المصيبة بفقد العلماء ( وفاة العلامة اللحيدان) غفر الله له

حسام الحجي
1443/06/03 - 2022/01/06 13:11PM

الحمـدُ لله الباقيِ على الدوامِ، المتصرِّفِ بُحُكْمِهِ في الأنـامِ، يحكُمُ ما يشاءُ، ويفعلُ ما يريدُ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَهُ لا شريَكَ له، المتفرِّدُ بالكمالِ، المختصُ بالعزةِ والجلالِ، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسولُهُ، سيِّدُ الأولينَ والآخِرينَ، وإمامُ الأنبياءِ والمرسلينَ، فصلواتُ الله وسلامُهُ عليه ما ذَكَرَهُ الذاكرونَ الأبرارُ، واشتاقَ إليه الصالحُونَ الأخيارُ.

أَمّا بعدُ: اصطفى اللهُ من خَلْقِهِ الرُسلَ والأنبياء، وأورثَ عِلْمَهُم العلماءَ الأتقياءَ، والفضلاءَ الأوفياءَ، ممن جمعَ بينَ العلمِ والعملِ، فحَمَلُوا راياتِ الهدى، وواجهوا بها جموعَ العِدا، فأظهرَ اللهُ على أيديِهمُ الحقَ والنورَ، وقمعَ بهمُ الباطلَ والشرور، فكَمْ من هالكٍ أنقذوهُ، وكم من شقيٍّ أسعدوهُ.

حَمَلُوا الهمَّ لهذا الدين، وسَلَكُوا طريقَ خيرِ المرسلينَ، بأخبارِهِم سارتِ الركبانُ، وبآثارِهِم اهتدى الثقلانِ، فهم ضوءُ الشمسِ للأبصارِ، ونجومُ السائرين في الأسفارِ، مشاعلُ الهدى، وأعلامُ التقى، بِهِمُ الدُّنيا قد زانت، وبفَقْدِهِم قد شانت, عُرفُوا بالحقِ في أقوالِهم, وبالخيرِ في أعمالِهم.

كم من الحقوقِ أظْهَروها، وكم من العلومِ نشروها، فعُلُومُهُم محفوظةٌ، وأقوالُهُم معلومةٌ، وانتفعَ بها كثيرٌ من الأنامِ، لم تَشْغلْهُمُ الدُّنيا عن طلبِ العلمِ، ولم يمنَعْهُم سفَهُ الجهَّالِ عن مسلكِ الحِلْمِ.

سَهِرُوا اللياليَ في مسائلِ العلمِ يبحثُونها، وعَمَروا الأيامَ بالعلومِ ينشرُونها، فهذا القرآنُ قد فسَّروهُ، وهذا الحديثُ قد شَرَحُوهُ، تدبَّروا النصوصَ واستنبطُوا، ونَظَروا في العلومِ واستخرَجُوا، حتى ملأوا الدنيا علماً، وأشبَعُوا الطلابَ فهْمَاً.

بلغوا بالعلمِ أعلى المراتبِ، ونالوا بالعَمَلِ أجَلَّ المناقِبِ. 

عَمَّتْ بالخير فضائِلُهُم، فجاءتِ المنايا تتخطَّفُ الأخيارَ، وَجَاءَ الموتُ يُفني الأبرارَ، السماء عليهم باكية، والأرضُ لفقْدِهِم شاكيةٌ، قُبِضُوا من بينِ الأحبابِ، واختُلسوا من بينِ الأصحاب، تَركُوا الدنيا وراءَهُم، وأقبلوا على الآخرةِ أمَامَهم، قد احتوتهُمُ القبورُ، في ساحةِ العزيزِ الغفورِ، الذي وَعَدَ بالمغفرةِ للعلماءِ، وبالرحمةِ للفضلاءِ، فأخطاؤُهُم مغفــورةٌ، وعُيُوبُهم مستـــورةٌ بإذن الله.

أيها الكرام: إنَّ حياةَ العالمِ في الأمَّةِ نعمةٌ عظيمةٌ، ومَكْرُمةٌ من الله جَليلَةٌ، وإنَّ موتَ العلماءِ، وقبضَ الفقهاءِ مصيبةٌ كبيرة، وكارثَةٌ عظيمةٌ، فإنَّه بذهابهم يذهبُ العلم، الذي تحيا به القلوبُ، وتصلُحُ به الحياةُ. 

ومن ظنَّ أنَّ موتَ العالمِ كموتِ غيرِهِ من الناسِ فقدَ جَهِلَ الحقيقةَ، وفي الحديثِ قال رسول الله ﷺ [إنَّ اللَه لا يقبِضُ العلمَ انتزاعاً ينتزِعُهُ من العبادِ، ولكن يقبِضُ العلمَ بقبضِ العلماءِ، حتى إذا لم يُبقِ عالماً اتَّخذَ النَاسُ رُؤوسَاً جُهَّالاً فسُئلوا فأفتوْا بغير علمٍ فضلُّوا وأضلُّوا] وقال عليه الصلاة والسلام أيضاً:[ألا وإنَّ ذَهَابَ العلمِ ذَهَابُ حَمَلتِهِ].

وَعَنْ سَعِيدْ بْنْ اَلْمُسَيِّبْ رَحِمَهُ اَللَّهُ قَالَ: [شَهِدَتْ جِنَازَةَ زَيْدْ اِبْنْ ثَابِتْ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ فَلَمَّا دُفِنَ فِي قَبْرِهِ قَالَ اِبْنْ عَبَّاسْ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا: يَا هَؤُلَاءِ مِنْ سِرِّهِ أَنْ يَعْلَمَ كَيْفَ ذَهَابُ اَلْعَلَمِ فَهَكَذَا ذَهَابُ اَلْعَلَمِ، وَأَيِّمٌ اَللَّهِ لَقَدْ ذَهَبَ اَلْيَوْمِ عِلْمَ كَثِيرٍ].

أَقُولُ مَا سُمْعَتُهُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اَللَّهَ تَعَالَى لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفَرُوهُ إِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُورْ اَلرَّحِيمِ .
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الحَمْدُ للهِ وكَفَى، والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى رَسُولِهِ المُصْطَفَى، أمَّا بَعْدُ:

فَقَدَتْ بِلَادُنَا عَالِمَاً مِنْ علمَائِهَا الرَّبَّانِيِّينَ أَلَا وَهُوَ الْعَلَاَّمَةُ صَالِحُ الْلِّحِيْدَانِ عُضْوُ هَيْئَةِ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ رَحِمَهُ اللهُ.

وَإِنَّ فَقْدَ الْعُلَمَاءِ فِي مِثْلِ هَذَا الزَّمَانِ لِتَتَضَاعَفُ بِهِ الْبَلِيَّةُ، وَتَعْظُمُ بِهِ الرَّزِيَّةُ؛ لأَنَّ الْعُلَمَاءَ الْعَامِلِينَ أَصْبَحُوا نُدْرَةً قَلِيلَةً فِي النَّاسِ، وَكَثُرَ فِي الْأُمَّةِ الْجَهْلُ وَالتَّشْكِيكُ وَالْالْتِبَاسُ.

لَعَمْرُكَ مَا الرَّزِيَّةُ فَقْدُ مَالٍ* وَلَا شَاةٌ تَمُوتُ وَلَا بَعِيرُ

وَلَكِـنَّ الرَّزِيَّةَ فَقْـدُ فَـــــذٍّ* يَمُوتُ بِمَوْتِهِ خَلْقٌ كَثِيرُ

ولَكِنَّنَا لَا نَيْأَسُ وَلَا نَقْنَطُ، فَلَقَدْ أَخَبَرَنَا الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ ﷺ فَقَالَ: [لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ].

فَرَحِمَ اللهُ مَنْ مَاتَ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَنَسْأَلُهُ تَعَالَى أَنْ يُخْلِفَ الْأُمَّةَ خَيْرَ سَلَفٍ لَهُمْ، وَأَنْ يُبَارِكَ فِي عُمُرِ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ، وَيُسَدِّدَ عَلَى الْحَقِّ طَرِيْقَهُمْ.

المشاهدات 1846 | التعليقات 0