النعمة العظمى الأمن

محمد محمد
1446/03/16 - 2024/09/19 16:54PM

نعمةُ الأمنِ-17-3-1446هـ-مستفادة من خطبة الشيخ مبارك العشوان

الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:

الأَمْنُ وَالِاسْتِقْرِارُ؛ نِعْمَةٌ لَا تُقَدَّرُ بِثَمَنٍ؛ يَومَ يَأمَنَ المَرْءُ عَلَى دِينِهِ ونَفْسِهِ وَأَهْلِهِ، وَعِرْضِهِ وَعَقْلِهِ وَمَالِهِ.

مَعَ الْأَمْنِ يَهْنَأُ النَّاسُ بِعَيْشِهِمْ، وَيَتَّجِهُونَ لِمَصَالِحِ دِيْنِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَيَتَفَرَّغُونَ لِعِبَادَةِ رَبِّهِمْ، وَيَتَمَتَعُونَ بِهَا. 

الْأَمْنُ مِنْ أَعْظَمِ مَطَالِبِ الحَيَاةِ، بَلْ هُوَ ضَرُورَةٌ مِنْ ضَرُورَاتِهَا.

جَاءَ الأمْنُ فِي القُرْآنِ وَالسُّنَّةِ مَقْرُونًا بِالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ اللَّذَينِ لَا حَيَاةَ لِأَحَدٍ بِدُونِهِمَا، بل قُدِّمَ عَلَيْهِمَا، فقدْ دَعَا الْخَلِيلُ إبراهيمُ-عَلَيهِ السَّلَامُ-فقال: (رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخرِ)، وَقَالَ-تَعَالَى-مُمْتَنًا بِالأَمْنِ: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ)، وَقَالَ: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ).

وَلَا سَبِيلَ إِلَى تَحْقِيقِ الأَمْنِ لِلْأَشْخَاصِ وَالمُجْتَمَعَاتِ وَالدُّوَلِ؛ إِلَّا بِدِينِ الإِسْلَامِ الَّذِي اخْتَارَهُ اللهُ لِعِبَادِهِ، ولَا طَرِيقَ إِلَى الكَرَامَةِ وَالعِزِّ، وَلَا أمَلَ فِي التَّمْكِينِ وَالنَّصْرِ، وَلَا وِقَايَةَ مِنَ العُقُوبَاتِ، إلَّا بِالرُّجُوعِ الحقيقي إِلَى الإسلامِ، والتَّسْلِيْمِ التَّامِّ لَهُ، وَالعَمَلِ بِتَعَالِيمِهِ، وَتَحْكِيمِهِ فِي كُلِّ صَغِيرَةٍ وَكَبِيرَةٍ؛ وَمَنْ تَأَمَّلَ حَالَ العَرَبِ قَبْلَ الإِسْلَامِ وَبَعْدَهُ عَرَفَ ذَلِكَ، قَالَ-تَعَالَى-: (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).

الأَمْنُ نِعْمَةٌ؛ وَحَقُّ النِّعَمِ أنْ تُشْكَرَ؛ وَإِذَا شَكَرَ العِبَادُ رَبَّهُمْ-جَلَّ وَعَلَا-عَلَى نِعَمِهِ؛ أَدَامَهَا عَلَيْهِمْ، وَزَادَهُمْ أَمْنًا وَاسْتِقْرَارًا وَطُمَأْنِينَةً، وَإِنْ جَحَدُوهَا وَتَنَكَّرُوا للهِ مُعْطِيهَا، وَبَدَّلُوا نِعْمَتَهُ كُفْرًا، وَبَارَزُوهُ بِالمَعَاصِي، حَلَّتْ بِهِمْ المصائبُ، وَنَزَلَتْ بِهِمُ النَّوَازِلُ، وَاخْتَلَّ أَمْنُهُمْ، وَأُحِيطَ بِهِمْ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، قال-عَزَّ وَجَلَّ-: (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ).

إخواني: مَنْ آمنَ بِاللهِ-عَزَّ وَجَلَّ-، وَتركَ الشِّرْكَ صغيرَه وَكَبِيرَه، وَلَمْ يَخْلِطْ إِيْمَانَهُ بِشِرْكٍ فَهُوَ الآمِنُ المُهْتَدِي: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ)، مَنْ حَقَّقَ إِيْمَانَهُ وَعَمِلَ الصَّالِحَاتِ؛ فَهُوَ المَوعُودُ بِالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ، وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ المُتَوَعَّدُ بِالعَذَابِ الأَلِيمِ: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).

وكما جَعَلَ اللهُ الأمْنَ فِي الإيمَانِ فقدْ جعلَ الخَوفَ فِي الشِّرْكِ؛ قَالَ-تَعَالَى-: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا).

وكما أنَّ الإيمَانَ وَالعَمَلَ الصَّالِحَ يُؤَمِّنَانِ مِنْ مَخَاوِفِ الدُّنْيَا؛ فَكَذَلِكَ يُؤَمِّنَانِ مِنْ مَخَاوِفِ الآخِرَةِ، قَالَ-تَعَالَى-: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ)، وَقَالَ: (مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ)، وَقَالَ: (لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأكْبَرُ)، وَقَالَ: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ)، وَقَالَ: (وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ)، وَقَالَ: (أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، نَسْأَلُ اللهَ الكَرِيمَ لنا وللمسلمينَ مِنْ فَضْلِهِ.

أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:

فاعْلَمُوا أنَّ مِنْ أَعْظَمِ أسبابِ الأمْنِ: اجْتِمَاعُ الكَلِمَةِ، وَالِالْتِفَافُ حَولَ العُلَمَاءِ، وَطَاعَةُ وَلَاةِ الأمْرِ في غيرِ معصيةِ اللهِ، وَتَحْكِيمُ الشَّرَيْعَةِ؛ قَالَ-تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا).

ومنها: قِيَامُ الرَّاعِي بِحُقُوقِ رَعِيَّتِهِ، وَقِيَامُهُمْ بِحَقِّهِ، مِنَ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ في غَيْرِ مَعْصِيَةِ، وَإِذَا قَامَ كُلٌ مِنَ الرَّاعِي وَالرَّعِيَّةِ بِمَا وَجَبَ عَلَيهِمْ فَلْيُبْشِرُوا بِاسْتِتْبَابِ الأمْنِ، وَشُيُوعِ المَحَبَّةِ، وَوَحْدَةِ الكَلِمَةِ، وَالقُوَّةِ وَالمَهَابَةِ فِي نُفُوسِ الأعْدَاءِ.

اللَّهمَّ إنِّا نسألُكَ بأنَّ لَكَ الحمدُ، وأَنَّا نَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ، لا إلَهَ إلَّا أنتَ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، المنَّانُ، بديعُ السَّمواتِ والأرضِ، ياذا الجلالِ والإِكرامِ، يا حيُّ يا قيُّومُ.

اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لرضاكَ، ونَصرِ دِينِكَ، وإعلاءِ كَلمتِكَ، واحفظْ لهذه البِلَادِ وَسَائِرِ بِلَادِ المُسْلِمِينَ أَمْنَهُمْ وَإِيْمَانَهُمْ، ورُدَّ كَيْدَ الكَائِدِينَ فِي نُحُورِهِمْ.

اللَّهُمَّ الطفْ بنا وبإخوانِنِا المستضعفينَ على كُلِّ حالٍ، وبَلِّغْنا وإياهُم من الخيرِ والفرجِ والنصرِ منتهى الآمالِ.

اللَّهُمَّ حَسَّنْتَ خَلْقَنا فَحَسِّنْ أخلاقَنا.

اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا ولوالدِينا وأهلِنا والمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ، والهُدى والسَّدادَ، والبركةَ والتوفيقَ، وَصَلَاحَ الدِّينِ والدُنيا والآخرةِ.

اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.

المرفقات

1726754035_نعمةُ الأمنِ-17-3-1446هـ-مستفادة من خطبة الشيخ مبارك العشوان.docx

1726754035_نعمةُ الأمنِ-17-3-1446هـ-مستفادة من خطبة الشيخ مبارك العشوان.pdf

المشاهدات 857 | التعليقات 0