اَلنَّظَر إِلَى وَجْهِ اَللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ

سعود المغيص
1444/11/05 - 2023/05/25 18:23PM

الخُطْبَةُ الأُولَى :

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أمّا بعد عِبادَ اللهِ:

اتَّقُوا اللهَ تَعالى، واعْلَمُوا أَنَّ مِمَّا تَوَاتَرَتْ بِهِ الأَحَادِيثُ، وَأَجْمَعَ عَلَيهِ أهْلُ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ: أنَّ المُؤمِنِينَ يَرَونَ اللهَ جَلَّ وَعَلَا فِي الآخِرَةِ، يَرَونَهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَيَاناً بِأَبْصَارِهِمْ؛ رُؤْيَةً حَقِيقِةً، يَرَونَهُ سُبْحَانَهُ فِي عَرَصَاتِ القِيَامَةِ، وَيَرَونَهُ فِي الجَنَّةِ.

عِبادَ اللهِ: أَنَّ أَنَاسًا قَالُوا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ؟ قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ )

وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ ، قَالَ: يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُـوهَنَا ؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ )

مَا أعْظَمَهُ مِنْ نَعِيمٍ، يَومَ أنْ يَرَى المَخْلُوقُ خَالِقَهُ؛ الَّذِي خَلَقَهُ فَسَوَّاهُ فَعَدَلَهُ، يَومَ أنْ يَرَى العَبْدُ رَبَّهُ الَّذِي رَبَّاهُ بِالنِّعَمِ، وَصَرَفَ عَنْهُ النِّقَمَ، يَرَى الوَاحِدَ الأَحَدَ الصَّمَدَ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَد.

يَرَى المُؤمِنُونَ اللهَ جَلَّ جَلَالُهُ، فيَنْعَمُونَ بِأَعْظَمِ نَعِيمٍ  وَيَسْعَدُونَ أَعْظَمَ سَعَادَةٍ، وَيَفُوزُونَ بِمَا وَعَدَهُمُ اللهُ مِنَ المَزِيدِ: ( لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ) ( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسـْنَى وَزِيَادَةٌ )         ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) 

يَرَى المُؤْمِنُونَ اللهَ جَلَّ وَعَلَا ؛ وَيُحْجَبُ عَنْ رُؤيَتِهِ أقْوَامٌ ؛ بِسَبَبِ تَكْذِيبِهِمْ وَسُوءِ فِعْلِهِم ؛ كَمَا قَالَ تَعَالى: { كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ، ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ، ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } يَقُولُ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: فَذَكَرَ لَهُمْ ثَلَاثَةَ أنْوَاعٍ مِنَ العَذَابِ: عَذَابَ الجَحِيمِ، وَعَذَابَ التَّوبِيخِ وَاللَّومِ، وَعَذَابَ الحِجَابِ مِنْ رَبِّ العَالَمِينَ، المُتَضَمِّنَ لِسَخَطِهِ وَغَضَبِهِ عَلَيهِمْ، وَهُوَ أعْظَمُ عَلَيهِمْ مِنْ عَذَابِ النَّارِ.

نَعُوذُ بِكَ اللهُمَّ مِنْ غَضَبِكَ وَعِقَابِكَ.

عِبادَ اللهِ : عَلَيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ ؛ فَقَدْ أَعَدَّ جَنَّتَهُ لِلْمُتَّقِينَ { إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا ، حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا ، وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا ، وَكَأْسًا دِهَاقًا ، لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا ،  جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا }  

الْزَمُوا حُدُودَ اللهِ ، وَحَافِظُوا عَلَى فَرَائِضِهِ ، وَأكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِهِ ، واجْتَهِدُوا وَتَنَافَسُوا فِي طَاعَتهِ.

أصْلِحُوا لِلَّهِ تَعَالَى أقْوَالَكُمْ، وَأَفْعَالَكُمْ، وَنِيَّاتِكُمْ؛ تَكُونُوا مِنْ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ فَتُفْلِحُوا ، وَتَفُوزُوا بِمَا أَعَدَّ اللهُ لِلصَّالِحِينَ ؛ يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، مِصْدَاقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللهِ : { فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }

وَنَسْأَلُكَ اللهُمَّ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ.

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلُّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ :

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأًشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ تَعْظِيمًا لِشَأنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أمّا بعد عِبادَ اللهِ :

حَافِظُوا عَلَى صَلَاتِكُمْ؛ وَلَا تَتَهَاوَنُوا بِهَا؛ يَقُولُ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ نَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، فَقَالَ: ( أَمَا إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ، لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقَبْلَ غُــرُوبِهَا ) يَعْنِي الْعَصْرَ وَالْفَجْرَ، ثُمَّ قَرَأَ جَرِيرٌ { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا }  

حَافِظُوا عَلَى السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ، فَمَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا، غَيْرَ فَرِيضَةٍ، إِلَّا بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ)

وَهِيَ: أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ صَلاةِ الْفَجْرِ.

اطْلُبُوا العِلْمَ النَّافِعَ؛ فَإِنَّ مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الجَنَّةِ.

الْزَمُوا الصِّدْقَ فَـإنَّهُ ( يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ...) تَزَيَّنُوا بِحُسْنِ الخُلُقِ فَإِنَّهُ مِنْ أكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الجَنَّةَ، وإِنَّ مِنْ أَحَبِّ المُؤمِنِينَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَقْرَبِهِمْ مِنهُ مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ أَحَاسِنَهُم أَخْلاَقًا.

تَزَوَّدُوا مِنَ القُرُبَاتِ؛ وَاجْتَنِبُوا سَائِرَ المُحَرَّماتِ.

اللَّهُمَّ إنَّا نَسْألكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ. 

اَللَّهُمَّ عِلْمنَا مَا يَنْفَعُنَا ، وَأَنْفَعُنَا بِمَا عَلَّمَتْنَا وَفَقِهَنَا فِي دِينكْ يَا ذَا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ .

اَللَّهُمَّ صِلْ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدْ وَآلُهُ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ

اَللَّهُمَّ أَعَزّ اَلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ وَانْصُرْ عِبَادَكَ اَلْمُسْلِمِينَ وَفَرَج عَنْ إِخْوَانِنَا اَلْمُسْتَضْعَفِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ .

اللَّهُمَّ احْفَظْ إِخْوَانَنَا أَهْلَ السُّودَانِ، اللَّهُمَّ احْفَظْ دِينَهُمْ وَأَمْنَهُمْ وَأَبْدَانَهُمْ وَأَرْوَاحَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَهَالِيهِمْ وَأَوْلادَهُمْ، اللَّهُمَّ أَطْفِئِ الْفِتْنَةَ بَيْنَهُمْ, وَارْزُقْهُمُ التَّآلُفَ عَلَى الْحَقِّ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ،

اَللَّهُمَّ اِحْفَظْنَا بِحِفْظِكَ ، وُوفِقَ وَلِيُّ أَمْرِنَا ، وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى ؛ وَاحْفَظْ لِبِلَادِنَا اَلْأَمْنَ وَالْأَمَانَ ، وَالسَّلَامَةُ وَالْإِسْلَامُ ، وَانْصُرْ اَلْمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا ؛ وَانْشُرْ اَلرُّعْبَ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِنَا ؛

اللَّهُمَّ احْفَظْنَا واحفظ أَوْلاَدَنَا وَمُجْتَمَعَاتِنَا وَبِلاَدَنَا وَبِلاَدَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ كل سوء يَا رَبَّ الْعَالَمِيِنَ

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

.

 

المشاهدات 956 | التعليقات 0