الوابل والإبل آيتان

راشد بن عبد الرحمن البداح
1447/06/27 - 2025/12/18 06:15AM

4
الوابِلُ والإبلُ آيتانِ ( راشد البداح – الزلفي) 28 جمادى الآخرة 1447 
الْحمدُ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسولُهُ، مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِ اللهَ ورسولَهُ فَلَا يَضُرُّ إِلَّا نَفْسَهُ، وَلَا يَضُرُّ اللَّهَ شَيْئًا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا). أما بعدُ:فإنهما آيتانِ باهرتانِ ظاهرتانِ، يُرِيناهُما اللهُ هذهِ الأيامَ في أرضهِ؛ لنتفكرَ فيهِما.

أما الأُولى فهيَ آيةٌ مبشِّرةٌ نشهدُها فنفرحُ بها. إنها نعمةُ نزولِالمطرِ، حيثُ يَنشُرُ اللهُ رَحْمَتَهُ، وهُوَ الوَلِيُّ الحَمِيْدُ، وهذا المطرُ يتكوَّنُ منْ هواءٍ رطبٍ يتحركُ برحماتٍ {مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ}[الروم46]فترى الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ؛ تُلْقِحُ السَّحَابَ، فيُنشِيءُ الخلاقُ العليمُ سَحَابًا كَثِيفًا، مُتَلَاحِقًا، مُتَلَاصِقًا، فمَا أَحْسَنَ رُكامَهُ! وَما أَشَدَّ التئامَهُ!

ثم يُفرِحُنا بطلائعِ النازلِ المحبوبِ: {فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ(48)وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ}[الروم49] إيْ وربِّنا كما وصفْتَنا: نكونُ مُبْلِسِينَ آيسِينَ، ثم ننقلبُ بالوَدْقِ مُسْتَبْشِرِينَ، وبالبريةِ متنزِّهِينَ. فتَسقِينا غَيْثًا مُغِيثًا، قدعَقَدَ مِنْهُ الثَّرَى، وَقَامَتْ مِنْهُ الْغُدَرُ:{وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا}[النبأ14]

(فَارجعِ البصرَ كرَّتينِ، وتَأَمَّلِ السَّحَابَ الْكَثِيفَ الْمُظْلِمَ كَيْفَ تَرَاهُ مَعَ رَخَاوَتِهِ حَامِلاً لِلْمَاءِ الثَّقِيلِ، وَمُمْسِكاً لَهُ فِي جَوِّ السَّمَاءِ: {حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ}[الأعراف57] ثمَّ يَأْذَنُ اللهُ فيإرسالِ كلِّ قطرةٍ بالقَدْرِ الذي أرادَهُ -تعالَى-.. وَلَوِ اجْتَمَعَ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ، عَلَى أَنْ يعرِفُوا عددَ قطرِ الأمطارِ النازلةِ في قريةٍ واحدةٍلعجَزُوا: {أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ}[الواقعة69] ثمتشرَبُهُ النباتاتُ صعودًا عكسيًا من الأسفلِ للأعلَى!

فما الذي رقَّى الماءَ المصبوبَ في أسافلِ الشجرِ، إلى أعاليالأغصانِ وهو ثقيلٌ بطبعِهِ؟!)().

وحينَها ينغلِقُ عقلُكَ، وينعقِدُ لسانُكَ إلا أن تسبِّحَ اللهَ وتقرأَ: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ(10)هَذَاخَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ}[لقمان10،11].

فسبحانَ مَن لايُحصِي العادُّونَ آيَاتِهِ، ولا يَقدِرونَ قَدْرَ هِباتِهِ.

أيُّها المسلمونَ: مِن السُننِ النبويةِ المجهولةِ عندَ رؤيتِكَ الغيثَ أن تقولَ كلمةً واحدةً، وهيَ قولُ: رَحْمَةٌ. أَيْ: اجْعَلْهَا رَحْمَةً().

وسُنةٌ أخرَى أن تكشِفَ رأسَكَ أو ذراعَكَ أو ساقَكَ؛ ليُصيبَهُالمطرُ، ولما سَألُوا النبيَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ قَالَ: لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ تَعَالَى(). يعنيْ: لأنَّ اللهَ خلَقَه الآنَ، وليسَ المعنَى أنهُ جاءَ مِن عندِ اللهِ().

فاتقُوا اللهَ تعالَى، وتفكرُوا في آياتهِ المشهودةِ وفي آياتِهِالمسموعةِ: {وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ}.

فاللهم لكَ الحمدُ يا مَنْ هوَ للحمدِ أهلٌ، أنتَ أهلُ الثناءِ والمجدِ، أحقُّ ما قالَ العبدُ وكلُنا لكَ عبدٌ.

اللهمَ لكَ الحمدُ على ما أنزلتَ من خيراتِ السحابِ، وأجريتَ من شِعاب.

اللهم ارزقنَا بركةَ ما أنزلتَ، وتابِعْ علينا الخيرَ يا خيرَ الرازقينَ، وعُمَّبها أوطانَ المسلمينَ، واجعلنا لكَ شاكرِينَ ذاكرِينَ، وفي آلائكَ متفكرينَ.

الحمدُ للهِ {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ‌ثُمَّ ‌هَدَى}، وصلَّى اللهُوسلمَ على إمامِ الهدَى، أما بعدُ: فلنتفكرْ في الآيةِ العجيبةِ الثانيةِ، نجِدُهَا في آيةٍ قرآنيةٍ نسمعُها ونقرؤُها كلَّ جمعةٍ، وفي الأعيادِوالاستسقاءِ، كما في قولِ ربِّنا الخلاقِ: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ}. فلننظرِ الآنَ في الشكلِ الخارجيِّ لهذهِ الإبلِ:

فأمَّا أُذُنا الإبلِ؛ فالشَّعرُ يغطِّيها؛ لِيَقِيَها منَ الرمالِ التي تحمِلُها الرياحُ. وأنفُهُ يرطِّبُ الهواءَ الحارَ، فهوَ بمثابةِ جهازِ تكييفٍ. والإبلُ لا تتنفسُ من فمِها، ولا تلهَثُ أبداً؛ لتتجنبَ تبخُّرَ الماءِ من جسمِها. وحاسةُ الشمِّ لدَيها قويةٌ، فَهِيَ تَشُمُّ رائحةَ مَثِيلاتِها، وتَدُلَّ مَوارِدَ الماءِ على بُعدِ بضعةِ كيلواتٍ.

ثمَّ تَأملْ كَيفَ أعينَتْ بأخفافٍ كالأحذيةِ، فمعَها حِذاؤُها وسِقاؤُها،وحِذاؤُها يستطيعُ السيرَ فوقَ أكثرِ الرملِ نعومةً، وهوَ ما يَصعبُ على أيَّةِ دابةٍ سِواهُ، ولا زالَ جديراً بلقبِ "سفينةِ الصحراءِ".

(ثمَّ تَأملْ كَيفَ قادَها وذلَّلَها على كِبَرِ أجسامِها: {وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ} فترَى الْبَعِيرَ على عِظَمِ خِلقتِهِ يَقُودهُ الصَّبِيُّ مذلَّلاً منقادَاً.

ثمَّ تَأملِ الْحِكْمَةَ الْبَالِغَةَ فِي أنْ طوَّلَ اللهُ قَوَائِمَ الْبَعِيرِ فطوَّلَ عُنُقَهُ؛ليتناوَلَ المرعَى من قيامٍ.. وَلِهَذَا ترَاهُ يَمُدُّ عُنُقَهُ إِذا اسْتَقلَّ بِالْحِمْلِ، كَأَنَّهُ يُوازِنُهُ موازنَةً)().

ولنتَأملْ في لَبَنِهِ الْخَالِصِ السائغِ الْخَارِجِ من بَينِ الفرثِ وَالدَّمِالأحمرِ.. ثمَّ يَنْقَلِبُ بَاقِيهِ لَبَنًا أبيضَ سائغًا للشاربِينَ.

وحليبُ الإبلِ أعجوبةٌ باهرةٌ، حيثُ يتميزُ دونَ الألبانِ باحتوائِهِ على مضاداتِ التخثرِ ومضاداتِ التسممِ ومضاداتِ الجراثيمِ، ويُقوِّيْ جهازَالمناعةِ.

وفي لَحْمِهَا آيةٌ وفرقانٌ، قالَ ابنُ القيمِ: (لَحْمُ الْجَمَلِ فَرْقُ مَا بَيْنَ الرَّافِضَةِ وَأَهْلِ السُّنَّةِ، وبَيْنَ الْيَهُودِ وَأَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَالْيَهُودُ وَالرَّافِضَةُ تَذُمُّهُ وَلَا تَأْكُلُهُ)().

• فاللهم ارزقنا نعمةَ التفكرِ في آياتِكَ ومخلوقاتِكَ.
• اللهم اقبلْ تَوباتِنا، واغسِلْ حَوباتِنا، وأجِبْ دَعَواتِنا.
• اللهم وبارِكْ في عُمُرِ وعمَلِ وليِّ أمرِنا ووليِ عهدِهِ، وزِدْهُم عِزًا لنصرةِ الإسلامِ، ونَجدةِ المسلمينَ، وراحةِ رعيتِهم.
• اللهم احمِ حِمانا، واخذُل عِدانا. واحفظْ جنودَنا وحدودَنا.
• اللهم إنا نحمدُكَ كثيراً، على إنزالِكَ غيثاً غزيراً.
• اللهم تابِعْ علينا الخيراتِ، وأنزِلْ معها البركاتِ.
• اللهم صَلِّ وسلِّمْ على عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ محمدٍ.

المرفقات

1766027712_‎⁨الوابلُ والإبل آيتان⁩.docx

1766027712_‎⁨الوابلُ والإبل آيتان⁩.pdf

المشاهدات 195 | التعليقات 0