المُصلّي وسَلا الجَزور
HAMZAH HAMZAH
الحمدُ لله أكرَمنا بدينِه، وشرَّفنا بطاعتِه ، ورفعَنا بهدايتِه، نحمدُه على مِننه ، ونشكُره على سُننِه، بسطَ الأفضال ، ونشرَ الآمال ، وحقّق لنا كلَّ طلبٍ ومَنال….
أشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شريك له ، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسوله ، صلى اللهُ عليه وعلى آله وصحبِه أجمعين …..
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )
أما بعد:
إخوةَ الإسلام :
بعضُ الناس يتضايقُ من سُخريةٍ وقعت عليه ، أو استهزاءٍ كدَّر خاطرَه ، أو تطاولٍ أساءَ لمظهرِه….!
وتناسَى ما لقي المرسلونَ من بلايا وأذيات ...!
ومنهم رسولُنا صلّى اللهُ عليه وسلم، تعرضَ للسخرية ، وذاقَ مرارةَ الاستهزاء ، وهمّوا به ، وخُنق ذاتَ مرة، وألقوا عليه سلا الجَزور ، وهي المشيمةُ المستقذرةُ عند الناس…..!!
فهل أُلقيت عليكَ وأنت تصلي، أو صبّوا على ظهرِك كوباً من الماء…؟!
جاء في الصحيحين : عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قال : إنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي عِنْدَ الْبَيْتِ ، وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ، إِذْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : أَيُّكُمْ يَجِيءُ بسلا جَزُورِ بَنِي فُلَانٍ، فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ ؟ فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ، -أي عقبة بن أبي معيط- فَجَاءَ بِهِ فَنَظَرَ حَتَّى سَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَأَنَا أَنْظُرُ لَا أُغَيِّرُ شَيْئًا، لَوْ كَانَ لِي مَنَعَةٌ-أي قوة-،، قَالَ : فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ، وَيُحِيلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدٌ لَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ، حَتَّى جَاءَتْهُ فَاطِمَةُ فَطَرَحَتْ عَنْ ظَهْرِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَشَقَّ عَلَيْهِمْ إِذْ دَعَا عَلَيْهِمْ، قَالَ : وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الدَّعْوَةَ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ مُسْتَجَابَةٌ، ثُمَّ سَمَّى : " اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ وَعَلَيْكَ بِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ ". وَعَدَّ السَّابِعَ فَلَمْ يَحْفَظْ، قَالَ : فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ عَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَرْعَى فِي الْقَلِيبِ ، قَلِيبِ بَدْرٍ .
فهذه يا مسلمون : صورةٌ من صور الأذى الدعوي ، الذي تعرض له عليه الصلاةُ والسلام ونستفيدُ هنا ما يلي :
أولا: أنّ ذلك هو طريقُ الدعوة والمصلحين ، فلابد أن توطّنوا نفوسَكم على ذلك، فالابتلاءُ سنةُ الحياة ، وحليةُ الأنبياء والدعاة، ومفرزةُ الطريق ، وممحصُ السبيل ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلمِ اللهُ الذين جاهدوا منكم ويعلمَ الصابرين ) . وبالابتلاءِ يُكشفُ الصبرُ، ويُمحصُ العبدُ، وتُرفعُ درجتُه، وتعلو روحه، ويخنسُ عدوه، وتزيدُ محبتُه في قلوب الخلائق .
وثانيًا: نتعلمُ صبرَ رسول الله على قومه، فهو قدوتُنا في الشدائد ، وأسوتُنا في المواقف ، نأتسي بهديه ، ونقبسُ من طريقتِه ( لقد كانَ لكم في رسول الله أسوةٌ حسنة ) .
وثالثًا: تفننُ الأعداء وحقدُهم الدفين على الدعوةِ وأصحابِها، وسخريتُهم اللاذعة في ذلك، وانعدامُ مروءتهم عند فساد مسالكهم ، وكان الذي وضع سلا الجزور أشقاهم وأخبثهم عقبةُ بن أبي مُعيط ، وقد قُتل عقب بدر .
ورابعًا: أن الدعوةَ لابد لها من قوةٍ ومنَعةٍ، وما كان لمشركي مكة أن ينالوا من رسول الله إلا لقلةِ الأتباع، وضعفِ الجنود ، ولذلك لم يستطع ابنُ مسعود إنقاذَه .
وخامسا: جوازُ الدعاء على المعتدين والظالمين جراءَ صنيعِهم ، وأن العبدَ مخيرٌ ما بين العفوِ أو الدعاء ، ولكنَّ رسولَ الله قد أعذرَ إليهم ، واشتد أذاهم ، فدعا عليهم وسمّاهم بأسمائهم..( اللهم عليك بقريش ) ثلاثًا…
اللهم آت نفوسَنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها…
أقول قولي هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولسائر المسلمين ….
……
الحمدُ للهِ حمدًا كثيرا ، طيبًا مباركًا فيه ، وصلّى اللهُ وسلم على نبينا محمد وعلى آلِه وصحبِه أجمعين….
وبعد :
أيها الإخوةُ الكرام :
هذا شيءٌ مما لقيه رسولُ الله ، وصبر على ذلك، ومن صبرِه العظيم، أنه ثبتَ على طريقته، وبقي مصلياً حتى جاءت ابنتُه فاطمةُ رضي الله عنها فرفعت القذرَ، وسبّتهم….!
ثم لما دعا عليهم، خافوا دعوتَه، وكانوا يرونَ استجابتَها في البلد الحرام، ولكن لانحرافِهم يُصرّون على عنادهم، ولا يرتدعون دينًا ، ولا أخلاقًا..!
وهذا فيه تناقضٌ، تحاربون دينه ، وتخافون دعاءه…؟! إنّ هذا لشيئٌ عُجاب…!
وقد استجابَ اللهُ تعالى دعاءَ رسوله، فالتقى بهم في غروةِ بدر الكبرى ، فكبُرت عليهم، وكسرَ اللهُ قوتهم ، وأزهق عنادهم، وهلكَ سادتُهم ، فرآهم ابنُ مسعود رضي الله هلكى في بئر بدر ، حيثُ المعركة العظيمة، ويومُ الفرقان ، والخصمانِ المتضادان في المنهج والديانة ، والحمدُ للهِ أولًا وآخراً.
اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمد ……