الموتُ في الحياةِ قبلَ الممات (المخدرات)
الشيخ نواف بن معيض الحارثي
الموتُ في الحياةِ قبلَ الممات (المخدرات)
الخطبة الأولى
الْـحَمْدُ للهِ بِيَدِهِ الـْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُـلِّ شَيْءٍ قَدِير، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ تَنَزَّهَ عَنِ الشَّبِيهِ وَالنَّظِير. وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللـهِ وَرَسُولُهُ الْبَشِيْرُ النَّذِير، وَالسِّرَاجُ الـْمُنِير، صَلَّى اللـهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيرًا.
أما بعد : فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى ...
عباد الله: أصلُ كلِّ بليةٍ، وأساسُ كلِّ رذيلة، مفتاحُ كلِّ شرٍ، تأتي على العقلِ فتعطلُه، وتُثنِّي على الجسمِ فتنخَرُهُ وتَـهُدُه! إذا حلت بالفردِ شلتْ حياتَه، وخنقتْ أحلامَه، وقطعتْ آمالَه! تهتكُ الأستارِ، وتُدخلُ صاحبِها في دائرةِ الفجارِ، طريقٌ سريعٌ للموبقات، وسبيلٌ يهتكُ كلَّ المحرمات، تمزقُ الحياءَ، وتطفئُ شمعةَ الغيرةِ من الصدورِ، هي انتحارٌ بطيءٌ، وإزهاقٌ بارد، ومَهْلكةٌ مُروعةٌ ( وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا )
تجني على العقلِ جنايةً تفوقُ كلَّ الجناياتِ، فبها تَفْسُدُ حياةُ الناس، وبها يفْسُدُ دينُهم، وبها تفْسُدُ مصالحُهم، وبها تضطرب حياتُهم، وبها ينالون كلَّ ضررٍ، ويُدركون كلَّ شرٍ، وبها يَهلِكُ معاشُهم ومعادُهم، كلُّ بلاءٍ يصغرُ دونها، خطيئةٌ لها ما بعدها من الانحرافِ والخطايا، إِنَّهَا دَاءُ الْعَصْرِ وَقَاصِمَةُ الظَّهْرِ ، إنها الموتُ في الحياةِ قبلَ الممات : إنها الخمرةُ والمخدرات .
فيا للَّـهِ كم وكم بها وبسببها نفوسٌ زُهِقَت، وأُسرٌ شُتت، وأعراضٌ دُنِّست، وعقولٌ عُطلت، وأموالٌ ضُيعت!! كم أبكتْ من والدٍ ووالدهٍ، كم رملتْ من زوجةٍ، ويتَّمتْ من طفلٍ!! كم أفقرتْ وأذلَّت، ومن النقمِ جلبت، وعن النعمِ حَرمتْ وسلبتْ!! كم من الفواحشِ والآثامِ اقتُرفتْ بسببها في غيابِ عقلِ الإنسانِ وإرادتِه !!
عباد الله: إن تعاطي الخمرةَ والمخدراتِ من الجرائمِ العظيمة، والكبائرِ المهلكة، والذنوبِ المفسدةِ للفردِ والمجتمع ؛ فما وقع أحدٌ في شباكها إلا دمرتُه، ولا تعاطاها أحدٌ إلا أفسدتُه بأنواع الفساد، ولا انتشرت في مجتمع إلا أحاطَ به الشرُ كلُّه، ووقعَ في أنواعٍ من البلاءِ، وحدثت فيه كبارُ الذنوب، وصدقَ الصادقُ المصدوقُ e في وصيتِه لأبي الدرداءِ t «لَا تَشْرَبِ الْـخَمْرَ، فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُـلِّ شَرٍّ» رواه ابن ماجة .
إنها رجسٌ من عملِ الشيطان، توقعُ العداوةَ والبغضاءَ، وتصدُّ عن ذكرِ اللـهِ وعنِ الصلاةِ (فهل أنتم منتهون)
إن الحديثَ عن المخدراتِ والمسكرات، وآثارِها ومآسيها حديثٌ مؤلم، ولكن السكوتَ عنه لا يزيد الجرحَ إلا إيلامًا، ولا الشرَ إلا تطاولا، ومن نزلَ الميدانَ ، وعايشَ المأساةَ، ووقفَ على لغةِ الأرقامِ ، أدركَ حجمَ مخاطرِها وأيقنَ أنها حربٌ ضروسٌ على المجتمعات ِلا تقلُ خطراً عن خطرِ الحروبِ ومع ما سنَّتُه بلادُنا-حرسها الله- من عقوباتٍ صارمةٍ لملاحقةِ هذه الجريمةِ وأهلِها إلا أنَّ طوفانِ المخدراتِ ما زالَ يُدمر ويُمزقُ، تئنُ منه أروقةُ المحاكم، وجدرانُ السجون ، وخفايا البيوت .
عباد الله : الخمرةُ والمخدراتُ محرمةٌ ومن كبائرِ الذنوب ،قال e: لَعَنَ اللهُ الـْخَمْرَ، وَلَعَنَ شَارِبَهَا، وَسَاقِيَهَا، وَعَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَبَائِعَهَا، وَمُبْتَاعَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمـَحْمُولَةَ إِلَيْهِ، وَآكِلَ ثَمَنِهَا) أحمد وغيره..
والنهيٌ عن الخمر –عباد الله- نهيٌ عن المخدرات، والوعيدُ على الخمرِ وعيدٌ على المخدرات ، والمخدراتُ أعظمُ ضرراً من الخمر؛ فهي محرمةٌ أشدَّ التحريم، فأضرارُها أعظمُ ومفاسدُها أشدُ وأكبرُ ، ومن أضرارها :
ذَهابُ عقلِ متعاطيها -والعقلُ هو ميزةُ الإنسانِ عن البهائمِ-، ومن ذهب عقلُه تبدل طبعُه وتسفه فعلُه فأقدمَ على الجرائم وتخلى عن الفضائل وأصبح أردأَ من الحيواناتِ والبهائمِ.
ومن أضرارها: تدهورُ الصحةِ العامةِ لمتعاطيها، والوقوعُ في أمراض مستعصيةٍ تُسلِم صاحبها إلى الموت، فهي تُقصرُ العمرَ؛ وتدمرُ أجهزةَ البدنِ، مع ما يعتري صاحبَها من الهمومِ والاكتئاب.
ومن أضرارها: تبديدُ المتعاطي لمالِه وعدمِ قدرتِه على الكسبِ الشريف فيلجأُ إلى كسبِ المالِ بطرقٍ إجراميةٍ..
ومن أضرار المخدرات على المجتمع: ضياعُ الأسرِ وانحرافُ الناشئةِ ، وفُشُوُّ الجرائمِ المتنوعةِ فيه ، وانتشارُ الفواحشِ والمنكرات.
إخوة الإيمان: إذا كانت حياةُ الإدمانِ جحيمًا لا يُطاق، ونكدًا لا يُتصور، فلماذا يقعُ من يقعُ في وحْلِها ووزرِها؟! ما هي الأسبابُ التي جرّت شبابَنا وإخوانَنَا وأخواتِنا للوقوع في أُتونها وعفنها ؟! إن لذلك أسبابا، منها :
أولهُا وأهمُها: ضعفُ الإيمان، وخَواءُ الأرواحِ من تعظيم الله ومحبتِه؛ ما سببَ استصغارَ الكبائرِ، واللهثَ وراءَ حياةِ الغفلةِ والإعراضِ، فلا إيمانَ يمنعُ من محرّمٍ، ولا مروءةَ تردعُ من عيب.
ثانيًا: البحثُ عن السعادةِ ،والهروبُ من الواقعِ السيئِ، ومن مصائب الدنيا ومكدراتِـها، كحياةِ الفقر، وتراكمِ الديون، وضِيقِ العيش، وما علم أن المخدرات نفقٌ مظلمٌ، ونهايةٌ سوداءُ مأساويةٌ إن لم يتداركه اللهُ برحمته.
ثالثًا: رفقةُ السوءِ، وإذا اجتمع الفراغُ مع صاحبِ السوءِ مع البحثِ عن المتعةِ في غيرِ محلِـها، فهي التي تشعلُ نارَ المخدراتِ في أيِّ لحظةٍ، واسمع واقرأ زفراتِ وحسراتِ عشراتِ التائبينَ العائدينَ من الإدمانِ يُصدِّرونَ مأساتـَهُم مع المخدرات بقولهم: أغراني بها رفقاءُ السوء.
إن الفراغ والشباب والجِدة
مفسدةٌ للمرءِ أيُّ مفسدة
خامسًا: تفككُ الأسرةِ ودورُهُ الكبيرُ في ضياعِ الأولادِ، فتضعفُ حينَها التربيةُ، ويقلُ التوجيهُ، وتصعبُ المتابعة، فيصبحُ من هذه حالهُم لقمةً سائغةً، وصيدًا سهلاً لمروجي المخدرات.
سادسًا: السفرُ للخارجِ سببٌ مذكورٌ من أسبابِ التعاطي، وفي دراسةٍ أجريت على متعاطِينَ تبين أن ( اثنينِ وخمسينَ في المائة ) من هؤلاء سافروا بصحةٍ وعافية، لكنهم عادوا إلى بلادهم بداءِ الإدمان.
سابعًا: الإعلامُ السيءُ عموما، والأفلامُ الهابطةُ التي تصورُ شاربَ الخمرِ في مناظرَ فاضحةٍ، ورقصاتٍ ماجنةٍ، وتقديُـمها في قالبِ التمدنِ والتطورِ.
فاتقوا الله عباد الله واحذروا من هذا الوباءِ العظيم والخطرِ الجسيمِ وسلوا الله السلامةَ لكم ولأولادِكم ومن تحبون (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الـْخَمْرُ وَالْـمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) بارك الله لي ولكم ...
الخطبة الثانية:
الْـحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين .أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الـْمُسْلِمُونَ: وباءُ المخدرات، يهددُ الحضارةَ بالتفجير، والقيمَ بالزوال، والأخلاقَ بالتدمير، إنه داءٌ مستترٌ لا تراه العينُ إلا باجتهاد، ولا يكتشفُه البصرُ إلا بنصبٍ، فهَلْ تُصَدِّقُونَ أَنَّ حَجْمَ مَبِيعَاتِ تُجَّارِ الْـمُخَدِّرَاتِ فِي الْعَالَمِ تُقَدَّرُ بنَحْوِ نصفُ مليار دُولار؟
إِنَّهَا حَرْبٌ شَرِسَةٌ قَذِرَةٌ، وَقَنَابِلُ مُدَمِّرَةٌ، إِنَّهَا النِّهَايَاتُ الْمـُؤْلِمَةُ، وَالطُّرُقُ الْـمُظْلِمَةُ، إِنَّهُ تَعَاوُنٌ مِنَ الشَّيْطَانِ وَحِزْبِهِ عَلَى إِهْلَاكِ الْـمُجْتَمَعِ، وَتَخْرِيبِ الدِّينِ وَأَهْلِ الإِسْلام
أيها الإخوة: ولما للمخدرات من أخطار جسيمة تطال الفرد والمجتمع والدولة فقد أطلقت بلادنا المباركة حملة لمكافحة هذا البلاء والقضاء على هذا الداء حفاظا على شباب الوطن ومقدرات البلاد ... حيث انتشرتْ بينَ بعضِ مِن الشّبابِ مادّةٌ مُخَدِّرَةٌ خطيرةٌ تُسمّى الشَّبُو، يَزعمونَ أنَّها تُنَشِّطُ وتُفَتِّرُ، وهي تُثَبِّطُ وتُدَمِّرُ، وهي مادةٌ كيميائيّةٌ مُخدّرةٌ فتَّاكةٌ، تُسبّبُ الإدمانَ وتَدْمرُ الجهازِ العصبيِّ والمناعيِّ لمتعاطيها وتَحْويله لشخصٍ مُنْحَرِفٍ ومِزاجِيٍّ وانْعَزالِيٍّ وعُدْوانيٍّ، قد يَقْتُلُ نفسَه ووالديه وإخوانَه وكلَّ مَنْ يُلاقيه، لذا يَجِبُ اليقظةُ في معرفةِ أعراضِ ذلك المُخَدِّرِ على مَنْ يَتَعاطاه.
فيا أيّها الشّبابُ اتّقوا اللـهَ حفظَكم الله، واحذروا أشدَّ الحذرِ مِن هذه المنشطاتِ والمخدرات وإياكم وطريق التجربة وإظهار الرجولة الزائفة واحذروا من الأعداء الذين يسعون لترويج المخدرات وَفْقَ أَجْنِدَةٍ خارجيّةٍ خطيرة، تَستهدفُ تدميرَ أبناءِ وبناتِ المجتمع، ممّا يَسْتلزِمُ تَكاتُفَ الجميعِ للتّبليغِ عنهم والتّحذيرِ منهم، مع الإشادةِ بما يَقومُ به رجالُ الجماركِ والأمنِ ومكافحةِ المُخدِّراتِ وفَّقَهم الله، مِنْ جهودٍ تُذْكَرُ فتُشْكَرُ، في فَضْحِ أولئك المُجرمين، وحمايةِ شبابِنا مِنْ خطرِهم، نَسألُ اللـهَ أنْ يُصلحَ شبابَنا وشبابَ المسلمينَ. ثم صلوا وسلموا
المرفقات
1683212438_الموتُ في الحياةِ قبلَ الممات (المخدرات).pdf
1683212439_الموتُ في الحياةِ قبلَ الممات (المخدرات).docx