الْمِيثَاقُ الْغَلِيظُ

محمد البدر
1446/03/23 - 2024/09/26 05:03AM

الْخُطْبَةُ الأُولَى:

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ , وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا(70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.

عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى:﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾.وَقَالَ تَعَالَى:﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً﴾.وَقَالَﷺ:«خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ»رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ.الزَّوَاجُ رَابِطَةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ،وَمِنْ آيَاتِ اللهِ تعالى أَنَّهُ لَمْ يَخْلُقِ اثْنَيْنِ مُتَشَابِهَيْنِ تَمَامَاً في الصِّفَاتِ وَالأَخْلَاقِ،ولَمْ يَخْلُقِ الزَّوْجَيْنِ بِطِبَاعٍ وَاحِدَةٍ،قَالَ تَعَالَى:﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.فَفِيِ النِّكاحِ يا عِبادَ اللهِ خَيْراتٌ كَثيِرَةٌ، وَمصالحُ عَظيمِةٌ،قَالَ تَعَالَى:﴿وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ﴾َوبَيَّنَ اللهُ تَعالَىَ مِنْ الأَحْكامِ ما يَتَبَيَّنُ بِهِ عظيمُ عِنايَةِ اللهِ تَعالَىَ بِهذا العَقْدِ العظيمِ، وَهَذا الميثاقُ الغليِظُ.

عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى:﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئَاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرَاً كَثِيرَاً﴾.فَكُونُوا عَلَى يَقِينٍ أَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ مَعْصُومَاً،وَالْمَرْأَةَ لَيْسَتْ مَعْصُومَةً،قَالَﷺ:«كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ»رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.وَمِنْ  المُعَاشَرَةِ الحَسَنَةِ بَيْنَ الزَّوْجَينِ،أَنْ يَتَحَمَّلَ الرَّجُلُ اِعْوِجَاجَ الْمَرْأَةِ،قَالَﷺ:«لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ»رَوَاهُ مُسْلِمٌ.وَقَالَﷺ:«اسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْراً؛فَإِنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلعٍ، وَإنَّ أعْوَجَ مَا في الضِّلَعِ أعْلاهُ،فَإنْ ذَهَبتَ تُقيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإنْ تَرَكْتَهُ، لَمْ يَزَلْ أعْوجَ، فَاسْتَوصُوا بالنِّساءِ»مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.فَلَا تَفْقِدُوا أَعْصَابَكُمْ أَثْنَاءَ الخِلَافَاتِ الزَّوْجِيَّةِ،وَكُونُوا حَريصِينَ عَلَى تَرَابُطِ الأُسْرَةِ عِنْدَ الغَضَبِ، وَتَذَكَّرُوا أَنَّ العَبْدَ في سَاعَةِ الغَضَبِ قَدْ تَعْمَى بَصِيرَتُهُ، وَيَفْقِدُ تَوَازُنَهُ، فَيَتَلَفَّظُ بِكَلِمَةِ الطَّلَاقِ،التي تُفْرِحُ الشَّيْطَانَ وَتُحْزِنُ الزَّوْجَانِ بَعْدَ سُكُونِ الغَضَبِ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّﷺ:أَوْصِنِي،قَالَ:«لاَ تَغْضَبْ»فَرَدَّدَ مِرَارًا،قَالَ:«لاَ تَغْضَبْ»رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. فَلَا تَتَعَجَّلَ أيها الزَّوْجَ بِالطَّلَاقِ،وَيُمْكِنُ عِلَاج الخِلَافَاتِ الزَّوْجِيَّةِ عَنْ طَرِيقِ﴿فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلَاً إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيَّاً كَبِيرَاً﴾.أَو عَنْ طَرِيقِ ﴿فَابْعَثُوا حَكَمَاً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمَاً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحَاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمَاً خَبِيرَاً﴾.أَو عَنْ طَرِيقِ ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئَاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرَاً كَثِيرَاً﴾.

 أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ.

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى:﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرَاً﴾.فَمِنْ  المُعَاشَرَةِ الحَسَنَةِ بَيْنَ الزَّوْجَينِ أنه لا يجوزُ للمرأةِ أنْ تسألَ زوجَهَا الطَّلَاقَ أو الخُلْعَ منْ غَيْرِ بَأْسٍ،قَالَﷺ:«أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ، فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ»رواه ابن ماجه وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. فَاصْبِرِي يَا أَمَةَ اللهِ عَلَى قَسْوَةِ الحَيَاةِ،وَاصْبِرِي عَلَى قِلَّةِ يَدِ زَوْجِكِ، اصْبِرِي يَا أَمَةَ اللهِ، وَلَا تَطلُبِي الطَّلَاقَ مِن زَوْجِكِ،فَلَا يَضِقْ صَدْرك بِسَبَبِ عَرَضٍ مِنْ أَعْرَاضِ الدُّنْيَا حَتَّى تَطلُبِي الطَّلَاقَ ،فَالطَّلَاقُ حَلٌّ وَلَيْسَ مَقْصُودَاً لِذَاتِهِ،وَالطَّلَاقُ عِلَاجٌ لَا انْتِقَامٌ، الطَّلَاقُ لَمْ يُسَنَّ إِلَّا لِحِكَمٍ عَظِيمَةٍ لَا يُدْرِكُهَا الكَثِيرُ مِنَ النَّاسِ، لِذَا جَعَلَ اللهُ تعالى العِصْمَةَ بِيَدِ الرَّجُلِ لِأَنَّهُ أملك لعَاطِفَتِهِ،فحَذَّارَي مِنَ التَّعَجُّلِ وَالتَّسَاهُلِ فِيهِ وَالتَّلَاعُبِ فِيهِ،فَالطَّلَاقُ مُصِيبَةٌ عَظِيمَةٌ،وَعَوَاقِبِهِ أَلِيمَةِ،الطَّلَاق كَلِمَةُ تَهْتَزُّ لَهَا القُلُوبُ حُزْنَاً، وَتَرْتَجِفُ النُّفُوسُ لَهَا ألماً وحسرةً،فَيَا مَنْ يُرِيدُ الطَّلَاقَ،تريث وَاصْبِرْ فَإِنَّ الصَّبْرَ جَمِيلٌ، وَعَوَاقِبُهُ حَمِيدَةٌ،واعلم إِنْ كَانَتْ زَوْجَتُكَ سَاءَتْكَ يَوْمٌ فَقَدْ سَرَّتْكَ أَيَّامَاً، وَإِنْ كَانَتْ أَحْزَنَتْكَ عَامٌ فَقَدْ سَرَّتْكَ أَعْوَامَاً، فَالطَّلَاقُ يَزِيدُ النَّارَ اشْتِعَالَاً،وَيهَدْمُ بِنَاءِ الأُسْرَةٍ كَامِلَةً قَالَﷺ:«كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ.

عِبَادَ اللهِ:إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَنَا بِأَمْرٍ بَدَأَ فِيهِ بِنَفْسِهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ- مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ-وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ،وعن صحابته أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. واحفظ اللّهمّ ولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا ووليّ أمرنا، اللّهمّ وهيّئ له البِطانة الصالحة التي تدلُّه على الخير وتعينُه عليه، واصرِف عنه بطانةَ السوء يا ربَّ العالمين، واللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين يا ذا الجلال والإكرام.﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.

عِبَادَ اللَّهِ:اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾.

 

المرفقات

1727316209_الْمِيثَاقُ الْغَلِيظُ.pdf

المشاهدات 1059 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا