(المكالمات المجهولة) خطبة الشيخ د.صالح العصيمي الجمعة القادمة 21/1/1436 هـ بإذن الله
أبوبصير الحازمي
1436/01/20 - 2014/11/13 16:59PM
الْخُطْبَةُ الْأُولَى
إنَّ الحمدُ للهِ،نَحْمَدُهُ،وَنَسْتَعِينُهُ،وَنَسْتَغْفِرُهُ،ونعوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا،مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ،وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ،وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ،تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ،وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ،وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ،وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا . أمَّا بَعْدُ ... فَاتَّقُوا اللهَ- عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛وَاِعْلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ،وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثُاتُهَا ، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ،وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ .
عِبَادَ اللهِ،لَقَدِ اِنْتَشَرَتِ الشَّعْوَذَةُ وَالدَّجَلُ وَالْكَهَانَةُ،وَأَصْبَحَ لَهَا سُوقٌ رَائِجَةٌ،عِنْدَ فِئَامٍ مِنَ النَّاسِ؛بِسَبَبِ إِخْبَارِهِمْ عَنِ الْأُمُورِ الْغَيْبِيَّةِ،الَّتِي يَنْجَذِبُ لَهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ؛فَالْكَاهِنُ يَسْتَرِقُ السَّمْعَ،وَيَقُولُ خَبَرًا صَادِقًا،مَخْلُوطًا بِمَائَةِ خَبَرٍ كَاذِبٍ،وَقَدْ صَحَّ فِي الْحَدِيثِ:" إِنَّ المَلاَئِكَةَ تَنْزِلُ فِي العَنَانِ:وَهُوَ السَّحَابُ،فَتَذْكُرُ الأَمْرَ قُضِيَ فِي السَّمَاءِ،فَتَسْتَرِقُ الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ فَتَسْمَعُهُ،فَتُوحِيهِ إِلَى الكُهَّانِ،فَيَكْذِبُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ . فَالْكُهَّانَ يَتَعَاوَنُونَ مَعَ الشَّيَاطِينِ؛ لِفِتْنَةِ النَّاسِ بِدِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ؛فَيُصَدِّقُهُمْ مَنْ ضَعُفَ إِيمَانُهُ؛ فَيَفْتُنُوهُ بِدِينِهِ،وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ ! وَقَدْ حَذَّرَ النَّبِيُّ،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،مِنْ إِتْيَانِهِمْ؛ فَقَالَ:( مَنْ أَتَى كَاهِنًا، أَوْ عَرَّافًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ،فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ) رَوَاهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ .
وَمِنْ صُورِ تَضْلِيلِ الْكُهَّانِ وَالدَّجَّالِينَ للنَّاسِ:
1- يَتَلَقَّى بَعْضُ النَّاسِ اِتَّصَالَاتٍ هَاتِفِيَّةً مِنْ جِهَاتٍ مَجْهُولَةٍ،وَأَشْخَاصٍ مَجَاهِيلَ، وَغَالِبُهَا مِنْ أَفْرِيقِيَا؛وَيَتَّصِلُونَ غَالِبًا بَعْدَ مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ،أَوْ بَعْدَ صَلاَةِ الْفَجْرِ،وَيُظْهِرُوا التَّقْوَى وَالصَّلَاحَ فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ،عَلَى حَسَبِ الْمُتَّصِلِ عَلَيهِ،وَقَدْ يُظْهِرُ لَهُ أَنَّهُ إِمَامُ مَسْجِدٍ،أَوْ خَطِيبُ جَامِعٍ،أَوْ دَاعِيَةٌ،أَوْ يَقُولُ : إِنَّنِي اِعْتَكَفْتُ فِي مَكَانِ كَذَا،وَأُمِرْتُ بِاِنْقَاذِكَ،ثُمَّ يَقُولُ لَهُ : مَعَكَ الشَّيْخُ فُلَانٌ،أَتَسْمَحُ لِي بِالْحَدِيثِ مَعَكِ ؟ فَفِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى الْمُتَّصَلِ عَلَيْهِ؛إِغْلَاقُ السَّمَّاعَةِ،فَمَا هُوَ إِلَّا دَجَّالٌ مِنَ الدَّجَاجِلَةِ،أَوْ كَاهِنٌ مِنْ الْكَهَنَةِ،فَلَا يَسْتَرْسِلُ مَعَهُ فِي الْحَدِيثِ،فَمَا هُوَ بِصَالِحٍ،وَلَا بِصَادِقٍ؛فَإِنَّ هُنَاكَ مَنِ اِسْتَرْسَلُوا مَعَهُمْ فِي الْحَدِيثِ؛فَزَادُوهُمْ رَهَقًا،وَقَدْ يَسْتَعِينُ هَذَا الدَّجَّالُ،أَوِ الْكَاهِنُ بِقَرِينِ الإِنْسَانِ مِنَ الشَّيَاطِينِ؛لِيَأْخُذَ مِنْهُ بَعْضُ الْمَعْلُومَاتِ عَنْهُ،إِنْ كُانَ ضَعِيفًا فِي تَحْصِينِ نَفْسِهُ بِالْأَذْكَارِ،وَقَدْ يَأْخُذُ مَعْلُومَاتِ الْمُتَّصِلِ عَلَيْهِ مِنْ سِجِلَّاتِ الْهَاتِفِ،أَوْ بِأَيِّ طَرِيقَةٍ،هَذَا لَا يَعْنِينَا؛إِنَّمَا يَعْنِينَا الْمَضْمُونُ فَيَقُولُ لَهُ : أَنْتَ مَسْحُورٌ،أَوْ مَعْيُونٌ،أَوْ مَلْبُوسٌ؛ لِيَزْرَعَ الْخُوْفَ فِيهِ،ثُمَّ يُظْهِرُ لَهُ أَنَّهُ النَّاصِحُ الْأَمِينُ،بَيْنَمَا هُوَ خَادِمٌ لِلشَّيَاطِينِ: (وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ).ثَمَّ يُحْدِثُ بِهِ الْأَضْرَارَالْكَثِيرَةَ،وَمِنْهَا:
أ- ضَرَرٌ فِي دِينِهِ ، وَهُوَ أَشَدُّ الْأَضْرَارِ،لأَنَّ هَدَفُهُ الرَّئِيسِي أَنْ يُوقِعَهُ فِي الشِّرْكِ .
ب - ضَرَرٌ بِصِحَّتِهِ؛حَيْثُ يُوهِمُهُ أَنَّهُ مَرِيضٌ ، أَو مَسْحُورٌ، إِلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَوْهَامِ .
ج - ضَرَرٌ بِعِلاَقَاتِهِ الاِجْتِمَاعِيَّةِ،وَصِلَةِ أَرْحَامِهِ،حَيْثُ يَتَّهِمُ الدَّجَاجِلَةُ وَالْكُهَّانُ؛الْأَقَارِبَ أَوْ الْأَصْدِقَاءَ بِأَنَّهُمْ مَنْ سَحَرُوهُ،وَبِأَنَّهُ الْمُخْلِّصُ لَهُ،وَقَدْ قَالَ اللهُ،جَلَّ فِي عُلَاهُ : (وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) ، وَالسَّاحِرُ وَالْكَاهِنُ،كِلَاهُمَا كَاذِبٌ فِي الأَصْلِ .وَإِنَّكَ لَتَعْجَبُ لِمَنْ يَقْبَلُ نُصْحَهُ وَيُصَدِّقُهُ، وَيَقْطَعُ عِلَاقَتَهُ بِرَحِمِهِ،بِسَبَبِ هَذَا الْكَاهِنِ وَالدَّجَالِ،وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ !
د- وَيُحْدِثُ لَهُ أَضْرَارًا بِمَالِهِ،وَهَذا هُوَ الْغَالِبُ؛فَهُمْ لَا يَشْبَعُونَ مِنَ الْمَالِ،فَمَهْمَا حَوَّلَّ لَهُمْ؛فَلَنْ يَرْضَوا عَنْهُ أَبَدًا . وَيَبْدَؤونَ مَعَ الْمُتَّصَلِ عَلَيْهِ بِمَبَالِغَ قَلِيلَةٍ ؛تَكْبُرُ مَعَ الأَيَّامِ،وَكَمْ مِنْ ثَرِيٍّ أَفْقَرُوهُ،وَغَنِيٍّ أَرْهَقُوهُ وَأَذلُّوهُ، وَجَعَلُوهُ يَتَنَقَّلُ مِنْ دَوْلَةٍ إِلَى أُخْرَى؛لِتَخْلُصَ نَفْسُهُ مِنَ السِّحْرِ،أَوِ الْعَيْنِ،أَوِالْحَسَدِ - كَمَا يُوهِمُونَهُ بِزَعْمِ أَنَّهُمْ يُعَالِجُونَهُ؛فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ لَهُمْ كَنْزٌ،سَلَّمَ نَفْسَهُ لَهُمْ.
عِبَادَ اللهِ،لَقَدْ أَحَدَثَ هَؤُلَاءِ شُكُوكًا،وَأَمْرَاضًا بِبَعْضِ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ،خَاصَّةً فِئَةُ النِّسَاءِ وَالشَّبَابِ،وَلَا حَوْلَ،وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ ! إِنَّ عَلَى الْآبَاءِ،وَالْأُمَّهَاتِ، وَالإِخْوَةِ، وَالْأَخَوَاتِ،وَالزُّمَلَاءِ،وَالْجِيرَانِ،وَأَئِمَّةِ الْمَسَاجِدِ،وَالْأَسَاتِذَةِ فِي الْمَدَارِسِ؛أَنْ يُحَذِّرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِنْ هَذِهِ الظَّاهِرَةِ،وَعَدَمَ الْاِسْتِرْسَالِ مَعَ هَؤُلَاءِ فِي الْحَدِيثِ،وَأَلَّا يَدْفَعَ حُبُّ الْفُضُولِ الْمُسْلِمَ؛لِيَقَعَ ضَحِيَّةَ هَؤُلَاءِ الدَّجَاجِلَةِ وَالْكُهَّانِ،وَعَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُوقِنَ بِأَنَّهُمْ كَذَبَةٌ،لَا يَنْصَحُونَ أَبَدًا،وَلَكِنَّ فِئَامًا مِنَ النَّاسِ لَا يُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ،وَلَا يَتَّعِظُونَ مَعَ الْمُتَّعِظِينَ .
2- عِبَادَ اللهِ،عَلَيْكُمُ بِالْحَذَرِ مِنَ الدَّجَّالِينَ،وَبَعْضُهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ مِنَ الرُّقَاةِ،عِنْدَ الذِّهَابِ إِلَيْهِمْ للْعِلَاجِ-وَمَا أَبْعَدَهُمْ عَنِ التُّقَى وَالصَّلَاحِ-فَبَعْضُهُمْ يَسْأَلُ عَنِ اِسْمِ اِلْأُمِّ وَالْأَبِ،أَتَدْرُونَ لِمَاذَا ؟ لِيَسْتَعِينَ بِالْجَانِّ؛لِتَحْضِيرِ الْمَعْلُومَاتِ عَنْهُ،وَمُفَاجَأَتَهُ بِهَا؛حَتَّى يَخْضَعَ وَيُسَلِّمَ لَهُ،وَيَحْرِصُونَ أَكْثَرَ عَلَى اِسْمِ اِلْأُمِّ لِلتَّفْرِيقِ بَيْنَ الْأَسْمَاءِ الْمُتَشَابِهَةِ؛فَيَنْدُرُ أَنْ تَتَشَابَهَ أَسْمَاءُ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ،فَهُمْ يَخْشَونَ أَنْ يَأْتُوا بِمَعْلُومَةٍ مَغْلُوطَةٍ عَنْهُ؛فَيَنْكَشِفَ لَهُ كَذِبُهُمْ . وَإِلَّا مَا دَخْلُ الْأُمِّ وَالأَبِ بِالرُّقْيَةِ ؟! فَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُصَدِّقَ هَؤُلَاءِ السَّحَرَةَ وَالْكَهَنَةَ .
3-كَذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِ الْحَذَرُ مِنَ الذِّهَابِ إِلَى الْكُهَّانِ الَّذِينَ تُرَوِّجُ لَهُمْ بَعْضُ وَسَائِلِ الْإِعْلَامِ-وَخَاصَّةً الْإِعْلَامَ الْغَرْبِيَّ- فَيَقُولُونَ : الْكَاهِنُ فُلَانٌ،أَوْ الْكَاهِنَةُ فُلاَنَةٌ؛الَّتِي تَنَبَّأَتْ بِحُدوثِ أَحِداثٍ فِي بِلادِ كَذَا،أَوْ تَنَبَّأَتْ بِمَوْتِ الْمَشْهُورِ فُلَانٍ،وَتُهْمِلُ تِلْكَ الصُّحُفُ أَنَّ ذَلِكَ الْكَاهِنَ،وَتِلْكَ الْكَاهِنَةَ،قَدْ تَنَبَّأَ بِآلَافِ الْأَحْدَاثِ؛فَيَصْدُقُونَ بِخَبَرٍ أَوْ خَبَرَيْنِ،اِلْتُقِطَا مِمَّنْ يَسْتَرِقُونَ السَّمْعَ،أَوْ جَاءَتْ خَبْطَ عَشْوَاءٍ،فَتُهْمِلُ وَسَائِلُ الإِعْلَامِ تِلْكَ التَّنَبُّؤاتِ الْخَائِبَةِ -وَمَا أَكْثَرَهَا - وَتَنْفُخُ الْبُوقَ فِي خَبَرٍ أَوْ خَبَرَيْنِ ؛ فَيَنْخَدِعُ بِهَا مَنْ يَنْخَدِعُ ، وَيَغْتَرُّ بِهَا مَنْ يَغْتَرُّ ، وَهُمْ يَحْرِصُونَ -كُلَّ الْحِرْصِ- عَلَى رِجَالِ الْأَعْمَالِ وَالْمَشَاهِيرِ؛لِاِسْتِنْزافِ أَمْوَالِهِمْ،فَيَجُوبُونَ الْمَطَاعِمَ وَالْمَقَاهِي - خَاصًّةً فِي الْبُلْدانِ السِّيَاحِيَّةِ - لِعَرْضِ قِرَاءَةِ الْفِنْجَانِ،وَقِرَاءَةِ الْكَفِّ . وَبَعْضُ النَّاسِ يَقُودُهُ الْفُضُولُ لِلْجُلُوسِ مَعَهُمْ، لِاسْتِظْرَافِهِ إِيَّاهُمْ،فَهُمْ يَظْهَرُونَ أَمَامَ النَّاسِ بِصُورَةِ خَفِيفِي الظِّلِّ،صَاحِبِي الْمُدَاعَبَةِ وَالْفُكَاهَةِ،وَقَدْ يَلْبَسُونَ لِبَاسَ اِلْتُّقَى وَالصَّلاَحِ،
وَمَا أَبْعَدَهُمْ عَنْ ذَلِكَ . وَكَمْ مِنْ فُضُولٍ أَهَلَكَ صَاحِبَهُ ! فَبَعْضُ النَّاسِ يَقُودُهُ حُبُّ الِاسْتِطْلَاعِ؛لِسَمَاعِ حَدِيثِهِمْ، وَبَعْضُهُمْ يَدْفَعُهُ لِذَلِكَ التَّسْلِيَةُ- كَمَا يَزْعُمُونَ-وَيُقْنِعُ نَفْسَهُ أَنَّهُ يَتَسَلَّى،وَلَنْ يُؤَثِّرَ عَلَيهِ هَذَا الْكَاهِنُ، وَ لَا تِلْكَ الْقَارِئَةُ،ثُمَّ يَجِدُ نَفْسَهُ مُتَأَثِّرًا بِهِمْ،مُسْتَسْلِمًا لَهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ،فَإِتْيَانُ الْكُهَّانِ،وَالْاِسْتِماعُ لِحَديثِهِمْ جَرِيمَةٌ،وَذَنْبٌ عَظِيمٌ،وَأَمَّا تَصْدِيقُهُمْ؛فَهُوَ كُفْرٌ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ،صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ،كَمَا صَحَّ بِذَلِكَ الْحَدِيثُ. فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ،عِبَادَ اللَّهِ، فَكَمْ مِنْ بَيْتٍ دُمِّرَ أَصْحَابُهُ،وَتَبَدَّلَتْ أَحْوَالُهُمْ ، فَاِنْقَلَبَ أَمْنُهُمْ خَوْفًا،وَاِطْمِئْنَانُهُمْ رُعْبًا ؛ بِسَبَبِ اِتْيَانِ سَاحِرٍ،أَوْ كَاهِنٍ،أَوْ دَجَّالٍ،أَوْ عَرَّافٍ، أَوْ اِسْتِمَاعِ مُكَالَمَتِهِ؛فَيَنْسَى بَعْضُ النَّاسِ عَقِيدَتَهُ الَّتِي تَعَلُّمَهَا،وَتَرْبِيَتَهُ السَّلِيمَةَ الَّتِي تَرَبَّى عَلَيْهَا،وَيَعِيشُ بِذُهُولٍ مُصَدِّقًا لَهُمْ،وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ! فَلْيُوجِّهِ الأَبُ اِبْنَهُ،وَالإِمَامُ جَمَاعَةَ مَسْجِدِهِ،وَالْمُعَلِّمُ طُلَّابَهُ؛لِلْحَذَرِ مِنْ هَؤُلَاءِ الأَفَّاكِينِ،وَعَدَمِ الْوُقُوعِ فِي الشِّرْكِ،قَالَ اللهِ،جَلَّ وَعَلَا:(وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) ، وَلْنُرَدِّدْ دُعَاءَ الْخَلِيلِ،عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلامُ: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ )
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ...
======================
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ،وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ،تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ،وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ،وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ،وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً . أمَّا بَعْدُ ...... فَاِتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى،وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى،وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى .
عِبَادَ اللَّهِ، قَدْ يَقُولُ قَائِلٌ : إِنَّ الْكُهَّانَ فِي الْغَالِبِ يُعْطُونَ الأَخْبَارَ الْمَاضِيَةَ،وَيَنْدُرُ أَنْ يَتَحَدَّثُوا عَنِ الأَخْبَارِ الْمُسْتَقْبَلِيَّةِ،وَبَعْضُهُمْ يُعْطِي لَنَا أَخْبَارًا مُسْتَقْبَلِيَّةً؛فَمَا تَوْجِيهُ ذَلِكَ ؟ فَأَقُولُ : إِنَّ الْكُهَّانَ قَدْ يَصْدُقُونَ فِي خَبَرٍ مُسْتَقْبِلِيٍّ بِإِحْدَى ثَلاثٍ : مِنْ اِسْتِرَاقِ السَّمْعِ،أَوْ مِنَ الْخَبْطِ الْعَشْوَائِيِّ وَالتَّخْمِينِ،أَوْ مَعْلُومَاتٌ اِسْتَقَاهَا مِنَ الْقَرِينِ،قَالَ أَحَدُ طَلَبَةِ الْعِلْمِ: فِي عَامِ اِثْنَيِّ عَشْرَ وَأَرْبَعُمَائَةٍ وَأَلْفٍ؛كَنَتُ أُلْقِي دَرْسًا فِي التَّوْحِيدِ،فَقَامَ أَحَدُ الْحُضُورِ فَقَالَ :إِنَّ اِبْنِي أُصِيبَ بِالْبَكَمِ،وَأُرْشِدْتُ لِطَبِيبٍ شَعْبِيٍّ، بِأَحَدِ أَحْيَاءِ الرِّيَاضِ،وَقَبْلَ أَنْ أَشْرَحَ لَهُ مُعَانَاةَ اِبْنِي، فَاجَأْنِي بِتَشْخِيصِ حَالَةِ اِبْنِي تَشْخِيصًا دَقِيقًا، قَبْلَ أَنْ أَتَكَلَّمَ،فَقَالَ : إِنَّ اِبْنَكَ مُصَابٌ بِالْبُكْمِ وَبُرْؤُهُ بَعْدَ عِشْرِينَ يَوْمًا،ثُمَّ أَغْلَقَ الْبَابَ وَاِنْصَرَفَ. يَقُولُ : فَذُهِلْتُ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِالْمَرَضِ، وَفُوجِئْتُ بِبُرْءِ اِبْنِي بَعْدَ عِشْرِينَ يَوْمًا،كَمَا أَخْبَر؛ فَمَا تَفْسِيرُ ذَلِكَ ؟ فَقُلْتُ : الأَمْرُ أَيْسَرُ مِمَّا تَظُنُّ؛فَإِنَّ اِبْنَكَ قَدْ يَكُونُ تَلَبَّسَ بِهِ الْجَانُّ،وَأَخْبَرَ الْجَانُّ ذَلِكَ السَّاحِرَ، أَوْ الْكَاهِنَ؛ أَنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْهُ بَعْدَ عِشْرِينَ يَوْمًا؛لِيَفْتِنَكَ بِدِينِكَ. وَقَدْ يَكُونُ مِنِ اِسْتِرَاقِ السَّمْعِ،وَقَدْ يَكُونُ مِنْ بَابِ التَّخْمِينِ؛ وَجَعَلَهُ رَبِّي حَقًّا ؛ لِيَخْتَبِرَ إِيمَانَهُ ، قَالَ تَعَالَى :( أَحَسْبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ). فَقَالَ : الْآنَ اِطْمَأْنَنْتُ، وَاِرْتَحْتُ،وَحَمِدَ اللهَ عَلَى ذَلِكَ؛فَعَلَى الْمُؤْمِنُ أَلَّا يَجْعَلَ عَقِيدَتَهُ أُلْعُوبَةً يَعْبَثُ بِهَا الْعَابِثُونَ .
عِبَادَ اللَّهِ،مِنْ بَابِ النَّصْحِ لَكُمْ أُحَذُّرُكُمْ مِنْ أَمُورٍ تَخُصُّ دِينَكُمْ وَدُنْيَاكُمْ،وَهِيَ عَدَمُ الْاِنْجِذابُ لِرَسَائِلٍ تَأْتِي عَبْرَ وَسَائِلِ الْاِتِّصَالَاتِ،أَوْ عَبْرَ الْبَرِيدِ الإِلِكْتِرُونِيِّ،أَوْ الرَّسَائِلِ النَّصِّيَّةِ،أَوِ الْبَرِيدِيَّةِ،وَغَيْرِهَا؛تُوهِمُ الْمُتَّصَلَ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ فَازَ بِجَائِزَةٍ مُغْرِيَةِ،ثُمَّ يَطْلُبُ مِنْهُ مَعْلُومَاتِهِ: اِسْمُهُ،وَعُنْوَانُه،وَمِهْنَتُهُ،وَرَقْمُ حِسَابِهِ الْبَنْكِيُّ؛ بِدَعْوَى اِيدَاعِ الْجَائِزَةِ فِيهِ،وَهَذِهِ الرَّسَائِلُ مِنْ شِقِّيْنِ: الشِّقُّ الْأَوَّلُ:
أ- إِمَّا تَكُونُ مِنْ عِصَابَاتٍ تَتَعَامَلُ مَعَ الْكُهَّانِ؛فَيَأْخُذُ هَذِهِ الْمَعْلُومَاتِ؛فَيُرْهِقُونَهُ،وَيُفْسِدُونَ
عَلَيْهِ دَيِنَهُ،وَحَيَاتَهُ .
ب- وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ عِصَابَاتٍ ، بِغَرَضِ السَّرِقَةِ مِنْ حِسَابِهِ .
ج- وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ عِصَابَاتِ غَسْلِ الْأَمْوَالِ؛ فَيُودِعُونَ فِي حِسَابَاتِهِ أَمْوَالًا طَائِلَةً،ثُمَّ يَبْتَزُّونَهُ بِهَا،وَيَعْرِّضُونَهُ لِلْمُسَاءَلَةِ الْأَمْنِيَّةِ،وَالْمَحَاكِمِ الشَّرْعِيَّةِ؛ لَأَنَّ الْمُودِعِينَ قَدْ يَكُونُونَ عِصَابَاتٍ مَشْبُوهَةً،يُتَاجِرُونَ فِي الْمُخَدِّرَاتِ،وَالْخُمُورِ،وَالْأَسْلِحَةِ، وَالدَّعَارَةِ،وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صُوَرِ الْفَسَادِ وَالإِفْسَادِ،الَّتِي تُحَرِّمُهَا الشَّرِيعَةُ،وَتُجَرِّمُهَا الْأَنْظِمَةُ فِي جَمِيعَ دُوَلِ الْعَالَمِ .
يَقُولُ أَحَدُهُمْ :تَلَقَّيْتُ رِسَالَةً تُفِيدُ بِأَنَّنِي فُزْتُ بِسَبْعِمَائَةِ أَلْفَ جُنَيْهٍ اِسْتِرْلِينِيِّ،وَهُو مَا يُعَادِلُ خَمْسَةَ مَلَايينَ رِيالٍ سُعُودِيٍّ،وَسَيَّارَةٍ فَخْمَةً؛وَعَلَيَّ سُرْعَةُ إِرْسَالِ الْمَعْلُومَاتِ الشَّخْصِيَّةِ،يَقُولُ فَقُلْتُ: سُبْحَانَ رَبِّي ! كَيْفَ فُزْتُ ؟ وَمَا هِيَ الْمُسَابَقَةُ الَّتِي اِشْتَرَكْتُ بِهَا ؟ وَالْعَجِيبُ أَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ اِسْمِي . فَمِثْلُ هَذِهِ الرِّسَالَةِ؛إذا تَلَقَّاهَا عَاقِلٌ؛لَمْ يُلْقِ لَهَا بَالًا،وَحَمَدَ اللهَ عَلَى نِعْمَةِ الْعَقْلِ،وَأَمَّا إذَا تَلَقَّاهَا جَاهِلٌ،أَوْ طَمَّاعٌ جَشِعٌ؛اِسْتَسْلَمَ لَهَا،ثُمَّ وَقَعَ فِي الْمُلِمَّاتِ؛فَالْحَذِرَ الْحَذَرَ،مِنَ الْوُقُوعِ ضَحَايَا لِهَؤُلَاءِ الدَّجَاجِلَةِ، وَالْمُشَعْوِذِينَ، وَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ.
وقَانَا اللهُ وإِيَّاكُمْ شَرَّ الْبِدَعِ،مَا ظَهَرَ مِنْهَا،وَمَا بَطَنَ،وَهَدَانَا لِلْسُّنَنِ وَجَعَلَنَا نَقْتَدِي بِخَيْرِ الْبَشَرِ،اللَّهُمَّ اِجْعَلْنَا مِمَّنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ، وَاتَّبَعَ رِضَاكَ،وسَارَ عَلَى نَهْجِ خَلِيلِكَ وَمُصْطَفَاكَ !
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ مُحَمَّدٍ،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ،وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ .
إنَّ الحمدُ للهِ،نَحْمَدُهُ،وَنَسْتَعِينُهُ،وَنَسْتَغْفِرُهُ،ونعوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا،مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ،وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ،وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ،تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ،وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ،وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ،وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا . أمَّا بَعْدُ ... فَاتَّقُوا اللهَ- عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛وَاِعْلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ،وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثُاتُهَا ، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ،وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ .
عِبَادَ اللهِ،لَقَدِ اِنْتَشَرَتِ الشَّعْوَذَةُ وَالدَّجَلُ وَالْكَهَانَةُ،وَأَصْبَحَ لَهَا سُوقٌ رَائِجَةٌ،عِنْدَ فِئَامٍ مِنَ النَّاسِ؛بِسَبَبِ إِخْبَارِهِمْ عَنِ الْأُمُورِ الْغَيْبِيَّةِ،الَّتِي يَنْجَذِبُ لَهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ؛فَالْكَاهِنُ يَسْتَرِقُ السَّمْعَ،وَيَقُولُ خَبَرًا صَادِقًا،مَخْلُوطًا بِمَائَةِ خَبَرٍ كَاذِبٍ،وَقَدْ صَحَّ فِي الْحَدِيثِ:" إِنَّ المَلاَئِكَةَ تَنْزِلُ فِي العَنَانِ:وَهُوَ السَّحَابُ،فَتَذْكُرُ الأَمْرَ قُضِيَ فِي السَّمَاءِ،فَتَسْتَرِقُ الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ فَتَسْمَعُهُ،فَتُوحِيهِ إِلَى الكُهَّانِ،فَيَكْذِبُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ . فَالْكُهَّانَ يَتَعَاوَنُونَ مَعَ الشَّيَاطِينِ؛ لِفِتْنَةِ النَّاسِ بِدِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ؛فَيُصَدِّقُهُمْ مَنْ ضَعُفَ إِيمَانُهُ؛ فَيَفْتُنُوهُ بِدِينِهِ،وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ ! وَقَدْ حَذَّرَ النَّبِيُّ،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،مِنْ إِتْيَانِهِمْ؛ فَقَالَ:( مَنْ أَتَى كَاهِنًا، أَوْ عَرَّافًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ،فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ) رَوَاهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ .
وَمِنْ صُورِ تَضْلِيلِ الْكُهَّانِ وَالدَّجَّالِينَ للنَّاسِ:
1- يَتَلَقَّى بَعْضُ النَّاسِ اِتَّصَالَاتٍ هَاتِفِيَّةً مِنْ جِهَاتٍ مَجْهُولَةٍ،وَأَشْخَاصٍ مَجَاهِيلَ، وَغَالِبُهَا مِنْ أَفْرِيقِيَا؛وَيَتَّصِلُونَ غَالِبًا بَعْدَ مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ،أَوْ بَعْدَ صَلاَةِ الْفَجْرِ،وَيُظْهِرُوا التَّقْوَى وَالصَّلَاحَ فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ،عَلَى حَسَبِ الْمُتَّصِلِ عَلَيهِ،وَقَدْ يُظْهِرُ لَهُ أَنَّهُ إِمَامُ مَسْجِدٍ،أَوْ خَطِيبُ جَامِعٍ،أَوْ دَاعِيَةٌ،أَوْ يَقُولُ : إِنَّنِي اِعْتَكَفْتُ فِي مَكَانِ كَذَا،وَأُمِرْتُ بِاِنْقَاذِكَ،ثُمَّ يَقُولُ لَهُ : مَعَكَ الشَّيْخُ فُلَانٌ،أَتَسْمَحُ لِي بِالْحَدِيثِ مَعَكِ ؟ فَفِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى الْمُتَّصَلِ عَلَيْهِ؛إِغْلَاقُ السَّمَّاعَةِ،فَمَا هُوَ إِلَّا دَجَّالٌ مِنَ الدَّجَاجِلَةِ،أَوْ كَاهِنٌ مِنْ الْكَهَنَةِ،فَلَا يَسْتَرْسِلُ مَعَهُ فِي الْحَدِيثِ،فَمَا هُوَ بِصَالِحٍ،وَلَا بِصَادِقٍ؛فَإِنَّ هُنَاكَ مَنِ اِسْتَرْسَلُوا مَعَهُمْ فِي الْحَدِيثِ؛فَزَادُوهُمْ رَهَقًا،وَقَدْ يَسْتَعِينُ هَذَا الدَّجَّالُ،أَوِ الْكَاهِنُ بِقَرِينِ الإِنْسَانِ مِنَ الشَّيَاطِينِ؛لِيَأْخُذَ مِنْهُ بَعْضُ الْمَعْلُومَاتِ عَنْهُ،إِنْ كُانَ ضَعِيفًا فِي تَحْصِينِ نَفْسِهُ بِالْأَذْكَارِ،وَقَدْ يَأْخُذُ مَعْلُومَاتِ الْمُتَّصِلِ عَلَيْهِ مِنْ سِجِلَّاتِ الْهَاتِفِ،أَوْ بِأَيِّ طَرِيقَةٍ،هَذَا لَا يَعْنِينَا؛إِنَّمَا يَعْنِينَا الْمَضْمُونُ فَيَقُولُ لَهُ : أَنْتَ مَسْحُورٌ،أَوْ مَعْيُونٌ،أَوْ مَلْبُوسٌ؛ لِيَزْرَعَ الْخُوْفَ فِيهِ،ثُمَّ يُظْهِرُ لَهُ أَنَّهُ النَّاصِحُ الْأَمِينُ،بَيْنَمَا هُوَ خَادِمٌ لِلشَّيَاطِينِ: (وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ).ثَمَّ يُحْدِثُ بِهِ الْأَضْرَارَالْكَثِيرَةَ،وَمِنْهَا:
أ- ضَرَرٌ فِي دِينِهِ ، وَهُوَ أَشَدُّ الْأَضْرَارِ،لأَنَّ هَدَفُهُ الرَّئِيسِي أَنْ يُوقِعَهُ فِي الشِّرْكِ .
ب - ضَرَرٌ بِصِحَّتِهِ؛حَيْثُ يُوهِمُهُ أَنَّهُ مَرِيضٌ ، أَو مَسْحُورٌ، إِلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَوْهَامِ .
ج - ضَرَرٌ بِعِلاَقَاتِهِ الاِجْتِمَاعِيَّةِ،وَصِلَةِ أَرْحَامِهِ،حَيْثُ يَتَّهِمُ الدَّجَاجِلَةُ وَالْكُهَّانُ؛الْأَقَارِبَ أَوْ الْأَصْدِقَاءَ بِأَنَّهُمْ مَنْ سَحَرُوهُ،وَبِأَنَّهُ الْمُخْلِّصُ لَهُ،وَقَدْ قَالَ اللهُ،جَلَّ فِي عُلَاهُ : (وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) ، وَالسَّاحِرُ وَالْكَاهِنُ،كِلَاهُمَا كَاذِبٌ فِي الأَصْلِ .وَإِنَّكَ لَتَعْجَبُ لِمَنْ يَقْبَلُ نُصْحَهُ وَيُصَدِّقُهُ، وَيَقْطَعُ عِلَاقَتَهُ بِرَحِمِهِ،بِسَبَبِ هَذَا الْكَاهِنِ وَالدَّجَالِ،وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ !
د- وَيُحْدِثُ لَهُ أَضْرَارًا بِمَالِهِ،وَهَذا هُوَ الْغَالِبُ؛فَهُمْ لَا يَشْبَعُونَ مِنَ الْمَالِ،فَمَهْمَا حَوَّلَّ لَهُمْ؛فَلَنْ يَرْضَوا عَنْهُ أَبَدًا . وَيَبْدَؤونَ مَعَ الْمُتَّصَلِ عَلَيْهِ بِمَبَالِغَ قَلِيلَةٍ ؛تَكْبُرُ مَعَ الأَيَّامِ،وَكَمْ مِنْ ثَرِيٍّ أَفْقَرُوهُ،وَغَنِيٍّ أَرْهَقُوهُ وَأَذلُّوهُ، وَجَعَلُوهُ يَتَنَقَّلُ مِنْ دَوْلَةٍ إِلَى أُخْرَى؛لِتَخْلُصَ نَفْسُهُ مِنَ السِّحْرِ،أَوِ الْعَيْنِ،أَوِالْحَسَدِ - كَمَا يُوهِمُونَهُ بِزَعْمِ أَنَّهُمْ يُعَالِجُونَهُ؛فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ لَهُمْ كَنْزٌ،سَلَّمَ نَفْسَهُ لَهُمْ.
عِبَادَ اللهِ،لَقَدْ أَحَدَثَ هَؤُلَاءِ شُكُوكًا،وَأَمْرَاضًا بِبَعْضِ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ،خَاصَّةً فِئَةُ النِّسَاءِ وَالشَّبَابِ،وَلَا حَوْلَ،وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ ! إِنَّ عَلَى الْآبَاءِ،وَالْأُمَّهَاتِ، وَالإِخْوَةِ، وَالْأَخَوَاتِ،وَالزُّمَلَاءِ،وَالْجِيرَانِ،وَأَئِمَّةِ الْمَسَاجِدِ،وَالْأَسَاتِذَةِ فِي الْمَدَارِسِ؛أَنْ يُحَذِّرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِنْ هَذِهِ الظَّاهِرَةِ،وَعَدَمَ الْاِسْتِرْسَالِ مَعَ هَؤُلَاءِ فِي الْحَدِيثِ،وَأَلَّا يَدْفَعَ حُبُّ الْفُضُولِ الْمُسْلِمَ؛لِيَقَعَ ضَحِيَّةَ هَؤُلَاءِ الدَّجَاجِلَةِ وَالْكُهَّانِ،وَعَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُوقِنَ بِأَنَّهُمْ كَذَبَةٌ،لَا يَنْصَحُونَ أَبَدًا،وَلَكِنَّ فِئَامًا مِنَ النَّاسِ لَا يُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ،وَلَا يَتَّعِظُونَ مَعَ الْمُتَّعِظِينَ .
2- عِبَادَ اللهِ،عَلَيْكُمُ بِالْحَذَرِ مِنَ الدَّجَّالِينَ،وَبَعْضُهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ مِنَ الرُّقَاةِ،عِنْدَ الذِّهَابِ إِلَيْهِمْ للْعِلَاجِ-وَمَا أَبْعَدَهُمْ عَنِ التُّقَى وَالصَّلَاحِ-فَبَعْضُهُمْ يَسْأَلُ عَنِ اِسْمِ اِلْأُمِّ وَالْأَبِ،أَتَدْرُونَ لِمَاذَا ؟ لِيَسْتَعِينَ بِالْجَانِّ؛لِتَحْضِيرِ الْمَعْلُومَاتِ عَنْهُ،وَمُفَاجَأَتَهُ بِهَا؛حَتَّى يَخْضَعَ وَيُسَلِّمَ لَهُ،وَيَحْرِصُونَ أَكْثَرَ عَلَى اِسْمِ اِلْأُمِّ لِلتَّفْرِيقِ بَيْنَ الْأَسْمَاءِ الْمُتَشَابِهَةِ؛فَيَنْدُرُ أَنْ تَتَشَابَهَ أَسْمَاءُ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ،فَهُمْ يَخْشَونَ أَنْ يَأْتُوا بِمَعْلُومَةٍ مَغْلُوطَةٍ عَنْهُ؛فَيَنْكَشِفَ لَهُ كَذِبُهُمْ . وَإِلَّا مَا دَخْلُ الْأُمِّ وَالأَبِ بِالرُّقْيَةِ ؟! فَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُصَدِّقَ هَؤُلَاءِ السَّحَرَةَ وَالْكَهَنَةَ .
3-كَذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِ الْحَذَرُ مِنَ الذِّهَابِ إِلَى الْكُهَّانِ الَّذِينَ تُرَوِّجُ لَهُمْ بَعْضُ وَسَائِلِ الْإِعْلَامِ-وَخَاصَّةً الْإِعْلَامَ الْغَرْبِيَّ- فَيَقُولُونَ : الْكَاهِنُ فُلَانٌ،أَوْ الْكَاهِنَةُ فُلاَنَةٌ؛الَّتِي تَنَبَّأَتْ بِحُدوثِ أَحِداثٍ فِي بِلادِ كَذَا،أَوْ تَنَبَّأَتْ بِمَوْتِ الْمَشْهُورِ فُلَانٍ،وَتُهْمِلُ تِلْكَ الصُّحُفُ أَنَّ ذَلِكَ الْكَاهِنَ،وَتِلْكَ الْكَاهِنَةَ،قَدْ تَنَبَّأَ بِآلَافِ الْأَحْدَاثِ؛فَيَصْدُقُونَ بِخَبَرٍ أَوْ خَبَرَيْنِ،اِلْتُقِطَا مِمَّنْ يَسْتَرِقُونَ السَّمْعَ،أَوْ جَاءَتْ خَبْطَ عَشْوَاءٍ،فَتُهْمِلُ وَسَائِلُ الإِعْلَامِ تِلْكَ التَّنَبُّؤاتِ الْخَائِبَةِ -وَمَا أَكْثَرَهَا - وَتَنْفُخُ الْبُوقَ فِي خَبَرٍ أَوْ خَبَرَيْنِ ؛ فَيَنْخَدِعُ بِهَا مَنْ يَنْخَدِعُ ، وَيَغْتَرُّ بِهَا مَنْ يَغْتَرُّ ، وَهُمْ يَحْرِصُونَ -كُلَّ الْحِرْصِ- عَلَى رِجَالِ الْأَعْمَالِ وَالْمَشَاهِيرِ؛لِاِسْتِنْزافِ أَمْوَالِهِمْ،فَيَجُوبُونَ الْمَطَاعِمَ وَالْمَقَاهِي - خَاصًّةً فِي الْبُلْدانِ السِّيَاحِيَّةِ - لِعَرْضِ قِرَاءَةِ الْفِنْجَانِ،وَقِرَاءَةِ الْكَفِّ . وَبَعْضُ النَّاسِ يَقُودُهُ الْفُضُولُ لِلْجُلُوسِ مَعَهُمْ، لِاسْتِظْرَافِهِ إِيَّاهُمْ،فَهُمْ يَظْهَرُونَ أَمَامَ النَّاسِ بِصُورَةِ خَفِيفِي الظِّلِّ،صَاحِبِي الْمُدَاعَبَةِ وَالْفُكَاهَةِ،وَقَدْ يَلْبَسُونَ لِبَاسَ اِلْتُّقَى وَالصَّلاَحِ،
وَمَا أَبْعَدَهُمْ عَنْ ذَلِكَ . وَكَمْ مِنْ فُضُولٍ أَهَلَكَ صَاحِبَهُ ! فَبَعْضُ النَّاسِ يَقُودُهُ حُبُّ الِاسْتِطْلَاعِ؛لِسَمَاعِ حَدِيثِهِمْ، وَبَعْضُهُمْ يَدْفَعُهُ لِذَلِكَ التَّسْلِيَةُ- كَمَا يَزْعُمُونَ-وَيُقْنِعُ نَفْسَهُ أَنَّهُ يَتَسَلَّى،وَلَنْ يُؤَثِّرَ عَلَيهِ هَذَا الْكَاهِنُ، وَ لَا تِلْكَ الْقَارِئَةُ،ثُمَّ يَجِدُ نَفْسَهُ مُتَأَثِّرًا بِهِمْ،مُسْتَسْلِمًا لَهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ،فَإِتْيَانُ الْكُهَّانِ،وَالْاِسْتِماعُ لِحَديثِهِمْ جَرِيمَةٌ،وَذَنْبٌ عَظِيمٌ،وَأَمَّا تَصْدِيقُهُمْ؛فَهُوَ كُفْرٌ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ،صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ،كَمَا صَحَّ بِذَلِكَ الْحَدِيثُ. فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ،عِبَادَ اللَّهِ، فَكَمْ مِنْ بَيْتٍ دُمِّرَ أَصْحَابُهُ،وَتَبَدَّلَتْ أَحْوَالُهُمْ ، فَاِنْقَلَبَ أَمْنُهُمْ خَوْفًا،وَاِطْمِئْنَانُهُمْ رُعْبًا ؛ بِسَبَبِ اِتْيَانِ سَاحِرٍ،أَوْ كَاهِنٍ،أَوْ دَجَّالٍ،أَوْ عَرَّافٍ، أَوْ اِسْتِمَاعِ مُكَالَمَتِهِ؛فَيَنْسَى بَعْضُ النَّاسِ عَقِيدَتَهُ الَّتِي تَعَلُّمَهَا،وَتَرْبِيَتَهُ السَّلِيمَةَ الَّتِي تَرَبَّى عَلَيْهَا،وَيَعِيشُ بِذُهُولٍ مُصَدِّقًا لَهُمْ،وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ! فَلْيُوجِّهِ الأَبُ اِبْنَهُ،وَالإِمَامُ جَمَاعَةَ مَسْجِدِهِ،وَالْمُعَلِّمُ طُلَّابَهُ؛لِلْحَذَرِ مِنْ هَؤُلَاءِ الأَفَّاكِينِ،وَعَدَمِ الْوُقُوعِ فِي الشِّرْكِ،قَالَ اللهِ،جَلَّ وَعَلَا:(وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) ، وَلْنُرَدِّدْ دُعَاءَ الْخَلِيلِ،عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلامُ: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ )
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ...
======================
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ،وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ،تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ،وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ،وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ،وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً . أمَّا بَعْدُ ...... فَاِتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى،وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى،وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى .
عِبَادَ اللَّهِ، قَدْ يَقُولُ قَائِلٌ : إِنَّ الْكُهَّانَ فِي الْغَالِبِ يُعْطُونَ الأَخْبَارَ الْمَاضِيَةَ،وَيَنْدُرُ أَنْ يَتَحَدَّثُوا عَنِ الأَخْبَارِ الْمُسْتَقْبَلِيَّةِ،وَبَعْضُهُمْ يُعْطِي لَنَا أَخْبَارًا مُسْتَقْبَلِيَّةً؛فَمَا تَوْجِيهُ ذَلِكَ ؟ فَأَقُولُ : إِنَّ الْكُهَّانَ قَدْ يَصْدُقُونَ فِي خَبَرٍ مُسْتَقْبِلِيٍّ بِإِحْدَى ثَلاثٍ : مِنْ اِسْتِرَاقِ السَّمْعِ،أَوْ مِنَ الْخَبْطِ الْعَشْوَائِيِّ وَالتَّخْمِينِ،أَوْ مَعْلُومَاتٌ اِسْتَقَاهَا مِنَ الْقَرِينِ،قَالَ أَحَدُ طَلَبَةِ الْعِلْمِ: فِي عَامِ اِثْنَيِّ عَشْرَ وَأَرْبَعُمَائَةٍ وَأَلْفٍ؛كَنَتُ أُلْقِي دَرْسًا فِي التَّوْحِيدِ،فَقَامَ أَحَدُ الْحُضُورِ فَقَالَ :إِنَّ اِبْنِي أُصِيبَ بِالْبَكَمِ،وَأُرْشِدْتُ لِطَبِيبٍ شَعْبِيٍّ، بِأَحَدِ أَحْيَاءِ الرِّيَاضِ،وَقَبْلَ أَنْ أَشْرَحَ لَهُ مُعَانَاةَ اِبْنِي، فَاجَأْنِي بِتَشْخِيصِ حَالَةِ اِبْنِي تَشْخِيصًا دَقِيقًا، قَبْلَ أَنْ أَتَكَلَّمَ،فَقَالَ : إِنَّ اِبْنَكَ مُصَابٌ بِالْبُكْمِ وَبُرْؤُهُ بَعْدَ عِشْرِينَ يَوْمًا،ثُمَّ أَغْلَقَ الْبَابَ وَاِنْصَرَفَ. يَقُولُ : فَذُهِلْتُ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِالْمَرَضِ، وَفُوجِئْتُ بِبُرْءِ اِبْنِي بَعْدَ عِشْرِينَ يَوْمًا،كَمَا أَخْبَر؛ فَمَا تَفْسِيرُ ذَلِكَ ؟ فَقُلْتُ : الأَمْرُ أَيْسَرُ مِمَّا تَظُنُّ؛فَإِنَّ اِبْنَكَ قَدْ يَكُونُ تَلَبَّسَ بِهِ الْجَانُّ،وَأَخْبَرَ الْجَانُّ ذَلِكَ السَّاحِرَ، أَوْ الْكَاهِنَ؛ أَنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْهُ بَعْدَ عِشْرِينَ يَوْمًا؛لِيَفْتِنَكَ بِدِينِكَ. وَقَدْ يَكُونُ مِنِ اِسْتِرَاقِ السَّمْعِ،وَقَدْ يَكُونُ مِنْ بَابِ التَّخْمِينِ؛ وَجَعَلَهُ رَبِّي حَقًّا ؛ لِيَخْتَبِرَ إِيمَانَهُ ، قَالَ تَعَالَى :( أَحَسْبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ). فَقَالَ : الْآنَ اِطْمَأْنَنْتُ، وَاِرْتَحْتُ،وَحَمِدَ اللهَ عَلَى ذَلِكَ؛فَعَلَى الْمُؤْمِنُ أَلَّا يَجْعَلَ عَقِيدَتَهُ أُلْعُوبَةً يَعْبَثُ بِهَا الْعَابِثُونَ .
عِبَادَ اللَّهِ،مِنْ بَابِ النَّصْحِ لَكُمْ أُحَذُّرُكُمْ مِنْ أَمُورٍ تَخُصُّ دِينَكُمْ وَدُنْيَاكُمْ،وَهِيَ عَدَمُ الْاِنْجِذابُ لِرَسَائِلٍ تَأْتِي عَبْرَ وَسَائِلِ الْاِتِّصَالَاتِ،أَوْ عَبْرَ الْبَرِيدِ الإِلِكْتِرُونِيِّ،أَوْ الرَّسَائِلِ النَّصِّيَّةِ،أَوِ الْبَرِيدِيَّةِ،وَغَيْرِهَا؛تُوهِمُ الْمُتَّصَلَ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ فَازَ بِجَائِزَةٍ مُغْرِيَةِ،ثُمَّ يَطْلُبُ مِنْهُ مَعْلُومَاتِهِ: اِسْمُهُ،وَعُنْوَانُه،وَمِهْنَتُهُ،وَرَقْمُ حِسَابِهِ الْبَنْكِيُّ؛ بِدَعْوَى اِيدَاعِ الْجَائِزَةِ فِيهِ،وَهَذِهِ الرَّسَائِلُ مِنْ شِقِّيْنِ: الشِّقُّ الْأَوَّلُ:
أ- إِمَّا تَكُونُ مِنْ عِصَابَاتٍ تَتَعَامَلُ مَعَ الْكُهَّانِ؛فَيَأْخُذُ هَذِهِ الْمَعْلُومَاتِ؛فَيُرْهِقُونَهُ،وَيُفْسِدُونَ
عَلَيْهِ دَيِنَهُ،وَحَيَاتَهُ .
ب- وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ عِصَابَاتٍ ، بِغَرَضِ السَّرِقَةِ مِنْ حِسَابِهِ .
ج- وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ عِصَابَاتِ غَسْلِ الْأَمْوَالِ؛ فَيُودِعُونَ فِي حِسَابَاتِهِ أَمْوَالًا طَائِلَةً،ثُمَّ يَبْتَزُّونَهُ بِهَا،وَيَعْرِّضُونَهُ لِلْمُسَاءَلَةِ الْأَمْنِيَّةِ،وَالْمَحَاكِمِ الشَّرْعِيَّةِ؛ لَأَنَّ الْمُودِعِينَ قَدْ يَكُونُونَ عِصَابَاتٍ مَشْبُوهَةً،يُتَاجِرُونَ فِي الْمُخَدِّرَاتِ،وَالْخُمُورِ،وَالْأَسْلِحَةِ، وَالدَّعَارَةِ،وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صُوَرِ الْفَسَادِ وَالإِفْسَادِ،الَّتِي تُحَرِّمُهَا الشَّرِيعَةُ،وَتُجَرِّمُهَا الْأَنْظِمَةُ فِي جَمِيعَ دُوَلِ الْعَالَمِ .
يَقُولُ أَحَدُهُمْ :تَلَقَّيْتُ رِسَالَةً تُفِيدُ بِأَنَّنِي فُزْتُ بِسَبْعِمَائَةِ أَلْفَ جُنَيْهٍ اِسْتِرْلِينِيِّ،وَهُو مَا يُعَادِلُ خَمْسَةَ مَلَايينَ رِيالٍ سُعُودِيٍّ،وَسَيَّارَةٍ فَخْمَةً؛وَعَلَيَّ سُرْعَةُ إِرْسَالِ الْمَعْلُومَاتِ الشَّخْصِيَّةِ،يَقُولُ فَقُلْتُ: سُبْحَانَ رَبِّي ! كَيْفَ فُزْتُ ؟ وَمَا هِيَ الْمُسَابَقَةُ الَّتِي اِشْتَرَكْتُ بِهَا ؟ وَالْعَجِيبُ أَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ اِسْمِي . فَمِثْلُ هَذِهِ الرِّسَالَةِ؛إذا تَلَقَّاهَا عَاقِلٌ؛لَمْ يُلْقِ لَهَا بَالًا،وَحَمَدَ اللهَ عَلَى نِعْمَةِ الْعَقْلِ،وَأَمَّا إذَا تَلَقَّاهَا جَاهِلٌ،أَوْ طَمَّاعٌ جَشِعٌ؛اِسْتَسْلَمَ لَهَا،ثُمَّ وَقَعَ فِي الْمُلِمَّاتِ؛فَالْحَذِرَ الْحَذَرَ،مِنَ الْوُقُوعِ ضَحَايَا لِهَؤُلَاءِ الدَّجَاجِلَةِ، وَالْمُشَعْوِذِينَ، وَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ.
وقَانَا اللهُ وإِيَّاكُمْ شَرَّ الْبِدَعِ،مَا ظَهَرَ مِنْهَا،وَمَا بَطَنَ،وَهَدَانَا لِلْسُّنَنِ وَجَعَلَنَا نَقْتَدِي بِخَيْرِ الْبَشَرِ،اللَّهُمَّ اِجْعَلْنَا مِمَّنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ، وَاتَّبَعَ رِضَاكَ،وسَارَ عَلَى نَهْجِ خَلِيلِكَ وَمُصْطَفَاكَ !
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ مُحَمَّدٍ،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ،وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ .
المرفقات
خطبة المكالمات المجهولة .pdf
خطبة المكالمات المجهولة .pdf
الخطبة مشكولة .docx
الخطبة مشكولة .docx
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق