المعايشة الإيمانية لاسم الله تعالى الفتــــاح.. الشيخ السيد طه

Sheikh Sayed2019
1444/06/02 - 2022/12/26 16:15PM

المعايشة الإيمانية لاسم الله تعالى الفتــــاح

إعداد :

الشيخ / السيد طه أحمد

الحمد لله الفتَّاح العليم، يمن على من يشاء من عباده بالفتح المبين،فيوفقهم ويهديهم، ويفتح لهم المغاليق ،فلا يستطيع أحد أن يمنع فتحه لعباده ، فقال تعالي } مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2){ فاطر .

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. .. له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو علي كل شيئ قدير ...لا شيء مثله،ولاشيء يعجزه، ولا إله غيره قديم بلا ابتداء، دائم بلا انتهاء،لا يفنى ولا يبيد ،ولا يكون إلا ما يريد ،لا تبلغه الأوهام، ولا تدركه الأفهام، ولا يشبه الأنام ،حي لا يموت، قيوم لا ينام، له الأسماء الحسني والصفات العليا منزه عن كل نقص،هوالقائل سبحانه وتعالي } وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ (180){ الأعراف.

وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم .علمنا أن نعيش بأسماء الله الحسني، لأن بعلمها يستوجب المسلم الجنة ،فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي (ﷺ) قال: « إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ » رواه البخاري ومسلم.

فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً إلي يوم الدين ....

أما بعــــد .. فيا أيها المؤمنون .

إن العلمَ بالله أحَدُ أركانِ الإيمان، بل هو أصلُها وما بعدَها تبَعٌ لها، ومعرِفَةُ أسماء الله وصفاتِه أفضلُ وأوجَب ما اكتسبَته القلوب وحصَّلته النفوسُ وأدركته العقول.

قال ابن القيّم رحمه الله:أطيَبُ ما في الدنيا معرفتُه سبحانه ومحبَّته.

والقرآنُ كلّه يدعو الناسَ إلى النظر في صفات الله وأفعالِه وأسمائه، بل ودعاء الله بها من أفضل ما يقوم به العبد ؛ قال تعالي }وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا (180){[الأعراف].

والله يحبُّ من يحبُّ ذكرَ صفاته، وقد بشَّر النبي (ﷺ) الذي كان يقرَأ سورةَ الإخلاص يختم بها في قراءته في الصلوات بأنَّ الله يحبّه لـمّا قال: إني لأحِبّها لأنها صِفةُ الرحمن. رواه البخاري.

عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي (ﷺ) قال: « إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ » رواه البخاري ومسلم

قال أهل العلم: أحصاها يعني: علمها وآمن به وعمل بمدلولها.

وأسماء الله سبحانَه أحسَنُ الأسماء، وصفاته أكمَلُ الصفاتِ، }لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ(11){[الشورى].

وحقيقٌ بكلِّ مسلمٍ معرفتُها وفهم معانيها، والعمل وفقها، والدعاء بها.

إن معرفة أسماء الله جل جلاله الواردة في الكتاب والسنة ،وما تتضمنه من معاني جليلة ،وأسرار بديعة ،لهي من أعظم الأسباب التي تعين على زيادة إيمان العبد ، وتقوية يقينه بالله تبارك وتعالى قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :ـ "ولما كانت حاجة النفوس إلى معرفة ربها أعظم الحاجات، كانت طرق معرفتهم له أعظم من طرق معرفة ما سواه، وكان ذكرهم لأسمائه أعظم من ذكرهم لأسماء ما سواه".

فمن أسماء الله الحسني اسم الله الفتاح، فإن تعرفتَ على اسم الله الفتاح ستحبه وتعيش معه ،وتدعو به فيحقق لكَ الفتاح مطلبك ، لذلك كان موضوعنا (المعايشة الإيمانية لاسم الله الفتاح) وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية ....

1ـ الفتاح في القرآن الكريم.

2ـ من معاني الفتاح.

3ـ صور من الفتح الرباني لعباده المؤمنين.

4ـ أنواع الفتح.

5ـ الآثار الإيمانية لاسم الله الفتاح.

6ـ الأسباب التي تستجلب الفتح.

7ـ الخاتمة .

=========

العنصر الأول : الفتاح في القرآن الكريم :ـ

لقد ورد اسم الله الفتاح مرة واحدة في قوله تعالى {قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26)} [سبأ] ..

وورد مرة واحدة بصيغة الجمع، في قول الله عزَّ وجلَّ {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ(89)}

 [الأعراف]

العنصر الثاني: من معاني الفتاح :ـ

الفتاح من الفتح نقيض الإغلاق ، والفتح النصر ، واستفتحت: استَنْصَرت ،والفتح الحكم والقضاء بين الناس .

إذاً كلمة فتح معناه هناك شيء مغلق، وفاتح اسم فاعل، فتاح صيغة مبالغة لاسم الفاعل، صيغة مبالغة لِلْكَم والعدد، للكم والنوع، معناه أن هناك أمر مستعصي فتحه ، فهنا ننادي يا فتاح

ومنه قوله تعالى:}فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11){(القمر)

ويقول الله عز وجل يقول:}إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ (40){[الأعراف] .

وماذا يعني أن تُفتح أبواب السماء ؟

إذا فُتحت لك أبواب السماء ألقى الله في قلبك نوراً ، يريك الحق حقاً ،والباطل باطلاً ،أكبرعطاء إلهي أن ينور قلبك ، أن تأتي رؤيتك صحيحة ، أن يأتي كلامك سديداً ، أن تأتي قيمك مما يرضي الله عز وجل ، إذا فتح لك أبواب السماء فتح لك باب التوفيق ، إذا فتح لك أبواب السماء فتح لك باب الحفظ ، إذا فتح لك أبواب السماء فتح لك باب الحكمة .قال تعالي }وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً (269){ [البقرة] .

إذا فتح لك باب السماء فتح لك باب الرضا ، إذا فتح لك أبواب السماء فتح لك باب النصر، شيء كبير جداً أن تفتح لك أبواب السماء ، فالذي يكذب بآيات الله الدالة على عظمته " وَاسْتَكْبَــرُوا عَنْهَـا لَا تُفَتَّــحُ لَهُـمْ أَبْـــوَابُ السَّمَـــاءِ " .

ـ الفتـــاح:  هو الحاكم الذي يحكم بين العباد فيما هم فيه يختلفون ..

كما في قوله تعالى {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ(89)} [الأعراف]    

الفتاح :هو الذي يفصل بين الناس.. قال تعالي }إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17){( الحج )

فالحياة مفعمة بالصراعات، فكل جهة تدعي أنها على حق، وأنها المُصيبة، وأنها تعمل وفق المنطق، ووفق المصلحة، هذا ادعاء، لكن من يفصل ؟

الفتـــاح: صفة جمــالٍ وجــلال .. لأنه سبحانه وتعالى يفتح خزائن جوده وكرمه لعباده المؤمنين ورزقه للطائعين، كما إنه قد يفتح أبواب البلاء والهلاك على الكافرين، ويفتح قلوب المؤمنين، وعيون بصائرهم ليبصروا الحق .. قال تعالي{ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }فاطر..

الفتاح : هو الذي بإرادته وقدرته يفتح كل مغلق، فيكشف الكرب ويزيل الغمة ويرفع البلاء ويكشف العسر ، سبحانه وحده لا شريك له.

العنصر الثالث : صور من الفتح الرباني لعباده المؤمنين:ـ

أولا : فتح التوفيق والإلهام:ـ

الفتاح هو الذي يفتح على النفوس باب توفيقه، لو تأملنا كتاب الله تعالي لوجدنا آية واحدة في القرآن الكريم  وهي قوله تعالى:}وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88){( هود)

ويكون من الفتح أيضاً الإلهام الذي يلهمه الله تعالى من يشاء من عباده، فيكون ملهماً موفقاً مصيباً

للحق لا يختار بين أمرين، إلا اختار الأصوب، قال (ﷺ): (لقد كان فيمن كان

قبلكم رجال محدثون يعني ملهمون يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء، فإن يكن في أمتي منهم أحد فإنه عمر بن الخطاب) رواه البخاري ومسلم

فيجري الصواب على لسانه، كما قال (ﷺ) في حديث آخر: ( إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه) ،ولذلك كثرت موافقاته لكتاب الله تعالي منها....

1ـ كان يتمنى أن تنزل الصلاة عند مقام إبراهيم فنزلت، قال: يا رسول الله: لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت: { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى (125)}البقرة.

2ـ قال عمر رضي الله عنه قلت: يا رسول الله: لو أمرت نسائك أن يحتجبن فإنه يكلمهن البر والفاجر، فنزلت آية الحجاب

3 ـ اجتمع نساء النبي (ﷺ) في الغيرة عليه، ففال عمر رضي الله عنه لهن: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن، فنزلت هذه الآية على لفظ عمر.

4 ـ وافق ربه في شأن أسارى بدر.

5ـ جاءت موافقته في منع الصلاة على المنافقين.

6ـ موقفه رضي الله عنه في تحريم الخمر.

قال ابن حجر رحمه الله: وقفنا منها على خمسة عشر موضعاً.

وكان لعمر رضي الله عنه بصيرة نافذة، وفراسة ثاقبة، قال مرة لرجل: ما اسمك؟ قال: جمرة.

قال: ابن من؟

قال: ابن شهاب، قال: مِن مَن؟

قال: من الحرقة، هذا البطن الذي هو منه من القبائل.

قال: أين مسكنك؟ قال: بحرّة النار.

قال: بأيها حرة النار واسعة  قال: ذات لظى.

قال عمر: أدرك أهلك فقد احترقوا، فذهب الرجل فكان كما قال عمر رضي الله عنه" رواه مالك في الموطأ.

هذه أنوار يقسمها الله كيف يشاء { وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} سورة النور : 40.

وهذا الفتح يسميه بعض العلماء فتح الكشف ، يكشف الله عن بصيرة المؤمن ، فيلقي الله تعالي في قلبه نورا ومعرفة ، فيري الحق حقاً والباطل باطلاً ، كما حدث مع نبي الله إبراهيم عليه السلام قال الله تعالى:}وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75){ (الأنعام)

ثانيا : فتح يدهش العقول :ـ  

إن الله حين يفتح علي عباده يفتح عليهم فتحاَ غير عادي يدهش العقول ويحيرالألباب ويأتي علي غير المتوقع  كما قال تعالي }وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ (5){ الضحي .

والأمثلة علي ذلك كثيرة  منها ...

1ـ سيدنا يوسف

الفتاح يأتي بالفتح من حيث لا ندري، وقد نظنه إغلاقاً وهو قمة الفتح، سيدنا يوسف عليه السلام سُجن تسع سنوات وسِجْنه هذا قمة الفتح؛ لأنه لو لم يسجن لما كان تعرف على ساقي الملك،

الملك الذي شاهد الرؤيا، ولو كان خرج من السجن مبكراً قبل رؤية الملك للرؤية هل كان سيكون عزيز مصر؟

لا بل لكان شخصاً عادياً في المجتمع ،وما كان عزيز مصر،فكان سجنه ثم خروجه فتحا عليه وعلى أهله وعلى أهل مصر وما حولها بخطته في مواجهة المجاعة .  

2ـ الفتح بماء زمزم : ـ

السيدة هاجر كانت تسعى بين الصفا والمروة ، وأقصى فتح تتمناه من الله أن يشرب إسماعيل، ولكن يأتي الفتح بصورة فاقت التوقع إنه  ليس فتحا عادياً بل ممتد إلى يوم القيامة إنه الفتح بماء زمزم الذي يشرب منه جميع زوار بيت الله الحرام وغيرهم إلى يوم القيامة.

3ـ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً:ـ 

وهو سبحانه وتعالي الذي فتح على نبيه (ﷺ) بصلح الحديبية الذي جاء من بعده الخير الكثير للمسلمين، فأنزل الله على نبيه: { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا(1)}الفتح.

والعجيب أن الكثيرون يعتقدون أن هذه الآية تتحدث عن فتح مكة ؛لكن الصحيح هو أنها نزلت بعد صلح الحديبية .

فعن البراء رضي الله عنه قال :( تعدون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحاً، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية) رواه البخاري.

ومعلوم أن يوم الحديبية كان النبي (ﷺ) قد حدد هدفاً واضحاً وأعلنه قبل الخروج من مكة وهو أداء العمرة..

ولكن قريش منعته دخول مكة، فأرسل إليهم عثمان رضي الله عنه ليفاوضهم فجاءه الخبر بقتله فاستعد لقتالهم، واشتدت غيرة المؤمنين على دينهم واسشتاطوا غضباً لله ورسوله وبايعوا نبيهم على ، ولكن عاد عثمان فقد كان خبر قتله مجرد شائعة، وأرسلت قريش للتفاوض بعد أن وُضعت أمام الأمر الواقع واهتزت مكانتها.

وبعد الصلح أمر النبي  (ﷺ) المسلمين بالعودة دون عمرة بعد أن كانت نفوسهم قد تهيأت لأمرين : العمرة أو القتال فلا هذا ولا ذاك.. بل تحقيق رغبة قريش المتعسفة(هذا في ظاهر الأمر) فلما لم يتحقق الهدف المحدد سلفاً حزن المسلمون وغضبوا وتحيروا، وتساءل عمر رضي الله عنه علانية فنزلت سورة الفتح فاجتمع الناس على رسول الله (ﷺ) فقرأ عليهم( إنا فتحنا لك فتحا مبينا)

قال:فقال رجل من أصحاب رسول الله (ﷺ) أي رسول الله أو فتح هو ؟

 فقال (ﷺ): إي والذي نفس محمد بيده إنه لفتح.

فلماذا سُمي فتحا؟

لأنه بعد صلح الحديبية استقرت الأحوال؛ عقد الصلح بين النبي (ﷺ) وبين المشركين، وضعت الحرب أوزارها، وأمن الناس، وصار المشركون يأتون إلى المسلمين، ويسمعون القرآن، فأسلم جم غفير.

أصبح عدد المسلمين الذين أسلموا في السنتين بعد صلح الحديبية يقرب من عدد المسلمين الذين أسلموا من بداية دعوة النبي (ﷺ) وحتى صلح الحديبية.

وتفرغ النبي (ﷺ) لفتح خيبر، وفتحت خيبر، ثم نقض المشركون العهد بعد سنتين، فغزاهم النبي (ﷺ) وفتح مكة، فالله تعالى سماه فتحا مبينا؛ لما يعقبه من النصر.

ثالثا: فتح باب الأمل للعصاة والمذنبين :ـ  

قال تعالى : } قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا  مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53){الزمر.

هذه الآية فى كتاب الله تفتح باب الأمل للعصاة حتى لا يظلوا سائرين فى غيهم،راكبين رؤؤسهم فى طاعة أنفسهم وشياطينهم .

وعن أبي موسى رضي الله عنه؛ أنَّ النبي (ﷺ) قال: (إنَّ الله عز وجل يَبسُط يده بالليل ليتوب مسيءُ النهار، ويَبسُط يده بالنهار ليتوب مُسيءُ الليل، حتى تَطلُع الشمسُ مِن مغربها) رواه مسلم

وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أن النبي (ﷺ) قال: (إذا كان ثلثُ الليل الباقي، يَهبطُ الله عز وجل إلى السماء الدنيا، ثُم تفتح أبواب السماء، ثم يبسُط يده فيقول: هل مِن سائلٍ يُعطَى سُؤله؟ فلا يزال كذلك حتى يَطلُع الفجر)(رواه أحمد في المسند).

إن نفس المؤمن كثيرا ما تشعر بذنبها، وتندم على فعلها ،وتذكر ماضيها وتود أنها لو كانت من المؤمنين الذين عملوا الصالحات ، فلو سد باب الأمل فى التوبة والرجوع إلى الله لظل أغلب الناس يتخبطون فى ظلمات المعاصي، ولكن فتح الله باب التوبة لعباده وهذه بعض قصص الذين فتح الله لهم :

الفُضَيْل بن عِياض :

كان أوّل أمره لصًا قاطعًا للطريق يُخيفُ الناس ويسرق منهم متاعهم،وفي ليلة من الليالي قصدَ بيتَ فتاةٍ أحبّها ،فلمّا صعد على الجدار سمع قارئا للقرءان الكريم يتلو قول الله تعالى: { أَلَمْ يَأْنِ للذينَ ءامَنُوا أنْ تَخشَعَ قلوبُهم لذِكْرِ الله(16) } الحديد . 

فتوقف في مكانه وتحرّك قلبه وخشع لله تعالى وقال: يا ربّ قد آن،فنزل عن الجدار ورجع،وكان الوقت ليلاً فأوى إلى بيت متهدم،فإذا فيه بعض المسافرين قد داهمهم الليل ،وقصدوا هذا البيت المتهدم ليناموا فيه ثمّ يكملون سيرهم صباحًا ،فسلّم عليهم وقعد معهم ولم يعرّفهم بنفسه،فقال أحدهم: ما رأيكم لو نسير الآن قبل أن تشتد حرارة الشمس غدًا؟

فردّ عليه آخر: لا، ننتظر الصباح لأن الفضيل بن عِياض قد يتعرّض لنا بالسوء ويسرق متاعنا،فسمع الفضيل كلامه فتاب إلى الله تعالى وعرّفهم بنفسه.

فارتاعوا فأخبرهم بقصته وأمّنهم ثمّ قصد مكة المكرّمة،وهناك قصد العلماء والصالحين وجالسهم وأخذ منهم العلم ؛ وعلّم في الحرم الشريف حتى مات رحمه الله تعالى في مكة المكرمة.

رابعا : فتح في الآخرة

الفتاح معك في الدنيا وأيضاً في القبر حينما يسألك الملكين بشدة وأنت خائف ومؤمن وكنت على

حق: من ربك؟ ربي الله.

ما دينك؟ ديني الإسلام

ماذا تقول في الرجل الذي بعث فيك؟ هو محمد (ﷺ)..

فينادي منادي من السماء: صدق عبدي فافرشوا له قبره من الجنة وافتحوا له باباً إلى الجنة.. فيفتح لك باباً إلى الجنة ، فيظل العبد ينادي يا رب أقم الساعة يا ربِ أقم الساعة يا رب أقم الساعة حتى ألقى أهلي وولدي في الجنة.

وأيضا الفتح يوم القيامة كما ورد في حديث البراء بن عازب الذي أخبرعن النبي (ﷺ) أنه قال : أن روح المؤمن إذا أخذها الملك فتحت لها أبواب السماء وأن روح العبد الفاجر أو الكافر لا تفتح لها أبواب السماء ثم ترد الي الأرض السفلي ، وإذا دخل العبد في قبره فإن كان من الصالحين فتح له باب من الجنة ينظر إليه فيقول له هذا منزلك حتي تقوم الساعة فيقول يارب أقم الساعة يارب أقم الساعة .

وأما الكافر فيفتح الله عزوجل له باب قبل النار يقال له هذا مقعدك يوم تبعث من قبرك فيقول رب لا تقم الساعة رب لا تقم الساعة.

فإذا خرج الناس يوم القيامة من قبورهم صار فريق الي الجنة وفريق الي السعير، فريق يساق الي الجنة كما قال الله عزوجل } وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73){ الزمر.

وفريق يساق الي النار كما قال الله عزوجل }وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا ۚ قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ(71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۖ فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72){ الزمر.

ولا حظ الفرق أن فتح أبواب النار لأهل النار يكون بغتة وفيه زيادة للعذاب عليهم ، أما أهل الجنة فيفتح لهم كما قال الله عزوجل "فتحت بإعداد وتهيئة اكراما لهم".

خامسا : فتح خاص للنبي (ﷺ):ـ

ما يفتح الله عز وجل على نبيِّه يوم القيامة مِن أنواع المحامد، فعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ النبي (ﷺ) قال: (ثُم يفتح الله عليَّ ويُلْهِمني مِن محامده وحسنِ الثناء عليه شيئًا لم يفتحهُ لأحد قبلي، ثم يقال: يا محمد ارفع رأسَك، سَلْ تُعْطَه، اشفع تشفع).رواه  البخاري ومسلم.

سادسا : فتح خزائن السماوات والأرض :ـ

إن الله تعالي بيده مفاتيح خزائن السماوات والأرض، قال سبحانه وتعالي: } لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12){[الشورى].

فما يَفتحه مِن الخير للناس لا يَمْلك أحدٌ أن يُغلقه عنه، وما يُغلقه فلا يَمْلك أحدٌ أن يفتحه عليهم، كما قال تعالى:} مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(2){ [فاطر].

فلو فتح اللهُ المطرَ على الناس، فمَن ذا الذي يحبسه عنهم؟!

حتى لو أدَّى المطرُ إلى إغراقهم مثل ما حدث لقوم نوح، فقد وَصلَت المياهُ إلى رؤوس الجبال، ولو حبس عنهم المطر سنين عديدة، ما استطاعوا أن يفتحوا ما أغلقه الله، قال تعالى:} قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (30){ [الملك].

وقال تعالى} وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ(107){ [يونس].

سابعا : تنوع الفتح :ـ

للفتح أبواب متعددة يفتحها الفتاح لعبادة الذين يرضي عنهم ، فمنهم من يفتح له في صلة الأرحام، فلا يزال يزورهم، ويحسن إليهم، ويبرهم ، ويأتيهم ويأتونه فيدعوهم وهكذا… يفتح عليه في باب الصلة والبر.

ـ ومنهم من يفتح له في مساعدة المحتاجين وإغاثة الملهوفين،ورعاية الأيتام والمعاقين ، وتفريج كربات المكروبين، وتسديد ديون الغارمين، وكفالة المساكين والمرضى المعوزين، وحمل الأرامل والفقراء، ورعايتهم، ومواساتهم وهكذا..

ـ ومنهم من يفتح عليه في باب الاحتساب، فيأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر لا يخاف في الله

لومة لائم، ويصبر على الأذى، ولا يزال يتبع المنكرات ويتتبعها ويحذر منها، وينهى عنها، فيكون على يديه من الخير ما يكون.

ـ ومنهم من يفتح عليه في أبواب الشفاعة والإصلاح بين الناس، فيفك أسيراً، ويحقن دماً، ويمنع باطلاً، ويحجز ظلماً، ويقيم حقاً، ويسعى في الإصلاح بين المتخاصمين، وهكذا..

قال معروف: "إذا أراد الله بعبد خيراً فتح له باب العمل، وأغلق عليه باب الجدل، وإذا أراد بعبد شراً أغلق عليه باب العمل وفتح عليه باب الجدل"

العنصر الرابع : أنواع الفتح :ـ

1ـ فتح الإنعام ويكون للمؤمنين .

2ـ فتح الاستدراج ويكون على العصاة والكافرين .

أولا : فتح الإنعام :

المقصود به ما يفتحه الله على من يشاء من عباده من الحكمة والعلم والفقه في الدين، بحسب

التقوى والإخلاص والصدق، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ(96) } الأعراف.

ففتح الإنعام ثمرة من ثمرات التقوى فحينما يفتح الله على أمة من الأمم أو عبد من عباده لا يرزقهم بركة واحدة وإنما يرزقهم بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ هكذا «بركات من السماء والأرض» مفتوحة بلا حساب، من فوقهم ومن تحت أرجلهم ، بلا تحديد ولا تفصيل، فهي البركات بكل أنواعها وألوانها، وبكل صورها وأشكالها، ما يعهده الناس وما لا يخطر لهم ببال ، فالبركات الحاصلة مع الإيمان والتقوى، بركات في الأشياء، وفي النفوس، وفي طيبات الحياة.. وليست مجرد وفرة مال وترف مع الشقاء والتردي والانحلال .

وللبركة سر لا ينتبه إليه الكثير منا ، لأن الناس دائماً ينظرون إلى ما رزقهم الله في أيديهم  وينسون كم صرف الله عنهم من السوء .

كأن يمنحك الله العافية فلا تحتاج إلى أجر طبيب أو نفقة علاج ، فقبل أن تنظر كم صرف الله لك من رزق فانظر كم صرف الله عنك من السوء.

فقوله تعالي: {بَرَكَاتٍ مِّنَ السمآء والأرض} أي أن يعطي سبحانه وتعالى قليل من الرزق الحلال مع بركة وعافية وراحة بال وسعادة .

ويرضي الله تعالي عن العبد فيفتح عليه بعمل صالح ويُوَفق للقيام به ثم يموت عليه فتكون حسن الخاتمة ،فعن أبي عنبة الخولاني رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ﷺ): (إذا أراد اللهُ بعبده خيرًا عسله)) قيل: وما عسله ؟ قال:يفتح اللهُ له عملًا صالحًا قبل موته، ثم يَقبضه عليه) [ رواه أحمد في المسند]. عسله : أي : (أي: طيب ثناءه فيهم(

وعن عُمَرَ الْجُمَعِيّ حَدَّثَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ﷺ) قَالَ: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ» فَسَأَلَهُ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: مَا اسْتَعْمَلَهُ؟ قَالَ: «يَهْدِيهِ اللَّهُ عز وجل إِلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ قَبْلَ مَوْتِهِ، ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَى ذَلِكَ» (مسند الإمام أحمد)

وعَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَمِقِ الْخُزَاعِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَ (ﷺ) يقول: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ» قِيلَ: وَمَا اسْتَعْمَلَهُ؟ قَالَ: «يُفْتَحُ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ بَيْنَ يَدَيْ مَوْتِهِ حَتَّى يَرْضَى عَنْهُ مَنْ حَوْلَهُ» (مسند الإمام أحمد(

ثانيا : فتح الاستدراج :ـ

وقد يفتح الله على بعض أهل المعاصي من الرزق ما يغترون به، ويكون سبباً في هلاكهم،وهذا من مكر الله بهم استدراجاً لهم إذا تركوا ما أمروا، ووقعوا فيما نهوا عنه، قال تعالى:} فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44){ [الأنعام].                                                                    

روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي (ﷺ)  قال: «إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب، فإنما هو استدراج»

ثم تلا رسول الله (ﷺ) قول الله تعالي:} فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ(44){ الأنعام.

فلنتأمل الآية وكيف انتقل القوم من حال إلى حال، باستدراج من الله ومكر، أولاً: نسوا ما ذكروا به ،( أعرضوا، عصوا، وعاندوا).

ثانيا :( فتحنا عليهم أبواب كل شيء) من صنوف النعم فظنوا أوتوهموا أن الله راضِ عنهم، فلماذا أعطاهم إذا كان ساخطاً عليهم؟ فجاء التلبيس من إبليس.

فلما غمرتهم النعمة (فرحوا بما أوتوا) عندما أتى العطاء من أبواب متعددة، باب كل شيء ،وهذه الخطوة الثالثة .

ثم تأتيهم الخطوة الرابعة (أخذناهم بغتة) فجأة، انتقم الله منهم، وهم غافلون، فكان الوقع الأليم لهذا الانتقام ( فإذا هم مبلسون).

الإبلاس: الحَيرَة واليأس، ومنه سُمِّيَ إبليس، لأنه أبلَسَ من رحمة الله: أي يَئسَ منها وتحيَّر. فمعنى مُبلِسون: أي نادمون ساكتون متحسّرون على ما فَرَطَ منهم.

وهذا ما حدث مع قارون ومن علي شاكلته آتاهم الله النعمة فلما اغتروا أهلكهم الله تعالي بها ، نعوذ بالله من ذلك .

العنصر الخامس: الآثار الإيمانية لاسم الله الفتاح :ـ

1ـ الله سبحانه وتعالى هو الحاكم بين عباده في الدنيا والآخرة :ـ

يحكم بينهم بالقسط والعدل، يفتح بينهم في الدنيا بالحق بما أرْسَلَ من الرسل وأنزل من الكتب. وهذا يتضمن من الصفات كل ما لا يتم الحكم إلا به .

فطالما إنه يحكم بينهم، فهذا يتضمن أنه سبحانه وتعالى حكيـم وعدل إلى غيره من الصفات التي تليق به سبحانه وتعالى.

وهذا يدل على الجزاء العدل على أعمال الجوارح والقلوب ،فهو عالم بأسرار الأمور وبواطنها سبحانه وتعالى، ويُجازي على معاصي القلوب كما يجازي على معاصي الجوارح.

وهو يختص بالفصل والقضاء بين عباده بالقِسط والعدل، والحاكم في الحقيقة هو الله جلَّ وعلا .. فالله جلَّ وعلا لا تخفى عليه خافية، وهو سبحانه لا يحتاج إلى شهود ليحكم بين خلقه وما كان غائبًا عما حدث في الدنيا .، يقول تعالى { فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ(7)} الأعراف.

ويقول جلَّ وعلا { وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآَنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ(61)} يونس

فكل خطاراتك وسكناتك تُسجل، ولكن الله سبحانه وتعالى لا يُحاسبك إلا على ما عملت بالفعل.

2ـ اطمئنان قلوب المؤمنين :ـ

اسم الله الفتاح يطمئن قلوب عباد الله المؤمنين بأنه مهما طال ليل الظالم وكثر بغيه وظلمه للعباد، لا بد أن يفتح الله بين

عباده المؤمنين وبين عباده الظالمين، وسيحكم سبحانه بحكمه القدري الكوني، فهو سبحانه من يحكم بين عباده بالحق

والعدل، وقد توجهت الرسل إلى الله الفتاح سبحانه أن يفتح بينهم وبين أقوامهم المعاندين، فيما حصل بينهم من الخصومة والجدال.

فقال سيدنا نوح عليه السلام { فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118) فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (119) } [الشعراء]

فجاء الفتح بمعنى الفصل القدري بين جند الله وجند الشيطان، وبين عباد الله المؤمنين والمشركين، فأحق الله الحق وأبطل الباطل وإن أطال ليل الظالم.

وقيل: أي: اقض بيني وبينهم, ونجني من ذلك العذاب الذي تأتي به حكمًا بيني وبينهم والذين معي من أهل الإيمان بك والتصديق لي .

وقال سيدنا شعيب عليه السلام  } رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89){ الأعراف .

أي: احكم بيننا وبين قومنا وانصرنا عليهم }وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ{، أي افصل بيننا وبين قومنا وانصرنا عليهم }وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ{، أي: خير الحاكمين، فإنك العادل الذي لا يجور أبدًا.

وجاء اسم الله «الفتاح» في هذه الآيات ليدلل على أن الله سيفتح بين المؤمنين وبين الكافرين، وكانت النتيجة لقوم شعيب عليه السلام  قال تعالى: }فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (37){ العنكوت.

فأخبر الله تعالى أنهم أخذتهم الرجفة، كما أرجفوا شعيبًا عليه السلام  وأصحابه، وتوعدوهم بالجلاء ، فعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ﷺ): «إن الله سبحانه ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته» ثم قرأ قوله تعالى: } وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102) إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ۚ ذَٰلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103){هود.

فعقوبة الله للظالمين موجعة غليظة والعياذ بالله.

فاعلم بعد هذا أن الله سيجعل يومًا لهلاك الظالم الباغي، ولنصرة المؤمن، وهذا يدعو إلى الاطمئنان، وهو قول الأنبياء في قوله تعالى: }رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89){ الأعراف .

والله يقول:}وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15){، وقد استجاب الله سبحانه لرسله ولدعائهم، ففتح بينهم وبين أقوامهم بالحق، فنجى الرسل وأتباعهم وأهلك المعاندين المعرضين عن الإيمان بآيات الله، وهذا من الحكم بينهم في الحياة.

إذاَ لو استقرّ هذا المعنى بقلبك، لو تعبدّت لله بهذا المعنى وأحببته بهذا المعنى واقتربت منه بهذا المعنى لكانت عزيمتك أقوى عزيمة في الوجود .. لكنت مطمئناً لأنك مع الفتَّاح سبحانه

3ـ معايشة يوم الفتح الحقيقي وهو يوم القيامة :ـ

فإن الله سبحانه هو الفتاح الذي يحكم بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون في الدنيا.

قال تعالى: {قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26)} [سبأ]

ففي يوم القيامة يقضي الله عز وجل ويفصل بين العباد، وهو سبحانه لا يحتاج إلى شهود ليفتح بين خلقه؛ لأنه لا تخفى عليه خافية، وما كان سبحانه غائبًا عما حدث في الدنيا،

قال سبحانه { فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ(7)} الأعراف.

وقد سمى الله تعالى يوم القيامة بيوم الفتح .. لأنه يوم القضاء بين العباد، يقول تعالى {قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ(29)} [السجدة].

والمراد بالفتح: هو القضاء والفصل يوم القيامة وسمي فتحا؛ لأن الله تعالى يفتح فيه على المؤمنين.

4ـ التسليم المطلق لعالم الغيب والشهادة :ـ

فالله سبحانه وتعالى متفردٌ بعلم مفــاتح الغيــب ، قال تعالى{ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ...(59)} [الأنعام] .

وقد عددها في قوله تعالى { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ(34)} [لقمان] .

وهذه الآية تدل على أن الغيب لا يعلمه إلا الله عز وجل؛ وذلك لأن الخلق لا يعلمون إلا ما علمهم خالقهم سبحانه، ولو كان لمخلوق أن يعلم الغيب لكان الرسل هم الأولى في هذا، ولكنهم بشر، ولذا يعود علم الغيب لخالقهم، ولا يعلمون من الغيب إلا ما أطلعهم الله سبحانه وتعالى عليه قال تعالى: } (25) عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا(27){الجن.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «من زعم أن رسول الله (ﷺ)  يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية، والله يقول: } قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ۚ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65){ النمل .

فأين إيماننا بأنه لا يعلم الغيب إلا الله؟! فإن مما يعتقده بعض العامة في السحرة والمشعوذين ضرب من ضروب الكفر بالله تعالي ، مما يجب التصدي لهم وتوعية هؤلاء العامة.

5ـ اليقين بأن النصر من عند الله تعالي :ـ

فهو  سبحانه وتعالي الفتاح الذي يفتح على من يشــاء ويذل من يشــاء، وقد نسب الله تعالى الفتوح إلى نفسه؛ ليُنبه عبــاده على طلب النصر والفتح منه لا من غيره ..

لذلك قال الله تعالى { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا(1)} [الفتح] ، وقال جلَّ ثناؤه { فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ ..(52)} [المائدة]

وقال تعالى{ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ(13)} [الصف] 

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله (ﷺ) يقول: ((إنكم منصورون، ومصيبون، ومفتوح لكم...)

إذًا، فليس علينا إلا أن نجتهد ونأخذ بالأسباب ، أما النصر فهو من عند الله سبحانه وتعالى.

6ـ الأنس بالله والإقبال عليه تعالي :ـ

يفتح الله لعبده باب الأنس به، والإقبال عليه ، كما يفتح له باب الرضوان، الرضا، فيشعر العبد بالسعادة الحقيقية في الدنيا مهما كان حاله بسيطاَ ، فدائما ما يردد الحمد ، أما الإنسان صاحب المال والتجارات المحروم من الفتح تجده دائما يشكو الخالق إلي المحلوق والرزاق إلي المرزوق رغم الأموال الكثيرة التي تحت يده ، كل هذا لأن الله تعالي لم يفتح له باب الرضا ، والأنس به عز وجل .

وأيضا بسبب الحكمة والعلم والفقه في الدين من الأمور التي يفتحها الله على من يشاء من عباده ،يقول الله عزَّ وجلَّ {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ..(282)} [البقرة].

ويقول جلَّ وعلا { أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ(22)} [الزمر]

يقول القرطبي "وهذا الفتح والشرح ليس له حد، وقد أخذ كل مؤمن منه بحظ ، ففاز الأنبياء بالقسم الأعلى، ثم من بعدهم من الأولياء، ثم العلماء، ثم عوام المؤمنين ولم يُخيِّب الله منه سوى الكافرين"

العنصر السادس : الأسباب التي تستجلب الفتح:ـ

1ـ  الدعاء باسم الله الفتـــاح:ـ

اللجوء إلى الله في الأمور كلها في الشدة والرخاء في السراء والضراء ، في طلب الرزق وفي طلب العلم ، وفي تيسير العسير ، وتفريج الكربات ، وطلب النصر ، فهو سبحانه الفتاح العليم .

ادع ربَّك الفــتاح أن يفتح عليك إذا انغلقت في وجهك الأسبـــاب والأمور ..

ومن الأدعيــة الواردة في القرآن والسُّنَّة: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ .. عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قال : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ﷺ) قَالَ : " إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ ، فَلْيَقُلْ : أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَ الْمُلْكُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ , اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذَا الْيَوْمِ فَتَحَهُ ، وَنَصْرَهُ ، وَنُورَهُ ، وَبَرَكَتَهُ ، وَهُدَاهُ , وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا فِيهِ ، وَشَرِّ مَا قَبْلَهُ ، وَشَرِّ مَا بَعْدَهُ , ثُمَّ إِذَا أَمْسَى فَلْيَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ " رواه أبو داود.

وعن أبي حميد (رضي الله عنه) أن النبي (ﷺ) قال: "إذا دخل أحدكم المسجد فليقل اللهم افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج فليقل اللهم افتح لي أبواب فضلك " رواه مسلم ..

وأنت في المسجد أنت بحاجة إلى أبواب رحمة الله تفتح لك، وإذا خرجت من المسجد أنت بحاجة إلى أبواب الفضل..

أن تفتح لك ففي البيت، وفي الطريق، وفي العمل، وفي المستشفى، وفي المدرسة، وفي الجامعة، وفي الدكان، وفي الحقل الزراعي..

اسأله أن يتفح لك أبواب فضله.. تتوفق بزراعتك.. تتوفق بصناعتك.. تتوفق بتجارتك.. تتوفق بوظيفتك.. والأمثلة علي ذلك ..

حال المسلمين  في غزوة بدر الكبري ....

عدد المسلمين  314  ، وعدد الكفار 1000 ، عدد فرسان المسلمين 2 فقط ، وعدد فرسان الكفار 100 فرس، الموضوع غير متكافئ ، الموضوع مغلق، انظر إلى النبي ماذا يفعل؟!

يرفع يديه ويظل يدعو ويدعو ويدعو حتى يظهر بياض إبطيه ويسقط رداؤه (اللهم انجزني ما وعدتني) لدرجة أن سيدنا أبي بكر من خوفه على النبي يضع يديه علي كتفه (ﷺ) ويقول له: هون عليك، هون عليك يا رسول الله من كثرة إقبال وإلحاح النبي على الدعاء، ثم انظر إلى الآية ماذا تقول على الكافرين:  قال تعالي }إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الْفَتْحُ...(19){ (الأنفال)

والنبي (ﷺ) يستبشر ويقف ويقول: الله أكبر أبشروا هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقود ألف من الملائكة يقاتلون معكم يوم بدر. ويأتي الفتح وينتصر المسلمون. أتعرف الذهاب للفتاح بهذا الشكل والتذلل له؟

أتعرف أن ترفع يديك وتخفض رأسك ذلاً للفتاح وتقول له: يا فتاح أتوسل إليك باسمك الفتاح أن تزيل مشكلتي؟

حكوا عن ابن تيميه أنه إذا استعصت عليه مشكلة علمية كان يخرج إلى الصحراء ويضع خده على التراب تذللاً للفتاح ويستغفر طويلاً، يقول: فوالله لا أعود إلا وقد فتح الله علىَّ المسألة.

2ـ العمل الصالح وصدق التوجه إلي الله تعالي :ـ

وخير شاهد علي هذا حديث الثلاثة الذين أغلقت عليهم المغارة ، حيث جلس أولئك النفر الثلاثة وقد ضمهم الليل الدامس في تلك المغارة المظلمة المغلقة التي لا ماء فيها ولا طعام ولا ضوء، صلتهم بالعالم الخارجي قد انقطعت، فلا مغيث ولا وسيلة من وسائل الاتصال ولا سبيل لإيصال خبرهم إلى خارج المغارة، وحتى لو صاحوا بأعلى أصواتهم، فلن تصل أصواتهم إلى أبعد من جدران الغار الذي يحيط بهم.

إنه موقف حرج، موقف عصيب.

لكنهم بعدما تشاورا فيما بينهم، أيقنوا أن المخرج الحق والطريقَ الذي يُرجى منه النجاة، هو طريق الالتجاء إلى الله وحده.

أيقنوا أنه لو أُغلقت جميع الأبواب، فالباب الذي بين الله وبين العباد يبقى مفتوحا ولن يُغلق أبدا، فتشبثوا به بأنجع وسيلة تُقضى بها الحاجات، وتوسلوا في تضرعهم إلى من بيده تدابير الكون سبحانه، توسلوا بأرجى عمل صالح عمِلوه في غالب ظنهم، فكان بذلك الفرج من الله العلي القدير، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق (ﷺ) في معرض حديثه عن أصحاب الغار، الذي أخبر النبي صلي الله عليه وسلم قصته في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما " أن ثلاثة أواهم المبيت الي غار (أصابهم المطر فأواهم المبيت الي غار) فدخلوا فيه فنزلت صخرة من أعلي الجبل ممن يهبط من خشية الله فسدت عليهم فم الغار .. فلما سدت عليهم قالوا أنه لن ينجيكم اليوم إلا أن تتوسلوا الي الله عزوجل بصالح أعملكم فلما أخلصوا في أعمال لهم بها فتح الله عزوجل ما أغلق عليهم بسبب هذه الصخرة ... فتوسل الأول ببره لوالديه واخلاصه في هذا البر ، وتوسل الثاني بأداءه لحق الأجير الذي أستأجره ، وتوسل الثالث بأنه عف عن المعصية لما قدرعليها ... فلما أخلصوا فتح الله عزوجل هذا الذي أستغلق عليهم

فهؤلاء الثلاثة: البار بوالديه، والمتعفف التارك للحرام، والذي أدى الأجير أو العامل حقه مع أنه تعَب عليه ولم يأخذ منه شيئا.

كل واحد من هؤلاء النفر الثلاثة، كان له موقع داخل المجتمع، فالأول يمثل علاقة الفرد مع محارمه وأقاربه، والثاني يمثل علاقة الفرد مع غير محارمه من بني مجتمعه، والثالث يمثل علاقة المسؤول وسلوكه العملي مع من هو تحت مسؤوليته.

3ـ  دوام التوكُّل علي الله ..

التوكل علي الله تعالي واللجوء إليه، ودعاؤه والطلب منه، والركون إلى جنبه، قبل الأخذ بالأسباب، وأن تطلب منه وحده مفاتيــح الخيــر عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله (ﷺ) قام على المنبر فقال "إنما أخشى عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من بركات الأرض"، وفي رواية ".. ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها" [صحيح البخاري]

فإن العبد إذا عقد أمله بالله، ولم يرج إلا الله، ولم يدع غيره، ولم يثق إلا به، ولم يتوجه إلا إليه، فتح الله عليه ما أغلق من الأبواب، وما استعصى من المسالك، وهذا الصدق في قلب العبد هو السبب في توفيق الرب سبحانه وتعالى، فإذا ركن العبد إلى ربه، فتح عليه من رحمته، وسكون قلبه، وطمأنينة نفسه، حتى لو كان مسجوناً مأسوراً في جب عميق قال تعالي{ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا(16)}الكهف.

قال شيخ الإسلام، وهو في حبسه بالإسكندرية: "إني والله العظيم في نعم من الله ما رأيت مثلها في عمري كله، وقد فتح الله سبحانه من أبواب فضله ونعمته، وخزائن جوده ورحمته، ما لم يكن بالبال، ولا يدور في الخيال".

والفتاح يحب أن نتعامل مع سننه في الكون ونأخذ بالأسباب ، فالجوارح تعمل وقلوبنا متعلقة به تنتظر فتحه ونصره سبحانه وتعالى ، وقد يؤخر الله علينا الفتح ليختبر ثقتنا به ؛ لنقف على الباب طويلاً؛ لنبقى بين يديه طويلاً نسأله ونرجوه ونبتهل إليه .

وفي هذا المعنى يقول أحد العلماء: لا تسأم من الوقوف على بابه ولو طردت، ولا تقطع الاعتذار ولو رددت، فإذا فتح الباب للمقبولين فادخل دخول المتطفلين، وقل له مسكين فتصدق علي، فإنما الصدقات للفقراء والمساكين وأنا فقير ومسكين.

ويقول الفضيل بن عياض: تعلمت الرجاء في الله من طفل صغير!! قالوا كيف ذلك ؟!!

قال: كنت في طريقي إلى المسجد ، فإذا بأم تفتح باب بيتها وتلقى منه طفلا صغيرا وأُغلق الباب، وبعدها وقف الصغير على الباب يبكي ويستعطف ويرجو ، فرقت له أمه ففتحت له وضمته إليها.

فقلت سبحان الله، هذا طفل وقف بباب أمه يبكي ويستعتب (يعتذر) ففتحت له ولو وقف العبد بباب ربه يبكى ويستعتب لفتح له…..فسبحان الله .

4ـ كن مفتاحًا للخير مغلاقاَ للشر:ـ

كن مفتاحـًا للخير ، ارفع للخير راية ، يقول النبي (ﷺ)  (إن هذا الخير خزائن ولتلك الخزائن مفاتيح، فطوبى لعبدٍ جعله الله عزَّ وجلَّ مفتاحًا للخير مغلاقًا للشر، وويلٌ لعبدٍ جعله الله مفتاحًا للشر مغلاقًا للخير) [رواه ابن ماجه وحسنه الألباني]

فعليك أن تكون مباركـًا حيثما كنت، وتظل طوال الوقت تُفكِّر في أفكـار وطرق لهداية النــاس من حولك وتفتيح أبواب الخير أمامهم.

فالناس في حاجة إلى كنف رحيم، وإلى رعاية فائقة، وإلى بشاشة سمحة، وإلى ود يسعهم، وحلم لا يضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم، في حاجة إلى قلب كبير يعطيهم ولا يحتاج منهم إلى عطاء، ويحمل همومهم ولا يعينهم بهمه، ويجدون عنده دائمًا الاهتمام والرعاية والعطف والسماحة والود والرضا، وهكذا كان قلب رسول الله (ﷺ)  وأصحابه والصالحين.

انظر إلى الشهم الكريم نبي الله موسى عليه والسلام حين فرَّ هاربًا من بطش فرعون وقد أصابه الإعياء والتعب، فلما ورد ماء مدين ووجد الناس يسقون وجد امرأتين قد تنحيتا جانبًا تنتظران أن يفرغ الرجال حتى تسقيا، فلما عرف حاجتيهما لم ينتظر منهما الطلب، بل تقدَّم بنفسه وسقى لهما }وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنْ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمْ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24){ (القصص).

ففتح الله له الأبواب وحفظه من كيد الأعداء ومنحه الرسالة عليه السلام .

وهذا نموذج آخر  كان مفتاحاَ للخير مغلاقاَ للشر وهو ذو القرنين

كان يعيش في مجتمع عم فيه الفساد والمفسدين فجاء أهل بلدته وقالوا له }  قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰ أَنْ تَجْعَلَ بَيْن

المشاهدات 288 | التعليقات 0