النظام في هدي خير الأنام

الشيخ السيد مراد سلامة
1440/05/24 - 2019/01/30 15:32PM

Smiley face

النظام في هدي خير الأنام
للشيخ
السيد مراد سلامة

أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم-نعيش في هذا اللقاء مع النبي صلى الله عليه وسلم – من أسس النظام ووضع ضوابطه وآدابه ونهي عن الإهمال والعشوائية و الغوغائية التي تؤدي إلى الخلل في حياتنا اليومية فأكمل الهدي هدي سيد الأنبياء و إمام الأصفياء صلى الله عليه وسلم-

أعيروني القلوب و الأسماع

عندما ينظر المسلم إلى الشريعة الغراء التي جاء بها إمام الأتقياء-صلى الله عليه وسلم-ليرى أن تلك التشريعات جاءت على نظام محكم متين والإخلال بذلك النظام التعبدي يبطل العبادة ويفسدها ويخل بها لنضرب على ذلك أمثلة:

أولا : النبي -صلى الله عليه وسلم-ونظام الصلاة  

إخوة الإيمان :إن الله تعالى أمرنا بالصلاة {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } [النساء: 103]   و لم يبن لنا كيفيتها في القران الكريم و إنما جاء بيان ذلك على لسان النبي صلى الله عليه و سلم فحدد النبي صلى الله عليه وسلم مواقيت الصلاة بحيث لا تجزئ الصلاة قبل موعدها المحدد لها و يأثم المسلم إذا أخرجها عن وقتها ، و ها هو جبريل عليه السلام –جاء لينظم للنبي – صلى الله عليه و سلم مواقيت الصلاة فلكل صلاة وقت محدد ،فعن ابْنُ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَمَّنِي جِبْرِيلُ عِنْدَ البَيْتِ مَرَّتَيْنِ، فَصَلَّى الظُّهْرَ فِي الأُولَى مِنْهُمَا حِينَ كَانَ الفَيْءُ مِثْلَ الشِّرَاكِ، ثُمَّ صَلَّى العَصْرَ حِينَ كَانَ كُلُّ شَيْءٍ مِثْلَ ظِلِّهِ، ثُمَّ صَلَّى المَغْرِبَ حِينَ وَجَبَتِ الشَّمْسُ وَأَفْطَرَ الصَّائِمُ، ثُمَّ صَلَّى العِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، ثُمَّ صَلَّى الفَجْرَ حِينَ بَرَقَ الفَجْرُ، وَحَرُمَ الطَّعَامُ عَلَى الصَّائِمِ، وَصَلَّى المَرَّةَ الثَّانِيَةَ الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ لِوَقْتِ العَصْرِ بِالأَمْسِ، ثُمَّ صَلَّى العَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، ثُمَّ صَلَّى المَغْرِبَ لِوَقْتِهِ الأَوَّلِ، ثُمَّ صَلَّى العِشَاءَ الآخِرَةَ حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ، ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ أَسْفَرَتِ الأَرْضُ، ثُمَّ التَفَتَ إِلَيَّ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، هَذَا وَقْتُ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ، وَالوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ الوَقْتَيْنِ "([1])

النظام في أداء الصلاة : و علمنا النبي صلى الله عليه وسلم النظام الأتم للصلاة فبينها لنا كما في حديث المسيء صلاته  عن أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْمَسْجِدَ؛ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَرَدَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ السَّلاَمَ؛ فَقَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فَقَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ ثَلاَثًا فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ، فَعَلِّمْنِي قَالَ: إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِكَ كُلِّهَا([2])

ثم وضع لنا النظام الأكمل في صلاة الجماعة مع الإمام  عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: عَلَّمَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ فَقَالَ: " إِذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ فَكَبِّرُوا , وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا , وَاذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا , وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: اللهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ يَسْمَعِ اللهُ لَكُمْ , فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ "([3])

 وتوعد من يخالف ذلك النظام بالعقوبة الربانية عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ , أَوْ يَجْعَلَ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ؟ )).([4])

و نهى عن مسابقة الإمام عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنُ أَبِي سُفْيَانُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُبَادِرُونِي بِالرُّكُوعِ، وَلَا بِالسُّجُودِ، فَمَهْمَا أَسْبِقْكُمْ بِهِ إِذَا رَكَعْتُ تُدْرِكُونِي بِهِ إِذَا رَفَعْتُ، وَمَهْمَا أَسْبِقْكُمْ بِهِ إِذَا سَجَدْتُ تُدْرِكُونِي بِهِ إِذَا رَفَعْتُ، إِنِّي قَدْ بَدَّنْتُ»([5])

ثم وضع نظاما لأصحاب الأعذار من المرضى وغيرهم فشرع لهم الصلاة على حسب الاستطاعة عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَصَلِّ جَالِسًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ "([6])

فلو أننا أخذنا أنظمة الصلاة، كما مرّت آنفاً، وطبقناها على حياتنا، لاستقامت الحياة، وآتت ثمارها، من الدقة والانضباط في العمل، ووفرة الإنتاج، مع التعاون والتآلف، ومع السهولة واليسر، والبعد عن التعنيف وشدة التكليف.

عرض بعض المسلمين على رجل أمريكي مشهداً للحرم وهو يعجّ بالمصلين والطائفين قبل إقامة الصلاة في المسجد الحرام، ثم سألوه: كم من الوقت يحتاج هؤلاء لكي يكونوا في صفوف منظمة متحلقة حول الكعبة؟ فقال ساعتين إلى ثلاث ساعات، فقالوا له: إن الحرم أربعة أدوار!! فقال: إذاً اثنتي عشرة ساعة. فقالوا: إنهم مختلفو اللغات وحتى اللهجات ومن بلدان شتى!! فقال الخواجة: هؤلاء لا يمكن اصطفافهم أبداً. ثم حان وقت الصلاة.. فتقدم إمام الحرم بعد الإقامة.. وقال: استووا واعتدلوا.. سووا صفوفكم.. فوقف الجميع في صفوف متراصة حول الكعبة المشرفة في دقيقتين لا أكثر.

وأذكر أن أحد الصحفيين العرب عند باب المسجد الحرام رأى الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز يرحمه الله خارجاً فأراد أن يشكره على حسن تنظيم هذه الوفود أثناء موسم الحج وفي كل الشعائر، فقاطعه الملك قائلاً: يا أخي لا تشكرني ولا تشكر أحداً.. بل اشكر الله وحده، فهذه الجموع البشرية الهائلة لا يمكن لبشر أن ينظم مسيرتها، ولكنها حكمة الله وحده القادرة على ذلك.

ثانيا :النظام في الحج

فللحجِّ مواقيتُ مكانيَّة وزمانية يجب التقيُّد بها، وعدمُ الإخلالِ بها، أو التَّساهلِ فيها، وله أركانٌ وواجبات يجب الإتيان بها كما هي، من غير زيادة أو نقصان، وله محظورات يَحرُم اقترافُها.

عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ سَبْعًا رَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا ثُمَّ قَرَأَ{ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } فَصَلَّى سَجْدَتَيْنِ وَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ ثُمَّ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ{ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ } فَابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ ([7])

ثالثا : النظام في دخوله وخروجه صلى الله عليه وسلم-

ومن هديه صلى الله عليه وسلم-في دخوله وخروجه أنه كان يحرص على النظام في دخوله و خروجه و جعل لذلك أدعية يسن للمسلم أن يقوم بها و لنضرب على ذلك أمثلة :

النظام في دخوله المسجد وخروجه منه صلى الله عليه وسلم-

عن عائشة رضي الله عنها: «كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ التَّيَمُّن فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ» ([8])

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد قال: "بسم الله، اللهم صلِّ على محمد"، وإذا خرج قال: "بسم الله، اللهم صل على محمد" (رواه ابن السُّني وحسنه الألباني).

عن أبي حميد، أو أبي أسيد قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ، فَلْيَقُلِ: اللّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ، فَلْيَقُلِ: اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ». ([9])

أن يُصلِّي ركعتين تحية للمسجد.

وهذا إذا جاء مبكراً للصلاة، فإنه يُسَنّ له ألّا يجلس حتى يصلِّي ركعتين؛ لحديث أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ» ([10])

النظام في دخوله الدورة الخلاء وخرجه منها:

و لم ينس صلى الله عليه وسلم أن يضع لنا نظاما في دخولنا لدورة الخلاء و الخروج منها فعلمنا كيف ندخل وماذا نقول و كيف نقضي حاجتنا ثم علمنا نظام الخروج منها و بين لنا الدعاء المشروع عند الخروج منها عَنْ سَلْمَانَ - رضي الله عنه - قَالَ: - لَقَدْ نَهَانَا رَسُولُ اَللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "أَنْ نَسْتَقْبِلَ اَلْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ, أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ, أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ, أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ عَظْمٍ" - رَوَاهُ مُسْلِم ٌ ([11]) .

أَبِي أَيُّوبَ -رضي الله عنه - - لَا تَسْتَقْبِلُوا اَلْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ وَلَا بَوْلٍ, وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا - ([12]) .

وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا; أَنَّ اَلنَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنْ اَلْغَائِطِ قَالَ: "غُفْرَانَكَ"([13])

رابعا : نظام النبي في نومه واستيقاظه –صلى الله عليه وسلم-

وضع النبي صلى الله عليه وسلم سننا ونظاما معينا عند النبي بينه لنا أصحابه رضي الله عنهم أجمعين وهاك بيانه:

كان إذا أَوَى إلى فراشِه للنومِ قال: ((باسمكَ اللَّهُمَّ أَحْيَا وأموتُ))

وكان يجمعُ كَفَّيْهِ ثم ينفُثُ فِيهِما، وكان يقرأُ فيهما: المعوذتينِ والإخلاص، ثم يمسحُ بِهمَا ما استطاعَ من جسدِه، يبدأ بهما على رأسِه ووجهِه، وما أقبلَ من جسدِه، يفعلُ ذلك ثلاثَ مراتٍ.

وكان ينامُ على شقهِ الأيمنِ، ويضعُ يَدَهُ تحتَ خَدِّه الأيمن، ثم يقول: ((اللَّهُمَّ قِني عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعُثُ عِبَادَكَ))

وكان إذا انتبه من نومه قال: ((الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُور))، وَيَتَسَوَّك، وربما قرأَ العشر آيات من آخر آل عمران [ق].

خامسا: النبي يضع النظام العام لحقوق الطرقات

وضع النبي صلى الله عليه وسلم- آدابا و نظاما إسلامية للطريق   ؛ وأصل ذلك ما في عنْ أَبِي سَعيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إِيَّاكُم وَالْجُلُوسَ في الطُّرُقاتِ، فقَالُوا: يَا رسَولَ اللَّه، مَا لَنَا مِنْ مَجالِسنَا بُدٌّ، نَتحدَّثُ فِيهَا، فَقَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجْلِس فَأَعْطُوا الطَّريقَ حَقَّهُ، قالوا: ومَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رسولَ اللَّه؟ قَالَ: غَضُّ الْبَصَر، وكَفُّ الأَذَى، ورَدُّ السَّلامِ، وَالأَمْرُ بالْمَعْروفِ، والنَّهْيُ عنِ الْمُنْكَرِ متفقٌ عَلَيهِ. ([14])

ويأمرنا برفع الأذى عن الطريق

وعن أبي ذرٍّ الغفاري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُصْبحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ ابْنِ آدَمَ صَدَقَةٌ، تَسْلِيمُهُ عَلَى مَنْ لَقِى صَدَقَةٌ، وَأَمْرُهُ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيُهُ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَإِمَاطَتُهُ الأَذَى مِنَ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ، وَبُضْعُهُ أَهْلَهُ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ مِنَ الضُّحَى، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّه: أَحَدُنَا يَقْضِى شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ صَدَقَةٌ؟ قَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ وَضَعَهَا فِي غَيْرِ حِلِّهَا أَلَمْ يَكُنْ يَأثَمُ". ([15])

وينهى عن وضع الأذى على الطرقات

عن أبي هريرة أنَّ رسول اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((اتَّقُوا اللاَّعِنَيْنِ)) قالوا: وما اللاَّعِنانِ يا رَسُولَ اللهِ؟ قال: ((الذي يَتَخَلَّى في طَرِيقِ الناس أو ظِلِّهِمْ)). ([16])

وقد أخبر - عليه الصَّلاة والسَّلام - بأنَّ إماطة الأذى عن الطريق صدقة، وأنَّها من شعب الإيمان عن حُذَيْفَةَ بن أُسَيْدٍ أَنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((من آذَى المسلمين في طرقِهم، وجبَتْ عليه لعنتهم)).([17])

لا يخفى على ذي لب أن ما قدمناه من آداب الطريق لازم لكل من قعد في مجلس على الطريق ، أو كان مجلسه يُنظر منه الطريق ، أو كان يقف على الطريق أو يمر به ماشيًا أو راكبًا ، أو ساكنًا في دار تطل عليه .

وعلى ذلك فضوابط المرور التي وضعت لسائقي السيارات لها أصل في الإسلام بإعطاء الطريق حقه وآدابه ؛ وكذلك فإن حفظ النفس من الكليات التي جاء بها الإسلام ، فما وُضع من ضوابط لحفظ النفس فله أصل في هذا الدين العظيم ، ما لم يخالف نصًّا أو يكون فيه ظلم ، والقاعدة العظيمة في الإسلام لحفظ حقوق الناس وسلامتهم : " لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ " .

سادسا: هدي سيد الأنام في وضع النظام  لتناول الطعام

كثيرا ما نسمع عن الإتيكيت في الطعام ونجد البعض يتحدث عن ذلك ولقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم قواعد وإتيكيت الطعام قبل أن يعرفه الغرب المتحضر وهاك الإتيكيت في الإسلام

قال ابن القيم رحمه الله : " ويذكر عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يجلس للأكل متوركاً على ركبتيه ويضع بطن قدمه اليسرى على ظهر قدمه اليمنى تواضعاً لربه عز وجل وأدباً بين يديه واحتراماً للطعام وللموآكل فهذه الهيئة أنفع هيئات الأكل وأفضلها "([18])

وكان صلى الله عليه وسلم يأكل بيمينه ، عنْ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ اضْطَجَعَ عَلَى يَدِهِ الْيُمْنَى ثُمَّ قَالَ رَبِّ قِنِي عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَكَ ثَلَاثَ مِرَارٍ وَكَانَ يَجْعَلُ يَمِينَهُ لِأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ وَوُضُوئِهِ وَثِيَابِهِ وَأَخْذِهِ وَعَطَائِهِ وَيَجْعَلُ شِمَالَهُ لِمَا سِوَى ذَلِكَ وَكَانَ يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسَ وَالِاثْنَيْنِ مِنْ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى ".([19])

وعن أَبي حفص عمر بن أَبي سلمة عبد الله بن عبد الأسدِ ربيبِ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : كُنْتُ غلاَماً في حجر رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَتْ يَدي تَطِيشُ في الصَّحْفَةِ ، فَقَالَ لي رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( يَا غُلامُ ، سَمِّ الله تَعَالَى ، وَكُلْ بيَمِينكَ ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ )) فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتي بَعْدُ . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . "([20])

عن أبي جحيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أما أنا فلا آكل متكئاً"([21])

 عَنْ شُعَيْبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : مَا رُئِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ مُتَّكِئًا قَطُّ ، وَلا يَطَأُ عَقِبَهُ رَجُلانِ "([22])  .

قال شمس الحق العظيم آبادي شارح أبي داود : " ولايطأ عقبه رجلان " أي لايطأ الأرض خلفه رجلان .

    وكان يعلمهم النظام في الأكل حيث يأمرهم أن يأكلوا من حافة القصعة عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْبَرَكَةُ تَنْزِلُ وَسَطَ الطَّعَامِ فَكُلُوا مِنْ حَافَتَيْهِ وَلَا تَأْكُلُوا مِنْ وَسَطِهِ "([23])

أقول قولي، وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان، ولك الحمد أن جعلتنا من أمة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، أما بعد:

سابعا: النظام في الحياة السياسية والعسكرية

إخوة الإيمان لقد وضع النبي –صلى الله عليه وسلم الأسس القويمة والنظم المستقيمة للحياة العسكرية والسياسية

فأوجب النبي صلى الله عليه وسلم على المجاهدين في سبيله أن لا يباغتوا عدوهم بل أمرهم أن يخيروهم بين ثلاثة أمور قبل الشروع في الحرب وأمرهم ألا يقتلوا امرأة ولا طفلا ولا شيخا  

عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ، أَوْ سَرِيَّةٍ، أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللهِ، وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: «اغْزُوا بِاسْمِ اللهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللهِ، اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تَمْثُلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ - أَوْ خِلَالٍ - فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَجَابُوكَ، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ، وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ، يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللهِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمُ الْجِزْيَةَ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَقَاتِلْهُمْ، وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللهِ، وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ، فَلَا تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللهِ، وَلَا ذِمَّةَ نَبِيِّهِ، وَلَكِنِ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ، فَإِنَّكُمْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ وَذِمَمَ أَصْحَابِكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ، وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللهِ، فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللهِ، وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ اللهِ فِيهِمْ أَمْ لَا»،([24])

وحثنا الله تعالى على التزام النظام عند القتال فقال سبحانه {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: 4]

ولقد كان من هديه تسوية صفوف المقاتلين قبل بدء المعركة روى ابن هشام وابن كثير وغيرهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدَّل صفوف أصحابه يوم بدر، وفي يده قدح (سهم) يعدل به القوم، فمر بسواد بن غزية حليف بني عدي بن النجار وهو مُستَنْتِلٌ (متقدم) من الصف، فطعن في بطنه بالقدح، وقال: (استوِ يا سواد) فقال: يا رسول الله! أوجعتني، وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدني (مكِّنِّي من القصاص لنفسي)، فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه فقال: (استقد) (أي: اقتص)، قال: فاعتنقه، فقبَّل بطنه، فقال: (ما حملك على هذا يا سواد؟) قال: يا رسول الله! حضر ما ترى، فأردتُ أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير، وقال له: (استو يا سواد!) ([25]).

 

 

[1] - أخرجه أحمد (1/333) (3081)

[2] - أخرجه البخاري في: 10 كتاب الأذان: 122 باب أمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يتم ركوعه بالإعادة

[3] -أخرجه ابن أبى شيبة (2/117 ، رقم 7158) .

[4] - صحيح البخاري": (1/ 177)؛ (فتح - 2/ 182 - 183 - رقم: 691)."صحيح مسلم": (2/ 28 - 29)؛ (فؤاد - 1/ 320 - 321 - رقم: 427)

[5] -صحيح ابن حبان - محققا (5/ 608)غسناده حسن. ابن محيريز: اسمه عبد الله. وأخرجه أحمد 4/92، وأبو داود "619" في الصلاة: باب ما يؤمر به المأموم من اتباع الإمام، وابن ماجة "963"

[6] - أخرجه أحمد (4/426 ، رقم 19832) ، والبخاري (1/376 ، رقم 1066

[7] -أخرجه مالك (1/372 ، رقم 829) ، والطيالسى (ص 232 ، رقم 1668) ، وأحمد (3/388 ، رقم 15209) ،

[8] -رواه البخاري برقم (168)، ومسلم برقم (268)

[9] -رواه مسلم برقم (713).

[10] -رواه البخاري برقم (1163)، ومسلم برقم (714)

[11] - صحيح. رواه مسلم (262)

[12] - صحيح. رواه البخاري (144 و 394)، ومسلم (264)،

[13] - حسن. رواه أبو داود (30)، والترمذي (7)، وابن ماجه (300)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" (79)، وأحمد (655)، وابن حبان (1444)

[14] - أخرجه : البخاري 8/63 ( 6229 ) ، ومسلم 6/165 ( 2121 ) ( 114 ) .

[15] - أخرجه أبو داود (2/26 ، رقم 1285) .

[16] -أخرجه مسلم 269.

[17] -الطبراني في الكبير 3050 وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 148.

[18] - زاد المعاد في هدي خير العباد (4/ 203)

[19] - أخرجه أحمد 6/287

[20] - رواه البخاري (5376) ، ومسلم (2022)

[21] - أخرجه الترمذي ( 4/273 ، رقم 1830) وقال : حسن صحيح

[22] - أخرجه أحمد 2/165(6549)

[23] - أخرجه الحميدي (529) وأحمد (1/270) (2439

[24] -أخرجه أحمد (5/358 ، رقم 23080) ، ومسلم (3/1357 ، رقم 1731)

[25] - معرفة الصحابة لأبي نعيم (3/ 1404)وحسَّنه الألباني

المرفقات

في-هدي-خير-الأنام

في-هدي-خير-الأنام

المشاهدات 2507 | التعليقات 0