النظر إلى المحرمات (2)
الشيخ د إبراهيم بن محمد الحقيل
1431/08/17 - 2010/07/29 03:15AM
النَّظَرُ إِلَى المُحَرَّمَاتِ (2)
عِلَاجُهُ وَطُرُقُ اجْتِنَابِهِ
18/8/1431
الحَمْدُ لله الخَلَّاقِ العَلِيْمِ، الرَّزَّاقِ الحَكِيْمِ؛ خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، وَعَلَّمَهُ مَا لَمْ يَعْلَمْ [وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُوْنِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُوْنَ شَيْئَاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُوْنَ] {الْنَّحْلِ:78} نَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمِهِ الْعَظِيمَةِ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى آَلَائِهِ الْجَسْيمَةِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ؛ لَا مَعْبُوْدَ بِحَقٍّ سِوَاهُ، وَلَا نَعْبُدُ إِلَا إِيَّاهُ، مُخْلِصِيْنَ لَهُ الْدِّيْنَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُوْنَ؛ خَلَقْنَا فِيْ أَحْسَنِ تَقْوِيْمٍ، وَشَقَّ أَسْمَاعَنَا وَأَبْصَارَنَا فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِيْنَ، وَأَشْهَدُ أَنْ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ؛ أَمَرَ بِحِفْظِ الْأَسْمَاعِ وَالْأَبْصَارِ وَالْقُلُوْبِ عَمَّا يَفْتِنُهَا، وَأَرْشَدَ إِلَى مَا يَحْفَظُهَا وَيَعْصِمُهَا، وَبَيَّنَ عِلَاجَهَا حَالَ مَرَضِهَا؛ رَحْمَةً بِأُمَّتِهِ، وَنُصْحَاً لَهَا، وَشَفَقَةً عَلَيْهَا، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الْدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيْعُوْهُ، وَاعْمُرُوا أَوْقَاتَكُمْ بِمَا يُرْضِيْهِ، وَجَانِبُوا مَا يُسْخِطُهُ؛ فَإِنَّكُمْ مَوْقُوْفُوْنَ لِلْحِسَابِ غَدَاً، وَمَسْئُوْلُوْنَ عَمَّا عَمِلْتُمْ [فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِيْنَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ المُرْسَلِيْنَ * فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِيْنَ * وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِيّنُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُوْنَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِيْنَ خَسِرُوَا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوْا بِآَيَاتِنَا يَظْلِمُوْنَ] {الْأَعْرَافِ:6-9}.
أَيُّهَا الْنَّاسُ: حِيْنَ خَلَقَ اللهُ تَعَالَىْ الْبَشَرَ، وَأَمَرَهُمْ بِطَاعَتِهِ، وَأَحَلَّ لَهُمْ مَا يَنْفَعُهُمْ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ مَا يَضُرُّهُمْ؛ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ قَدِ ابْتَلَاهُمْ بِالْشَّهَوَاتِ.. شَهَوَاتِ الْأَسْمَاعِ وَالْأَبْصَارِ، وَمَا يَنْتُجُ عَنْهَا مِنْ شَهَوَاتِ الْبُطُوْنِ وَالْفُرُوْجِ؛ لِيَظْهَرَ خُضُوْعُهُمْ وَإِذْعَانُهُمْ، وَتَقْدِيْمُهُمْ مَرْضَاةِ الله تَعَالَى عَلَى شَهَوَاتِهِمْ.
لَقَدْ أَمَرَهُمْ اللهُ تَعَالَىْ رِجَالَاً وَنِسَاءً بِغَضِّ أَبْصَارِهِمْ، وَحِفْظِ فُرُوْجِهِمْ عَمَّا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ، وَالِاكْتِفَاءِ بِمَا أُحِلَّ لَهُمْ؛ فَفِي الْرِّجَالِ [قُلْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ يَغُضُّوْا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوَا فُرُوْجَهُمْ] {الْنُّوْرِ:30} وَفِي الْنِّسَاءِ [وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوْجَهُنَّ] {الْنُّوْرِ:31}.
إِنَّ غَضَّ الْبَصَرِ كَانَ فِيْمَا مَضَىْ قَبْلَ اخْتِرَاعِ الْتَصَوِيْرِ الثَّابِتِ وَالْتَصْوِيرِ المُتَحَرِّكِ أَسْهَلَ عَلَى الْنُّفُوْسِ؛ لِأَنَّهُ غَضٌّ عَنِ الْنِّسَاءِ فِيْ الْطُّرُقِ وَالْأَسْوَاقِ، وَهُنَّ فِيْ الْغَالِبِ مُحْتَشِمَاتٍ مُسْتَتِرَاتٍ. أَمَّا فِيْ عَصْرِنَا فَالأَمْرُ أَعْسَرُ، وَالْمِحْنَةُ بِالْنَّظَرِ أَكْبَرُ، وَالْفِتْنَةُ بِهِ أَشَدُّ؛ لِانْتِشَارِ الْصُّوَرِ الثَّابِتَةِ وَالمُتَحَرِّكَةِ فِيْ كُلِّ مَكَانٍ حَتَّى اقْتَحَمَتْ عَلَى الْنَّاسِ بُيُوْتَهُمْ عَبْرَ أَجْهِزَةٍ شَتَّى، وَوَلَجَتْ جُيُوْبَهُمْ تُرَافِقُهُمْ أَيْنَمَا حَلُّوْا، عَدَا الْصُّوَرِ فِيْ الْأَسْوَاقِ وَالْطُّرُقِ وَغَيْرِهَا. وَكَانَ الْتَصْوِيْرُ الثَّابِتُ وَالمُتَحَرِّكُ أَهُمَّ سَبَبٍ أَدَّى إِلَى تَهْتُكِ الْنِّسَاءِ، وَعَرْضِ مَفَاتِنِهِنَّ، وَالِاتِّجَارِ بِأَجْسَادِهِنَّ، فِيْ أَفْلَامٍ وَمُسَلْسَلَاتٍ وَأَغَانٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ.. بَلْ تَعَدَّى ذَلِكَ إِلَى مُسَابَقَاتٍ فِي الْجَمَالِ وَقِلَّةِ الْحَيَاءِ، وَأَفْلَامٍ فِيْ الْإِثَارَةِ وَالْزِّنَا وَالسْحَاقِ وَعَمَلِ قَوْمِ لُوْطٍ..
وَكَثْرَةُ صُوَرِ الْإِثَارَةِ وَالْتَّعَرِّي، وَمُحَاصَرَتِهَا لِلْنَّاسِ فِيْ كُلِّ مَيْدَانٍ أَضْعَفَ إِنْكَارَ الْقُلُوْبِ لَهَا، وَأَمَاتَ الْإِحْسَاسْ بِحُرْمَتِهَا، فأَلِفَتْهَا كَثِيْرٌ مِنَ الْنُّفُوْسِ، وَشَخَصَتْ إِلَيْهَا أَكْثَرُ الْعُيُوْنِ، فَأَفْسَدَتِ الْقُلُوْبَ، وَسَعَّرَتِ الْشَّهَوَاتِ، وَقَادَتْ إِلَى كَثِيْرٍ مِنَ المُحَرَّمَاتِ.
وَفِيْ زَمَنِنَا هَذَا لَا يَكَادُ أَحَدٌ يَسْلَمُ مِنَ الْنَظَرِ إِلَى المُحَرَّمَاتِ طَوْعَاً أَوْ كَرَاهِيَةً، فَكَانَ فِي ذَلِكَ فِتْنَةٌ لِلْمُسْتَرْسِلِينَ فِيْ الْنَّظَرِ، وَأَجْرٌ لِلْغَاضِينَ مِنَ الْبَصَرِ؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا عَظُمَ الْبَلَاءُ، وَاشْتَدَّتِ الْفِتْنَةُ، فَقَابَلَهَا المُؤْمِنُ بِالثَّبَاتِ وَالْصَّبْرِ؛ نَالَ عَظِيْمَ الْثَّوَابِ وَالْأَجْرِ.
وَلِلْحِفْظِ مِنْ مَعْصِيَةِ الْنَّظَرِ أَسْبَابٌ إِنْ أَخَذَ بِهَا المُؤْمِنُ أَعَانَتْهُ عَلَى طَاعَةِ الله تَعَالَى بِغَضِّ بَصَرِهِ، وَعَلَى سَلَامَةِ قَلْبِهِ مِنَ الْفِتْنَةِ.
إِنَّ مُرَاقَبَةَ الله تَعَالَى فِيْ الْسِّرِّ وَالْعَلَنِ، وَالْيَقِيْنَ بِأَنَّهُ مُطَّلِعٌ عَلَى الْعَبْدِ أَيْنَمَا كَانَ يَجْعَلُ مِنَ المُؤْمِنِ رَقِيْبَاً عَلَى نَفْسِهِ، فَيَعْبُدُ اللهَ تَعَالَىْ كَأَنَّهُ يَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَرَاهُ فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ يَرَاهُ [إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيْبَاً] {الْنِّسَاءِ:1} [وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّوْنَ وَمَا تُعْلِنُوْنَ] {الْنَّحْلِ:19} [يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الْصُّدُوْرُ] {غَافِرِ:19} وَهَذِهِ الْآَيَةُ هِيَ فِيْ الْرَّجُلِ يَكُوْنُ مَعَ الْقَوْمِ فَيَرَى امْرَأَةً حَسْنَاءَ فَإِنَّ غَفَلُوْا عَنْهُ لَحَظَهَا، وَإِنْ فَطِنُوْا إِلَيْهِ غَضَّ عَنْهَا، وَاللهُ تَعَالَى وَحْدَهُ يَعْلَمُ مَا يُخْفِي فِي صَدْرِهِ عَنْهُمْ.
وَعَلَى المَرْءِ أَنْ يَسْتَحِيَّ مِنَ المَلَائِكَةِ الْكِرَامِ الْكَاتِبِيْنَ؛ فَإِنَّ الْنَّاسَ إِنْ غَفَلُوْا عَنْهُ، أَوْ كَانَ خَالِيَاً لِوَحْدِهِ فَمَلَائِكَةُ الْرَّحْمَنِ يُلَازِمُونَهُ، وَيَنْظُرُوْنَ إِلَيْهِ، وَيُحْصُوْنَ عَلَيْهِ [إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُوْنَ مَا تَمْكُرُوْنَ] {يُوْنُسَ:21} [وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِيْنَ * كِرَامَاً كَاتِبِيْنَ * يَعْلَمُوْنَ مَا تَفْعَلُوْنَ] {الانْفِطَارِ:10-12}.
فَمَنِ اسْتَحْيَا مِنَ الْنَّاسِ أَنْ يُطْلِقَ بَصَرَهُ فِيْ المُحَرَّمَاتِ، فَأَوْلَى أَنْ يَسْتَحِيَّ مِنَ الله تَعَالَى، ثُمَّ مِنْ مَلَائِكَتِهِ عَلَيْهِمُ الْسَّلَامُ، قَالَ رَجُلٌ لِلْنَّبِيِّ ^:«أَوْصِنِيْ، قَالَ: أُوْصِيْكَ أَنْ تَسْتَحِييَ مِنَ الله عَزَّ وَجَلَّ كَمَا تَسْتَحْيِي مِنَ الْرَّجُلِ الْصَّالِحِ مِنْ قَوْمِكَ»رَوَاهُ الْطَّبَرَانِيُّ. وَسُئِلَ الْجُنَيْدُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:«بِمَ يُسْتَعَانُ عَلَى غَضِّ الْبَصَرِ؟ قَالَ: بِعِلْمِكَ أَنَّ نَظَرَ الله أَسْبَقُ مِنْ نَظَرِكَ إِلَيْهِ». وَقَالَ رَجُلٌ لِوُهَيْبِ بْنِ الْوَرْدِ:«عِظْنِي، قَالَ: اتَّقِ أَنْ يَكُوْنَ اللهُ أَهْوَنَ الْنَّاظِرِيْنَ إِلَيْكَ». وَقَالَ بَعْضُهُمْ:«اسْتَحِ مِنَ الله عَلَى قَدْرِ قُرْبِهِ مِنْكَ، وَخُفِ اللهَ عَلَى قَدْرِ قُدْرَتِهِ عَلَيْكَ».
وَلِيَتَذَكَّرْ أَنَّ بَصَرَهُ يَشْهَدُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَا أَبْصَرَ، فَلَا يَشْهَدْ عَلَيْهِ بِحَرَامٍ [حَتَّىَ إِذَا مَا جَاءُوْهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَّجُلُوْدُهُمْ بِمَا كَانُوْا يَعْمَلُوْنَ] {فُصِّلَتْ:20}.
وَمِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ حِفْظِ الْبَصَرَ المُحَافَظَةُ عَلَى الْفَرَائِضِ، وَإِتْبَاعُهَا بِالْنَّوَافِلِ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ نَالَ وِلَايَةَ الله تَعَالَى وَمَحَبَّتَهُ، وَكَانَ مُسَدَّدَاً فِي سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَبَطْشِهِ وَخَطْوِهِ؛ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي الْحَدِيْثِ الْقُدْسِيِّ:«وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالْنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا»رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَلْيَعْلَمْ مَنِ اسْتَهَانَ بِإِطْلَاقِ بَصَرِهِ أَنَّ الْنَّاسَ يَنْظُرُوْنَ إِلَى حُرُمَاتِهِ بِقَدْرِ نَظَرِهِ هُوَ إِلَى حُرُمَاتِ غَيْرِهِ؛ فَإِذَا كَانَ لَا يَرْضَى ذَلِكَ لِأَهْلِهِ فَلَا يُطْلِقْ بَصَرَهُ فِيْ أَهْلِ غَيْرِهِ؛ وَلمَّا جَاءَ شَابٌّ إِلَى الْنَّبِيِّ ^ يَسْتَأْذِنُهُ فِيْ الْزِّنَا سَأَلَهُ هَلْ يَرْضَى ذَلِكَ لِأَحَدٍ مِنْ مَحَارِمِهِ، فَلَمَّا أَجَابَهُ بِالْنَّفْيِّ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْنَّاسَ كَذَلِكَ لَا يَرْضَوْنَهُ لمَحَارِمِهِمْ.
وَالْزَّوَاجُ سَبَبٌ لِلْإِحْصَانِ، فَبِهِ تُحْفَظُ الْأَبْصَارُ وَالْفَرُوجُ، وَقَدْ شَرَعَ اللهُ تَعَالَى الْتَّعَدُّدَ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ؛ لِيُشْبِعَ الْرَّجُلُ مَيْلَهُ إِلَى الْنِّسَاءِ؛ وَلِيَغُضَّ بَصَرَهُ عَنِ الْحَرَامِ..
وَمَنْ عَجَزَ عَنِ الْزَّوَاجِ كَانَ الْصَّوْمُ لَهُ عِلَاجَاً، وَعِبَادَةً يَتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى الله تَعَالَىْ، فَيَنَالُ أَجْرَ الْصَّوْمِ، وَأَجْرَ اتِّخَاذِهِ وَسَيْلَةً لِغَضِّ بَصَرِهِ، وَإِحْصَانِ فَرْجِهِ.. قَالَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:«كُنَّا مَعَ الْنَّبِيِّ ^ شَبَابَاً لَا نَجِدُ شَيْئَاً فَقَالَ لَنَا رَسُوْلُ الله ^: يَا مَعْشَرَ الْشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالْصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» رَوَاهُ الْشَّيْخَانِ.
وَعَلَى المُؤْمِنِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِيْ الْدُّعَاءِ بِأَنْ يَحْفَظَ اللهُ تَعَالَى بَصَرَهُ عَنِ الْحَرَامِ، وَأَنْ يُعِيْنَهُ عَلَى ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ إِنْ اسْتُجِيْبَ لَهُ ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ مِنْ لَهَفٍ عَلَى مُشَاهَدَةِ المُحَرَّمَاتِ، وَقَدْ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الْنَّبِيِّ ^ فَقَالَ:«يَا رَسُوْلَ الله، عَلِّمْنِي دُعَاءً، قَالَ: قُلْ: الْلَّهُمَّ إِنِّي أَعُوْذُ بِكَ مِنْ شَرِّ سَمْعِي وَمِنْ شَرِّ بَصَرِي...الْحَدِيْث»رَوَاهُ أَبُوْ دَاوُدَ.
فَإِنْ وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى امْرَأَةٍ مُبَاشَرَةً، أَوْ عَلَى صُوْرَتِهَا فِيْ شَاشَةٍ أَوْ صَحِيْفَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَلْيَصْرِفْ بَصَرَهُ سَرِيْعَاً؛ لِئَلَّا يَعْلَقَ فِيْ قَلْبِهِ شَيْءٌ بِسَبَبِهَا؛ فَإِنَّ أَدْرَانَ الْقُلُوْبُ وَفِتْنَتَهَا تَتَرَاكَمُ بِإِدَامَةِ الْنَّظَرِ، وَالِاسْتِمْتَاعِ بِالمُشَاهَدَةِ، فَيَعْسُرُ عِلَاجُهَا، وَقَدْ أَرْشَدَ الْنَّبِيُّ ^ إِلَى صَرْفِ الْبَصَرِ فَوْرَاً، قَالَ جَرِيْرُ بْنُ عَبْدِ الله رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «سَأَلْتُ رَسُوْلَ الله ^ عَنْ نَظَرِ الفَجْاءَةِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي»رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَقَالَ ^ لْعَليٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:«يَا عَلِيُّ لَا تُتْبِعِ الْنَّظْرَةَ الْنَّظْرَةَ فَإِنَّ لَكَ الْأُوْلَى وَلَيْسَتْ لَكَ الْآَخِرَةُ»رَوَاهُ أَبُوْ دَاوُدَ.
فَإِنْ وَقَعَ فِيْ قَلْبِهِ شَيْءٌ مِمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ بِإِتْيَانِ أَهْلِهِ، كَمَا فَعَلَ الْنَّبِيُّ ^ حِيْنَ «رَأَى امْرَأَةً فَأَتَى امْرَأَتَهُ زَيْنَبَ وَهِيَ تَمْعَسُ مَنِيْئَةً لَهَا فَقَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: إِنَّ المَرْأَةَ تُقْبِلُ فِيْ صُوْرَةِ شَيْطَانٍ وَتُدْبِرُ فِيْ صُوْرَةِ شَيْطَانٍ فَإِذَا أَبْصَرَ أَحَدُكُمُ امْرَأَةً فَلْيَأْتِ أَهْلَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَرُدُّ مَا فِيْ نَفْسِهِ»رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَلْيَقْضِ عَلَى مَحَاسِنِ مَا رَأَى بِتَذَكُّرِ مَسَاوِئَها، وَلَا سِيَّمَا الْنِّسَاءُ المُتَخَلِعَاتُ؛ فَإِنَّهُنَّ بُؤَرُ الْأَمْرِاضِ وَالْقَاذُوْرَاتِ، وَلْيَستَعِضْ عَنْ ذِكْرِهِنَّ بِتَذَكُّرِ الْحُوْرِ الْعِيْنِ وَأَوْصَافِهِنَّ فِيْ الْقُرْآَنِ وَالْسُّنَّةِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُهُ فِيْ حِفْظِ بَصَرِهِ. قَالَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:«إِذَا أَعْجَبَ أَحَدَكُمُ امْرَأَةٌ فَلْيَذْكُرْ مِناتِنَهَا».
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:«اعْلَمْ وَفَّقَكَ اللهُ أَنَّكَ إِذَا امْتَثَلْتَ المَأْمُوْرَ بِهِ مِنْ غَضِّ الْبَصَرِ عِنْدَ أَوَّلِ نَظْرَةٍ سَلِمْتَ مِنْ آَفَاتٍ لَا تُحْصَى، فَإِذَا كَرَّرْتَ الْنَّظَرَ لَمْ تَأْمَنْ أَنْ يَزْرَعَ فِيْ قَلْبِكَ زَرْعَاً يَصْعُبُ قُلْعُهُ، فَإِنْ كَانَ قَدْ حَصَلَ ذَلِكَ فَعِلَاجُهُ الْحِمْيَةُ بِالْغَضِّ فِيْمَا بَعْدُ، وَقَطْعُ مُرَادِ الْفِكْرِ بِسَدِّ بَابِ الْنَّظَرِ».
نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُعِيْذَنَا مِنْ شَرِّ أَبْصَارِنَا، وَأَنْ يَرْزُقَنَا غَضَّهَا عَمَّا حَرَّمَ عَلَيْنَا، وَأَنْ يُغْنِيَنَا بِحَلْالِهِ عَنْ حَرَامِهِ، وَبِطَاعَتِهِ عَنْ مَعْصِيَتِهِ، وَبِفَضْلِهِ عَمَّنْ سِوَاهُ، إِنَّهُ سَمِيْعٌ مُجِيْبٌ.
وَأَقُوْلُ قَوْلِيْ هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ...
الخُطْبَةُ الْثَّانِيَةُ
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيْعُوْهُ [وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ] {البقرة:123}.
أَيُّهَا الْنَّاسُ: إِنَّ مِنْ أَهَمِّ أَسْبَابِ حِفْظِ الْبَصَرِ مِنَ الْحَرَامِ اجْتِنَابَ فُضُوْلِ الْنَّظَرِ، وَّمُفَارَقَةَ المَجَالِسِ الَّتِيْ فِيْهَا شَاشَاتٌ تَعْرِضُ صُوَرَ الْنِّسَاءِ، وَلْيُعَوِدْ المَرْءُ نَفْسَهُ عَلَى اجْتِنَابِ كَثْرَةِ الِالْتِفَاتِ وَالْنَّظَرِ إِلَى الْنَّاسِ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ فِي سُوْقٍ أَوْ طَرِيْقٍ أَوْ نَحْوِهِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ سُوءِ الْأَدَبِ، وَيُؤَدِّي إِلَى الْوُقُوعِ فِيْ المُحَرَّمِ مِنَ الْنَّظَرِ..
إِنَّ شَأْنَ الْبَصَرِ فِيْ هَذَا الْزَّمَنِ يَحْتَاجُ إِلَى مُجَاهَدَةٍ وَمُصَابَرَةٍ؛ لِكَثْرَةِ الْدَّاعِي إِلَى المُحَرَّمَاتِ، وَمَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ عَلَى ذَلِكَ أَعَانَهُ اللهُ تَعَالَى [وَالَّذِينَ جَاهَدُوْا فِيْنَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ الله لَمَعَ المُحْسِنِيْنَ] {الْعَنْكَبُوْتِ:69}.
وَالْصَّبْرُ عَنْ إِطْلَاقِ الْبَصَرِ فِي المُحَرَّمَاتِ هُوَ مِنَ الْصَّبْرِ عَنْ المَعَاصِيْ، وَمَنْ صَبَرَ نَفْسَهُ فِيْ ذَلِكَ اعْتَادَتْهُ، فَكَانَ غَضُّ الْبَصَرِ دَيْدَنَهُ، وَقَدْ قَالَ الْنَّبِيُّ ^ لِابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: «وَاعْلَمْ أَنَّ فِيْ الْصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرَاً كَثِيْرَاً»رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَفِي حَدِيْثٍ آَخَرَ قَالَ ^:«وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ»رَوَاهُ الْشَّيْخَانِ.
فَمَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ عَلَى الْعِفَّةِ مَعَ قُوَّةِ دَوَاعِيْ الْشَّهْوَةِ أَعَفَّهُ اللهُ تَعَالَىْ، وَصَبَّرَهُ عَنْ شَهَوَاتِهِ، وَأَغْنَاهُ بِحَلْالِهِ عَنْ حَرَامِهِ؛ لِأَنَّ مِنْ مُعَامَلَةِ الله تَعَالَىْ لِخَلْقِهِ أَنَّهُ مَا تَرَكَ عَبْدٌ شَيْئَاً لله تَعَالَى إِلَّا عَوَضَّهُ اللهُ تَعَالَى خَيْرَاً مِمّا تَرَكَ.
قَالَ أَبُوْ الْحُسَيْنِ الْوَرَّاقُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:«مَنْ غَضَّ بَصَرَهُ عَنْ مُحْرَّمٍ أَوْرَثَهُ اللهُ بِذَلِكَ حِكْمَةً عَلَى لِسَانِهِ يَهْتَدِي بِهَا وَيَهْدِي بِهَا إِلَى طَرِيْقِ مَرْضَاتِهِ»، عَلَّقَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَى كَلَامِهِ هَذَا فَقَالَ: «وَهَذَا لِأَنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ؛ فَإِذَا كَانَ الْنَّظَرُ إِلَى مَحْبُوبٍ فَتَرَكَهُ لله عَوَّضَهُ اللهُ مَا هُوَ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْهُ، وَإِذَا كَانَ الْنَّظَرُ بِنُوْرِ الْعَيْنِ مَكْرُوْهَاً أَوْ إِلَى مَكْرُوْهٍ فَتَرَكَهُ لله أَعْطَاهُ اللهُ نُوَرَاً فِيْ قَلْبِهِ وَبَصَرَاً يُبْصِرُ بِهِ الْحَقَّ».
وَقَالَ أَبُوْ عَمْرِو بْنُ نُجَيْدٍ:«كَانَ شَاهُ بْنُ شُجَاعٍ حَادَّ الْفِرَاسَةِ وَقَلَّ مَا أَخْطَأَتْ فِرَاسَتُهُ، وَكَانَ يَقُوْلُ: مَنْ غَضَّ بَصَرَهُ عَنْ المَحَارِمِ، وَأَمْسَكَ نَفَسَهُ عَنِ الْشَّهَوَاتِ، وَعَمَرَ بَاطِنَهُ بِدَوَامِ المُرَاقَبَةِ وَظَاهِرَهُ بِاتِّبَاعِ الْسُّنَّةِ، وَعَوَّدَ نَفْسَهُ أَكْلَ الْحَلَالِ لَمْ تُخْطِئْ لَهُ فِرَاسَةٌ».
عِبَادَ الله: وَمَا هِيَ إِلَّا أَيَّامٌ وَيَحِلُّ شَهْرُ الصِّيَامِ، وَقَدْ عَوَّدَنَا لُصُوْصُ رَمَضَانَ مِنْ أَهْلِ الْفَضَائِيَّاتِ وَالْإِعْلَامِ عَلَى سَرِقَةِ صِيَامِ الْصَّائِمِيْنَ، وَإِتْلَافِ أَجْرِ الْقَائِمِيْنَ، بِمَشَاهِدَ فَاضِحَةٍ، وَبَرَامِجَ هَازِلَةٍ، وَمُسَلْسَلَاتٍ غَيْرِ هَادِفَةٍ، يُحَضِّرُونَ لَهَا مِنْذُ شَوَّالَ المَاضِي؛ لِإِفْسَادِ هَذَا الْرَمَضَانَ، كَمَا هِيَ عَادَتُهُمْ فِيْ كُلِّ عَامٍ، فَمَنْ أَسْلَمَ قِيَادَهُ وَأَهْلَهُ لَهُمْ، وَاسْتَسْلَمَ لبَرامِجِهِمْ؛ فَقَدْ بَخَسَ مِنْ أَجْرِهِ بِقَدْرِ مَا حَضَرَ مِنْهَا، وَمَنْ صَانَ بَصَرَهُ وَبَصَرَ أَهْلِ بَيْتِهِ عَنْ بَرَامِجِهِمْ، وَأَشْغَلَ نَفْسَهُ وَأَهْلَهُ فِي طَاعَةِ الله تَعَالَىْ؛ فَقَدْ عَرَفَ حَقِيْقَةَ رَمَضَانَ، وَحَظِيَ بِلَذَّةِ الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ؛ ذَلِكَ أَنَّ تَرْكَ المُشْتَهَيَاتِ فِيْهِ هُوَ لِأَجْلِ الله تَعَالَىْ، وَمِنْهَا شَهَوَاتُ الْنَّظَرِ المُحَرَّمِ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْحَدِيْثِ الْقُدْسِيِّ:«الْصَّوْمُ لِيَ وَأَنَا أَجْزِي بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي وَالْصَّوْمُ جُنَّةٌ»رَوَاهُ الْشَّيْخَانِ.
وَمَنْ يَدْرِي فَلَعَلَّهُ يَسْتَجِنُّ فِي رَمَضَانَ مِنْ مُحَرَّمَاتِ الْنَّظَرِ الَّتِيْ أَلِفَهَا فِيْ كُلِّ الْعَامِ، فَيُوَفَّقُ لِتَوْبَةٍ نَصُوحٍ مِمَّا حَرَّمَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ، وَيُعَوَّضُ بِطَاعَةٍ يَجِدُ لَهَا لَذَّةً لَا يَجِدُهَا فِي سِوَاهَا.
نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَىْ أَنْ يُبَلِّغَنَا رَمَضَانَ، وَأَنْ يُسَلِّمَنَا إِلَى رَمَضَانَ، وَأَنْ يُسَلِّمَ لَنَا رَمَضَانَ، وَأَنْ يَتَسَلَّمَهُ مِنَّا مُتَقَبَّلَاً، إِنَّهُ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ.
الْلَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آَلِ مُحَمَّدٍ...
المرفقات
النظر إلى المحرمات 2.doc
النظر إلى المحرمات 2.doc