المفلسون

أبو ناصر فرج الدوسري
1439/06/18 - 2018/03/06 07:38AM

أما بعد: فاتقوا الله تعالى واجتهدوا في الأعمال الصالحة واثبتوا عليها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) آل عمران:102

عباد الله: لا خسارة تعدل خسارة من خسر نفسه في الحياة الأبدية، وهي الخسارة التي توجب لصاحبها دخول النار والعياذ بالله، ومن هذه الخسارة ضج المؤمنون، وخاف الوجلون، وحاذر المشفقون، وفزع المتقون، ورعب الموقنون. ﴿إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) الزمر١٥

أيها الأخوة المؤمنون: إن أعظم الخاسرين هم أولئك الذين وصفهم النبي ﷺ بالإفلاس، فمن هم المفلسون؟ قال النبي ﷺ لأصحابه، كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة:(أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟) أجابه الصحابة الكرام، قالوا: (الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ) يعني: لا يملك  شيئا، لا من النقود ولا من سائر أنواع الأموال، فقال النبي ﷺ: (إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ)

عجيب! كيف يكون مفلساً وهويصلي ويصوم ويزكي؟ الصلاة والصيام والزكاة من أركان الإسلام ومن تركها فقد كفر! ومن حافظ عليها دخل الجنة، فكيف يكون مفلسا؟!.

استمع إلى بيان من لا ينطق عن الهوى ﷺ: (إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا ؛ فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ؛ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ)

ما أعظم الخسارة! وياله من قهر! مسكينٌ مَن هذه حاله! يأتي وقد اجتهد في الفرائض، واجتهد في أنواع النوافل، اجتهد في القربات والصالحات، ثم كل ذلك لا يجد له أثراً ولا يدرك له نفعا! فهو يجمع ولا ينتفع، ويتعب ولا يستفيد، إنه المفلس الحقيقي، وهذا هو أخطر إفلاس يمكن أن يتعرض له الإنسان!

يا لها من خسارة أن تجمع حسناتك فيأخذها غيرك!

تجتهد في العمل الصالح لتدخل به الجنة فيأخذ ثوابه غيرك ويدخل به الجنة وتطرح أنت في النار.

نعوذ بالله من الخسران

﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ الكهف١٠٤

فَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُوَفِّقَنَا لِلتَّوْبَةِ وَأَنْ يُثَبِّتَنَا عَلَيْهَا، فَإِنَّ الثَّبَاتَ عَلَى التَّوْبَةِ أَشَدُّ مِنَ التَّوْبَةِ .

الخطبة الثانية

أما بعد: فاتقوا الله واعلموا أنه (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) فصلت

عباد الله: عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: (مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَلَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ) البخاري

فالقصاص بين البشر في الآخرة في الحسنات والسيئات؛ أخذاً وإعطاءً، في يوم تظهر فيه السرائر، وتنطق الجوارح ﴿يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ﴾الحاقة١٨ ﴿وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾الزمر٤٧ وكل أعمالِنا محصاه، قال تعالى:﴿هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾الجاثية6

وستظهر أعمالنا يوم القيامة يقول تعالى ذكره: (ونُخرِجُ لَهُ يَوْمَ القِيامَةِ كِتابا يَلقاهُ مَنْشُورًا﴾ فيقال له ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ الإسراء

عباد الله: خلصوا رقابكم من حقوق الخلق ما استطعتم إلى ذلك سبيلا في الدنيا، فإن أسير الآخرة غير مفكوك، كل نفس بما كسبت رهينة، إلا أصحاب اليمين، فخلص نفسك، ولك في رسول الله ﷺ وأصحابه الكرام أسوة حسنة.

اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والرشاد والغنى

اللهم ألِّف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، وجنبنا الفواحش والآثام.

اللهم طهر قلوبنا وارزقنا المحبة والألفة والتعاون على البر والتقوى.

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق إمامَنا ووليَّ أمرنا، وهيِّئ له البِطانةَ الصالحةَ، ووفِّقه لما تُحبُّ وترضى يا سميعَ الدعاء،

اللهم من أراد بلادنا أو بلاد المسلمين بسوء فأشغله في نفسه وأجعل تدبيره تدميراً عليه.

اللهم أنصر الإسلام والمسلمين اللهم انصرهم في الشام والعراق وفي كل مكان.

هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن جميع الآلِ والصحابةِ والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.

مقتبسة من مصادر متعددة

الخطبة منسقة 

https://docs.google.com/document/d/1-TUdhcRQYDu1BO-78kn7tti1dCWfJ11TqmbXPvUdq1o/edit?usp=sharing

المشاهدات 3092 | التعليقات 0