النصف من شعبان والاعتصام بحبل الله

محمد البدر
1433/08/08 - 2012/06/28 17:20PM
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعْدُ:عباد الله :فعَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :« إِنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ فِى لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلاَّ لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ » صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وعَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«إِنَّ اللَّهَ يَطْلُعُ عَلَى عِبَادِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَيُمْلِي الْكَافِرِينَ وَيَدَعُ أَهْلَ الْحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتَّى يَدْعُوهُ»حسنه الأَلبَانيُّ .
أي: يترك أهلَ الحقدِ بحقدِهِم حتى يدعُوهُ.
فإذن؛ ليس معنى أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم دَلَّنَا على أنَّ ليلةَ النصفِ ليلةٌ شريفةٌ يعطي فيها اللهُ ربُّ العالمينَ من قبساتِ أنوارِ رَحَمَاتِهِ خَلْقَهُ, وأنَّ اللهَ تبارك وتعالى لا يُفيضُ هذا العطاءَ على المشركينَ ولا على المشاحنين, وإنما جمعَهُمَا في قرنٍ, ويا بؤسَ ما جُمِع, وقد جعلَ اللهُ ربُّ العالمين المشركَ مع المشاحنِ في خندقٍ واحدٍ, فلا يغفرُ اللهُ ربُّ العالمين في ليلةِ النصفِ - مع عمومِ المغفرةِ لجميعِ أهلِ الأرضِ - لا يغفرُ لمشركٍ ولا لمشاحن, مَنْ عندَهُ البغضاءُ في قلبِهِ, ومَنْ انطوى صدرُهُ على الغِلِّ والحقدِ والحسدِ فهذا بِمَبْعَدَةٍ عن المغفرةِ.
قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَىُّ النَّاسِ أَفْضَلُ قَالَ « كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ ». قَالُوا صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ قَالَ « هُوَ التَّقِىُّ النَّقِىُّ لاَ إِثْمَ فِيهِ وَلاَ بَغْىَ وَلاَ غِلَّ وَلاَ حَسَدَ » رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
فأفضلُ الأعمالِ عند اللهِ ربِّ العالمين وأفضلُ الخلقِ عند اللهِ جلَّ وعلا سلامةُ الصدرِ ومَنْ كان عن الغِلِّ والحسدِ مُنَزَّهًا, ومِنْ ذلك مُبَرَّئًا, وأمَّا مَنْ انطوى قلبُهُ على شيءٍ من ذلكَ فهو بِمَبْعَدَةٍ من المغفرةِ في ليلةِ النصفِ من شعبان مع عمومِ المغفرةِ لأهلِ الأرضِ, إلا للمشركِ الذي يشركُ باللهِ ربِّ العالمين مَعَهُ غَيرَهُ فإنَّ ذلك لا يُغْفَرُ بحالٍ من الأحوالِ لا دنيا ولا آخرة, إذا ما ماتَ على ذلكَ ولم يَتُبْ منه مُنِيبًا مُوَحِّدًا, وكذلك الذي انطوى قلبُهُ على الشحناءِ, على البغضاء, على الغِلِّ, على الحسد, فهذا متروكٌ مُهْمَلٌ, وهذا بِمَبْعَدَةٍ أنْ ينالَهُ شيءٌ مِنْ عمومِ المغفرةِ التي تتنزلُ على الخَلْقِ في ليلةِ النصفِ من شعبان.
هذا ما صحَّ في هذه الليلةِ لا ما يذهبُ إليه الشيعةُ, ولا ما يتقصى على آثارِهِم فيه قَصَّ المتصوفةُ, إذ يجتمعونَ في المساجدِ في ليلةِ النصفِ في صلاةِ المغربِ, يقومُ قائمُهُم بعدَ الصلاةِ يُصَلُّونَ ما يُسَمَّى بصلاةِ الرَّغَائِبِ! وهي صلاةٌ أَلْفِيَّةٌ لمن استطاعها منهم وكان في بدعتِهِ جَلْدًا وعليها مُقِيمًا, ويُصَلُّونَ مِئَةَ ركعةٍ, كلُّ ركعةٍ تُصَلَّى بسورةِ الإخلاص عَشْرًا عَشْرًا فهذه ألفٌ فهي صلاةٌ ألفية, لم يَتَّبِعْهَا ولم يأخذ بها ولم يفعلْهَا خيرُ البَرِيَّةِ ولا أحدٌ من أصحابِهِ رضوان الله عليهم, وإنَّما هي عملٌ مُحْدَثٌ مُبْتَدَعٌ !
ويا لله! العجب كيف يُتَقَرَّبُ إلى اللهِ ربِّ العالمين بما لم يَشْرَع؟وكيف يُتَقَرَّبُ إلى اللهِ ربِّ العالمينَ بالضلالةِ ؟
وهذا نبيُّكم مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، صَحَّ عنه قولُهُ « عَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا وَسَتَرَوْنَ مِنْ بَعْدِى اخْتِلاَفًا شَدِيدًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِى وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَالأُمُورَ الْمُحْدَثَاتِ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ » رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .فلم يستثنِ من ذلك شيئًا صلى الله عليه وعلى آله وسلم, وإنَّما جَمَعَ ذلك إلى ذلك فهو حَصَبُ النارِ .
أقول قولي هذا .....

الخطبة الثانية :
أما بعد:فقد أمر الله - تبارك وتعالى - أمر بالاجتماع والاعتصام بالكتاب والسنة فقال - تبارك وتعالى -: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}وأخبر أن التفرق والاختلاف من سبل أهل الكتاب فقال الله تبارك وتعالى :{وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}، وأخبر أن الذين رحمهم الله لا يختلفون فقال تبارك وتعالى :{وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}, وأخبر أن الذين اعتصموا به سيدخلهم الله تبارك وتعالى في رحمته فقال:{فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً}.فهل يعمل المسلمون بهذا الأمر الإلهي أم ما زالوا عنه غافلين ؟
إن المتأمل لحال أمتنا، وما وقعت فيه من تسلط الأعداء عليها يجد السبب في عدم وحدتها وتفككها وتناحرها فيما بينها, فهل من عودة ورجوع حتى تستحقون نصر الله تعالى . وعلى هذا فإن على المسلمين أن يكونوا جميعهم كإنسان واحد، حيث أن النصوص الشرعية تحرم كل شيء يؤدي إلى التفرق والتنازع والشتات.
ألا وصلوا ....
المشاهدات 2374 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا