المغالاة في المهور
هلال الهاجري
1435/07/28 - 2014/05/27 09:54AM
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُه ونستغفرهُ ونتوبُ إليه ونعوذُ باللهِ من شُرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا من يهدِه اللهُ فلا مُضلَّ له ومن يضللْ فلا هاديَ له وأشهدُ أن لا الهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن مُحمداً عبدُه ورسولُه صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِه ومن تَبعهم بإحسانٍ وسلمَ تسليماً .. أما بعدُ:
أيها النَّاسُ اتقوا اللهَ تعالى واشكروه أَنْ (خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
عَنِ كَثِيْرِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ رَحِمَه اللهُ تعالى قَالَ: كُنْتُ أُجَالِسُ سَعِيْدَ بنَ المُسَيِّبِ، فَفَقَدَنِي أَيَّاماً، فَلَمَّا جِئْتُهُ، قَالَ: أَيْنَ كُنْتَ؟ .. قُلْتُ: تُوُفِّيَتْ أَهْلِي، فَاشْتَغَلْتُ بِهَا .. فَقَالَ: أَلاَ أَخْبَرْتَنَا، فَشَهِدْنَاهَا .. ثُمَّ قَالَ: هَلِ اسْتَحْدَثْتَ امْرَأَةً؟ .. فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، وَمَنْ يُزَوِّجُنِي وَمَا أَمْلِكُ إِلاَّ دِرْهَمَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً؟ .. قَالَ: أَنَا .. فَقُلْتُ: وَتَفْعَلُ؟ .. قَالَ: نَعَمْ.
ثُمَّ تَحَمَّدَ، وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَوَّجَنِي عَلَى دِرْهَمَيْنِ أَوْ قَالَ: ثَلاَثَةٍ.
فَقُمْتُ، وَمَا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ مِنَ الفَرَحِ، فَصِرْتُ إِلَى مَنْزِلِي، وَجَعَلْتُ أَتَفَكَّرُ فِيْمَنْ أَسْتدِيْنُ.
فَصَلَّيْتُ المَغْرِبَ، وَرَجَعْتُ إِلَى مَنْزِلِي، وَكُنْتُ وَحْدِي صَائِماً، فَقَدَّمْتُ عَشَائِي أُفْطِرُ، وَكَانَ خُبْزاً وَزَيْتاً، فَإِذَا بَابِي يُقْرَعُ .. فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ .. فَقَالَ: سَعِيْدٌ .. فَأَفْكَرْتُ فِي كُلِّ مَنِ اسْمُهُ سَعِيْدٌ إِلاَّ ابْنَ المُسَيِّبِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُرَ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً إِلاَّ بَيْنَ بَيْتِهِ وَالمَسْجِدِ، فَخَرَجْتُ، فَإِذَا سَعِيْدٌ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ قَدْ بَدَا لَهُ .. فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، أَلاَ أَرْسَلْتَ إِلَيَّ فَآتِيَكَ؟.
قَالَ: لاَ، أَنْتَ أَحَقُّ أَنْ تُؤْتَى، إِنَّكَ كُنْتَ رَجُلاً عَزَباً، فَتَزَوَّجْتَ، فَكَرِهْتُ أَنْ تَبِيْتَ اللَّيْلَةَ وَحْدَكَ، وَهَذِهِ امْرَأَتُكَ .. فَإِذَا هِيَ قَائِمَةٌ مِنْ خَلْفِهِ فِي طُوْلِهِ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهَا، فَدَفَعَهَا فِي البَابِ، وَرَدَّ البَابَ.
فَسَقَطَتِ المَرْأَةُ مِنَ الحِيَاءِ، فَاسْتَوْثَقْتُ مِنَ البَابِ، ثُمَّ وَضَعْتُ القَصْعَةَ فِي ظِلِّ السِّرَاجِ لَكِي لاَ تَرَاهُ، ثُمَّ صَعِدْتُ السَّطْحَ، فَرَمَيْتُ الجِيْرَانَ، فَجَاؤُوْنِي، فَقَالُوا: مَا شَأْنُكَ؟ .. فَأَخْبَرْتُهُم، وَنَزَلُوا إِلَيْهَا، وَبَلَغَ أُمِّي، فَجَاءتْ، وَقَالَتْ: وَجْهِي مِنْ وَجْهِكَ حَرَامٌ إِنْ مَسَسْتَهَا قَبْلَ أَنْ أُصْلِحَهَا إِلَى ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ .. فَأَقَمْتُ ثَلاَثاً، ثُمَّ دَخَلْتُ بِهَا، فَإِذَا هِيَ مِنْ أَجْمَلِ النَّاسِ، وَأَحْفَظِ النَّاسِ لِكِتَابِ اللهِ، وَأَعْلَمِهِم بِسُنَّةِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْرَفِهِم بِحَقِّ زَوْجٍ.
فَمَكَثْتُ شَهْراً لاَ آتِي سَعِيْدَ بنَ المُسَيِّبِ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ وَهُوَ فِي حَلْقَتِهِ، فَسَلَّمْتُ، فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلاَمَ، وَلَمْ يُكَلِّمْنِي حَتَّى تَقَوَّضَ المَجْلِسُ .. فَلَمَّا لَمْ يَبْقَ غَيْرِي، قَالَ: مَا حَالُ ذَلِكَ الإِنْسَانِ؟ .. قُلْتُ: خَيْرٌ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، عَلَى مَا يُحِبُّ الصَّدِيْقُ، وَيَكْرَهُ العَدُوُّ .. قَالَ: إِنْ رَابَكَ شَيْءٌ، فَالعَصَا .. فَانْصَرَفْتُ إِلَى مَنْزِلِي، فَوَجَّهَ إِلَيَّ بِعِشْرِيْنَ أَلْفَ دِرْهَمٍ.
ثُمَّ تَحَمَّدَ، وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَوَّجَنِي عَلَى دِرْهَمَيْنِ أَوْ قَالَ: ثَلاَثَةٍ.
فَقُمْتُ، وَمَا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ مِنَ الفَرَحِ، فَصِرْتُ إِلَى مَنْزِلِي، وَجَعَلْتُ أَتَفَكَّرُ فِيْمَنْ أَسْتدِيْنُ.
فَصَلَّيْتُ المَغْرِبَ، وَرَجَعْتُ إِلَى مَنْزِلِي، وَكُنْتُ وَحْدِي صَائِماً، فَقَدَّمْتُ عَشَائِي أُفْطِرُ، وَكَانَ خُبْزاً وَزَيْتاً، فَإِذَا بَابِي يُقْرَعُ .. فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ .. فَقَالَ: سَعِيْدٌ .. فَأَفْكَرْتُ فِي كُلِّ مَنِ اسْمُهُ سَعِيْدٌ إِلاَّ ابْنَ المُسَيِّبِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُرَ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً إِلاَّ بَيْنَ بَيْتِهِ وَالمَسْجِدِ، فَخَرَجْتُ، فَإِذَا سَعِيْدٌ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ قَدْ بَدَا لَهُ .. فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، أَلاَ أَرْسَلْتَ إِلَيَّ فَآتِيَكَ؟.
قَالَ: لاَ، أَنْتَ أَحَقُّ أَنْ تُؤْتَى، إِنَّكَ كُنْتَ رَجُلاً عَزَباً، فَتَزَوَّجْتَ، فَكَرِهْتُ أَنْ تَبِيْتَ اللَّيْلَةَ وَحْدَكَ، وَهَذِهِ امْرَأَتُكَ .. فَإِذَا هِيَ قَائِمَةٌ مِنْ خَلْفِهِ فِي طُوْلِهِ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهَا، فَدَفَعَهَا فِي البَابِ، وَرَدَّ البَابَ.
فَسَقَطَتِ المَرْأَةُ مِنَ الحِيَاءِ، فَاسْتَوْثَقْتُ مِنَ البَابِ، ثُمَّ وَضَعْتُ القَصْعَةَ فِي ظِلِّ السِّرَاجِ لَكِي لاَ تَرَاهُ، ثُمَّ صَعِدْتُ السَّطْحَ، فَرَمَيْتُ الجِيْرَانَ، فَجَاؤُوْنِي، فَقَالُوا: مَا شَأْنُكَ؟ .. فَأَخْبَرْتُهُم، وَنَزَلُوا إِلَيْهَا، وَبَلَغَ أُمِّي، فَجَاءتْ، وَقَالَتْ: وَجْهِي مِنْ وَجْهِكَ حَرَامٌ إِنْ مَسَسْتَهَا قَبْلَ أَنْ أُصْلِحَهَا إِلَى ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ .. فَأَقَمْتُ ثَلاَثاً، ثُمَّ دَخَلْتُ بِهَا، فَإِذَا هِيَ مِنْ أَجْمَلِ النَّاسِ، وَأَحْفَظِ النَّاسِ لِكِتَابِ اللهِ، وَأَعْلَمِهِم بِسُنَّةِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْرَفِهِم بِحَقِّ زَوْجٍ.
فَمَكَثْتُ شَهْراً لاَ آتِي سَعِيْدَ بنَ المُسَيِّبِ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ وَهُوَ فِي حَلْقَتِهِ، فَسَلَّمْتُ، فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلاَمَ، وَلَمْ يُكَلِّمْنِي حَتَّى تَقَوَّضَ المَجْلِسُ .. فَلَمَّا لَمْ يَبْقَ غَيْرِي، قَالَ: مَا حَالُ ذَلِكَ الإِنْسَانِ؟ .. قُلْتُ: خَيْرٌ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، عَلَى مَا يُحِبُّ الصَّدِيْقُ، وَيَكْرَهُ العَدُوُّ .. قَالَ: إِنْ رَابَكَ شَيْءٌ، فَالعَصَا .. فَانْصَرَفْتُ إِلَى مَنْزِلِي، فَوَجَّهَ إِلَيَّ بِعِشْرِيْنَ أَلْفَ دِرْهَمٍ.
وكَانَتْ بِنْتُ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ قَد خَطَبَها أَميرُ المُؤمنينَ عَبْدُ الملكِ بْنُ مَرْوانَ لابْنِه الوَليدِ بْنِ عَبْدِ الملكِ حِينَ وَلاهُ العَهْدَ فأَبى أبُوها أن يُزَوِّجَهَا خَوْفاً عَليها مِنَ الفِتْنَةِ.
عندما تَقرأُ مِثلَ هذه المواقفِ لسلفِنا الصَّالحِ رحمَهم اللهُ تعالى .. ثُمَّ ترى مُغالاةَ النَّاسِ للمهورِ في زمانِنا .. فإنكَ تَحتارُ .. ولا تَجِدُ سبباً ظاهراً لمثلِ هذه الظَّاهرةِ الغريبةِ.
فلو كانَ غلاءُ المهرِ طاعةً وتقوى لكانَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ أَسْبَقَ إليه .. يقولُ عُمَرُ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إِيَّاكُمْ وَالْمُغَالاَةَ فِى مُهُورِ النِّسَاءِ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا وَتَقْوَى عِنْدَ اللَّهِ لَكَانَ أَوْلَاكُمْ بِهَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا عَلِمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَكَحَ شَيْئًا مِنْ نِسَائِهِ وَلَا أَنْكَحَ شَيْئًا مِنْ بَنَاتِهِ عَلَى أَكْثَرَ مِنَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً.
ولكن لعلَّ غلاءَ المُهورِ علامةٌ على كرامةِ المرأةِ وعُلُوِّ مكانَتِها؟ .. لا واللهِ .. ولو كانَ ذلك .. لكانَ أغلى المُهورِ هو مَهرَ سيِّدةِ نساءِ أهلِ الجنَّةِ وبنتِ أشرفِ الخلقِ عليه الصَّلاةُ والسلامُ .. فاطمةَ رضيَ اللهُ عنها .. فماذا كانَ مَهرُها؟ .. يَقُولُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَرَدْتُ أَنْ أَخْطُبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَتَهُ، فَقُلْتُ مَا لِي مِنْ شَيْءٍ فَكَيْفَ، ثُمَّ ذَكَرْتُ صِلَتَهُ وَعَائِدَتَهُ فَخَطَبْتُهَا إِلَيْهِ، فَقَالَ: (هَلْ لَكَ مِنْ شَيْءٍ؟)، قُلْتُ: لَا، قَالَ: (فَأَيْنَ دِرْعُكَ الْحُطَمِيَّةُ الَّتِي أَعْطَيْتُكَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا؟، قَالَ: هِيَ عِنْدِي، قَالَ فَأَعْطِهَا إِيَّاهُ).
وهل سمِعتُم بأعظمِ مَهرٍ سَجَّلَه التَّاريخُ؟ .. عَنْ ثَابتٍ رحمَه اللهُ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: خَطَبَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا مِثْلُكَ يَا أَبَا طَلْحَةَ يُرَدُّ، وَلَكِنَّكَ رَجُلٌ كَافِرٌ وَأَنَا امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ، وَلَا يَحِلُّ لِي أَنْ أَتَزَوَّجَكَ، فَإِنْ تُسْلِمْ فَذَاكَ مَهْرِي، وَمَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ فَأَسْلَمَ فَكَانَ ذَلِكَ مَهْرَهَا .. قَالَ ثَابِتٌ: فَمَا سَمِعْتُ بِامْرَأَةٍ قَطُّ كَانَتْ أَكْرَمَ مَهْرًا مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ فِي الْإِسْلَامَ فَدَخَلَ بِهَا فَوَلَدَتْ لَهُ.
ومن الأخطاءِ الشائعةِ .. اعتقادُ أن كَثرةَ مَهرِ المرأةِ أدعى لمَعرفةِ قِيمتِها والحفاظِ عليها .. وأنَّ كلما بَذلَ الزَّوجُ أكثرَ كلما حَافظَ على زَوجتِه .. فنقولُ: نعوذُ باللهِ أن تكونَ بناتُنا سِلَعاً تُباعُ وتُشترى .. ولو كانَ الأمرُ كذلك لكانتْ الدُّنيا وما فيها لا تُساوي ظُفْرَ فَلَذةِ الكبدِ وقُرَّةِ العينِ .. ولكنَّها سُنَّةَ اللهِ تعالى في الزَّواجِ .. بأن تنتقلَ البِنتُ من أبٍ حَنونٍ يُحبُّها .. إلى زَوجٍ صالحٍ يُكرِمُها .. ولذلك قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إذَا خَطَبَ إلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ، فَزَوّجُوهُ. إلاّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ في الأرْضِ وفَسَادٌ عرِيضٌ) .. ولذلك جاءتْ الأحاديثُ في تيسرِ المُهورِ .. كما قالَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: (خَيْرُ الصَّدَاقِ أَيْسَرُهُ).
إذ مالفائدةُ من أن تُزوِّجَ ابنتَك بأغلى المُهورِ .. ثُمَّ تعيشُ مع زوجِها في حياةٍ تعيسةٍ بسببِ الدِّيونِ التي تراكمتْ عليه .. بل كلما رآها .. رأى فيها سببَاً لِذُلِ الدَّيْنِ والألمِ النَّفسي الذي يُعانيه .. فكيفَ يُرجى بعدَ ذلك حبٌّ؟ .. وكيفَ يُنتظرُ بعد هذا مَوَدةٌ؟ .. وإذا كانتْ البَرَكةُ في تخفيفِ المَهرِ .. كما جاءَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ مِنْ يُمْنِ –أي من بركةِ وخيرِ- الْمَرْأَةِ تَيْسِيرَ خِطْبَتِهَا وَتَيْسِيرَ صَدَاقِهَا) .. فيكونُ تعسيرُ خِطْبَتِهَا وتعسيرُ صَدَاقِهَا من الشَّرِ والشؤمِ والنَّكدِ .. وهذا سَبَبٌ ظاهرٌ لكَثرةِ الطَّلاقِ والإحصائياتِ المُخيفةِ والتي تتزايدُ مع الأيامِ في بلادِنا .. والتي لم تكنْ تعْهدُ هذا من قبلُ.
لماذا كَثُرتْ قضايا الاختلاءِ المُحرَّمِ؟ .. ولماذا أصبحنا نسمعُ بهُروبِ الفَتيَاتِ من المَنازلِ؟ .. ومن أينَ بدأتْ قضايا الابتِزازِ؟ .. أليستْ الأجهزةُ الذَّكيَّةُ الآن في أيدي الجميعِ؟ .. ولا يتقيْ شرَّها إلا من راقبَ البَصيرَ السَّميعَ .. أليستْ القَنوَاتُ الفاضِحةُ تُثيرُ الشَهواتِ؟ .. ليلاً ونهارً على مَدارِ السَّاعاتِ .. أليسَ هُناك الكثيرُ ممن يُعينُ على الباطلِ وقليلٌ يُعينُ على الصَّالحاتِ .. حتى أصبحتْ الفِتَنُ لا يمنعُ منها بابٌ ولا جِدارُ ولا حِراساتٌ .. ثُمَّ نريدُ من الأبناءِ والبناتِ إيماناً كإيمانِ أبي بكرٍ .. وانتصاراً على الشَّيطانِ كفعلِ الفاروقُ .. وحياءً كحياءِ ذي النُّورينِ .. وشجاعةً كشجاعةِ عليِ بنِ أبي طالبٍ رضيَ اللهُ عنهم أجمعينَ.
أَلْقَاه فِي الْبَحْرِ مَكْتُوفاً وَقَالَ لَهُ *** إِيَّـاكَ إِيَّــاكَ أَنْ تَبْتَـــلَّ بِالْـمَاءِ
فيا أولياءَ أمورِ النِّساءِ .. الأمرُ بأيديكم .. يَسِّروا المُهورَ على الأزواجِ .. وخَفِّفوا الطَّلَباتِ في حَفلِ الزَّواجِ .. واطلبوا البَركةَ والسعادةَ والحياةَ الطَّيِّبةَ لبناتِكم .. فإذا اجتمعَ في عُرْسٍ .. نَفقَةٌ لا تَقطَعُ الأعناقَ .. وزوجٌ ذو دِينٍ وأخلاقٍ .. فأبشرْ بسعادةٍ وموَدةٍ ورحمةٍ لِجوهرتِك الغاليَةِ .. عندَ من يقَدِّرُها لتقديرِك له.. وعندَ من يرفقُ بها لرفقِك به .. وعندَ من يحترِمُها لاحترامِك له .. وعندَ من يُكرِمُها لإكرامِك له.
باركْ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ .. أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيمَ الجليلَ، لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ على فضلِه وإحسانِه، أعطى كلَّ شيءٍ خلقَه ثم هدى، أحمدُه وله الحمدُ في الآخرةِ والأولى، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، له الأسماءُ الحسنى، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه النَّبيَّ المصطفى، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِه الأئمةِ النُّجباءِ، وسلمَ تسليماً كثيراً .. أما بعد:
فيا أيُّها الشَّبابُ .. الدّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدّنْيَا المَرْأَةُ الصّالِحَةُ .. اسمعوا لوَصيَّةِ الشَّفيقِ عليكم .. فعَنْ عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونُحْنُ شَبَابٌ لاَ نَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ .. فقَالَ: (يَا مَعْشَرَ الشبَابِ عَليْكُمْ بِالْبَاءَةِ -أيْ الزَّواجِ-، فإنّهُ أغَضّ لِلْبَصَرِ وأحْصَنُ لِلْفَرْجِ، فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَعَلَيْهِ بِالصّوْمِ، فإِنّ الصّوْمَ لَهُ وِجَاءٌ –أيْ حاجزٌ عن الوقوعِ في الفاحشةِ-) .. وإيَّاكم وتأخيرَ الزَّواجِ بِحُجةِ غلاءِ المُهورِ .. بل ابحثوا عمَّن يشتري الرِّجالَ وليسَ يبيعُ النِّساءَ .. ومنْ يَصدقُ في نيَّةِ إعفافِ النَّفسِ أعانَه اللهُ تعالى كما جاءَ في الحديثِ: (ثَلاَثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللهِ عَوْنُهُمْ: المُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَالمُكَاتِبُ الَّذِي يُرِيدُ الأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ العَفَافَ).
ومن كانَ فقيراً .. فإن اللهَ تعالى وعدَه بالغِنى بعدَ النِّكاحِ كما في قولِه سُبحانَه: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) .. قالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّديقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَطِيعُوا اللَّهَ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ مِنَ النِّكَاحِ، يُنْجِزْ لَكُمْ مَا وَعَدَكُمْ مِنَ الْغِنَى.
تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُكَاثِرٌ بِكُمْ الأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .. وإيَّاكم ودربَ الفاحشةِ .. فإنه ساءَ سبيلاً .. فهو دربٌ مُظلِمٌ .. بِدايتُه سَخطُ الرَّحمنِ .. والصَّديقُ فيه الشَّيطانُ .. والأنيسُ فيه الضَّياعُ والأمراضُ في الأبدانِ .. ثُمَّ نهايتُه إلى تَنورٍ في أسفلِه لهيبُ النِّيرانِ.
فالصَّبرَ .. الصَّبرَ .. فضيقُ الصَّبرِ على الشَّهواتِ .. جزاءُه واسعُ الجنَّاتِ .. وخُشونةُ هذا الصَّبرِ المريرِ .. جزاءُه ناعمُ الحريرِ .. كما قالَ تعالى: (وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا).
اللهم حصِّنْ شبابَ المسلمينَ، اللهم حصِّنْ فتيَاتِ المسلمينَ، اللهم يَسِّر لهم الزواجَ وأعنهم على مؤنتِه، واحفظهم من كلِّ فتنةٍ، وثبتْهم على دينِك .. اللهم حَبّبْ إليهم الإيمانَ وزيِّنْه في قلوبِهم وكرِّه إليهم الكُفرَ والفُسوقَ والعِصيانَ واجعلهم من الرَّاشدينَ .. اللهم جَنبْهم الزِّنا واللِّواطَ والخمرَ والمُخدِّراتِ .. اللهم سلِّمهم من العِللِ والأوبِئةِ والآفاتِ .. اللهم سلِّمهم من شَرِّ الأشرارِ، آناءِ اللَّيلِ وأَطرافِ النَّهارِ في الإعلانِ والإسرارِ .. يا عَزيزُ يا غَفَّارُ.
المرفقات
المغالاة في المهور.docx
المغالاة في المهور.docx
المشاهدات 4252 | التعليقات 5
جزاكم الله الخير الكثير . هذا المشكل من أكبر العوائد الفاسدة وهو نتيجة للمفاهيم الفاسدة وقد أوضحت فبارك الله فيك .
دعوة صادقة وتوجيه مناسب في زمنه ووقته وأسلوبه وصياغته لك الشكر ولكل الإخوة المعلقين
بس مشكلة لو تخففت المهور راح تعددون !! هههههه
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل بسيط وتذكير للناس في هذه الأيام التي كثرت فيه الأعراس.
نفع الله بها وبكم.
نفع الله بها وبكم.
رشيد بن ابراهيم بوعافية
بارك الله فيك ، موعظةٌ جميلةٌ مؤثّرة ، نسأل الله أن يكتبَ اللهُ فيها الخير و التأثير .
تعديل التعليق