الهاتف نعمة ام نقمة ؟

الهاتف نعمة أم نقمة! 
خطبة جمعة. 
 
الخطبة الأولى. 
الحمد لله، الحمد لله أبدعَ ما أوجدَ، وأتقنَ ما صنَعَ، وكلُّ شيءٍ لجبروته ذلَّ ولعظمته خضَعَ، سبحانه وبحمده في رحمته الرجاء، وفي عفوِه الطمعُ، وأُثنِي عليه وأشكُره؛ فكم من خيرٍ أفاضَ ومكروهٍ دفَع، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبيَّنا محمدًا عبدُالله ورسوله أفضلُ مُقتدًى به وأكملُ مُتَّبَع، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وأصحابه أهل الفضلِ والتّقَى والورَع، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ ولنهجِ الحق لزِم واتَّبَع، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
 
 
إن من نعم الله جل جلاله على الناس في هذا الزمان أن يسر لهم الاتصال فيما بينهم دون مشقة أو عناء سواء بعدت المسافة فيما بينهم أو قربت، بل أصبح بإمكان المرء أن يكلم من يريد وفي أي وقت يريد وفي أي مكان يريد، وذلك عن طريق ما يعرف بالهاتف، الذي أصبح أهم وسيلة من وسائل الاتصال الحديثة، وسمة من سمات التقدم التقني والصناعي.
 
 
والملاحظ أننا أصبحنا نعيش في زمن سِيئ فيه استخدام هذه الوسيلة واستعمالها استعمالاً خاطئًا ومنافيًا للأخلاق والآداب.
 
العاقل هو من يطوع هذه الوسيلة لتخدم خيره ودينه ومجتمعه فيما يرضي الله، فيكونَ عند الله شاكرا للنعمة غير جاحد، أما من يجعل من الهاتف بابا للفساد والإفساد والضلال والغي، فقد أخرجه تماما من دائرة الخير وجعله نقمة عليه ووبالا على آخرته وخاتمته، وكان بذلك ناكرا للنعمة جاحدا لفضل الله..
 
من منافع وإيجابيات الهاتف أيها المؤمنون، أنه يسهل التواصلَ بين الناس، ويقرب الغائب من أهله فيطمأن عليهم وكأنه بينهم، وفي لحظات يسيرة نصل به الأرحام البعيدة، ويقرب المعلوماتِ الضروريةَ التي يحتاجها الإنسان، وتبرم من خلاله المواعيد والصفقات التجارية، وتعقد الاجتماعات.
 فالهاتف بجميع خدماته يقوم بدور مهم، ويقدم خدمات عظيمة، ويوفر جهدا كبيرا، سواءً في الوقت أو المال، أو دفع مشقة الذهاب والإياب، فهذه كلها تدخل في باب النعم التي يتفضل الله جل جلاله بها على الناس، قال سبحانه: ﴿ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم: 34].
نعم والله إن الإنسان لظلوم كفار، فرغم إيجابيات الهاتف، فإن كثيراً من الناس قد أساءوا استخدامه، فحولوه من خير إلى شر، ومن نعمة إلى نقمة، أصبح الهاتف عند كثيرٍ منهم مضيعةً للوقت والمال بل ولأذية الناس، بعض الناس لا يحسنون التعامل مع الهاتف، ولا يحسنون تسخيره في الاستخدام الأمثل والأصلح في النفع الديني والدنيوي بل وحتى الإنساني.
 
وهناك من استخدمه ليدمر دينه وأخلاقه ومبادئه وقيمه 
ذاك الذي يستخدمه في مشاهدة المحرمات 
وذاك الذي يستخدمه في الغيبة والكذب والبهتان
وذاك الذي يستخدمه في بث الشرور والفتن. 
وذاك الذي يستخدمه في متابعة التفاهين والساقطين أو متابعة خونة الدين والوطن أو متابعة بعض المشاهير المفلسين في قيمهم وفي محتواهم. 
 
بل إن الهاتف تحول في بعض الأحيان إلى جهاز قتل وذلك أن بعض سائقي السيارات هدانا الله وإياهم ينشغلون بالهاتف عند القيادة ويهملون قيادتهم، مما يترتب على ذلك حدوثُ بعض الحوادث التي ربما تؤدي إلى الموت والهلاك، والله سبحانه يقول: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ [النساء: 29].
 
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم عن ما اقترفناه من ذنوب بهواتفنا وجوالاتنا فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. 
 
الخطبة الثانية. 
 
الحمد لله على إحسانه، والشُّكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له تعظيمًا لشانه، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحابته وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
 
أمَّا بعدُ: فيا عباد الله:
إن من المصائب التي عمت وانتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة حمل الأطفال للهواتف وامتلاكهم لها، فلقد صار الهاتف في أيدي الكثيرِ من الأطفال والمراهقين ، بل ويتفاخر الآباء والأمهات أحيانا بأن ولدهم الذي لم يكمل الثامنة أو العاشرة من عمره له هاتفه الخاص. 
ومن هنا ظهر من الفسادِ والإفساد والمنكرات ما الله به عليم، هذه الهواتف التي أصبحت تحمل تقنيات متطورة ، وبدل أن تستغل هذه التقنية في النفع والصلاح، أصبح بعض الأبناء يوظفونها في نقل وإرسال واستقبال الفضائح من صور إباحية ومقاطع فيديو خليعة وأفلام تروج الزنا والفواحش.
 
 
فالمسئول الأول عن ذلك هم الآباء والأمهات، فليتقوا اللهَ في أولادهم، فهم المسئولون عليهم، فهم أمانة عندكم أيها الآباء، يجب عليكم الحفاظ عليهم، والسعي في إنقاذهم من النار وغضبِ الجبار، قال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].. 
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله سائل كل راع عما استرعاه أحفظ أم ضيع).
 
ومن هذا المنبر أقول: يا ولي الأمر، سواء كنت أباً أو أو أخاً أو عما ، أنت المسئول عن ذلك كله، فأنت كمن وضع النار بجوار البنزين ولا تريد أن يحدث حريق، فقد سهلت لولدك شراء جهاز الهاتف بهذه المواصفات ومع وجود كم كبير من التطبيقات والوسائل الهدامة في هذا الهاتف 
بل بعدم اهتمامك كأنما دعوته إلى تعلّم الفاحشة والرذيلة منذ صغره حتى يشب عليها، فتصبح أنت كمن هيأه لهذه الثقافة والتنشئة التي لا بد وأن تنعكس عليه وأن ترى أثرها ولو بعد حين.
ولذلك نقول ونكرر نتقي الله في أبنائنا
ونعطيهم الهواتف ولكن نتابعهم عليها ونحذرهم من شرها ونذكرهم بأن يراقبوا الله في خلواتهم.
 
وأقول لنفسي محذرا ولكم معاشر المؤمنين.
الله الله الحذر من خطر هذه الجوالات في خلواتنا!!
 لا يغرنك صمتُ أعضائـك ، فـإن لهـا يـومـاً تتكلـم فـيـه ! : ﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾. 
 
تأمل جيداً قول الله تعالى :
 " يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم " ..
 
يقول أحد من ابتلي بالنظر للحرام :
 
سمعتُ خشخشةً في الباب، فبلغ قلبي حنجرتي، وانقطع نفَسي، فأغلقت جهازي، وفتحت الباب؛ فوجدتها هرَّة .. الم يعلم هذا المسكين
ان الله أقرب إليه من حبل الوريد.
 
اللهم وفقنا لحفظ أبصارنا
وحصن فروجنا واجعلنا من عبادك الصالحين.
اللهم أعذنا من شر هذه الجوالات التي في أيدينا اللهم وفقنا لنستخدمها قي طاعتك وفيما يرضيك برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم وفق ولاة أمرنا وسددهم واحفظهم وأدم علينا نعمة الأمن والأمان والاستقرار وعم بها جميع أوطان المسلمين.
 
عباد الله؛ اذكروا الله يذكركم
واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
المشاهدات 469 | التعليقات 0