المكفرات العشرة للذنوب
أحمد السويلم
1433/12/16 - 2012/11/01 21:22PM
الحمد لله الملك الوهاب، الغفور التواب، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، أحمده سبحانه وأشكره .. وأثني عليه وأستغفره ، وأشهد أن لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب .. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله القانتُ الأوابُ .. صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأزواجه والأصحاب، ومن تبعهم بأحسان إلى يوم المآب .
أما بعد : فاتقوا الله تعالى أيها الناس، واستقيموا على صراطه المستقيم، {وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيْعًا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) .
عباد الله .. ما من بشر إلا وقد كُتب عليه الخطأُ والزلل، والهفوةُ والخلل، تجاه ربه عز وجل، إلا من عصمه تعالى.. إنها الأنفس البشرية التي جبلت على النقص والتقصير.. ليختص الخالق جل وعلا بالكمال المطلق فلا يدانيه مخلوق .. أخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ☺ قال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ». غير أن الشأن ليس في الخطأ والذنب.. بل الشأن كل الشأن في الأوبة والتوبة من تلك الذنوب، والتخففِ منها والتخلصِ قبل العرض الأكبر على الله جل في علاه، {وَأَنِيْبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوْا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُم العَذَابُ ثُمْ لَا تُنْصَرُوْنَ}، وعن أَنَسٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ ☺ قَالَ: «كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ» أخرجه الترمذي.
إخوة الإيمان: لله عزوجل في عباده ألطاف ورحمات لا يدركها كثير من الناس:
قدر على عباده الذنوب.. وقدر معها أسبابًا مكفرة لها، إذا ما تعرض لها العبد أو باشرها كانت له برحمة الله مغفرةً لخطيئاته، ومَطْهَرَةً لسيئاته، ودافعةً له عن عقاب الله، ما حقق التوحيد وجانب الشرك، {إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُوْنَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}، هذه الأسباب وتلكم المكفرات تتبعها أهل العلم في كلام الله وكلام رسوله ☺ فكانت عشرة أسباب ظاهرة: أربعٌ منها في حياة العبد في الدنيا، وثلاثةٌ بعد موته في قبره، وثلاثةٌ حين تقوم الخلائق لربها يوم القيامة :
أما أول الأسباب وأجلاها: فهو التوبة الصادقة ، قال تعالى {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} وَقَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} . وَقَالَ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ}، وعَنْ أبي هُريْرةَ رضي الله عنه قَالَ: قالَ رَسُول اللهِ ☺: "مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تطلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مغْرِبِهَا تَابَ الله علَيْه" رواه مسلم.
وللتوبة شروط ثلاثة: أنْ يُقلِعَ عَنِ المَعصِيَةِ، وأَنْ يَنْدَمَ عَلَى فِعْلِهَا، وأنْ يَعْزِمَ أَنْ لا يعُودَ إِلَيْهَا أَبَداً. فَإِنْ تعلق الذنب بحقوق العباد فلابد من رد الحقوق إليهم، واستحلاله منهم، فعن أَبي هُرِيْرَةَ رضي اللَّه عنه عن النَّبِيِّ ☺ قَالَ: "مَنْ كَانتْ عِنْدَه مَظْلمَةٌ لأَخِيهِ، مِنْ عِرْضِهِ أَوْ مِنْ شَيْءٍ، فَلْيتَحَلَّلْه ِمنْه الْيوْمَ قَبْلَ أَنْ لاَ يكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ، إنْ كَانَ لَهُ عَملٌ صَالحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقدْرِ مظْلمتِهِ، وإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سيِّئَاتِ صاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ" رواه البخاري.
السَّبَبُ الثَّانِي : الِاسْتِغْفَارُ، وهو من المكفرات يسيرة العمل عظيمة الأثر، لا سيما إذا اعترف العبد بذنبه فتذلل وانكسر ، أو وافق به ساعة إجابة كالسجود أو وقت السحر، قال جل وعز {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً} وقال سبحانه: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} وقال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} وفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ ☺ أَنَّهُ قَالَ: " إذَا أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَقَالَ: أَيْ رَبِّ أَذْنَبْت ذَنْبًا فَاغْفِرْ لِي فَقَالَ: عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ قَدْ غَفَرْت لِعَبْدِي، ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا آخَرَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ أَذْنَبْت ذَنْبًا آخَرَ. فَاغْفِرْهُ لِي! فَقَالَ رَبُّهُ: عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ قَدْ غَفَرْت لِعَبْدِي فَلْيَفْعَلْ مَا شَاءَ قَالَ ذَلِكَ: فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ".
السبب الثالث من أسباب تكفير الذنوب: الحسنات والأعمال الصالحات، يعملها العبد فتمحو عنه ذنوبه كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} وَجاءت الأحاديث الصحاح في ذلك كما قَالَ ☺ "الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ إذَا اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِرُ" وَقَالَ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" وَقَالَ: "صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ، وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ" وَقَالَ "مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ" وَقَالَ: "فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ"، وَقَالَ: " الصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ" وَغير ذلك من الأحاديث المتوافرة المتضافرة .
وأما السَّبَبُ الرابعُ: فالْمَصَائِبُ الَّتِي تصيبه فِي الدُّنْيَا يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهَا الْخَطَايَا ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ ☺ أَنَّهُ قَالَ:"مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ؛ وَلَا نَصَبٍ؛ وَلَا هَمٍّ؛ وَلَا حَزَنٍ؛ وَلَا غَمٍّ؛ وَلَا أَذًى - حَتَّى الشَّوْكَةُ يَشَاكُهَا - إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ" .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ☺: «مَا يَزَالُ البَلَاءُ بِالمُؤْمِنِ وَالمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ» أخرجه الإمام أحمد والترمذي.
فهذه أربعة أسباب للمغفرة مادام الإنسان حيًا في الدنيا .
أما أسباب المغفرة التي تكون بعد الممات وفي حياة البرزخ فمنها-وهو السَّبَبُ الخامس-: دُعَاءُ الْمُؤْمِنِينَ لِلْمُؤْمِنِ، قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ}، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}، وكصَلَاةِ المؤمنين عَلَى جِنَازَتِهِ، كما أخرج مسلم عَنْ عَائِشَةَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ ☺ أَنَّهُ قَالَ:"مَا مِنْ مَيِّتٍ يُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ إلَّا شُفِّعُوا فِيهِ" ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ ☺ يَقُولُ: "مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جِنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا لَا يُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ شَيْئًا إلَّا شَفَّعَهُمْ اللَّهُ فِيهِ".
السبب السادس: مَا يُعْمَلُ لِلْمَيِّتِ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ ويهدى إليه ثوابه، كَالصَّدَقَةِ والعمرة وَالْحَجّ وقراءة القرآن وغيرها من القرب، فإنه مما ينتفع به الميت إن شاء الله، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ سَعْدًا سَأَلَ النَّبِيَّ ☺: إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَلَمْ تُوصِ، أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ» أخرجه النسائي، وعن عَائِشَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» متفق عليه، وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ☺ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه: «لَوْ كَانَ أَبُوك مُسْلِمًا، فَأَعْتَقْتُمْ عَنْهُ، أَوْ تَصَدَّقْتُمْ عَنْهُ، أَوْ حَجَجْتُمْ عَنْهُ، بَلَغَهُ ذَلِكَ» أخرجه أبو داود، قال الإمام الموفق بن قدامة رحمه الله بعد أن ساق عددا من الأحاديث في ذلك قال: فهذه أحاديث صحاح، وَفِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى انْتِفَاعِ الْمَيِّتِ بِسَائِرِ الْقُرَبِ . اهـ.
السَّبَبُ السابع: مَا يَحْصُلُ فِي الْقَبْرِ مِنْ الْفِتْنَةِ وَالضَّغْطَةِ وَالرَّوْعَةِ فَإِنَّ هَذَا مِمَّا يُكَفَّرُ بِهِ خَطَايَا المسلم الموحد، أخرج الإمام أحمد في مسنده عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ☺: " إِنَّ لِلْقَبْرِ ضَغْطَةً، لَوْ كَانَ أَحَدٌ نَاجِيًا مِنْهَا نَجَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ " .
فتلكم أسباب ثلاثة بعد موت الإنسان وتوسيده في قبره .
نسأل الله تعالى أن يتولانا بعفوه ومغفرته، إنه كريم مجيب الدعاء، أقول ما تسمعون ..
الحمد لله ولي الإحسان، ذي العفو والغفران، أحمده وأشكره على فضله والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد الديان، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله سيد ولد عدنان، أما بعد :
فإن العبد إذا لم يتطهر من ذنوبه بتلك المكفرات السالفِ ذكرها، فثمة مكفراتٌ تكون بعد قيام الساعة إذا بعث الناس من قبورهم ومضوا لنشورهم، فمنها -وهو السبب الثامن-: الشَفَاعَةُ في أهل الذنوب يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وأعظمها شفاعة النَّبِيِّ ☺ كَمَا قَدْ تَوَاتَرَتْ عَنْهُ أَحَادِيثُ الشَّفَاعَةِ مِثْلُ قَوْلِهِ ☺ فِي الْحَدِيثِ الذي أخرجه الإمام أحمد وغيره: "شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي".
وَقَوْلِهِ ☺: «خُيِّرْتُ بَيْنَ الشَّفَاعَةِ، وَبَيْنَ أَنْ يَدْخُلَ نِصْفُ أُمَّتِي الْجَنَّةَ، فَاخْتَرْتُ الشَّفَاعَةَ، لِأَنَّهَا أَعَمُّ وَأَكْفَى، أَتُرَوْنَهَا لِلْمُتَّقِينَ؟ لَا، وَلَكِنَّهَا لِلْمُذْنِبِينَ، الْخَطَّائِينَ الْمُتَلَوِّثِينَ» أخرجه الإمام أحمد وابن ماجه، وكذا شفاعة الشهيد في سبعين من أهله، كما أخرجه الترمذي وغيره عن النبي ☺ في خصال الشهيد ، وشفاعة الأنبياء والملائكة والمؤمنين: فقد أخرج مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي ☺:"أن الله عز وجل يقول: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما ..." الحديث.. وقد أخبر الله عزوجل عن الكفار أنهم لا يجدون شفعاء يوم القيامة {فمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيْقٍ حَمِيْمٍ } .
والسَّبَبُ التَّاسِعُ لمغفرة الذنوب: أَهْوَالُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَكَرْبُهَا وَشَدَائِدُهَا، وما يجري له في سيره على صراط جهنم من خدش الكلاليب، والقنطرة التي يقتص فيها للعباد بعضهم من بعض، وغيرها، فهذه تكفر عن العباد كثيرا من ذنوبهم، وتخفف عنهم.
السَّبَبُ الْعَاشِرُ-وهو الذي تؤول إليه جميع الأسباب-: رَحْمَةُ اللَّهِ وَعَفْوُهُ وَمَغْفِرَتُهُ بِلَا سَبَبٍ مِنْ الْعِبَادِ، فهو أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين، ورحمته وسعت كل شيء، وهي قريب من المحسنين.
يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ بعدله، وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ بفضله، فيا لخسارة من تنكبته هذه المكفراتُ جميعها، فلم تغفر ذنبه !
و يا لطول حسرة من فاتته رحمة أرحم الراحمين !
أَيْ عباد الله .. إن من لم يكفر ذنبه شيء من هذه الأسباب العظيمة والأحوال الجسيمة فلا يلومن إلا نفسه، فقد قال النبي ☺ فيما يرويه عن ربه جل وعلا: "يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا، فَلْيَحْمَدِ اللهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ" .
اللهم أنت أرحم الراحمين .. وأنت العفو الكريم .. نسألك العفو والعافية.. والمعافاة الدائمة.. في الدنيا والآخرة.. اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا .. اللهم نقنا من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس .. وصلوا وسلموا ..
أما بعد : فاتقوا الله تعالى أيها الناس، واستقيموا على صراطه المستقيم، {وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيْعًا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) .
عباد الله .. ما من بشر إلا وقد كُتب عليه الخطأُ والزلل، والهفوةُ والخلل، تجاه ربه عز وجل، إلا من عصمه تعالى.. إنها الأنفس البشرية التي جبلت على النقص والتقصير.. ليختص الخالق جل وعلا بالكمال المطلق فلا يدانيه مخلوق .. أخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ☺ قال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ». غير أن الشأن ليس في الخطأ والذنب.. بل الشأن كل الشأن في الأوبة والتوبة من تلك الذنوب، والتخففِ منها والتخلصِ قبل العرض الأكبر على الله جل في علاه، {وَأَنِيْبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوْا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُم العَذَابُ ثُمْ لَا تُنْصَرُوْنَ}، وعن أَنَسٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ ☺ قَالَ: «كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ» أخرجه الترمذي.
إخوة الإيمان: لله عزوجل في عباده ألطاف ورحمات لا يدركها كثير من الناس:
وكَمْ للهِ مِنْ لُطْفٍ خَفِيِّ ** يَدِقُّ خَفَاهُ عَنْ فَهْمِ الذَّكيِّ
قدر على عباده الذنوب.. وقدر معها أسبابًا مكفرة لها، إذا ما تعرض لها العبد أو باشرها كانت له برحمة الله مغفرةً لخطيئاته، ومَطْهَرَةً لسيئاته، ودافعةً له عن عقاب الله، ما حقق التوحيد وجانب الشرك، {إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُوْنَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}، هذه الأسباب وتلكم المكفرات تتبعها أهل العلم في كلام الله وكلام رسوله ☺ فكانت عشرة أسباب ظاهرة: أربعٌ منها في حياة العبد في الدنيا، وثلاثةٌ بعد موته في قبره، وثلاثةٌ حين تقوم الخلائق لربها يوم القيامة :
أما أول الأسباب وأجلاها: فهو التوبة الصادقة ، قال تعالى {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} وَقَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} . وَقَالَ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ}، وعَنْ أبي هُريْرةَ رضي الله عنه قَالَ: قالَ رَسُول اللهِ ☺: "مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تطلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مغْرِبِهَا تَابَ الله علَيْه" رواه مسلم.
وللتوبة شروط ثلاثة: أنْ يُقلِعَ عَنِ المَعصِيَةِ، وأَنْ يَنْدَمَ عَلَى فِعْلِهَا، وأنْ يَعْزِمَ أَنْ لا يعُودَ إِلَيْهَا أَبَداً. فَإِنْ تعلق الذنب بحقوق العباد فلابد من رد الحقوق إليهم، واستحلاله منهم، فعن أَبي هُرِيْرَةَ رضي اللَّه عنه عن النَّبِيِّ ☺ قَالَ: "مَنْ كَانتْ عِنْدَه مَظْلمَةٌ لأَخِيهِ، مِنْ عِرْضِهِ أَوْ مِنْ شَيْءٍ، فَلْيتَحَلَّلْه ِمنْه الْيوْمَ قَبْلَ أَنْ لاَ يكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ، إنْ كَانَ لَهُ عَملٌ صَالحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقدْرِ مظْلمتِهِ، وإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سيِّئَاتِ صاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ" رواه البخاري.
السَّبَبُ الثَّانِي : الِاسْتِغْفَارُ، وهو من المكفرات يسيرة العمل عظيمة الأثر، لا سيما إذا اعترف العبد بذنبه فتذلل وانكسر ، أو وافق به ساعة إجابة كالسجود أو وقت السحر، قال جل وعز {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً} وقال سبحانه: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} وقال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} وفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ ☺ أَنَّهُ قَالَ: " إذَا أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَقَالَ: أَيْ رَبِّ أَذْنَبْت ذَنْبًا فَاغْفِرْ لِي فَقَالَ: عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ قَدْ غَفَرْت لِعَبْدِي، ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا آخَرَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ أَذْنَبْت ذَنْبًا آخَرَ. فَاغْفِرْهُ لِي! فَقَالَ رَبُّهُ: عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ قَدْ غَفَرْت لِعَبْدِي فَلْيَفْعَلْ مَا شَاءَ قَالَ ذَلِكَ: فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ".
السبب الثالث من أسباب تكفير الذنوب: الحسنات والأعمال الصالحات، يعملها العبد فتمحو عنه ذنوبه كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} وَجاءت الأحاديث الصحاح في ذلك كما قَالَ ☺ "الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ إذَا اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِرُ" وَقَالَ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" وَقَالَ: "صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ، وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ" وَقَالَ "مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ" وَقَالَ: "فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ"، وَقَالَ: " الصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ" وَغير ذلك من الأحاديث المتوافرة المتضافرة .
وأما السَّبَبُ الرابعُ: فالْمَصَائِبُ الَّتِي تصيبه فِي الدُّنْيَا يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهَا الْخَطَايَا ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ ☺ أَنَّهُ قَالَ:"مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ؛ وَلَا نَصَبٍ؛ وَلَا هَمٍّ؛ وَلَا حَزَنٍ؛ وَلَا غَمٍّ؛ وَلَا أَذًى - حَتَّى الشَّوْكَةُ يَشَاكُهَا - إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ" .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ☺: «مَا يَزَالُ البَلَاءُ بِالمُؤْمِنِ وَالمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ» أخرجه الإمام أحمد والترمذي.
فهذه أربعة أسباب للمغفرة مادام الإنسان حيًا في الدنيا .
أما أسباب المغفرة التي تكون بعد الممات وفي حياة البرزخ فمنها-وهو السَّبَبُ الخامس-: دُعَاءُ الْمُؤْمِنِينَ لِلْمُؤْمِنِ، قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ}، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}، وكصَلَاةِ المؤمنين عَلَى جِنَازَتِهِ، كما أخرج مسلم عَنْ عَائِشَةَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ ☺ أَنَّهُ قَالَ:"مَا مِنْ مَيِّتٍ يُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ إلَّا شُفِّعُوا فِيهِ" ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ ☺ يَقُولُ: "مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جِنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا لَا يُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ شَيْئًا إلَّا شَفَّعَهُمْ اللَّهُ فِيهِ".
السبب السادس: مَا يُعْمَلُ لِلْمَيِّتِ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ ويهدى إليه ثوابه، كَالصَّدَقَةِ والعمرة وَالْحَجّ وقراءة القرآن وغيرها من القرب، فإنه مما ينتفع به الميت إن شاء الله، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ سَعْدًا سَأَلَ النَّبِيَّ ☺: إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَلَمْ تُوصِ، أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ» أخرجه النسائي، وعن عَائِشَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» متفق عليه، وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ☺ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه: «لَوْ كَانَ أَبُوك مُسْلِمًا، فَأَعْتَقْتُمْ عَنْهُ، أَوْ تَصَدَّقْتُمْ عَنْهُ، أَوْ حَجَجْتُمْ عَنْهُ، بَلَغَهُ ذَلِكَ» أخرجه أبو داود، قال الإمام الموفق بن قدامة رحمه الله بعد أن ساق عددا من الأحاديث في ذلك قال: فهذه أحاديث صحاح، وَفِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى انْتِفَاعِ الْمَيِّتِ بِسَائِرِ الْقُرَبِ . اهـ.
السَّبَبُ السابع: مَا يَحْصُلُ فِي الْقَبْرِ مِنْ الْفِتْنَةِ وَالضَّغْطَةِ وَالرَّوْعَةِ فَإِنَّ هَذَا مِمَّا يُكَفَّرُ بِهِ خَطَايَا المسلم الموحد، أخرج الإمام أحمد في مسنده عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ☺: " إِنَّ لِلْقَبْرِ ضَغْطَةً، لَوْ كَانَ أَحَدٌ نَاجِيًا مِنْهَا نَجَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ " .
فتلكم أسباب ثلاثة بعد موت الإنسان وتوسيده في قبره .
نسأل الله تعالى أن يتولانا بعفوه ومغفرته، إنه كريم مجيب الدعاء، أقول ما تسمعون ..
الخطبة الثانية
الحمد لله ولي الإحسان، ذي العفو والغفران، أحمده وأشكره على فضله والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد الديان، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله سيد ولد عدنان، أما بعد :
فإن العبد إذا لم يتطهر من ذنوبه بتلك المكفرات السالفِ ذكرها، فثمة مكفراتٌ تكون بعد قيام الساعة إذا بعث الناس من قبورهم ومضوا لنشورهم، فمنها -وهو السبب الثامن-: الشَفَاعَةُ في أهل الذنوب يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وأعظمها شفاعة النَّبِيِّ ☺ كَمَا قَدْ تَوَاتَرَتْ عَنْهُ أَحَادِيثُ الشَّفَاعَةِ مِثْلُ قَوْلِهِ ☺ فِي الْحَدِيثِ الذي أخرجه الإمام أحمد وغيره: "شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي".
وَقَوْلِهِ ☺: «خُيِّرْتُ بَيْنَ الشَّفَاعَةِ، وَبَيْنَ أَنْ يَدْخُلَ نِصْفُ أُمَّتِي الْجَنَّةَ، فَاخْتَرْتُ الشَّفَاعَةَ، لِأَنَّهَا أَعَمُّ وَأَكْفَى، أَتُرَوْنَهَا لِلْمُتَّقِينَ؟ لَا، وَلَكِنَّهَا لِلْمُذْنِبِينَ، الْخَطَّائِينَ الْمُتَلَوِّثِينَ» أخرجه الإمام أحمد وابن ماجه، وكذا شفاعة الشهيد في سبعين من أهله، كما أخرجه الترمذي وغيره عن النبي ☺ في خصال الشهيد ، وشفاعة الأنبياء والملائكة والمؤمنين: فقد أخرج مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي ☺:"أن الله عز وجل يقول: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما ..." الحديث.. وقد أخبر الله عزوجل عن الكفار أنهم لا يجدون شفعاء يوم القيامة {فمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيْقٍ حَمِيْمٍ } .
والسَّبَبُ التَّاسِعُ لمغفرة الذنوب: أَهْوَالُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَكَرْبُهَا وَشَدَائِدُهَا، وما يجري له في سيره على صراط جهنم من خدش الكلاليب، والقنطرة التي يقتص فيها للعباد بعضهم من بعض، وغيرها، فهذه تكفر عن العباد كثيرا من ذنوبهم، وتخفف عنهم.
السَّبَبُ الْعَاشِرُ-وهو الذي تؤول إليه جميع الأسباب-: رَحْمَةُ اللَّهِ وَعَفْوُهُ وَمَغْفِرَتُهُ بِلَا سَبَبٍ مِنْ الْعِبَادِ، فهو أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين، ورحمته وسعت كل شيء، وهي قريب من المحسنين.
يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ بعدله، وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ بفضله، فيا لخسارة من تنكبته هذه المكفراتُ جميعها، فلم تغفر ذنبه !
و يا لطول حسرة من فاتته رحمة أرحم الراحمين !
أَيْ عباد الله .. إن من لم يكفر ذنبه شيء من هذه الأسباب العظيمة والأحوال الجسيمة فلا يلومن إلا نفسه، فقد قال النبي ☺ فيما يرويه عن ربه جل وعلا: "يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا، فَلْيَحْمَدِ اللهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ" .
اللهم أنت أرحم الراحمين .. وأنت العفو الكريم .. نسألك العفو والعافية.. والمعافاة الدائمة.. في الدنيا والآخرة.. اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا .. اللهم نقنا من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس .. وصلوا وسلموا ..
المرفقات
المكفرات العشرة للذنوب.doc
المكفرات العشرة للذنوب.doc
المشاهدات 8659 | التعليقات 6
لمن أحب الرجوع والتوثيق هذه المكفرات ذكرها شيخ الإسلام رحمه الله وغيره، كما في مجموع الفتاوي الجزء السابع .
@شبيب القحطاني 13453 wrote:
جزاك الله خيرا
وإياك
اللهم اغفر لعبدك أحمد ولجميع المسلمين
واجعل ما قدمه في ميزان حسناته وانفع به عبادك المؤمنين يارب العالمين
وجزييت الفردوس الأعلى بإذنه تعالى
قلبي دليلي;13502 wrote:
اللهم اغفر لعبدك أحمد ولجميع المسلمين
واجعل ما قدمه في ميزان حسناته وانفع به عبادك المؤمنين يارب العالمين
وجزييت الفردوس الأعلى بإذنه تعالى
واجعل ما قدمه في ميزان حسناته وانفع به عبادك المؤمنين يارب العالمين
وجزييت الفردوس الأعلى بإذنه تعالى
آمين .. ولك بمثله ..
للفائدة
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق