النفاقان الليبرالي والباطني.. بداية واحدة ونهاية مشتركة
الشيخ د إبراهيم بن محمد الحقيل
1433/03/24 - 2012/02/16 05:07AM
النِّفَاقَانِ: اللِّيبْرَالِيُّ وَالبَاطِنِيُّ
بِدَايَةٌ وَاحِدَةٌ.. وَنِهَايَةٌ مُشْتَرَكَةٌ
25/3/1433
الْحَمْدُ للهِ الْعَلِيمِ الْقَدِيرِ؛ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى، وَيَسْمَعُ كُلَّ نَجْوَى، وَهُوَ مُنْتَهَى كُلِّ شَكْوَى؛ فَلَا أَمْرَ إِلَّا أَمْرُهُ، وَلَا حُكْمَ إِلَّا حُكْمُهُ؛ [ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ] {غافر:64}، نَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمِهِ وَآلائِهِ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى فَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ؛ ما أَحَدٌ أَصْبَر عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنْهُ سُبْحَانَهُ، يَجْحَدُونَهُ وَيَشْتُمُونَهُ، ثُمَّ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ كَانَ أَحْلَمَ النَّاسِ وَأَلْيَنَهُمْ، وَأَحْسَنَهُمْ خُلُقًا، وَأَكْثَرَهُمْ عَفْوًا، وَمَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ إِلاَّ أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللهِ تَعَالَى، فَيَنْتَقِمَ للهِ سُبْحَانَهُ بِهَا؛ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاسْتَدِيمُوا عِبَادَتَهُ؛ فَإِنَّ كَثْرَةَ العِبَادَةِ فِي أَحْوَالِ الفِتَنِ كَهِجْرَةٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِمَا فِيهَا مِنَ الرَّبْطِ عَلَى القَلْبِ، وَالتَّثْبِيتِ عَلَى الحَقِّ، وَالاشْتِغَالِ بِمَا يَغْفَلُ عَنْهُ النَّاسُ؛ [وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ اليَقِينُ] {الحجر:99}.
أَيُّهَا النَّاسُ: لاَ كَيْدَ أَشَدَّ عَلَى أُمَّةِ الإِسْلامِ مِنْ كَيْدِ المُنَافِقِينَ، فَالكَافِرُ يُعْرَفُ فَيُحْذَرُ، وَيُبَايِنُ المُسْلِمِينَ فَيُتَّقَى، وَأَمَّا المُنَافِقُ فَيُظْهِرُ خِلافَ مَا يُبْطِنُ، وَجَسَدُهُ مَعَ المُسْلِمِينَ وَقَلْبُهُ مَعَ أَعْدَائِهِمْ؛ وَلِذَا كَانَ التَّحْذِيرُ مِنَ المُنَافِقِينَ فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ مَكْرُورًا؛ فَقَدْ تَنَاوَلَتْهُمْ كَثِيرٌ مِنَ السُّوَرِ الطُّوَالِ؛ كَالْبَقَرَةِ، وَآلِ عِمْرَانَ، وَالتَّوْبَةِ، وَخُصُّوا بِسُورَةٍ سُمِّيَتْ بِهِمْ، جَاءَ فِيهَا قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: [هُمُ العَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ] {المنافقون:4}.
لَقَدْ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى أَوْصَافَهُمْ، وَبَيَّنَ لَنَا أَفْعَالَهُمْ، وَحَذَّرَنَا مِنْ مَكْرِهِمْ وَمَكَايِدِهِمْ، حَتَّى قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ: «هِيَ الْفَاضِحَةُ، ما زَالَتْ تَنْزِلُ: وَمِنْهُمْ، وَمِنْهُمْ، حَتَّى ظَنُّوا أَنَّهَا لَنْ تُبْقِيَ أَحَدًا مِنْهُمْ إِلاَّ ذُكِرَ فِيهَا»؛ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ القَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-:«كَادَ القُرْآنُ أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ فِي شَأْنِهِمْ».
ابْتَدَأَ النِّفَاقُ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ غَزْوَةِ بَدْرٍ، حِينَ ذَلَّ الشِّرْكُ وَعَزَّ الإِيمَانُ، وَكُسِرَ المُشْرِكُونَ وَانْتَصَرَ المُؤْمِنُونَ، وَكَانَ نِفَاقًا هَدْمِيًّا عَبَثِيًّا لاَ يَحْمِلُ مَشْرُوعًا عَقَدِيًّا يَكُونُ مَحِلَّ الإِسْلامِ، دَفَعَ أَصْحَابَهُ إِلَيْهِ زَعَامَةٌ يُنْظَمُ لَهُمْ خَرَزُهَا حَالَ الإِسْلامُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهَا، فَحَقَدُوا عَلَيْهِ، وَحَسَدُوا النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى مَا أَعْطَاهُ اللهُ تَعَالَى مِنَ النُّبُوَّةِ وَالمَنْزِلَةِ؛ وَلِذَا لاَ يُنْقَلُ عَنْ أَصْحَابِ هَذَا النِّفَاقِ فِكْرَةٌ غَيْرَ مُحَارَبَةِ الإِسْلامِ، وَالكَيْدِ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمُوَلاَةِ المُشْرِكِينَ وَاليَهُودِ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِعْلُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ وَمَنْ مَعَهُ، وَاسْتَمَرَّ هَذَا النَّوْعُ مِنَ النِّفَاقِ الْهَدْمِيِّ الْعَبَثِيِّ فِي الْأُمَّةِ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا، وَأَقْرَبُ فِئَةٍ تُمَثِّلُهُ الْيَوْمَ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ هِيَ الطَّائِفَةُ اللِّيبْرَالِيَّةُ؛ فَلَيْسَ لَدَى أَصْحَابِهَا مَشْرُوعٌ عَقَدِيٌّ لِإِحْلَالِهِ مَكَانَ الْإِسْلَامِ، وَمَشْرُوعُهُمُ الْفِكْرِيُّ هَدْمِيٌّ عَبَثِيٌّ شَهْوَانِيٌّ، عِمَادُهُ التَّمَرُّدُ عَلَى الشَّرَائِعِ الرَّبَّانِيَّةِ، وَإِسْقَاطُ الْوَاجِبَاتِ، وَإِبَاحَةُ الْمُحَرَّمَاتِ تَحْتَ لَافِتَةِ الْحُرِّيَّةِ.
وَنَشَأَ فِي الْأُمَّةِ نِفَاقٌ آخَرُ عَلَى يَدِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَبَأٍ الْيَهُودِيِّ، وَهُوَ نِفَاقٌ لَدَيْهِ مَشْرُوعٌ عَقَدِيٌّ، يُرِيدُ إِحْلَالَهُ مَحِلَّ الْإِسْلَامِ، وَهَذِهِ الْعَقَائِدُ خَلِيطٌ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ وَالْوَثَنِيَّةِ. فَهُوَ يُرِيدُ الْعَبَثَ بِالإِسْلَامِ كَمَا عَبَثَ بُولُسُ بِالنَّصْرَانِيَّةِ، وَهُوَ نِفَاقٌ نَجَمَ فِي الْخِلَافَةِ الرَّاشِدَةِ، وَاسْتَمَرَّ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا، وَيُمَثِّلُهُ حَقَّ التَّمْثِيلِ الْفِرَقُ الْبَاطِنِيَّةُ.
وَمَنْ تَأَمَّلَ الْمُفْرَدَاتِ الْفِكْرِيَّةَ لِنَوْعَيِ النِّفَاقِ اللِّيبْرَالِيِّ وَالْبَاطِنِيِّ، ثُمَّ أَبْصَرَ أَفْعَالَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَيْهِمَا يَجِدُ اشْتِرَاكًا بَيْنَهُمَا فِي الْقَضَايَا، وَتَوَافُقًا فِي الْأَهْدَافِ وَالْغَايَاتِ، وَتَقَارُبًا فِي الْأَمْزِجَةِ وَالْأَهْوَاءِ، حَتَّى نُقِلَ عَنْ بَعْضِ أَسَاطِينِ اللِّيبْرَالِيَّةِ قَوْلُهُ: أَقْبَلُ جَمِيعَ الْفِرَقِ وَالطَّوَائِفِ إِلَّا الْإِسْلَامَ السُّنِّيِّ، فَإِنِّي لَا أَقْبَلُهُ!
إِنَّ النِّفَاقَ السَّلُولِيَّ الْعَبَثِيَّ وَالنِّفَاقَ السَّبَئِيَّ الْبَاطِنِيَّ يَشْتَرِكَانِ فِي الْبِدَايَةِ، وَلَا يَخْتَلِفَانِ فِي النِّهَايَةِ؛ فَبِدَايَةُ مَشْرُوعِ النِّفَاقَيْنِ كِلَيْهِمَا هَدْمُ الْإِسْلَامِ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللهُ تَعَالَى، وَبَلَّغَهُ رَسُولُهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- وَأَمَّا فِي النِّهَايَةِ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا وِجْهَتُهُ، وَلَكِنَّهُمَا يَتَّفِقَانِ وَلَا يَخْتَلِفَانِ؛ فَالنِّفِاقُ السَّلُولِيُّ شَهْوَانِيٌّ يُرِيدُ سَيَادَةَ الشَّهْوَةِ، وَتَحْرِيرَ الْإِنْسَانِ مِنَ الْعُبُودِيَّةِ للهِ تَعَالَى؛ لِيَكُونَ عَبَدًا لِهَوَاهُ، وَأَمَّا النِّفَاقُ السَّبَئِيُّ الْبَاطِنِيُّ فَمَشْرُوعُهُ الْعَقَدِيُّ مَحْصُورٌ فِي الْمُسْلِمِينَ؛ وَلِذَا لَا جِهَادَ فِيهِ لِلْكُفَّارِ، وَلَا دَعْوَةَ لِغَيْرِ الْمُسْلِمِينَ لِاعْتِنَاقِ الْإِسْلَامِ، وَمَنْ تَأَمَّلَ تَارِيخَ الْبَاطِنِيِّينَ الطَّوِيلَ لَا يَجِدُ لَهُمْ ذِكْرًا فِي الْجِهَادِ وَالْفُتُوحِ، إِلَّا فِي الْغَدْرِ بِالْمُسْلِمِينَ وَخِيَانَتِهِمْ، كَمَا لَا يَجِدُ لَهُمْ جُهُودًا فِي دَعْوَةِ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ إِلَى مَذْهَبِهِمُ الْبَاطِلِ، إِلَّا مَا كَانَ مِنَ الرَّافِضَةِ الْإِمَامِيَّةِ مُؤَخَّرًا، بَعْدَ انْقِلَابِهِمْ عَلَى عَقِيدَةِ الانْتِظَارِ، وَإِحْدَاثِ بِدْعَةِ وِلَايَةِ الْفَقِيهِ، وَحَتَّى بَعْدَ نُشُوءِ هَذِهِ الْفِكْرَةِ فِي الِإْمَامِيَّةِ، فَإِنَّ جِهَادَهُمْ كَانَ ضِدَّ الْمُسْلِمِينَ، وَدَعْوَتَهُمْ لِلتَّشَيُّعِ هِيَ فِي أَوْسَاطِ الْمُسْلِمِينَ.
وَلَيْسَ الْكُفَّارُ هَدَفًا رِئِيسًا عِنْدَهُمْ لِلدَّعْوَةِ، وَاعْتِنَاقِ مَذْهَبِهِمْ، وَعِنْدَهُمْ مِنَ الْمُرُونَةِ فِي تَحْلِيلِ الْمُحَرَّمَاتِ وَإِسْقَاطِ الْوَاجِبَاتِ مَا يُوَافِقُ الْهَوَى اللِّيبْرَالِيَّ الشَّهْوَانِيَّ؛ وَلِذَا لَمْ يَكُنْ غَرِيبًا أَنْ يَتَحَالَفَ اللِّيبْرَالِيُّونَ فِي الدُّوَلِ الْإِسْلَامِيَّةِ مَعَ أَرْبَابِ الْمَذَاهِبِ الْبَاطِنِيَّةِ؛ لِأَنَّ نِقَاطَ الاتِّفَاقِ بَيْنَ النِّفَاقِ السَّلُولِيِّ وَالنِّفَاقِ السَّبَئِيِّ أَكْثَرُ مِنْ نِقَاطِ الاخْتِلَافِ.
لَقَدْ رَأَيْنَا فِي عَصْرِنَا أَنَّ مُنْتَحِلِي نَوْعَيِ النِّفَاقِ السَّلُولِيِّ وَالسَّبَئِيِّ يَشْتَرِكَانِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْقَضَايَا:
فَحِينَ رَأَيْنَا النُّصَيْرِيَّةَ الْبَاطِنِيَّةَ يُؤَلِّهُونَ زَعِيمَهُمْ، وَيَشْتُمُونَ اللهَ تَعَالَى، رَأَيْنَا كَذَلِكَ اللِّيبْرَالِيِّينَ يُؤَلِّهُونَ عُقُولَهُمْ وَشَهَوَاتِهِمْ، وَيَجْحَدُونَ اللهَ تَعَالَى، وَيَسْخَرُونَ مِنْهُ سُبْحَانَهُ.
وَحِينَ رَأَيْنَا الْإِمَامِيَّةَ الْبَاطِنِيَّةَ يَطْعَنُونَ فِي الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، رَأَيْنَا كَذَلِكَ اللِّيبْرَالِيِّينَ يَطْعَنُونَ فِي الصَّحَابَةِ، وَيَتَّهِمُونَهُمْ بِالْإِرْهَابِ وَالْعَدَاءِ لِلْحُرِّيَّةِ فِي حُرُوبِ الْمُرْتَدِّينَ.
وَحِينَ رَأَيْنَا الْبَاطِنِيَّةَ يَسْتَبِيحُونَ الْمُحَرَّمَاتِ، وَيَجْعَلُونَهَا مِنْ صَمِيمِ دِينِهِمْ، وَيَخْتَرِعُونَ لَهَا رِوَايَاتٍ يُلْصِقُونَهَا بِآلِ الْبَيْتِ، أَوْ بِأَئِمَّتِهِمْ أَيًّا كَانُوا؛ رَأَيْنَا كَذَلِكَ اللِّيبْرَالِيَّةَ تَسْتَبِيحُ المُحَرَّمَاتِ تَحْتَ رَايَاتِ الحُرِّيَّةِ، وَتَتَلَمَّسُ فَهْمًا شَاذًّا لِنُصُوصٍ لاَ تُؤْمِنُ بِهَا وَلا تُعَظِّمُهَا، وَلَكِنْ لِتُشَرِّع َمُنْكَرَهَا فِي النَّاسِ!
وَتَشْتَرِكُ طَائِفَتَا النِّفَاقِ السَّلُولِيِّ وَالنِّفَاقِ السَّبَئِيِّ فِي اسْتِفْزَازِ المُسْلِمِينَ بِالطَّعْنِ فِي مُقَدَّسَاتِهِمْ، وَالاعْتِدَاءِ عَلَى حُرُمَاتِ دِينِهِمْ، دُونَ مُبَالاَةٍ بِمَشَاعِرِهِمْ.
وَتَشْتَرِكُ الطَّائِفَتَانِ فِي انْتِحَالِ التَّقِيَّةِ؛ فَأَرْبَابُ النِّفَاقِ السَّلُولِيِّ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ مُعَظِّمُونَ لِلَّهِ تَعَالَى، مُلْتَزِمُونَ بِالإِسْلامِ، فِي الوَقْتِ الَّذِي يُصَادِرُونَ فِيهِ الشَّرِيعَةَ لِصَالِحِ المَشَارِيعِ التَّغْرِيبِيَّةِ الوَضْعِيَّةِ، وَيَسْخَرُونَ مِنْ أَحْكَامِهَا، وَيَدْعُونَ النَّاسَ لِنَبْذِهَا.
وَأَصْحَابُ النِّفَاقِ السَّبَئِيِّ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ مُعَظِّمُونَ لِآلِ البَيْتِ، وَهُمْ يَطْعَنُونَ فِي أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ وَهُنَّ أَخَصُّ آلِ البَيْتِ؛ فَإِنَّ زَوْجَاتِ الرَّجُلِ أَكْثَرُ خُصُوصِيَّةً بِهِ مِنْ غَيْرِهِنَّ، كَمَا أَنَّهُمْ يُزْرُونَ بِدِينِ آلِ البَيْتِ، وَيَرُدُّونَ رِوَايَاتِهِمُ الصَّحِيحَةَ؛ لِيَسْتَبْدِلُوا بِهَا مَا اخْتَرَعُوهُ مِنْ رِوَايَاتٍ تَخْدُمُ المَجُوسِيَّةَ.
وَتَشْتَرِكُ طَائِفَتَا النِّفَاقِ فِي الحِقْدِ عَلَى الإِسْلامِ وَأَهْلِهِ، وَلَوِ اسْتَطَاعُوا لَأَبَادُوا المُسْلِمِينَ أَوْ أَخْرَجُوهُمْ مِنْ دِينِهِمْ، وَيَكْفِي لِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ مُشَاهَدَةُ بَرَامِجِهِمُ الفَضَائِيَّةِ، وَمُطَالَعَةُ مَوَاقِعِهِمُ الأَلِكْتُرُونِيَّةِ، وَقِرَاءَةِ صُحُفِهِمْ وَمَجَلاَّتِهِمُ الَّتِي تَنْضَحُ بِالحِقْدِ وَالضَّغِينَةِ عَلَى كُلِّ مَا يَمُتُّ لِلْإِسْلامِ بِصِلَةٍ، وَوَصْمِهِ بِالتَّطَرُّفِ وَالإِرْهَابِ وَالأُصُولِيَّةِ، مَعَ افْتِرَائِهِمْ عَلَى عُلَمَاءِ الإِسْلامِ وَدُعَاتِهِ، وَتَأْلِيبِ الرَّأْيِ العَامِّ عَلَيْهِمْ بِشَتَّى الوَسَائِلِ. وَالمَذَابِحُ المُسْتَمِرَّةُ فِي بِلادِ الشَّامِ تُفْصِحُ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الحِقْدِ البَاطِنِيِّ عَلَى المُسْلِمِينَ، قَصَمَهُمُ اللهُ تَعَالَى بِقُوَّتِهِ وَأَذَلَّهُمْ بِعِزَّتِهِ.
وَتَشْتَرِكُ طَائِفَتَا النِّفَاقِ فِي خِيَانَةِ المُسْلِمِينَ، وَالسَّعْيِ الدَّؤُوبِ لِتَمْكِينِ الأَعْدَاءِ مِنْهُمْ، وَتَارِيخُ الطَّائِفَتَيْنِ حَافِلٌ بِالمَخَازِي فِي الخِيَانَةِ، مُنْذُ نَشْأَةِ النِّفَاقِ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا، وَلَوْلاَ النِّفَاقُ السَّبَئِيُّ فِي طَهْرَانَ لَمَا احْتُلَّتِ العِرَاقُ وَأَفْغَانِسْتَانُ، وَالاِخْتِرَاقُ الغَرْبِيُّ لِلْمُجْتَمَعَاتِ الإِسْلامِيَّةِ عَنْ طَرِيقِ النِّفَاقِ السَّلُولِيِّ اللِّيبْرَالِيِّ مَا عَادَ يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ، وَالتَّمْوِيلُ الغَرْبِيُّ لِمَا يُسَمَّى بِـ: مُنَظَّمَاتِ المُجْتَمَعِ المَدَنِيِّ، وَمَرَاكِزِ بُحُوثِهَا وَهِيَ تَطْعَنُ فِي الإِسْلامِ، أَوْ تُعِيدُ صِيَاغَتَهُ لِمَسْخِ أَحْكَامِهِ، وَتَبْدِيلِ شَرِيعَتِهِ أَمْرٌ مَشْهُورٌ، وَهِيَ الَّتِي خَرَّجَتْ بِامْتِيَازٍ الزَّنَادِقَةَ وَالمُرْتَدِّينَ الَّذِينَ يَشْتُمُونَ اللهَ تَعَالَى وَرُسُلَهُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ وَيَزْدَرُونَ دِينَهُ.
وَهَذَا التَّقَارُبُ وَالاشْتِرَاكُ بَيْنَ النِّفَاقَيْنِ السَّلُولِيِّ اللِّيبْرَالِيِّ وَالسَّبَئِيِّ البَاطِنِيِّ مَرَدُّهُ إِلَى أَنَّ المِشْكَاةَ الَّتِي يَتَغَذَّيَانِ مِنْهَا وَاحِدَةٌ وَهِيَ الهَوَى، وَغَايَتَهُمَا وَاحِدَةٌ وَهِيَ القَضَاءُ عَلَى الإِسْلامِ الحَقِّ، وَإِحْلالُ إِسْلامٍ آخَرَ مَحِلَّهُ، إِمَّا لِيبْرَالِيٌّ لاَ أَمْرَ فِيهِ وَلاَ نَهْيَ، وَلاَ حُدُودَ وَلا حُرُمَاتٍ سِوَى الحُرِّيَّةِ وَالهَوَى، وَإِمَّا بَاطِنِيٌّ يُعَبَّدُ فِيهِ النَّاسُ لِبَشَرٍ مِثْلِهِمْ، وَيَبْذُلُونَ لَهُمْ أَعْرَاضَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، وَيَسْفِكُونَ دِمَاءَهُمْ لِأَجْلِ مَجْدِهِمْ وَعِزَّتِهِمْ، وَالسَّبَبُ فِي شِدَّةِ عَدَائِهِمْ لِلْإِسْلامِ دُونَ غَيْرِهِ هُوَ قُوَّةُ الإِسْلامِ الذَّاتِيَّةُ الَّتي تَسْتَعْصِي عَلَى الوَأْدِ وَالإِنْهَاءِ وَتَتَأَبَّى عَلَى التَّحْوِيرِ وَالاحْتِوَاءِ؛ وَلِذَا تَرَوْنَ أَرْبَابَ النِّفَاقِ السَّلُولِيِّ مَعَ شِدَّةِ طَعْنِهِمْ فِي شَعَائِرِ الإِسْلامِ، وَالحَطِّ مِنْ أَحْكَامِهِ، وَالاسْتِهْزَاءِ بَحَمَلَتِهِ، لَا يَنْتَقِدُونَ عَقَائِدَ البَاطِنِيَّةِ المُنْحَرِفَةَ، وَلاَ شَعَائِرَهُمُ المُنَفِّرَةَ، بَلْ يُدَافِعُونَ عَنْهُمْ، وَيَقِفُونَ مَعَهُمْ فِي الغَالِبِ، وَإِنِ انْتَقَدُوا دَوْلَةً بَاطِنِيَّةً أَوْ نِظَامًا بَاطِنِيًّا، فَالنَّقْدُ مُوَجَّهٌ لِسِيَاسَتِهِ وَلَيْسَ لِعَقِيدَتِهِ وَفِكْرِهِ! وَالغَرْبُ الصَّلِيبِيُّ الصَّهْيَوْنِيُّ يَعْرِفُ أَنَّ وَسِيلَتَهُ لِكَسْرِ المُسْلِمِينَ هِيَ اسْتِخْدَامُ أَتْبَاعِ نَوْعَيِ النِّفَاقِ السَّلُولِيِّ وَالسَّبَئِيِّ؛ وَلِذَا تَمْتَدُّ حِبَالُهُ إِلَيْهِمْ سَرِيعًا بِالتَّأْيِيدِ وَالنُّصْرَةِ تَحْتَ لافِتَاتِ حُقُوقِ الأَقَلِّيَّاتِ، وَحِمَايَةِ الحُرِّيَّاتِ.
حَمَى اللهُ تَعَالَى المُسْلِمِينَ مِنْ شَرِّهِمْ، وَرَدَّ عَلَيْهِمْ كَيْدَهُمْ، آمِينَ.
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا...
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
أَمَّا بَعْدُ، فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ؛ وَاحْذَرُوا زَيْغَ القُلُوبِ، وَتَعَوَّذُوا بِاللهِ تَعَالَى مِنَ الضَّلالِ بَعْدَ الهُدَى؛ فَإِنَّ قُلُوبَ العِبَادِ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ شَاءَ؛ [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ] {الأنفال:24}.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: إِنَّ المُلاحَظَ أَنَّ أَتْبَاعَ النِّفَاقِ بِنَوْعَيْهِ السَّلُولِيِّ وَالسَّبَئِيِّ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لاَ يُظْهِرُونَ نِفَاقَهُمْ، وَيَسْتَخْفُونَ بِعَقَائِدِهِمْ وَأَفْكَارِهِمْ، وَلَكِنْ لَمَّا قُضِيَ عَلَى الشُّيُوعِيَّةِ، وَاسْتَفْرَدَ الغَرْبُ اللِّيبْرَالِيُّ بِالعَالَمِ نَجَمَ نَوْعَا النِّفَاقِ، وَقَوِيَتْ مَرَاكِزُهُمَا، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الغَرْبَ يُغَذِّيهِمَا وَيُقَوِّي مَرَاكِزَهُمَا فِي العَالَمِ الإِسْلامِيِّ، وَلَقَدْ تَجَاوَزَتْ قُوَّةُ النِّفَاقَيْنِ حَدَّ الإِفْصَاحِ عَنْ أَفْكَارِهِمْ، وَإِظْهَارَ شَعَائِرِهِمْ، إِلَى حَدِّ الاسْتِفْزَازِ بِالطَّعْنِ فِي مُقَدَّسَاتِ المُسْلِمِينَ، وَمَنْ تَتَبَّعَ حَرَكَةَ النِّفَاقَيْنِ السَّلُولِيِّ اللِّيبْرَالِيِّ وَالسَّبَئِيِّ البَاطِنِيِّ، تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ ثَمَّةَ اقْتِسَامًا فِي الأَدْوَارِ لِتَحْطِيمِ مُقَدَّسَاتِ المُسْلِمِينَ، وَتَهْوِينِهَا فِي نُفُوسِهِمْ، حَتَّى وَصَلَ بِهِمُ الأَمْرُ إِلَى الطَّعْنِ فِي اللهِ تَعَالَى، وَفِي رَسُولِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ.
إِنَّ المُوَاجَهَةَ القَائِمَةَ وَالقَادِمَةَ هِيَ مُوَاجَهَةٌ مَعَ النِّفَاقِ وَأَهْلِهِ، بِنَوْعَيْهِ السَّلُولِيِّ اللِّيبْرَالِيِّ، وَالسَّبَئِيِّ البَاطِنِيِّ؛ لِأَنَّ الغَرْبَ الصَّلِيبِيَّ اسْتَخْدَمَهُمْ بِخُبْثٍ وَدَهَاءٍ رَأْسَ حَرْبَةٍ فِي تَقْوِيضِ الإِسْلامِ مِنْ دَاخِلِهِ، وَهِيَ حَرْبٌ لَا تَزَالُ فِي مَيْدَانِ المُوَاجَهَةِ الفِكْرِيَّةِ بِاللِّسَانِ وَالحُجَّةِ وَالبَيَانِ، رَغْمَ الاعْتِدَاءِ الصَّفَوِيِّ المُتَكَرِّرِ لِلتَّوَسُّعِ عَلَى حِسَابِ المُسْلِمِينَ.
وَحِمَايَةُ عَقَائِدِ المُسْلِمِينَ وَمُقَدَّسَاتِهِمْ مِنَ اعْتِدَاءِ المُنَافِقِينَ حَتْمٌ لَازِمٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، وَفَضْحُهُمْ عَلَى رُؤُوسِ المَلَأِ مِنْ جِهَادِ الكَلِمَةِ؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى أَمَرَ بِجِهَادِهِمْ، وَالإِغْلاظِ عَلَيْهِمْ؛ [يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ] {التوبة:73}، وَلِحِمَايَةِ نَشْءِ المُسْلِمِينَ مِنَ الإِدْخَالِ عَلَيْهِمْ فِي عَقَائِدِهِمْ، وَفِي أَغْرَارِ المُسْلِمِينَ مَنْ يَنْخَدِعُ بِمَنْطِقِ المُنَافِقِينَ وَلَحْنِ قَوْلِهِمْ؛ [وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ] {التوبة:47}.
وَلْنَعْلَمْ أَنَّ تَنَصُّلَهُمْ مِنْ أَقْوَالِهِمْ إِنْ رَأَوْا غَضَبَ المُسْلِمِينَ، أَوْ تَأْوِيلَ طَعْنِهِمْ فِي المُقَدَّسَاتِ لَيْسَ أَمْرًا جَدِيدًا، وَهُوَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ نَبَّأَنَا اللهُ تَعَالَى عَنْ هَذِهِ الصِّفَةِ فِيهِمْ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: [يَحْلِفُونَ بِالله مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ] {التوبة:74}.
وَالخَسَارَةُ كُلُّ الخَسَارَةِ فِي الجِدَالِ عَنْ مُنَافِقٍ اسْتَبَانَ نِفَاقُهُ، أَوْ فِي الدِّفَاعِ عَنْ زِنْدِيقٍ أَظْهَرَ مَا يُخْفِي مِنْ زَنْدَقَتِهِ، وَيُخْشَى عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنَ النِّفَاقِ، وَمَا أَكْثَرَ وُقُوعَ ذَلِكَ مِنَ المُصَلِّينَ، بِسَبَبِ عَوَاطِفَ وُضِعَتْ فِي غَيْرِ مَحِلِّهَا، يَسْتَخْرِجُهَا مِنْ قُلُوبِ الغَافِلِينَ أَهْلُ النِّفَاقِ، بِصَرِيخِهِمْ وَوَلْوَلَتِهِمْ وَاعْتِذَارِهِمْ، واللهُ تَعَالَى يَقُولُ: [وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا * يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ القَوْلِ وَكَانَ اللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا * هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا] {النساء:107-109}.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا..
المرفقات
النفاقان الليبرالي والباطني.doc
النفاقان الليبرالي والباطني.doc
النفاقان_الليبرالي_والباطني.doc
النفاقان_الليبرالي_والباطني.doc
المشاهدات 3373 | التعليقات 4
جزاك الله خيراً
ونفع بك وبخطبك الرائعة شيخنا الجليل
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاكم الله خيرا
الإخوة الكرام أبو مها والليث وشبيب، شكر الله تعالى لكم مروركم الكريم على الخطبة واستجاب دعواتكم وأعظم أجركم ونفع بكم..اللهم آمين.
ابومها ابومها
جزاك الله خير
تعديل التعليق