المـــــبادرة للحــج
فهد عبدالله الصالح
أمــا بعـــد : فاتقوا الله تعالى وأطيعوه واذكروه كما هداكم واشكروه على ما أعطاكم فإنه يشرع الشرائع لمصالح العباد لصلاح قلوبهم وزكاة نفوسهم واستقامتهم على دينهم .
أيها المسلمون : جعل الله البيت للناس مثابة وأمناً , وشرع الحج إليه فرضاً ونفلاً , ورتب عليه جزاءاً وأجراً , فأمن قاصديه وحرم الإلحاد فيه وبارك حسناته وشدد في سيئاته , فالصلاة فيه مضاعفة والخطيئة فيه مغلظة , ذلك لحرمة المكان وفي الحج تنضم إليها حرمة الزمان , حيث الأشهر الحرم , أمر الله بتأسيس البيت على التوحيد , فوفد إليه المؤمنون من كل فج عميق لإقامة ذكره وشكره وحمده .
أيها المؤمنون : كون الحج فرضاً على الأنام , وركناً من أركان الإسلام أمر معلوم من الدين بالضرورة لا ينازع فيه مسلم ولا يماري فيه مؤمن ولا يجهله صغير أو كبير , لأن أركان الإسلام هي أول ما يلقنه الطفل في دراسته ولذا يتشوف المسلمون للحج في مختلف الأقطار ومن مختلف الأجناس رجالاً ونساءً صغاراً وكباراً , ولكن جمعاً من المسلمين حال بينهم وبين أداء فريضة الحج حوائل وما هي بحوائل ومنعتهم موانع وما هي بموانع إن هو إلا تزيين الشيطان وتسويف الإنسان , وكم ضاعت الأعمار في تسويف والتأجيل .
أيها المؤمنون : يا من شغلته الدنيا عن فريضة الحج وأكلت سوف من عمره عشر سنوات أو عشرين أو ثلاثين أو حتى خمسين إن الله تعالى يقول (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ), فالآية تدل على أن من مات ولم يحج وهو قادر فالوعيد يتوجه إليه , ومن تهيأت له فرصة أداء فرض الحج ففوتها فقد فرط وتساهل , كم من مسوف للحج وهو قادر عليه أضحى عاجزاً فقطع الندم قلبه , إما فقد المال الذي يبلغه أو فقد الصحة التي يقوم بها .
ولو تأمل متأمل في الفقراء من بلاد بعيدة يدخرون مئونة الحج من رزقهم ورزق عيالهم عشرات السنين فلا يصلون البيت إلا وقد هرموا لكنهم قد عاشوا مع الحج جل أعمارهم , والله تعالى يأجرهم على صبرهم وجدهم وعزيمتهم والنبي صلى الله عليه وسلم قد حث القادر على الحج من رجال ونساء أن يبادروا بقضاء فرضهم من باب أداء الفرض في أول وقت وجوبه ومن باب المسارعة في الخيرات ولئلا تعرض له طوارئ تمنعه من الحج فيندم فإن دوام الحال من المحال , عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تعجلوا الحج ـ يعني الفريضة ـ فإن أحدكم لا يدرى ما يعرض له , وفي رواية من أراد الحج فليعجل , فإنه قد يمرض المريض , وتضل الراحلة وتعرض الحاجة) رواه احمد .
وكم من امرأة رفضت الحج , تؤجله المرة بعد المرة حتى إذا فقدت المحرم أو عجزت حرمت الحج فماتت بحسرتها؟؟.
ومن الناس – أيها الناس – من يمنعه من الحج معصية قد أصر عليها وكلنا ذلك الرجل فيقول : لا أحج حتى أتوب منها فيمضى عمره وهو ما حج وما تاب من ذنبه , فجمع بين معصيتين : ترك الحج والذنب الذي من أجله أخر الحج , وترك طاعتين : المبادرة بالتوبة , والمبادرة بالحج , ومن كان مقيماً على معصية فليتب منها , فإن غلبه الشيطان فلا يترك الحج لأجلها , ومن الناس من يؤخر حج الفريضة لدين عليه , وقد يوجد عنده سداد فلا يسدد ولا يحج , وهذا أخر الحج بلا عذر , ومنهم من عليه دين مؤجل أو دين تقسيط لم يحل أجل سداده وهذا الدين لا يمنع الحج فلا يصح أن يتعلل به من أخر الحج , وكثير ممن يتعللون بالديون لتأخير الحج نراهم يقطعون الأرض طولاً وعرضاً للسياحة والنزهة في الصيف والإجازات , فبخلوا على أنفسهم في حجهم ولم يبخلوا على رفاهيتهم .
ومن الناس من يؤخر الحج بعد بلوغه مع القدرة عليه وتيسره له بحجة أنه يريد تعلم المناسك وان العمر قادم , وما علم هذا أن فوائد الحج لو حج في شبابه يجنيها طيلة حياته , ولربما عجز عن الحج مستقبلاً لأي عارض
أيها المسلمون : البدار البدار لقضاء فروض الله تعالى , فلعل حاجاً رجع من حجه كيوم ولدته أمه ثم دهمته المنية بعد حجه فلقي الله تعالى على أحسن حال , ولعل مسرفاً على نفسه بالعصيان جأر إلى الله تعالى بالدعاء في المناسك والمشاعر فاستجيب له فترك ذنوبه وموبقاته , فإن الحج يهدم ما كان قبله , والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة , كما جاء ذلك في الأحاديث الواردة (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ).
بارك الله لي ولكم ............
الخطبة الثانية :
من وفقه الله لحج بيته الحرام فليستعن بالله تعالى وليختر رفقة طيبة تعرف المناسك وتستفيد من هذه الأوقات الفاضلة , ولا يحل لزوج أن يمنع زوجته من أداء فرضها ولا لوالد أن يمنع ولده من أداء فرضه , شحاً به أو خوفاً عليه , بل الواجب على الزوج أن يأمر زوجته بالحج ويحثها عليه لأنه أمر بالطاعة وإن رافقها إلى الحج أو دفع نفقة حجها كان ذلك إحساناً لعشرتها وعوناً على أداء فرضها , وفي قصة الرجل الذي اكتتب في الغزو وامرأته حاجة أمره النبي صلى الله عليه وسلم بأن يترك الغزو فقال (ارجع فحج مع امرأتك), فأمره بالرجوع بعد الغزو بعد اكتتابه فيه وخروجه له , فيا له من فضل عظيم يغفل الناس عنه , ومن أراد أداء فريضة فلا يلتفت للمثبطات , فإن من عزم على إرضاء الله تعالى بأداء فرضه أعانه الله تعالى ويسر له كل عسير .
وعليه أن يستعد للحج مبكراً باختيار حملته واستخراج تصريحه وتعلم أحكامه , فإن كثيراً من الناس يفوتهم قضاء فرضهم في كل عام بسبب تأخرهم في الاستعداد للحج , فإذا أغلقت الحملات تسجيلها , وامتلأت بحجاجها , تعلل بأنه لم يجد حملة يحج معها وهذا دأبه في كل عام ويظن أن هذا عذر صحيح , والتفريط منه لا من غيره , لو علم المفرط أنه يموت هذا العام لترك الشواغل كلها ولم يهنأ بنوم ولا طعام حتى يحج فرضه .
ثم صلوا وسلموا ...............