المعتقد النصيري في دماء المسلمين
الشيخ د إبراهيم بن محمد الحقيل
الحَمْدُ للهِ القَوِيِّ القَهَّارِ، العَزِيزِ الجَبَّارِ، يُمْلِي لِلظَّالِمِينَ، وَيَمُدُّ لِلطَّاغِينَ، فَإِذَا اسْتَوْجَبُوا العَذَابَ عَذَّبَهُمْ، فَلاَ أَحَدَ يُنَجِّيهِمْ؛ [وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ] {هود:102}، نَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمِهِ وَآلائِهِ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى عَطَائِهِ وَإِحْسَانِهِ، فَهُوَ رَبُّنَا وَمَعْبُودُنَا وَإِنْ جَحَدَهُ الجَاحِدُونَ، وَأَنْكَرَهُ المُلْحِدُونَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ؛ يَبْتَلِي عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ بِالضَّرَّاءِ؛ لِيَسْتَخْرِجَ مِنْهُمُ الحَمْدَ وَالثَّنَاءَ، وَالضَّرَاعَةَ وَالدُّعَاءَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أَعْلَى اللهُ تَعَالَى مَقَامَهُ، وَرَفَعَ ذِكْرَهُ، وَسَخَّرَ المُؤْمِنِينَ لِلذَّوْدِ عَنْ عِرْضِهِ، فَآمَنُوا بِهِ، [وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ] {الأعراف:157}، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِي نَفْسِي وَإِيَّاكُمْ بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى، وَلُزُومِ كِتَابِهِ، وَالثَّبَاتِ عَلَى دِينِهِ، وَالتَّمَسُّكِ بِشَرِيعَتِهِ؛ فَإِنَّ فِي الأَرْضِ ضَلالاً كَثِيرًا، وَفِي قُلُوبِ أَكْثَرِ الخَلْقِ كُفْرًا وَزَيْغًا، وَلاَ هِدَايَةَ إِلاَّ مِنَ اللهِ تَعَالَى، وَلاَ عِصْمَةَ مِنَ الكُفْرِ وَالنِّفَاقِ إِلاَّ بِه عَزَّ وَجَلَّ، وَلاَ ثَبَاتَ عَلَى الحَقِّ إِلاَّ بِتَثْبِيتِهِ سُبْحَانَهُ؛ [وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ] {الأنفال:24} ، [يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ] {إبراهيم:27}.
أَيُّهَا النَّاسُ: تَعُجُّ الأَرْضُ بِظُلْمٍ عَظِيمٍ، وَبَغْيٍ كَبِيرٍ، وَاعْتِدَاءٍ عَلَى اللهِ تَعَالَى فِي عَلْيَائِهِ، وَنَيْلٍ مِنْ رُسُلِهِ الكِرَامِ -عَلَيْهِمُ السَّلامُ- وَسُخْرِيَةٍ مِنْ دِينِهِ الهَادِي إِلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ.
زَمَنٌ نَعِيشُهُ الآنَ عَلَى الأَرْضِ كَانَتِ الغَلَبَةُ فِيهَا لِدُوَلِ الكُفْرِ وَالنِّفَاقِ وَالاسْتِكْبَارِ، تُؤَلِّهُ المَادَّةَ، وَتَجْحَدُ اللهَ سُبْحَانَهُ، وَتُؤْمِنُ بِالدُّنْيَا وَتُنْكِرُ الآخِرَةَ.
حَضَارَةٌ مُعَاصِرَةٌ فَلْسَفَتُهَا إِنْكَارُ الغَيْبِ، وَالإِيمَانُ بِالعَالَمِ المُشَاهَدِ، خَلَّفَتِ الظُّلْمَ وَالبَغْيَ فِي الأَرْضِ، لاَ تَتَحَرَّكُ إِلاَّ حَيْثُ تُوجَدُ المَادَّةُ، وَلا يُؤَثِّرُ فِي قُلُوبِ أَرْبَابِهَا دِمَاءٌ تُسْفَكُ، وَأَرْوَاحٌ تُزْهَقُ، وَأَوْصَالٌ تُقَطَّعُ، وَأُنَاسٌ تُعَذَّبُ.
حَضَارَةٌ يَرَى رُبَّانُهَا أَكْوَامَ الجُثَثِ، وَيَسْمَعُونَ صَرِيخَ الضَّحَايَا، وَيُشَاهِدُونَ آلامَ الأَطْفَالِ، فَلاَ يَتَحَرَّكُ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلاَّ وَفْقَ صَفَقَاتٍ سِيَاسِيَّةٍ أَوِ اقْتِصَادِيَّةٍ، هَؤُلاءِ هُمُ البَشَرُ فِي عَصْرِ إِنْسَانِيَّةِ المَاسُونِيَّةِ، وَالقِيَمِ اللِّيبْرَالِيَّةِ الغَرْبِيَّةِ، وَصَدَقَ اللهُ العَظِيمُ حِينَ وَصَفَ الإِنْسَانَ فِي القُرْآنِ وَهُوَ مُجَرَّدٌ مِنَ الإِيمَانِ؛ [ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً] {البقرة:74} [إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا] {الأحزاب:72} ، [ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ] {التِّين:5} ، [إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ] {العصر:2}.
حَضَارَةٌ شَكَّلَتْ مُنَظَّمَاتٍ دُوَلِيَّةً جَعَلَتْهَا تُمَثِّلُ مُؤَسَّسَةَ الأَمْنِ فِي العَالَمِ، فَأَسَّسَتْهَا عَلَى الظُّلْمِ وَالعُدْوَانِ، وَوَضَعَتْ فِيهَا نِظَامَ حَقِّ النَّقْضِ، وَخَصَّتْهُ بِالدُّوَلِ الكُبْرَى؛ لِتَكُونَ بَقِيَّةُ الدُّوَلِ بِشُعُوبِهَا وَقَضَايَاهَا وَآلامِهَا وَأَحْزَانِهَا مُجَرَّدَ سِلَعٍ يَتَسَاوَمُ الكِبَارُ عَلَيْهَا فِي طَاوِلاتِ مَجْلِسِ الأَمْنِ وَهَيْئَةِ الأُمَمِ المُتَّحِدَةِ؛ لاقْتِسَامِ غَنَائِمِهَا، وَتَحْقِيقِ رَفَاهِيَةِ الكِبَارِ فَقَطْ! وَكَانَ آخِرُ تَصْوِيتٍ فِي هَذِهِ المَجَالِسِ الظَّالِمَةِ قَبْلَ أَيَّامٍ تَبَارَى الكِبَارُ فِيهِ عَلَى دِمَاءِ أَهْلِ الشَّامِ المُبَارَكَةِ؛ لِيُعْطُوا النِّظَامَ النُّصَيْرِيَّ الحَاقِدَ الضَّوْءَ الأَخْضَرَ لِإِبَادَةِ المُسْلِمِينَ، وَمَا زَالَتِ المَذَابِحُ عَلَى أَشُدِّهَا مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ إِلَى سَاعَتِنَا هَذِهِ، فَرَّجَ اللهُ عَنِ المُسْلِمِينَ فِي الشَّامِ، وَكَشَفَ كَرْبَهُمْ، وَأَظْهَرَهُمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ، وَمَكَّنَ لَهُمْ فِي بِلادِهِمْ، وَأَسْقَطَ البَعْثَ وَعِصَابَتَهُ.
إِنَّ مَا يُنْقَلُ إِلَيْكُمْ مِنْ أَخْبَارِ المَذَابِحِ اليَوْمِيَّةِ، وَالعَذَابِ الأَلِيمِ الَّذِي أَصَابَ أَهْلَ الشَّامِ لَيْسَ إِلاَّ جُزْءًا صَغِيرًا مِنَ الصُّورَةِ الحَقِيقِيَّةِ، وَمَا خَفِيَ فَهُوَ أَعْظَمُ وَأَشَدُّ وَأَنْكَى، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ تَصْوِيرَهُ، أَوْ صَوَّرَهُ فَقُتِلَ المُصَوِّرُ وَمُحِيَتِ الصُّورَةُ، وَمَتَى تَفْلِتُ صُورَةٌ هُنَا وَهُنَاكَ فَيَرَاهَا النَّاسُ؟!
وَمَا فِي أَقْبِيَةِ السُّجُونِ مِنَ العَذَابِ لَعَشَرَاتِ الآلافِ لاَ يَعْلَمُهُ إِلاَّ اللهُ تَعَالَى؛ عَذَابٌ وَأَيُّ عَذَابٍ، وَمَذَابِحُ بِالجُمْلَةِ لِأُنَاسٍ عُزَّلٍ فِي حَضَارَةِ الحُرِّيَّةِ وَحُقُوقِ الإِنْسَانِ، وَالشِّعَارَاتِ الكَاذِبَةِ الخَادِعَةِ الَّتِي لاَ يُصَدِّقُهَا إِلاَّ الأَغْرَارُ!
هَلْ تَتَعَجَّبُونَ مِنْ شِدَّةِ قَسْوَةِ النِّظَامِ النُّصَيْرِيِّ عَلَى النَّاسِ؟! وَهَلْ تَسْتَغْرِبُونَ مَا يُنْقَلُ لَكُمْ مِنْ مَجَازِرَ وَتَعْذِيبٍ وَتَقْطِيعٍ لِلْأَطْرَافِ وَالحَنَاجِرِ، وَذَبْحٍ لِلْأَطْفَالِ؟! لَرُبَّمَا يَعْجِزُ عَنْ فِعْلِ مِثْلِهِ اليَهُودُ والنَّصَارَى؟! هَلْ سَمِعْتُمْ وَقَرَأْتُمْ وَصْفَ النَّاجِينَ مِنَ المَذَابِحِ، مَاذَا قَالُوا؟ وَمَاذَا أَخْبَرُوا؟ حُكُومَةٌ تَدُكُّ شَعْبَهَا الأَعْزَلَ بِالصَّوَارِيخِ وَالدَّبَّابَاتِ وَالمِدْفَعِيَّةِ الثَّقِيلَةِ، فَتَهْدِمُ البُيُوتَ عَلَى سَاكِنِيهَا، وَتَسْحَلُ النَّاسَ فِي الشَّوَارِعِ، وَتَذْبَحُ الجَرْحَى فِي المُسْتَشْفَيَاتِ، هَلْ هَذَا عَجَبٌ؟! وَمَا دَافِعُهُ؟!
إِنَّهَا العَقَائِدُ البَاطِنِيَّةُ، وَالأَحْقَادُ الدَّفِينَةُ، وَالتَّقَرُّبُ إِلَى أَئِمَّتِهِمُ الَّذِينَ يَعْبُدُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ تَعَالَى بِعَذَابِ الأَبْرِيَاءِ، وَصِيَاحِ النِّسَاءِ، وَصُرَاخِ الأَطْفَالِ، إِنَّهَا مَذَابِحُ تُقَدَّمُ قَرَابِينَ لِزُعَمَاءِ مَذْهَبِهِمُ البَاطِنِيِّ الخَبِيثِ.
إِنَّ الطَّوَائِفَ البَاطِنِيَّةَ -وَمِنْهَا النُّصَيْرِيَّةُ- مَنْبُوذَةٌ فِي أَوْسَاطِ المُسْلِمِينَ؛ لِمَا تَعْتَنِقُهُ مِنْ عَقَائِدَ فَاسِدَةٍ تُخْفِيهَا وَلاَ تُظْهِرُهَا، وَبَعْضُ هَذِهِ المُعْتَقَدَاتِ يَأْبَاهَا الأَسْوِيَاءُ مِنَ البَشَرِ وَلَوْ لَمْ يَكُونُوا مُسْلِمِينَ، كَإِبَاحَتِهِمْ نِكَاحَ المَحَارِمِ، وَتَطْبِيقِهِ فِي أَوْسَاطِهِمْ، وَجَعْلِهِ دِينًا يُفَارِقُونَ بِهِ بَقِيَّةَ البَشَرِ الَّذِينَ تَأْنَفُ فِطَرُهُمْ مِنْ هَذَا الفِعْلِ الحَقِيرِ، مَعَ تَعَاطِيهِمْ لِلسِّحْرِ وَالشَّعْوَذَاتِ، وَتِلاوَتِهِمْ لِكُتُبٍ مَحْشُوَّةٍ بِالطَّلاسِمِ وَالرُّمُوزِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الشُّذُوذِ، وَلَمْ يُخْفِ البَاطِنِيُّونَ شَعَائِرَهُمْ وَمُعْتَقَدَاتِهِمْ عَنِ النَّاسِ إِلاَّ لِشُذُوذِهَا وَغَرَابَتِهَا حَتَّى فِي أَوْسَاطِ غَيْرِ المُسْلِمِينَ، وَهَذِهِ العُزْلَةُ بِسَبَبِ مُعْتَقَدِهِمْ خَلَّفَتْ فِي قُلُوبِهِمْ كُرْهًا لِغَيْرِهِمْ، وَحِقْدًا عَلَيْهِمْ، وَسَعْيًا دَؤُوبًا لِلْإِضْرَارِ بِهِمْ، كَمَا أَنَّهَا أَوْجَدَتْ فِي نُفُوسِهِمْ كِبْرًا وَعُلُوًّا بِأَنَّهُمْ طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ مُخْتَارَةٌ لِهَذَا الدِّينِ؛ وَلِذَا لاَ يَقْبَلُونَ غَيْرَهُمْ فِي مَذْهَبِهِمْ، وَهُمْ كَاليَهُودِ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ شَعْبُ اللهِ المُخْتَارُ، وَلاَ عَجَبَ فَالمَذَاهِبُ البَاطِنِيَّةُ مِنْ صُنْعِ اليَهُودِ، وَقَدْ سَلَّطَ الضَّوْءَ عَلَى قَضِيَّةِ عُزْلَتِهِمْ وَآثَارِهَا عَلَيْهِمْ عَدَدٌ مِنَ المُسْتَشْرِقِينَ وَعُلَمَاءِ الاجْتِمَاعِ الغَرْبِيِّينَ.
بَيْدَ أَنَّ حِقْدَهُمْ عَلَى المُسْلِمِينَ أَشَدُّ مِنْ حِقْدِهِمْ عَلَى غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَقَلِّيَّةٌ فِي وَسَطِهِمْ، كَسَائِرِ الفِرَقِ البَاطِنِيَّةِ الأُخْرَى؛ وَلِذَا فَهُمْ يُغَذُّونَ أَبْنَاءَ طَائِفَتِهِمْ عَلَى كَرَاهِيَةِ المُسْلِمِ، وَيَسْتَبِيحُونَ فِيهِ كُلَّ شَيْءٍ إِذَا قَدِرُوا، فَكَانَ المُزَارِعُونَ مِنْهُمْ يَخْتَلِسُونَ أَصْحَابَ المَزَارِعَ، وَكَانَ العُمَّالُ فِي المَصَانِعِ وَالمَتَاجِرِ يَسْرِقُونَ أَرْبَابِ عَمَلِهِمْ!
وَالفِرَقُ البَاطِنِيَّةُ عَامَّةً وَمِنْهَا النُّصَيْرِيَّةُ تَعْمَدُ فِي سَبِيلِ تَغْذِيَةِ قُلُوبِ أَتْبَاعِهَا بِالحِقْدِ عَلَى المُسْلِمِينَ، إِلَى جَعْلِ شَتْمِ رُمُوزِ المُسْلِمِينَ وَعُظَمَائِهِمْ مِنْ شَعَائِرِ دِينِهِمْ، وَمِنْ أَدْعِيَةِ صَلَوَاتِهِمْ، وَتِلاوَاتِ أَذْكَارِهِمْ، وَلاَ تَكَادُ تُوجَدُ فِرْقَةٌ بَاطِنِيَّةٌ إِلاَّ وَفِي صَلاتِهَا وَذِكْرِهَا وَدُعَائِهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِيَتَرَبَّى الأَتْبَاعُ عَلَيْهِ، وَيُرَدِّدُوهُ فَلا يَنْسَوْنَهُ، وَشَعَائِرُ الرَّافِضَةِ فِي اللَّطْمِ وَالتَّغْبِيرِ وَتِلاوَةِ المَرَاثِي وَالبُكَاءِ مِنْ هَذَا القَبِيلِ.
وَفِي الدِّينِ النُّصَيْرِيِّ حَيْثُ لاَ مَعَابِدَ عِنْدَهُمْ بِسَبَبِ سِرِّيَّةِ المَذْهَبِ؛ فَإِنَّهُمْ يَجْتَمِعُونَ عَلَى صَلَواتِهِمْ وَأَعْيَادِهِمْ فِي بُيُوتِ بَعْضِهِمْ لِأَدَاءِ شَعَائِرِهِمْ، وَفِي صَلَوَاتِهِمْ يَسْأَلُونَ رَبَّهُمْ إِبَادَةَ حُكَّامِ المُسْلِمِينَ، وَقُرْآنُهُمْ يُسَمَّى البَاكُورَةَ السُّلَيْمَانِيَّةَ، وَكَانُوا أَيَّامَ الدَّوْلَةِ العُثْمَانِيَّةِ يَخْتِمُ شَيْخُهُمْ صَلَوَاتِ عِيدِهِمْ قَائِلاً: الفَاتِحَةُ يَا إِخْوَان فِي إِبَادَةِ الدَّوْلَةِ العُثْمَانِيَّةِ وَاسْتِظْهَارِ الطَّائِفَةِ الخُصَيْبِيَّةِ النُّصَيْرِيَّةِ!
وَفِي بَاكُورَتِهِمْ سُورَةٌ تُسَمَّى: سُورَةَ التَّبَرِّي وَالشَّتَائِمِ، يَلْعَنُونَ فِيهَا جُمْلَةً مِنَ الصَّحَابَةِ أَكْثَرُهُمْ مِنَ العَشَرَةِ المَشْهُودِ لَهُمْ بِالجَنَّةِ، وَمِنْهُمُ الخُلَفَاءُ الثَّلاثَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- وَيَسْأَلُونَ فِيهَا عَلِيًّا أَنْ يُنَزِّلَ سَخَطَهُ وَلَعْنَتَهُ عَلَى المَذَاهِبِ الفِقْهِيَّةِ؛ الحَنَفِيَّةِ وَالمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالحَنْبَلِيَّةِ، وَيَلْعَنُونَ كُلَّ مَنْ يَعْتَقِدُ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- غَيْرَ الرُّبُوبِيَّةِ، وَيَرَوْنَ أَنَّ الخَارِجِينَ عَلَى دِينِهِمْ مَلاحِدَةٌ، وَلاَ يَقْبَلُونَ دُخُولَ أَحَدٍ فِيهِ!
وَهَذَا التَّكْثِيفُ فِي اللَّعْنِ وَالْبَرَاءَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمِنْ أَتْبَاعِ الْمَذَاهِبِ الْفِقْهِيَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ؛ يَغْرِسُ فِي قُلُوبِ أَتْبَاعِهِمُ الْحِقْدَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَهِيَ شَعَائِرُ دَائِمَةٌ يَتَعَبَّدُونَ بِهَا، وَيَتَرَبَّى عَلَيْهَا صِغَارُهُمْ، وَيَسْمَعُونَهَا حَالَ عِبَادَتِهِمْ وَخُشُوعِهِمْ، فَلَا تَزُولُ مِنْ قُلُوبِهِمْ، وَيَجِدُونَ فِي أَنْفُسِهِمُ الدَّوَافِعَ النَّفْسِيَّةَ لِذَبْحِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْغَدْرِ بِهِمْ، وَالْانْتِقَامِ مِنْهُمْ، وَالتَّعَبُّدِ بِتَعْذِيبِهِمْ، وَهُوَ مَا تَرَوْنَهُ الْآنَ فِي بِلَادِ الشَّامِ الْمُبَارَكَةِ، وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ الْمُعْتَقَدَ لَا يَعْمَلُ عَمَلَهُ فِي قُلُوبِ أَصْحَابِهِ فَهُوَ أَجْهَلُ مِنْ حِمَارِ أَهْلِهِ، وَمَا أُتِيَ الْمُسْلِمُونَ إِلاَّ مِنْ دُعَاةِ التَّقْرِيبِ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ وَالدِّيَانَاتِ، الَّذِينَ يَسْتَمِيتُونَ فِي إِذَابَةِ عَقِيدَةِ الوَلاءِ وَالبَرَاءِ، وَادِّعَاءِ التَّعَايُشِ السِّلْمِيِّ؛ لِيُصْبِحَ المُسْلِمُونَ لُقْمَةً سَائِغَةً لِأَعْدَائِهِمْ كَمَا هُوَ حَالُ أَهْلِ الشَّامِ الآنَ.
نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَرْفَعَ البَلاءَ عَنْهُمْ، وَأَنْ يَكْشِفَ ضُرَّهُمْ، وَيُمَكِّنَهُمْ مِنْ عَدُوِّهِمْ؛ [وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ] {آل عمران:126}، وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ.
أَمَّا بَعْدُ، فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ؛ وَكُونُوا لِإِخْوَانِكُمُ المُسْتَضْعَفِينَ كَمَا يُحِبُّ اللهُ تَعَالَى أَنْ تَكُونُوا لَهُمْ؛ إِيمَانًا بِالأُخُوَّةِ، وَسَعْيًا لِلنُّصْرَةِ وَالنَّجْدَةِ؛ [إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ] {الحجرات:10}.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: فِي الشَّامِ الْمُبَارَكِ بُيُوتٌ كَرِيمَةٌ تُهَانُ، وَأَعْرَاضُ عَفِيفَاتٍ تُدَنَّسُ، وَأَطْفَالٌ تُرَوَّعُ وَتُقَتَّلُ، عَلَى أَيْدِي أَحَطِّ الْبَشَرِ أَخْلَاقًا، وَأَفْسَدِهِمْ مُعْتَقَدًا، وَأَكْثَرِهِمْ حِقْدًا، أَنْبَأَنَا التَّارِيخُ بِأَحْقَادِهِمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي مَذَابِحَ كَثِيرَةٍ، رَغْمَ إِحْسَانِ الْمُسْلِمِينَ إِلَيْهِمْ، وَلَقَدْ حَاوَلَتْ دَوْلَةُ بَنِي أَيُّوبَ والْمَمَالِيكُ مِنْ بَعْدِهِمْ، ثُمَّ الْعُثْمَانِيُّونَ كَسْرَ عُزْلَتِهِمْ، وَدَمْجَهُمْ فِي الْمُسْلِمِينَ، وَلَكِنَّهُمْ يَتَحَصَّنُونَ بِالتَّقِيَّةِ، وَيَسْتَكِينُونَ فِي حَالِ الضَّعْفِ، وَمَرَاجِلُ قُلُوبِهِمْ تَغْلِي بِالْحِقْدِ، وَكَانُوا عَوْنًا لِلصَّلِيبِيِّينَ وَلِلتَّتَارِ وَلِلْمُسْتَعْمِرِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.
ذَكَرَهُمُ ابْنُ بَطُّوطَةَ فِي رِحْلَتِهِ الْمَشْهُورَةِ فَقَالَ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ هَذِهِ السَّوَاحِلِ هُمُ الطَّائِفَةُ النُّصَيْرِيَّةُ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ إَلَهٌ! وَهُمْ لَا يُصَلُّونَ وَلَا يَتَطَهَّرُونَ وَلَا يَصُومُونَ! وَكَانَ الْمَلِكُ الظَّاهِرُ أَلْزَمَهُمْ بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ بِقُرَاهُمْ، فَبَنَوْا بِكُلِّ قَرْيَةٍ مَسْجِدًا بَعِيدًا عَنِ الْعِمَارَةِ، وَلَا يَدْخُلُونَهُ وَلَا يَعْمُرُونَهُ، وَرُبَّمَا أَوَتْ إِلَيْهِ مَوَاشِيهِمْ وَدَوَابُّهُمْ، وَرُبَّمَا وَصَلَ الْغَرِيبُ إِلَيْهِمْ، فَيَنْزِلُ بِالْمَسْجِدِ وَيُؤَذِّنُ إِلَى الصَّلاةِ، فَيَقُولُونَ: لَا تَنْهَقْ، عَلَفُكَ يَأْتِيكَ. ا.هـ.
وَبَنَى لَهُمُ السُّلْطَانُ عَبْدُ الحَمِيدِ العُثْمَانِيُّ المَسَاجِدَ وَالمَدَارِسَ، فَأَحْرَقُوا المَسَاجِدَ، وَسَكَنُوا المَدَارِسَ، وَمَا بَقِيَ مِنْ بِنَاءِ المَسَاجِدِ جَعَلُوهُ زَرَائِبَ لِأَغْنَامِهِمْ وَأَبْقَارِهِمْ وَدَوَاجِنِهِمْ!
وَمَذَابِحُهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ فِي القَدِيمِ وَالحَدِيثِ يَطُولُ بِذِكْرِهَا المَقَامُ، وَأَمَّا وَاقِعُهُمُ المُعَاصِرُ فَإِنَّهُمْ مُنْذُ حَكَمُوا الشَّامَ وَهُمْ يَفْتَعِلُونَ المَذَابِحَ لِلْمُسْلِمِينَ تِلْوَ المَذَابِحِ، مِنْ مَذْبَحَةِ حَمَاةَ إِلَى تَدْمُرَ، إِلَى مَذَابِحِ الفِلَسْطِينِيِّينَ فِي المُخَيَّمَاتِ، وَمَذَابِحِهِمْ مَعَ حِزْبِ الشَّيْطَانِ لِأَهْلِ السُّنَّةِ فِي لُبْنَانَ، وَهُمُ الآنَ يُحَاوِلُونَ إِبَادَةَ أَهْلِ حِمْص، فَيَدُكُّونَهَا دَكًّا عَنِيفًا بِكُلِّ أَسْلِحَتِهِمُ الثَّقِيلَةِ، كَمَا فَعَلَ القَذَّافِيُّ مَعَ أَهْلِ مصْرَاتَهْ، وَيَذْبَحُونَ أَهْلَ السُّنَّةِ فِي كَافَّةِ أَرْجَاءِ الشَّامِ، وَلاَ أَحَدَ مِنَ البَشَرِ يُحَرِّكُ سَاكِنًا، وَلاَ يَتَحَرَّكُ أَحَدٌ مِنْهُمْ لِإِيقَافِ نَزْفَ الدَّمِ إِلاَّ عَبْرَ المُنَظَّمَاتِ الدَّوْلِيَّةِ الطَّاغُوتِيَّةِ الَّتِي كَرَّسَتِ الظُّلْمَ عَلَى المُسْتَضْعَفِينَ، وَخَصَّتْ بِهِ المُسْلِمِينَ! وَفِي المُسْلِمِينَ مِنَ العَجْزِ عَنْ نُصْرَةِ إِخْوَانِهِم مَا فِيهِمْ؛ فَهُمْ مَثْقَلُونَ بِالذُنُوبِ وَالأَوزَارِ التِي مَلَأَتْ قُلُوبَهُم بِالوَهْنِ، وَمُتَعَلِّقُونَ بِالدُّنْيَا تَعَلُّقَ الصَبِيِّ بِثَدْيِّ أُمِّهِ، وَمُكَبَّلُونَ بِاتِفَاقِيَاتِ المُنَظَمَاتِ الطَاغُوتِيَةِ.
وَلَكِنَّ الْأَمَلَ فِي اللهِ تَعَالَى كَبِيرٌ؛ فَهُو نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ، فَإِنْ كَانَ الْعَالَمُ تَخَلَّى عَنْ أَهْلِ الشَّامِ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى نَاصِرُهُمْ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ، وَسَيُمَكِّنُهُمْ مِنْ نُصَيْرِيِّهِمْ كَمَا مَكَّنَ أَهْلَ لِيبْيَا مِنْ عُبَيْدِيِّهِمْ.
فَلُوْذُوا بِاللهِ الْعَظِيمِ، اسْتِغَاثَةً لِإِخْوَانِكُمْ، وَدُعَاءً لَهُمْ، وَتَحَرَّوْا أَوْقَاتَ الْإِجَابَةِ، وَأَلِحُّوا عَلَى الْقَوِيِّ الْعَزِيزِ؛ فَإِنَّ الدُّعَاءَ أَعْظَمُ نُصْرَةٍ تُقَدِّمُونَهَا لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا حَوْلَ لِلْبَشَرِ وَلَا قُوَّةَ لَهُمْ إِلاَّ بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ.
اللَّهُمَّ يَا رَافِعَ السَّمَوَاتِ، وَيَا مُجِيبَ الدَّعَوَاتِ، وَيَا كَاشِفَ الكُرُبَاتِ، أَنْجِ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ فِي بِلادِ الشَّامِ، اللَّهُمَّ اكْشِفْ كَرْبَهُمْ، وَقَوِّ عَزْمَهُمْ، وَثَبِّتْ أَقْدَامَهُمْ، وَارْبِطْ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَانْصُرْهُمْ عَلَى النُّصَيْرِيِّينَ وَالبَعْثِيِّينَ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَغِيثُ بِكَ لَهُمْ، وَنَسْتَنْصِرُ بِكَ فَانْصُرْهُمْ، وَنَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ أَنْ تَنْجِدَهُمْ، وَأَنْ تَقْهَرَ عَدُوَّهُمْ، اللَّهُمَّ أَمِدَّهُمْ بِجُنْدِكَ، وَأَنْزِلْ عَلَيْهِمْ سَحَائِبَ نَصْرِكَ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.
اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ قَتْلاهُمْ فِي الشُّهَدَاءِ، وَاشْفِ جَرْحَاهُمْ، وَفُكَّ حِصَارَهُمْ، وَكُنْ لِلْأرَامِلِ وَاليَتَامَى، وَالفُقَرَاءِ وَالضُّعَفَاءِ.
اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِالنُّصَيْرِيِّ البَاطِنِيِّ وَأَعْوَانِهِ، اللَّهُمَّ امْنَحْ إِخْوَانَنَا أَكْتَافَهُمْ، وَمَكِّنْهُمْ مِنْ رِقَابِهِمْ، وَاشْفِ صُدُورَ المُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ.
اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ قَدْ آذَوْنَا فِي إِخْوَانِنَا، وَأَدْمَوْا قُلُوبَنَا بِهَتْكِ أَعْرَاضِ حَرَائِرِنَا، وَاسْتَبَاحُوا حُرُمَاتِكَ، وَتَجَرَّؤُوا عَلَى رُبُوبِيَّتِكَ، وَأَلَّهُوا زَعِيمَهُمْ مِنْ دُونِكَ، فَأَرِنَا فِيهِمْ بَطْشَكَ وَانْتِقَامَكَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهُمْ لِمَنْ خَلْفَهُمْ آيَةً، يَا حِيُّ يَا قَيُّومُ يَا ذَا الجَلالِ وَالإِكْرَامِ.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ.
المرفقات
125.doc
المعتقد النصيري في دماء المسلمين.doc
المعتقد النصيري في دماء المسلمين.doc
المعتقد_النصيري_في_دماء_المسلمين.doc
المعتقد_النصيري_في_دماء_المسلمين.doc
المشاهدات 4341 | التعليقات 4
أيها الخطباء الكرام
سلام عليكم
وقع خطأ في الخطبة بسبب الرجوع لمصدر أخطأ في نقل المعلومة وعندما أردت توثيق الخطبة على عادتي تبين لي من مصادر عدة وجه الخطأ فأرجوا التعديل وسامحوني على الإزعاج
الخطأ أني ذكرت في الخطبة أن لهم قرآنا يسمى الباكورة السليمانية، والصواب أنه مختلف في اسمه والباكورة فضح لمذهبهم على يد واحد منهم تنصر.. فتعدل الجملة إلى: ولهم قرآن غير قرآن المسلمين دون ذكر اسمه
بارك الله تعالى فيكم وأعتذر لكم
شبيب القحطاني
عضو نشط
بارك الله فيك
خطبة عظيمة محركة للقلوب ليتها تصل إلى حكام العرب لعل وعسى
شكر الله تعالى لكما أيها الأخوان الكريمان إحسان وشبيب على مروركما وتعليقكما، والشكر موصول للشيخ مازن على نشر التصحيح
وأسأل اللله تعالى أن ينفع بالجميع وأن يستعملنا في مرضاته
إحسان المعتاز
أسأل الله أن يثيبك ويعلي قدرك
تعديل التعليق