النزاهة قيمةٌ شرعية وصناعةُ أجيالٍ راشد ( مختصرة )
فهد فالح الشاكر
الخُطْبَةُ الأُولَى
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ، نَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، شَهَادَةً نَنَالُ بِهَا رِضَاهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ رَبُّهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، اَللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ، فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ النَّزَاهَةَ خُلُقٌ عَظِيمٌ، وَفَضِيلَةٌ مِنْ أَعْظَمِ الْفَضَائِلِ الَّتِي تُقِيمُ بِهَا الْأُمَمُ بُنْيَانَهَا، وَتَسْتَقِيمُ بِهَا حَيَاةُ النَّاسِ، وَتَطْمَئِنُّ بِهَا الْقُلُوبُ.
وَالنَّزَاهَةُ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ كَلِمَةٍ تُقَالُ، بَلْ هِيَ مِيزَانٌ تُوزَنُ بِهِ الْأَعْمَالُ، وَطَرِيقٌ يُخْتَبَرُ بِهِ صِدْقُ الْإِيمَانِ، وَدَلِيلٌ عَلَى خَشْيَةِ الرَّحْمَنِ.
إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ دَلَائِلِ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ نَزِيهًا فِي قَوْلِهِ وَعَمَلِهِ، أَمِينًا عَلَى مَا وُكِّلَ إِلَيْهِ، صَادِقًا فِي مُعَامَلَاتِهِ، بَعِيدًا عَنْ مَوَاطِنِ الشُّبْهَةِ وَالرِّيْبَةِ.
وَقَدْ أَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَهْلِ الْأَمَانَةِ وَالصِّدْقِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.
وَمِنْ أَعْظَمِ الْإِحْسَانِ أَنْ يُحْسِنَ الْعَبْدُ فِي أَدَاءِ حَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ الْعِبَادِ، وَلَا يَخُونَ أَمَانَةً، وَلَا يُضَيِّعَ مَسْؤُولِيَّةً.
وَمَا مِنْ مُجْتَمَعٍ انْتَشَرَتْ فِيهِ النَّزَاهَةُ إِلَّا عَلَتْ مَكَانَتُهُ، وَقَوِيَتْ ثِقَتُهُ، وَازْدَهَرَ اقْتِصَادُهُ، وَسَادَ الْأَمْنُ بَيْنَ أَفْرَادِهِ.
وَمَا مِنْ مُجْتَمَعٍ فَقَدَهَا إِلَّا تَفَكَّكَتْ رَوَابِطُهُ، وَضَاعَتْ حُقُوقُهُ، وَانْتَشَرَ فِيهِ الْفَسَادُ وَالظُّلْمُ وَضَيَاعُ الْأَمَانَاتِ.
وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ».
عِبَادَ اللَّهِ، إِنَّ النَّزَاهَةَ تَبْدَأُ مِنْ أَعْمَاقِ النَّفْسِ؛ تَبْدَأُ مِنْ صِدْقِ الْعَبْدِ مَعَ رَبِّهِ، ثُمَّ مَعَ نَفْسِهِ، ثُمَّ مَعَ النَّاسِ.
فَمَنْ اسْتَقَامَ قَلْبُهُ اسْتَقَامَتْ جَوَارِحُهُ، وَمَنْ طَهُرَتْ سَرِيرَتُهُ طَابَتْ عَلَانِيَتُهُ، وَمَنْ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ لَمْ يَجْتَرِئْ عَلَى خِيَانَةٍ أَوْ غِشٍّ أَوْ تَلَاعُبٍ بِحُقُوقِ النَّاسِ.
وَفِي زَمَنٍ تَتَّسِعُ فِيهِ الْمَسْؤُولِيَّاتُ، وَتَتَعَدَّدُ فِيهَا الْأَدْوَارُ، وَتَزْدَادُ فِيهِ الْمُغْرِيَاتُ، يَحْتَاجُ الْمُسْلِمُ إِلَى مَزِيدٍ مِنَ الْمُرَاقَبَةِ وَالْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ، خَاصَّةً فِي الْأَعْمَالِ الْمُوكُولَةِ إِلَيْهِ؛ فِي وَظِيفَتِهِ، فِي مَالِهِ، فِي تَعَامُلِهِ، فِي قَرَارَاتِهِ، وَفِي كُلِّ شَأْنٍ مِنْ شُؤُونِ حَيَاتِهِ.
قَالَ تَعَالَى: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ﴾.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
────────────────────
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَهُ الْحَمْدُ الْحَسَنُ، وَالثَّنَاءُ الْجَمِيلُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
عِبَادَ اللَّهِ، إِنَّ لِلنَّزَاهَةِ آثَارًا عَظِيمَةً عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ؛ فَهِيَ تَحْفَظُ الْحُقُوقَ، وَتُقِيمُ الْعَدْلَ، وَتَمْنَعُ الظُّلْمَ، وَتُشِيعُ الثِّقَةَ بَيْنَ النَّاسِ، وَتَبْنِي جِيلًا وَاعِيًا يَخَافُ اللَّهَ وَيُحِبُّ الْخَيْرَ.
وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَا يُعِينُ عَلَى النَّزَاهَةِ أَنْ يَسْتَشْعِرَ الْعَبْدُ مُرَاقَبَةَ اللَّهِ، وَأَنْ يُكْثِرَ مِنَ الدُّعَاءِ أَنْ يَرْزُقَهُ اللَّهُ قَلْبًا طَاهِرًا، وَنَفْسًا زَكِيَّةً، وَأَنْ يُبَاعِدَ عَنْهُ مَوَاطِنَ الْفِتَنِ.
وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ضَرَبَ أَرْوَعَ الْأَمْثِلَةِ فِي النَّزَاهَةِ، حَتَّى لُقِّبَ قَبْلَ بَعْثَتِهِ بِالصَّادِقِ الْأَمِينِ.
فَلْيَكُنْ لَنَا فِيهِ قُدْوَةٌ، وَلْنَجْعَلِ النَّزَاهَةَ سُلُوكًا يَوْمِيًّا، فِي بُيُوتِنَا، وَوَظَائِفِنَا، وَمَدَارِسِنَا، وَكُلِّ مَوْضِعٍ أَوْدَعَنَا اللَّهُ فِيهِ أَمَانَةً وَمَسْؤُولِيَّةً.
اَللَّهُمَّ طَهِّرْ قُلُوبَنَا مِنَ الْخِيَانَةِ، وَأَعْمَالَنَا مِنَ الرِّيَاءِ، وَأَرْزَاقَنَا مِنَ الْحَرَامِ، وَنُفُوسَنَا مِنَ السُّوءِ، وَاجْعَلْنَا مِنْ أَهْلِ الْأَمَانَةِ وَالنَّزَاهَةِ وَالصِّدْقِ.
عِبَادَ اللَّهِ، صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى خَيْرِ الْبَرِيَّةِ وَأَزْكَى الْبَشَرِيَّةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ قَائِلًا:
﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
اَللَّهُمَّ لَا تَدَعْ لَنَا ذَنْبًا إِلَّا غَفَرْتَهُ، وَلَا هَمًّا إِلَّا فَرَّجْتَهُ، وَلَا دَيْنًا إِلَّا قَضَيْتَهُ، وَلَا مَرِيضًا إِلَّا شَفَيْتَهُ، وَلَا مُبْتَلًى إِلَّا عَافَيْتَهُ، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
وَصَلِّ اللَّهُمَّ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
المرفقات
1764876985_النزاهة قيمةٌ شرعية وصناعةُ أجيالٍ راشد.pdf