الهمّازون اللمّازون 1446/1/20ه
يوسف العوض
الخطبة الأولى
أيّها المسلمون :إنَّ من حقيقةِ الإسلامِ ، سلامةَ اللسانِ واليدِ للمسلمين ، قال النّبي صلّى اللهُ عليه وسلّم ” المسلمُ من سَلِمَ المسلِمونَ من لسانِهِ ويدِه “.
والهمزُ واللمزُ داءانِ عظيمانِ ، يشتركانِ في كونِهما عيبًا للخلقِ ، ويفترقانِ في أداةِ العيبِ ، فَـ ذُو الهَمزِ يقعُ في الناسِ عائبًا بلِسانِه ، و ذُو اللَّمزِ يقعُ في الناسِ عائِبًا بِفِعالِه .
فالهُمَزة هو الذي يتكلمُ في الناس عيبًا بلسانِه ، واللُّمَزة هو الذي يقع في الناسِ عيبًا بأفعالِه ، إمَّا بإشارةِ عينِهِ أو بِحَرَكَةِ يَدِهِ ولِسانِه .
وإنَّ هؤلاء وهؤلاء ،، مُتَوَعَّدُونَ أبلَغَ الوَعيدِ وأعظَمَه ، بقوله سبحانه وتعالى ( وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ ) ، فإنَّ كلمةَ ويلٌ ، أبلغُ ما في التهديدِ والوعيدِ لفظًا ، والآيةُ تعني : أشدُّ الوعيدِ لمن كان ذا همزٍ ولمزٍ ، ثم ذكرَ سبحانه وتعالى مَنشَأَ شَرَرِه ومُبتَدَأَ خطرِه ، وهو ما يحوزُهُ من عَرَضٍ دُنيَوي فقال سبحانه :( الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ ) ، فالحامِلُ لهُ على غَمطِ الناسِ وهَمزِهِم ولَمزِهِم ، اغترارُهُ بِمَا أصابَهُ من الدنيا ، من منصِبٍ أو رِئاسَةٍ أو نسب ، فيكونُ هَمَّازًا لَمَّازًا للناس ، مُستَخِفًّا بِهِم ، غيرَ مُبالٍ بحقوقِهم .
عبادَ الله ِ: ثم قال سبحانه وتعالى بعد أن ذَكَرَ حالَه ، (كَلَّا ۖ لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ ) ، مُبيِّنًا ما سيكونُ إليهِ مآلُهُ في الآخرة ، فذلك الذي حَمَلَهُ على الإستِهانَةِ بالناس والاستخفافِ بهم ، من مَالٍ أو جَاهٍ أو منصبٍ أو رِئاسة ، سيكونُ مآلُهُ بأن يَنبُذَهُ ربُّنا سبحانه وتعالى في الحُطَمَة ، وذِكرُ هذا وذاك ، لبَيانِ شِدَّةِ ما يلقاه ، فإنَّ الله سبحانه وتعالى لم يَقُل لَيُلقَيَنَّ في الحُطَمَة ، لأن النَّبذَ يَدُلُّ على الإستِهانَةِ بهِ والاستخفافِ بقدرِه ، فإنما يُنبَذُ ما لا يُبَالَى به ، ثم أخبرَ سبحانه وتعالى أن نَبذَهُ سيكونُ في الحًطَمَة ، والحُطَمَةُ هي النَّار ، لكن اللهَ عز وجل لم يقل لَيُنبَذَنَّ في نارِ جهنم ، ولكنَّه قال لينبذَنَّ في الحُطَمَة ، لتكونَ دارٌ يُحَطَّمُ فيها مَالُهُ وجَاهُه ، ورِئاسَتُهُ ومنصِبُهُ الذي استعلى به على الناس ، واستكبَرَ عليهم به ، فعند ذلك يزولُ عنهُ كلَّ بَهرَجٍ زائفٍ كان يستعلي بهِ على خلقِ الله ، مما يحمِلُهُ على غَمزِهِم ولمزِهِم .
عبادَ الله ِ: ثم قال تعالى بعدَ أن بَيَّنَ جَزاءَهُ بأنَّه النَّبذُ في الحُطمة ، التي يُحَطَّمُ فيها باعِثُهُ الأكبرُ على الاستخفافِ بالناس ، ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ ) ، أي التي لا تطفأُ أبدًا ، فإنَّ كلَّ نارٍ يَخبُوا شَرَرُها ويموتُ ذَرُّ رَمَادِها ، إلا نارَ اللهِ سبحانه وتعالى ، التي هي دارُ عذابِه ، فلا تزالُ موقَدَةً أبدًا ، ثم تلكَ النارُ التي يُدخَلُ فيها إذا نُبِذَ فيها مُحَطَّمًا هي نارٌ تُوصَدُ عليه ، أي تُغلَقُ عليه ، ثم يكونُ عذَابُ أهلِها في أعمِدَةٍ مُمَدَّدَة ، أي في أعمِدَةٍ طويلة ، لأنه أشَدُّ ما يكونُ لاشتِعالِ النار أذا أُرسِلَت في عُلُوٍّ لا بالعرض ، فيكونُ ذلك أشّدَّ العذابِ عليه ، ثم تلك النارُ الموقدةُ التي جعلها الله سبحانه وتعالى عليهم مُطبَقَة ، ( تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ ) أي يصلُ عذابُها إلى القلوب .
وإنما يُجعَلُ عذابُ النارِ مُوصَلًا إلى القلوب لأمرينِ اثنين ، أحدُهما أن القلب من ألطَفِ ما يكونُ في البَدَنِ من اللحم ، فأشدُّ ما يكون من أثرِ النارِ إذا وصلت إليه ، وإذا كان الإنسان يَألمُ إذا وصل حُرقُ النار إلى البَشَرة ، فإنَّ شِدَّةَ الحَرقِ والألم ، تكونُ في وصولِهِ إلى القلبِ أعظمُ وأعظم.
والأمرُ الآخرُ لجعلِ النّارِ تصلُ إلى الأفئدةِ ، أنَّ مُبتَدَأَ الفكرةِ والإرادةِ التي حَمَلَتهُ على همزِ النّاسِ ولمزِهم هي قَلبُه ، فاستحقَّ أن يُعذَّبَ أشدَّ العذاب .
الخطبة الثانية
عبادَ الله : على المؤمنِ أن يَتَخَوَّف من وعيدٍ يلحَقُهُ لا ينقَضي أبدًا ، وهو عذابُ الله سبحانه وتعالى في الآخرة ، فَـصُونُوا أيَّها المؤمِنونَ ألسِنَتَكُم وأفعالَكُم ، وطَيِّبوُا بِذِكرِ الله أفواهَكُم ، واجتنبوا ذكرَ الخلق ، فإنَّ ذكرَ الله دواء ، وإن ذكرَ الناسِ داء ، فاحذروا يا من تهمِزون الناس وتلمزون ، احذروا من وعيد الله سبحانه وتعالى ( وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ * الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ * كَلَّا ۖ لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ ).
المرفقات
1721637644_همز ولمز.docx
يوسف العوض
مستفادة
تعديل التعليق