النخلُ آياتُها وزكاتُها
راشد بن عبد الرحمن البداح
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} أما بعدُ:
فإننا –واللهِ- في زحامٍ من نعمِ اللهِ وأفضالِه ومنتِه، ولا نحصِي ثناءًعليهِ تعالى ولا شكورًا.
وإن منَ النعمِ الظاهرةِ ما نعيشُه هذهِ الأيامَ في موسمِ خرافِ الرطبِوصرامِ التمرِ: [وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ] فاشكرُوا واعتبرُوا و{انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}.
ولشرفِ النخيلِ على غيرِها؛ فقد جعلَها اللهُ من شجرِ الجنةِ: [فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ ]. و (منْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الْجَنَّةِ().
وعندَ أحمدَ بسندٍ صحيحٍ: أَنَّ رَجُلًا احتاجَ من جارِه نَخْلَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَعْطِهَا إِيَّاهُ بِنَخْلَةٍ فِي الْجَنَّةِ().
وشبَّهَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النخلةَ بالمسلمِ، تؤتي أُكلَها كلَّ حينٍبإذنِ ربِّها. وللطبرانيِ بسندٍ حسنٍ أنه قالَ: مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلُ النَّخْلَةِ، مَا أَخَذْتَ مِنْهَا مِنْ شَيْءٍ نَفَعَكَ().
قالَ ابنُ القيمِ: (وَالتّمْرُ مِنْ أَفْضَلِ الْأَغْذِيَةِ فِي الْبِلَادِ الْبَارِدَةِ وَالْحَارّةِ .. هَذَا مَعَ مَا فِي التّمْرِ وَالْمَاءِ مِنْ الْخَاصّيّةِ الّتِي لَهَا تَأْثِيرٌ فِي صَلَاحِ الْقَلْبِ؛ لَا يَعْلَمُهَا إلّا أَطِبّاءُ الْقُلُوبِ)().
ولذا قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بَيْتٌ لَا تَمْرَ فِيهِ جِيَاعٌ أَهْلُهُ. رواهُمسلمٌ().
ولأجلِ هذا؛ فقد كانَ نبيُكم محمدٌ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالتمرِ حفياً ومحبًا، فقد كَانَ أكثرُ طعامِه منه، وكانَ يُفطرُ على التمرِ ويتسحرُ عليهِ، وكانَ يَأْكُلُ الْقِثَّاءَ بِالرُّطَبِ(). وهو نَوْعٌ يُشْبِهُ الْخِيَارَ. وكانَ يُحِبُّ الزُّبْدَ معَالتَّمْرِ().
وقد كانَ أجدادُنا؛ إنما قوتُهم التمرُ، ونجاهمُ اللهُ من الموتِ الجوعِبهذا التمرِ، أما الآنَ فنحنُ نأكلُه تفكُهًا، لا عن ضرورةٍ. فلنحذرْ منَالبَطَرِ بالنِعَمِ، وإهانةِ التمورِ المأكولةِ، بإلقائِها مع طعامِ الحيوانِ، أو رميِها بقارعةِ الطريقِ، وأقبحُ منهُ وضعُها مع القمامةِ.
ومنْ قصصِ كفاحِ الصحابةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ما رواهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: خَرَجْنَا وَنَحْنُ ثَلَاثُ مِئَةٍ، نَحْمِلُ زَادَنَا عَلَى رِقَابِنَا، فَفَنِيَ زَادُنَا، حَتَّى كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا يَأْكُلُ فِي كُلِّ يَوْمٍ تَمْرَةً، نَمَصُّهَا كَمَا يَمَصُّ الصَّبِيُّ، ثُمَّ نَشْرَبُ عَلَيْهَا مِنَ الْمَاءِ، فَتَكْفِينَا يَوْمَنَا إِلَى اللَّيْلِ. قَالَ رَجُلٌ: وَأَيْنَ كَانَتِالتَّمْرَةُ تَقَعُ مِنْ الرَّجُلِ؟ قَالَ: لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا حِينَ فَنِيَتْ. متفقٌ عليهِ().فالحمدُ للهِ على سعةِ الأرزاقِ والأقواتِ.
الحمدُ للهِ العزيزِ الغفورِ، وصلى اللهُ وسلمَ على رسولهِ العبدِ الشكورِ، أما بعدُ: فاشكرُوا ربَكم على هذهِ النعمةِ؛ لتدفعُوا عن أنفسِكم وأموالِكم النقمةَ، وأدُوا زكاتها؛ فإن أهلَ الزكاةِ شركاءُ لكم فيها.
وعلى المزكي للتمورِ، أن يعرفَ أربعةَ أمورٍ:
1. أن ينويَ أنها زكاةٌ، فإن البعضَ قد يُخرِجُها بنيةِ الصدقةِ المستحبةِ، ولا ينوي الزكاةَ الواجبةَ، وهذا لا يُجزئُ.
2. أن يتأكدَ أن ثمارَه قد بلغتِ النصابَ، وهو ستُ مئةٍ واثنا عشرَكيلوًا فأكثرَ. ومَن عندَه نخلٌ باستراحتِه أو بيتِه وثمرتُها تبلغُ النصابَ، فتجبُ زكاتُها، والبعضُ يظنُ أن الزكاةَ في المزارعِ فقطْ، وهذا ظنٌ خاطئٌ.
3. أن يُخرجَ زكاةَ التمرِ من أوسطِ الأنواعِ، لا من رديئِها: [وَلَا تَيَمَّمُوا الخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ ] والخبيثُ هو الرديءُ، إلا أن يكونَالمحصولُ كلُه رديئًا فيُخرِجُ منه.
4. كيفَ يزكيهِ إن كان يخْرِفُه؟ فيُقالُ: تُخرَجُ الزكاةُ من قيمتِه، وذلك أسهلُ على المزكي، وأنفعُ للمحتاجِ، ومقدارُهاخمسةٌ بالمئةِ().
ومن البرِ المشكورِ أن يُخرِجَ من تمورِ مزرعتِه صدقاتٍ غيرِ واجبةٍ. أفَتَدْرُونَ كمْ مقدارُ الحسناتِ لمن تصدقَ بتمرةٍ واحدةٍ؟ قالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ التَّمْرَةَ لَتَكُونُ مِثْلَ الْجَبَلِ الْعَظِيمِ(). فكيفَ بمن تصدقَ بالآلافِ؟!
فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ. ولتطِبْ نفسُكَ بالإنفاقِ مما تُحبُحتى تنالَ البرَ، فقد دخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَسْجِدَ وَبِيَدِهِ عَصَا وَقَدْ عَلَّقَ رَجُلٌ (عِذْقاً) حَشَفًا، فَطَعَنَ بِالْعَصَا فِي ذَلِكَ الْقِنْوِ وَقَالَ: لَوْ شَاءَ رَبُّ هَذِهِ الصَّدَقَةِ تَصَدَّقَ بِأَطْيَبَ مِنْهَا. إِنَّ رَبَّ هَذِهِ الصَّدَقَةِ يَأْكُلُ الْحَشَفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ(). صححهُ ابنُ حبانٍ وابنُ حجرٍ.
• فاللهم اجعلنا من الذين إذا أعطيتَهم شكرُوا وإذا ابتليتَهم صبرُوا وإذا ذكَّرتَهم ذَكرُوا.
• اللهم أرشدْنا إلى استدراكِ الهفواتِ من قبلِ الفواتِ. وألهمنا أخذَالعدةِ للوفاةِ قبل الموافاةِ.
• اللهم لا تُحْقِقْ علينا العذابَ ولا تقطعْ بنا الأسبابَ.
• اللهم لا تخيبْنا ونحنُ نرجوكَ، ولا تعذِبْنا ونحنُ ندعوكَ.
• اللهم اكشفِ الضرَ عن إخوانِنا المتضررينَ في المغربِ وليبيا.
• اللهم اكفِنا شرَ طوارقِ الليلِ والنهارِ، إلا طارقًا يطرقُ بخيرٍ يا رحمنُ.
• اَللَّهُمَّ وَفّقْ إمامَنا ووَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى. وَارْزُقْهُمْ بِطَانَةَ اَلصَّلَاحِ وَالْفَلَاحِ.
• اَللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمَ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ.
المرفقات
1694702863_النخل آياتها وزكاتها.docx
1694702870_النخل آياتها وزكاتها.pdf