النزاهةُ ومحاربة الفساد المالي(تعميم وزاري)

راشد بن عبد الرحمن البداح
1444/05/14 - 2022/12/08 13:38PM

الحمدُ للهِ الذي أعطانا الإسلامَ بفضلهِ ونحنُ ما سألْناهُ، وسيُدخِلُنا الجنةَ برحمتهِ وقدْ سألناهُ. أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا هوَ الحقُّ المبينُ، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه المبعوثُ رحمةً للعالمينَ، صلى اللهُ وسلمَ عليه تسليمًا كثيرًا، أمّا بعدُ:فإن الإيمانَ خيرُ العطَايا، والتُّقى خيرُ الوصايا (ولاَ بَأْسَ بِالْغِنَى لِمَنِ اتَّقَى، وَالصِّحَّةُ لِمَنِ اتَّقَى خَيْرٌ مِنَ الْغِنَى)().

وإنَ من أعظمِ فِتَنِ هذا العصرِ فتنةَ المالِ، حتى لقدْ قالَ عنها نبيُنا-صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-: إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً، وَفِتْنَةُ أُمَّتِي الْمَالُ. (). (فتنةٌ في تحصيلِه، وفتنةٌ في تمويلِه، وفتنةٌ في إنفاقِه.

ومِن أساليبِ المفتونينَ بالمالِ: التحايلُ في أكلِه بالباطلِ، بل تجدُ بعضَهُم يَتفنّنونَ في الاحتيالِ، ويرَوْنَ أنه حلالٌ. فتَرَاهم لا يَرونَ بها بأسًا حينما تأتيهمْ من الأبوابِ الخلفيةِ أو تُمَرَّر تحتَ الطاولاتِ التفاوضيةِ، ولسانُ حالِهِم: مَنْ له حِيْلَةٌ فَلْيَحْتَلْ! ويَتضاعَف إثمُ التحايلِ إذا كان استحلالاً لمالِ الدولةِ.

قالَ الشيخُ ابنُ عثيمينَ –رحمهُ اللهُ-: (لا تَستهينُوا بنظامِ الدولةِ؛ [فإنه ]إذا لم يخالِفِ الشرعَ فهو من الشرعِ، لقولهِ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ. ومَن ظنَ أنَ ولاةَ الأمورِلا يُطاعونَ إلا فيما شَرَعَه اللهُ فقد أخطأَ). و(بيتُ مالِ المسلمينَ أعظمُ من مُلكِواحدٍ معيّنٍ؛ وذلكَ لأنَ سرِقتَه خيانةٌ لكلِ مسلمٍ)().

ومِن أعجبِ الأحاديثِ المحذِّرةِ من الفسادِ الماليِ، حديثٌ قَالَ فيهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَكْسِبُ عَبْدٌ مَالًا مِنْ حَرَامٍ، فَيُنْفِقَ مِنْهُ فَيُبَارَكَ لَهُ فِيهِ، وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهِ فَيُقْبَلَ مِنْهُ، وَلَا يَتْرُكُ خَلْفَ ظَهْرِهِ إِلَّا كَانَ زَادَهُ إِلَى النَّار . إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَمْحُو السَّيِّئَ بِالسَّيِّئِ، وَلَكِنْ يَمْحُو السَّيِّئَ بِالْحَسَنِ، إِنَّ الْخَبِيثَ لَا يَمْحُو الْخَبِيثَ(). ففي هذا الحديثِ موعظةٌ زاجرةٌ؛ فإنه يدُلُ على أن كسبَ الحرامِ خسارةٌ لا ربحَ فيه، فإن تصدّقَ به لم يُقبلْ منه، وإن أنفقَه لم يبارَكْ له فيهِ، وإن خلفَه بعدَه كان زادَه إلى النارِ، فكيفَ يَليقُ بالمؤمنِ أن يُذهِبَ دينَه لأجلِ دُنياهُ().

يَقُوْلُ وُهَيْبُ بْنُ الْوَرْدِ: لَوْ قُمْتَ ( أيْ: للعبادةِ) قِيَامَ هَذِهِ السَّارِيَةِ مَا نَفَعَكَ حَتَّى تَنْظُرَ مَا يَدْخُلُ بَطْنَكَ حَلَالٌ أَمْ حَرَامٌ().

فما أعظمَ خيانةَ مَن حَمَلَ أمانةَ عملٍ من أعمالِ المسلمينَ، ثم اتَّخذَ منه مطيّةً لجمعِ الأموالِ بالنّهبِ أو التحايُلِ أو الابتزازِ أو الرشوةِ، والرشوةُ أدهَى وأمَرّ.

فيا أيُها الموظفونَ ويا أيُها المتاجِرونَ ويا أيُها الباعةُ: كيفَ نرجو أن تستجابَ الدعواتُ، وقد رَدَدْناها بالتحايلاتِ؟ ولماذا تُنزعُ البركاتُ؟ كيفَنستسقِي قطرَ السماءِ، وقد أقحطْنا الأرضَ بفسادِنا الماليِ؟ {أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ* لِيَوْمٍ عَظِيمٍ* يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}.

الحمدُ للهِ وكفى، وصلاةً وسلامًا على النبيِ المصطفَى، أما بعدُ:

فيا معاشرَ المسلمينَ: اعلموا أن ثمتَ مفسدينَ في الأرضِ، فلا تَسكُتوا عن إفسادِهم، فسفينتُنا واحدةٌ، وتعاونُوا على تقويمِ المِعْوَجِ في التجاوزاتِالماليةِ والإداريةِ، ولنَنشُرِ النزاهةَ والأمانةَ، ولْنبلِّغْ عن جرائمِ الفسادِ؛ محافظينَ على المالِ العامِ: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.

ألَا إنّ الفسادَ الماليَ هو الداءُ الدويُّ الذي يئِدُ المشاريعَ الإنمائيةَ، بِيَدِمَن يبِيعونَ دينَهم، ويُرخصِونَ أوطانَهم بأموالٍ من سُحتٍ، فقد غرَّتْ وأغْرَتْضِعافَ نفوسِ بأداءِ المسئولياتِ ناقصةً مغشوشةً جرَّعتْ البُرآءَ العناءَ، وكبَّدتِالأوطانَ الأرزاءَ.

ولا يوقِفُ هذهِ الأرزاءَ مثلُ تصدي وليِّ الأمرِ لها مباشرةً لمكافحتِها، بالمحاسبةِ والمعاقبةِ، وتقصِّي مصادرِ الذين يُخِلُّونَ أو يَغُلُّونَ، وفي المالِ العامّ يتخوّضونَ.

قالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- متوعِدًا أولئكَ: مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَلْيَجِئْ بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ. رواهُ مسلمٌ. وقال: مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍفَرَزَقْنَاهُ رِزْقًا، فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ. رواهُ أبو داودَ().

ألا فلْيَعِ هذا الغالُّونَ المُتَمَادُونَ في الردَى، وإلا فإن عقابُهم آتٍ ولوْ طالَ المدَى.

• فاللهم جنبنا الفساد والمفسدين. اللهم طيِّبْ أقواتَنا، وبارك أموالنا، واقضِ ديونَنا.
• اللهم اجعلنا أغنى خلقِك بك، وأفقرَ عبادِك إليكَ.
• اللهم اجعلْ معتمَدَنا عليكَ، وارحمْ وقوفَنا بين يديكَ، وتضرعَنا إليكَ.
• اللهم أَلْقِ على النفوسِ المضطربةِ سكينةً، وأثِبْها فتحًا قريبًا.
• ربَّنا اهدِ حيارَى البصائرِ إلى نورِك، وضُلَّال المناهجِ إلى صراطِك.
• اللهمَّ وارحمْنا ووالدِينا، وهبْ لنا من أزواجِنا وذرياتِنا قرةَ أعينٍ.
• اللهم واحفظْ علينا دينَنا وأمنَنا وحدودَنا وجنودَنا. واحفَظْ ثرواتِنا وثمراتِنا، واقتصادَنا وعتادَنا، اللهم وفقْ وسدِّدْ خادمَ الحرمينِ الشريفينِ ووليَ عهدِه لهُداكَ. واجعلْ عمَلَهما في رضاكَ.
• لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ اللَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ، أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ، وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ. اللَّهُمَّ إِنَّ بِالْعِبَادِ وَالْبِلَادِ وَالْبَهَائِمِ مِنَ اللَّأْوَاءِوَالْجَهْدِ مَا لَا نشْكُوهُ إِلَّا إِلَيْكَ. اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا.
• اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.

المرفقات

1670495842_النزاهة ومحاربة الفساد المالي (حسب التعميم الوزاري).docx

1670495853_النزاهة ومحاربة الفساد المالي (حسب التعميم الوزاري).pdf

المشاهدات 1520 | التعليقات 0