النتيجةُ التي تتَوقَعُ الوصولَ إليها, خُذُوهَا عنِّي وأنقلُوها إليها, بأنَّ أوَّلَ بركتِها على أبنائها, أنها سَتُسقِطُ قيمة أبيهم مِن نفوسهم, فيَجتَرِؤُونَ على عَيبِهِ في مَجالسِهِم ومع أصحابِهِم, فيُعَابُونَ في الناسِ لِعَيبِهِم أباهم, ثم ستَعُودُ بَركتُها عليها, فتَسقُطُ مَكانتُهَا مِن نفوسِ أبنائِهَا, ليُقَالَ لها بلسانِ الحال: جَزَاؤكِ يوماً ما صنعتِ, ولو كانت الأّمُّ مهتمَةً بصلاحِ أبنائِهَا حقاً لاشتغلت بصناعةِ مُستقبلِهِم, ولاتَرَفَّعتْ عن سَفاسفِ الأمور.
ثمَّ الأُمُّ وبَنُوهَا الذين يَنقِمُونَ على أبيهم في النفقة, لِيَعلَمُوا أولاً: أنَّ العدلَ وإن كانَ واجبٌ بين الأولادِ في الهبة, فهو لا يَجِبُ بينهم في النفقة, وإنَّمَا يُعطَى كُلٌ منهم ما يكونُ به صَلاحُ حاله.
ثُمَّ ليُفَتِشُوا في واقِعِهِم عن السبب في تقتيِر الأبِّ عليهم بالنفقة, فإن كانَ السببُ هو قِلَةُ ذاتِ يَدِ أبيهم, فلا وجه لِنِقْمَتِهِم عليه لا شرعاً ولا عقلا, إذْ الْمُعتَبَرُ في النفقةِ حالُ الأبِّ بنصِّ الكتابِ والسُنَّة.
أمَّا إن كانَ السببُ هو مُجَانَبَتْهُم لِجَادِةِ الصَواب, فهُم الْمُلامُونَ في هذا وليس الأب, إذْ المريضُ يُدَاوى بالحِمْيَّة, وأمَّا إغدَاقُ الرغَائِبِ عليه فيُورِدُهُ الهَلَكة, ومَن أبى قَبُولَ النصيحة, دُونَهُ فليَتَجرع مَرارةَ التجربة.
وقبلَ الخِتَام, خُذُوا هذه, ابن لهَـــيِّمِد, رَجُلٌ مِن أهلِ الباديةِ مِن قبيلة شَمَّر, لم يَتعلَّم في مَدَارسِ الحضارَة, بلغَ مِن بِرِّه بأبيه, أنْ خَرجَ مَعَهُ يَوماً ليقضِي حاجته, فلمَّا جلسَ الأبُّ لقضاء الحاجة, في يومٍ شديدِ الحَرِّ, وضعَ الابنُ يَدَهُ تحتَ مَحَاشِمِ أبيه؛ لئلا تَمَسُّ الرمضَاءُ بَشرَتَه, صُورةٌ مع التحية, لكُلِّ مُتعَلِمٍ حَقُّ والِدهِ مِنهُ الإزدِرَاء.
أصلحَ اللهُ الحال, ونفعَ بالمقال, وأجارنا مِن غلباتِ الهوى, وميلهِ إذا مال.
اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين, ...

الخطيب: نايف بن حمد الحربي.
المشاهدات 1958 | التعليقات 0