المكفرات العشرة للذنوب-17-4-1436هـ-أحمد السويلم-الملتقى-بتصرف

محمد بن سامر
1436/04/17 - 2015/02/06 04:42AM
[align=justify]إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله-صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا-أما بعد:
فيا أيها الإخوة، ما من بشر إلا وقد كُتب عليه الخطأُ والزلل، والهفوةُ والخلل، تُجاه ربه-عز وجل-إلا من عصمه الله-تعالى-، إنها الأنفسُ البشريةُ التي جُبلتْ على النقصِ والتقصيرِ، ليختصَ الخالقُ-جل وعلا-بالكمال المطلق فلا يدانيه مخلوق، أخرج الإمام مسلم-رحمه الله تعالى-عن أبي هريرة-رضي الله عنه-أن النبي-صلى الله عليه وآله وسلم-قال: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ". غير أن الشأنَ ليس في الخطأ والذنب، بل الشأنُ كلُّ الشأنِ في الأوبةِ والتوبةِ من تلك الذنوبِ، والتخففِ منها والتخلصِ قبل العرضِ الأكبرِ على الله -جل في علاه-[وَأَنِيْبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوْا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُم العَذَابُ ثُمْ لا تُنْصَرُوْنَ]، وعن أَنَسٍ-رضي الله عنه-أَنَّ النَّبِيَّ-صلى الله عليه وآله وسلم-قَالَ: "كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ" أخرجه الترمذي-رحمه الله تعالى-.
أحبتي الكرام: لله-عز وجل-في عباده ألطافٌ ورحماتٌ لا يدركها كثير من الناس، ولحكمته قدر على عباده الذنوب، وقدر معها أسبابًا مكفرةً لها، إذا ما تعرض لها العبد أو باشرها كانت له برحمة الله مغفرةً لخطيئاته، ومَطْهَرَةً لسيئاته، ودافعةً له عن عقاب الله، إذا حقق التوحيد وجانب الشرك، [إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُوْنَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ]، هذه الأسباب وتلك المكفرات تتبعها أهل العلم في كلام الله وكلام رسوله-صلى الله عليه وآله وسلم-فكانت عشرةَ أسبابٍ ظاهرةً: أربعةٌ منها في حياة العبد في الدنيا، وثلاثةٌ بعد موته في قبره، وثلاثةٌ حين تقوم الخلائق لربها يوم القيامة.
أما أول الأسباب وأوضحها: فهو التوبة الصادقة، قال تعالى-[قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ]، وَقَالَ-تَعَالَى-: [أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ]، وَقَالَ-تَعَالَى-: [وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ]، وعَنْ أبي هُريْرةَ-رضي الله عنه-قَالَ: قالَ رَسُول اللهِ-صلى الله عليه وآله وسلم-: "مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تطلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مغْرِبِهَا تَابَ الله علَيْه" رواه الإمام مسلم-رحمه الله تعالى-.
وللتوبة شروط ثلاثة: أَنْ يَنْدَمَ عَلَى فِعْلِ المعصية في الماضي، وأنْ يُقلِعَ عَنِها ويتركَها في الحاضر، وأنْ يَعْزِمَ أَلا يعُودَ إِلَيْهَا أَبَدا في المستقبل، ويضاف إليها شرط رابع: إِنْ تعلقَ الذنبُ بحقوقِ العبادِ فلا بد من ردِ الحقوقِ إليهم، واستحلاله منهم، فعن أَبي هُرِيْرَةَ-رضي اللَّه عنه-عن النَّبِيِّ-صلى الله عليه وآله وسلم-قَالَ: "مَنْ كَانتْ عِنْدَه مَظْلمَةٌ لأَخِيهِ، مِنْ عِرْضِهِ أَوْ مِنْ شَيْءٍ، فَلْيتَحَلَّلْه ِمنْه الْيوْمَ قَبْلَ أَلاَ يكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ، إنْ كَانَ لَهُ عَملٌ صَالحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقدْرِ مظْلمتِهِ، وإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سيِّئَاتِ صاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ" رواه الإمام البخاري-رحمه الله تعالى-.
السَّبَبُ الثَّانِي: الاسْتِغْفَارُ، وهو من المكفراتِ اليسيرةِ العملِ العظيمةِ الأثرِ، ولا سيما إذا اعترفَ العبدُ بذنبهِ فتذللَ وانكسرَ، أو وافق به ساعة إجابة كالسجود أو وقت السحر، قال-جل وعز-: [وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا]، وقال-سبحانه-: [وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ]، وقال-تعالى-: [وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ]، وفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ-صلى الله عليه وآله وسلم-أَنَّهُ قَالَ: " إذَا أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَقَالَ: أَيْ رَبِّ أَذْنَبْت ذَنْبًا فَاغْفِرْ لِي فَقَالَ: عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ قَدْ غَفَرْت لِعَبْدِي، ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا آخَرَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ أَذْنَبْت ذَنْبًا، فَاغْفِرْ لِي! فَقَالَ رَبُّهُ: عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ قَدْ غَفَرْت لِعَبْدِي فَلْيَفْعَلْ مَا شَاءَ قَالَ ذَلِكَ: فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ".
السبب الثالث من أسباب تكفير الذنوب: الحسنات والأعمال الصالحات، يعملها العبد فتمحو عنه ذنوبه، كَمَا قَالَ –تَعَالَى-: [وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ]، وَجاءت الأحاديث الصحاح في ذلك كما قَالَ-صلى الله عليه وآله وسلم-"الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ إذَا اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِرُ"، وَقَالَ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"، وَقَالَ: "صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ، وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ"، وَقَالَ "مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ"، وَقَالَ: "فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ"، وَقَالَ: "الصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ"، وَغير ذلك من الأحاديث المتوافرة المتضافرة.
وأما السَّبَبُ الرابعُ: فالْمَصَائِبُ الَّتِي يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهَا الْخَطَايَا فِي الدُّنْيَا، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ-صلى الله عليه وآله وسلم-أَنَّهُ قَالَ: "مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ(تعب)؛ وَلا نَصَبٍ؛ وَلا هَمٍّ؛ وَلا حَزَنٍ؛ وَلا غَمٍّ؛ وَلا أَذًى- حَتَّى الشَّوْكَةُ يَشَاكُهَا-إلا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ".
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ-رضي الله عنه-قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صلى الله عليه وآله وسلم-: "مَا يَزَالُ البَلاءُ بِالمُؤْمِنِ وَالمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ" أخرجه الإمامان أحمد والترمذي-رحمهما الله تعالى-.
فهذه أربعة أسباب للمغفرة مادام الإنسان حيًا في الدنيا: التوبةُ والاستغفارُ والحسناتُ والمصائبُ.
أما أسباب المغفرة التي تكون بعد الممات وفي حياة البرزخ فمنها-وهو السَّبَبُ الخامس: دُعَاءُ الْمُؤْمِنِينَ لِلْمُؤْمِنِ، قَالَ-تَعَالَى-: [وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ]، وَقَالَ اللَّهُ-تَعَالَى-: [وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ]، وصَلاةُ المؤمنين عَلَى جِنَازَتِهِ، كما أخرج الإمام مسلم-رحمه الله تعالى-عَنْ أمِنا عَائِشَةَ-رضي الله عنها-وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ-رضي الله عنه-عَنْ النَّبِيِّ-صلى الله عليه وآله وسلم-أَنَّهُ قَالَ: "مَا مِنْ مَيِّتٍ يُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِئَةً كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ إلا شُفِّعُوا فِيهِ"، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ-رضي الله عنهما-قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ-صلى الله عليه وآله وسلم-يَقُولُ: "مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جِنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلا لا يُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ شَيْئًا إلا شَفَّعَهُمْ اللَّهُ فِيهِ".
السبب السادس: مَا يُعْمَلُ لِلْمَيِّتِ مِنْ أَعْمَالِ الْبِِرِّ ويُهدى إليه ثوابه، كَالصَّدَقَةِ والعمرةِ وَالْحَجِّ وقراءةِ القرآنِ وغيرِها، فإنه مما ينتفع به الميت-إن شاء الله-تعالى-، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ-رضي الله عنهما-: أَنَّ سَعْدًا-رضي الله عنه-سَأَلَ النَّبِيَّ-صلى الله عليه وآله وسلم-: إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَلَمْ تُوصِ، أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا؟ قَالَ: "نَعَمْ" أخرجه الإمام النسائي-رحمه الله تعالى-، وعن أمِنا عَائِشَةَ-رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-أَنَّ رَسُولَ الله-صلى الله عليه وآله وسلم-قَالَ: "مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ" متفق عليه، وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ-رحمهم الله ورضي عنهم-أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ-صلى الله عليه وآله وسلم-قَالَ لِعَمْرِو ابْنِ الْعَاصِ-رضي الله عنه-: "لَوْ كَانَ أَبُوك مُسْلِمًا، فَأَعْتَقْتُمْ عَنْهُ، أَوْ تَصَدَّقْتُمْ عَنْهُ، أَوْ حَجَجْتُمْ عَنْهُ، بَلَغَهُ ذَلِكَ" أخرجه الإمام أبو داود-رحمه الله تعالى-، قال الإمامُ الموفقُ بنُ قُدامةَ-رحمه الله بعدَ أنْ ساقَ عددًا من الأحاديث في ذلك قال: فهذه أحاديث صحاح، وَفِيهَا دَلالَةٌ عَلَى انْتِفَاعِ الْمَيِّتِ بِسَائِرِ الْقُرَبِ". اهـ.
السَّبَبُ السابع: مَا يَحْصُلُ فِي الْقَبْرِ مِنْ الْفِتْنَةِ وَالضَّغْطَةِ وَالرَّوْعَةِ فَإِنَّ هَذَا مِمَّا يُكَفَّرُ بِهِ خَطَايَا المسلم الموحد، أخرج الإمام أحمد في مسنده-رحمه الله تعالى-عَنْ أمِنا عَائِشَةَ-رضي الله عنها-أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ-صلى الله عليه وآله وسلم-: "إِنَّ لِلْقَبْرِ ضَغْطَةً، لَوْ كَانَ أَحَدٌ نَاجِيًا مِنْهَا نَجَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ ".
فتلك أسباب ثلاثة بعد موت الإنسان وتوسيده في قبره: دعاءُ المؤمنين له، وصلاتُهم على جنازته، وأعمالُ البِرِّ المُهدى ثوابُها إليه، وفتنة القبر وضغطته وروعته.
نسأل الله-تعالى-أن يتولانا وإياكم والمسلمين بعفوه ومغفرته، إنه كريم مجيب الدعاء، أستغفر الله ...
الخطبة الثانية
أما بعد: فإن العبد إذا لم يتطهر من ذنوبه بتلك المكفرات السالفِ ذكرها، فهناك مكفراتٌ تكون بعد قيام الساعة، إذا بُعثَ الناسُ من قبورهم ومضوا لنشورِهم، فمنها-وهو السبب الثامن-: الشَفَاعَةُ في أهل الذنوب يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وأعظمُها شفاعة النَّبِيِّ-صلى الله عليه وآله وسلم-كَمَا قَدْ تَوَاتَرَتْ عَنْهُ أَحَادِيثُ الشَّفَاعَةِ مِثْلُ قَوْلِهِ-صلى الله عليه وآله وسلم-فِي الْحَدِيثِ الذي أخرجه الإمام أحمد وغيرُه، وصححه الألباني-رحمهما الله تعالى-: "شَفَاعَتِي لأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي"، وَقَوْلِهِ-صلى الله عليه وآله وسلم-: "خُيِّرْتُ بَيْنَ الشَّفَاعَةِ، وَبَيْنَ أَنْ يَدْخُلَ نِصْفُ أُمَّتِي الْجَنَّةَ، فَاخْتَرْتُ الشَّفَاعَةَ، لأَنَّهَا أَعَمُّ وَأَكْفَى، أَتُرَوْنَهَا لِلْمُتَّقِينَ؟ لا، وَلَكِنَّهَا لِلْمُذْنِبِينَ، الْخَطَّائِينَ الْمُتَلَوِّثِينَ" أخرجه الإمامان أحمد وابن ماجه وصححه الألباني-رحمهم الله تعالى-، وكذلك شفاعةُ الشهيدِ في سبعين من أهله، كما أخرجه الترمذي وغيره-رحمه الله تعالى-عن النبي-صلى الله عليه وآله وسلم-في خصال الشهيد، وشفاعةُ الأنبياءِ والملائكةِ والمؤمنين: فقد أخرج الإمام مسلم-رحمه الله تعالى-في صحيحه عن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-عن النبي-صلى الله عليه وآله وسلم-: "أن الله-عز وجل-يقول: شَفعتِ الملائكةُ، وشَفعَ النبيون، وشَفعَ المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيَقبِضُ قبضةً من النارِ فيُخرج منها قومًا لم يعملوا خيرًا قَطُ قد عادوا حُمما..." الحديث، وقد أخبر الله-عز وجل-عن الكفار أنهم لا يجدون شفعاء يوم القيامة [فمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ*وَلا صَدِيْقٍ حَمِيْمٍ].
والسَّبَبُ التَّاسِعُ لمغفرة الذنوب: أَهْوَالُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَكُرَبُهَا وَشَدَائِدُهَا، وما يجري له في سيره على صراطِ جهنمَ، من خدشِ الكلاليبِ، والقنطرةُ التي يُقتصُ فيها للعبادِ بعضُهم من بعض، وغيرُها، فهذه تكفرُ عن العباد كثيرًا من ذنوبهم، وتخففُ عنهم.
السَّبَبُ الْعَاشِرُ-وهو الذي ترجع إليه جميع الأسباب-: رَحْمَةُ اللَّهِ وَعَفْوُهُ وَمَغْفِرَتُهُ بِلا سَبَبٍ مِنْ الْعِبَادِ، فهو أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين، ورحمته وسعت كل شيء، وهي قريب من المحسنين.
يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ بعدله، وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ بفضله.
تلك ثلاثة أسباب لتكفير الذنوب عند قيام الساعة: الشفاعةُ، وأهوالُ يومِ القيامةِ، ورحمةُ اللهِ-تعالى-بلا سبب.
تلك عشرة كاملة، فيالخَسارةِ من تنكبته هذه المكفراتُ جميعُها، فلم تُغفر ذنوبه!، ويالَطُولِ حسرةِ من فاتتُهُ رحمةُ أرحمِ الراحمين!
إخواني الكرام: منْ لمْ يكفرْ ذنبَه شيءٌ من هذه الأسباب العظيمة والأحوال الجسيمة فلا يلومن إلا نفسه، فقد قال النبي-صلى الله عليه وآله وسلم-فيما يرويه عن ربه-جل وعلا-: "يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا، فَلْيَحْمَدِ اللهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلا يَلُومَنَّ إِلا نَفْسَهُ" .
[/align]
المرفقات

المكفرات العشرة للذنوب-17-4-1436هـ-أحمد السويلم-الملتقى-بتصرف.doc

المكفرات العشرة للذنوب-17-4-1436هـ-أحمد السويلم-الملتقى-بتصرف.doc

المشاهدات 2298 | التعليقات 2

جزاك الله خيرا


بارك الله فيك ونفع بعلمك وزادك الله من فضله وعلمه