الملائكة الكرام -عليهم السلام-
عبدالله بن عبدالرحمن الرحيلي
الملائكة الكرام -عليهم السلام-
ألقيت في جامع حمراء الأسد بالمدينة النبوية
بتاريخ 1/ ذو القعدة/ 1442
عبد الله بن عبد الرحمن الرحيلي
عناصر الخطبة:
1-منزلة الملائكة -عليهم السلام-.
2- خَلْق الملائكة -عليهم السلام-.
3- عدد الملائكة -عليهم السلام-.
4- عبادة الملائكة -عليهم السلام-.
5- أعمال الملائكة -عليهم السلام-.
6-عناية الملائكة ببني آدم.
7-أعمال تدعو الملائكة لأصحابها.
8-خبر الملائكة في الآخرة.
9-ثمرات الإيمان بالملائكة.
10-من تلعنهم الملائكة.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الكبير المُتعال، تُسبِّح له السماوات والأرض ومن فيهنَّ بالغُدوِّ والآصال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المُتفرِّدُ بالكمال والجلال، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه عظيمُ المقام شريفُ الخِصال، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وأصحابِه خيرِ صحبٍ وأكرمِ آل، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم المآل.
أما بعد:
فاتقوا الله حق تقواه؛ وسارعوا إلى ما يحبه ربكم ويرضاه، واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله، (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ) [النبأ: 40]
أيها المسلمون..
اذكروا نعمة جليلة أنعم بها الرب المنان، على بني الإنسان، قابلها كثير من الناس بالغفلة والنسيان.
إنها نعمة خلق الملائكة الكرام، العابدون لله تعالى على الدوام.
إنهم من شرفهم الله واصطفاهم، وقربهم وأدناهم.
الملائكةُ الأخْيار، والمُصطَفَون الأطْهار، أثرٌ من آثارِ عظمةِ الله وقُدرته، ومظهر من مظاهر عنايته بعباده ورحمته، ومَعلَم من معالم آلائه ونعمته.
عالم ممتلئ بالطُهر والنقاءِ والصَفاء.
خلَقَهم الله - سبحانه - خِلقةً باهرةَ العظمةِ والجمال والبَهاء.
إنهم العباد المكرمون، والكرام الكاتبون.
أقسم الله العظيم بهم، وأعلى بين العالمين ذكرهم.
قربهم لديه، وشرفهم فأضافهم إليه.
قائمون بعبادة الله خاضعون لجبروته، مطيعون لأمره في تدبير ملكوته.
خلقٌ كريمٌ من خَلْقِ الرحمن، الإيمان بهم ثاني أركان الإيمان، عالم غيبي، لا يعلم خلقَهم إلا الله، ولا يقاسون بخلق الإنسان .
خَلَقَهُم الله من نور، وفضَّلهم على كثير ممن خلق تفضيلاً.
وجعل لهم قدرة عجيبة على التشكل في صورة البشر.
لهم أجنحة مثنى وثلاث ورباع ﴿ يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قديرٌ ﴾ [فاطر: 1]
حدَّث نبينا صلى الله عليه وسلم عن عظيم خَلْقهم فقال: "أُذِنَ لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله، من حملة العرش، إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرةُ سبعمائة عام".
لا يأكلون ولا يشربون، ولا يتناسَلُون.
جم غفير، وخلق عظيم وعدد كثير؛ لا يحصيهم إلا الله العلي الكبير.
{وما يعلم جنود ربك إلا هو} [المدثر: 31]
البَيْتُ المَعْمُورُ "يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، إِذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ"
فكم دخله من الملائكة منذ خلقه الله إلى اليوم، و كم سيدخله إلى يوم القيامة!
فلا إله الله إلا الله! ما أعظم الله وأقدره جل في علاه!
يقول النبي ﷺ : "أَطَّتِ السَّمَاءُ -يعني ثقلت-، وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ؛ مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ؛ إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ..."
إنهم الصافُّون الـمُصَلون المسبحون، لا ينقطعون ولا يفترون.
لله عابدون منيبون؛ (ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون * يسبحون الليل والنهار لا يفترون) [الأنبياء: 19-20]
لا يأنفون من الطاعة؛ ولا يملون من العبادة (فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسئمون) [فصلت: 38]
وهم من خشية الله مشفقون؛ مر النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء بالملأ الأعلى، فرأى جبريل كالحِلس البالي من خشية الله تعالى.
بأمر الله ملتزمون (لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون) [الأنبياء: 27]
لله طائعون (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) [التحريم: 6]
وإلى طاعة الله يتسابقون (فالسابقات سبقا) [النازعات: 3]
يصُفُّون بين يدَي ربهم في السماء، ويتراصُّون في الصفوف في تمامٍ ونظامٍ. (وما منا إلا له مقام معلوم) [الصافات: 164]
خلقهم الخلاقُ العليمُ –سبحانه- قبل خلق آدم، وأوكل إليهم أعمالاً، فمنهم المصطفى إلى الأنبياء رسولًا.
ومنهم جبريل -عليه السلام- الروح الأمين.
رآه النبي صلى الله عليه وسلم عند سدرة المنتهى، وله ستمائة جناح، يَسقطُ منها التّهاويلُ من الدرِّ والياقُوت.
هو المُوكَّلُ بالوحيِ الذي به حياةُ القلوب، ومِيكائيلُ مُوكَّلُ بالقْطرِ والنبات الذي به حياةُ الأبدان، وإسرافيلُ مُوكَّلُ بنفخِ الصُّور الذي به فناءُ الحياة ثم بعثُها للحياة الآخرة ، قد التَقَمَ إسرافيلُ القَرنَ، وحنَى جبهَتَه، وأصغَى سمعَه، ينتظِرُ متى يُؤمَرُ بالنّفخِ.
ومنهم حملة العرش الذي هو أكبر المخلوقاتْ.
منهم الموكلون بحراسةِ السماءِ وحفظها من كل شيطانٍ مارد، ومنهم مالكٌ خازنُ جهنم - أعاذنا اللهُ منها -، وهاروتُ وماروت، وملك الموت، وملائكةٌ للرحمةِ، وملائكةٌ للعذابِ.
عباد الله..
إن الملائكة موكَّلة بالإنسان في شأنه كله، - منْ حين كَوْنه نطفة إلى آخر أمره؛ مُوكَّلون بتَخليقه، ونقله من طَوْر إلى طَوْر، وكتابة رِزقه، وعمله، وأجله، وشقاوته، وسعادته.
يلازمونه في جميع أحواله، وعليهم إحصاءُ أقواله وأفعاله.
فمنهم ملائكة حافظون، كرامٌ كاتبون، يحصون أعمال الناس من خيرٍ أو شر.
ومنهم المؤيدون لعباد الله المؤمنين، يثبتونهم في قتال الكافرين؛ يضربون فوقَ أعناقِ الذين كفروا، ويضربون منهم كل بنان.
عباد الله ..
إن من رحمة الرحمن الرحيم؛ أن جعل من الملائكة من يستغفر للمؤمنين؛ يستغفرون لمن ينتظر الصلاةَ في المساجد ؛ وتدعو الملائكة لمن جلس في مصلاه بعد الصلاة يذكر الله.
(وما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب؛ إلا قال ملك: "ولكَ بِمِثْل")،
و(من بات طاهرًا بات في شعاره ملك، فلم يستيقظ إلا قال الملك: "اللهم اغفر لعبدك فلانٍ فإنه بات طاهرًا)
ومنهم الموكلون بمجالس الذكر ، (يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر فإذا وجدوا قومًا يذكرون الله تنادوا هلموا إلى حاجتكم ؛ فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا).
تُحبُّ الملائكة سماعَ القرآن؛ وقد ينزلون عند تلاوته.
وتستغفِرُ لطالبِ العلم وتضعُ له أجنحَتَها رضًا بما يصْنَع، وتُصلِّي على مُعلِّم الناسِ الخير، وعلى أصحاب الصفِّ الأوَّل، وتقِفُ على أبوابِ المساجِدِ يوم الجُمُعة يكتبون الأول فالأول؛ فإذا خرج الإمام طووا صحفهم، وجلسوا يستمعون الذكر.
ويصلون على المصلي على النبي صلى الله عليه وسلم .
ويستحيون من بعض عبادِ اللهِ الصادقين، كعثمانَ -رضي الله عنه-.
ويشهدون صلاة الفجر وصلاة العصر مع المسلمين.
تحمي الملائكة مكة والمدينة من الطاعون والدجال؛ وهي باسِطةٌ أجنِحَتها على الشام.
عباد الله.. وفي اليوم الآخِر ؛ للملائكة مع بني آدم شأن آخَر.
يأتون في ساعةِ الاحتِضار أهل الإيمان، تقبض أرواحهم برحمة ويسر، وتبشرهم بالجنةِ والرِّضوان.
وتنزع روح الكافر بشدة ، ويبشَّر بسخط الله وعذابه .
ويشهدون بعض جنائِزَ الصالحين.
وفي القبر منكر ونكير، وفتنة وموقف عسير.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا قبر الميت أتاه ملكان أسودان أزرقان، يقال لأحدهما المنكر، والآخرُ النكير)
لا يشفعون عند الله بغير إذنه، ولا يشفعون لأحد من المشركين به.
(يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا) [النبأ: 38]
ويدخلون علي المؤمنين في الجنة من كل باب: (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) [الرعد: 24]
ومنهم خزنة النار الزبانية: غلاظ شداد؛ سود الوجوه، كالحة أنيابهم، ليس في قلب واحد منهم مثقال ذرة من رحمة.
يسوقون المجرمين إلى جهنم وردا، يضربون وجوههم وأدبارهم، ويجاء بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها.
وبعد عباد الله.. فالحديث عن الملائكة المقربين: يزيدُ الإيمانَ وينميه، ويرسِّخُ اليقين ويقويه.
تمتلئ به القلوب تعظيما لله وإجلالا؛ وتزداد به الجوارح طاعة لله وإقبالا.
فتعلموا هذه الأصولَ واستحضروها، واذكروا نعم ربكم عليكم واشكروها.
اللهم اجعلنا ممن يحقق الإيمان بالملائكة، وينعم في الدنيا بمعيتهم وتأييدهم؛ واجعلنا ممن تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله الخلاق العليم؛ سبحت له الأفلاك وخضعت له الأملاك وهو العلي العظيم، وصلى الله وسلم على نبيه الكريم، وعلى آله وصحبه ومن تبع نهجهم القويم.
أما بعد، عباد الله..
ملائكة الرحمن يجب الإيمان بهم، وتلزم موالاتهم، وهم خلق من خلق الله؛ يعملون بأمر الله.
من أنكر حقيقتهم أو استهزأ بأحد منهم فقد كفر (قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ) [البقرة: 97-98]
عباد الله.. حافظوا على الأعمال التي تقرب الملائكة منكم، واجتنبوا ما يؤذي الملائكةَ وينفرها عنكم .
فإن الملائكة تتأذَّى مما يتأذَّى منه بنُو آدم، من الروائِحِ الكريهة والنجَس، ولا تدخل الملائكةُ بيتا فيه كلبٌ ولا تمثال.
وتَلعَنُ من يرفعُ حديدةً أو سلاحًا في وجه أخيِه المسلم بغير حقٍّ، وتلعَنُ من أحدَثَ حَدَثًا أو آوَى مُحدِثًا، أو سبَّ الصحابةَ - رضي الله عنهم -.
وتلعَنُ من انتَسَبَ إلى غيرِ أبيِه، ولا تقرَبُ البيتَ الذي يهجُرُ أهلُهُ الطاعة والقرآنَ، ويستبدِلُون ذلك بالمعاصي والمعازف ومزامير الشيطان.
فاستحيوا من الملائكة وأكرموهم، ولا تخرجوهم من بيوتكم أو تؤذوهم، تكونوا بذلك أحسن حالا، وأطيب عيشا وأنعم بالا.
ثم صلوا وسلموا عباد الله؛ على من صلى الله عليه وكرامُ ملائكتِه؛ صلوا على من تبلغه الملائكةُ سلامَ أمتِه.
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واخذل أعداءك أعداء الدين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، وألف بين قلوبهم، واجمع على الحق كلمتهم.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا ووالدينا عذاب القبر والنار.
المرفقات
1630382114_خطبة الملائكة الكرام عليهم السلام.docx
1630382115_خطبة الملائكة الكرام عليهم السلام.pdf