المشي إلى الصلاةِ-19-10-1443هـ-مستفادة من خطبة الشيخ سليمان بن خالد الحربي

محمد محمد
1443/10/18 - 2022/05/19 15:32PM

المشي إلى الصلاةِ-19-10-1443هـ-مستفادة من خطبة الشيخ سليمان بن خالد الحربي-خطُها كبيرٌ مناسبٌ للجوال.

إنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليه وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).

وبعدُ: فيا إخواني الكرامُ:

إنَّ التجارةَ الرابحةَ التي لا خسارةَ فيها ولا بوارَ هي التجارةُ مع اللهِ، وإنَّ من الأعمالِ التي نُتاجرُ بها مع اللهِ، ونجمعُ بها مكاسبَ عظيمةً وحسناتٍ وفيرةً عَمَلًا ذَكَرَهُ اللهُ في كتابِهِ، وأَخْبَرَ أنَّه يدَّخِرُهُ للْعَبْدِ فِي صحِيفَةِ عَمَلِهِ، إنَّه المشْيُ إِلى الصَّلاةِ، خُطْوَاتٌ تمشيها إلى المسجدِ ربما لَا تتْرُكُ أثرًا عَلى الأَرْضِ، وإِنْ ترَكَتْ أَثَرًا محتْهُ الرِّيحُ، تبقى وتُبَلِّغُك مَنْزِلَةً عظِيمَةً عندَ اللهِ، قالَ اللهُ-تعالى-: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ)، فسَّرها عُمَرُ وابْنُ عبَّاسٍ وابْنُ جُبَيْرٍ-رضي اللهُ عنهم-أنَّ الآثَارَ هِي المشيُ إِلى المسَجِدِ للصَّلَاةِ، فعنْ أبِي سعيدٍ الخدْرِيِّ-رضي اللهُ عنه-قالَ: "كانت بنو سَلِمَةَ في ناحِيَةٍ مِن المدينةِ، فأرادوا أن يَنْتَقِلُوا إلى قريبٍ مِن المسْجِدِ، فنزلَتْ: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ)، فقال لهم النبيُّ-صلى اللهُ عليهِ وآلِه وصحبِه وباركَ وسلَّمَ-: إنَّ آثارَكُم تُكتبُ، فلم ينتقلوا".

إنَّ الماشيَ إلى المسجدِ هو في خيرِ ممشى، لأنه في كلِّ خَطْوةٍ بين أجرينِ: تـُمحى عنه سيئةٌ أو يُرْفعُ بها درجةً، قالَ النبيُّ-صلى اللهُ عليهِ وآلِه وصحبِه وباركَ وسلَّمَ-: "مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ لِيَقْضيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللهِ كَانَتْ خَطْوَتَاهُ: إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً، وَالأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً"، وقالَ النبيُّ-صلى اللهُ عليهِ وآلِه وصحبِه وباركَ وسلَّمَ-: "إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ، وَأَتَى الْمَسْجِدَ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ خَطِيئَةً، حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ"، ومِنْ كرمِ اللهِ وفضلهِ-سبحانه-أنَّ الأجرَ مكتوبٌ لك في ذهابِك ورجوعِك، فعن أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ-رضيَ اللهُ عنه-قَالَ: "كَانَ رَجُلٌ لاَ أَعْلَمُ رَجُلًا أَبْعَدَ مِنَ الْمَسْجِدِ مِنْهُ، وَكَانَ لاَ تُخْطِئُهُ صَلاَةٌ، فَقِيلَ لَهُ: لَوِ اشْتَرَيْتَ حِمَارًا تَرْكَبُهُ فِي الظَّلْمَاءِ وَفِى الرَّمْضَاءِ-الحَرِّ-، فقَالَ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّ مَنْزِلِي إِلَى جَنْبِ الْمَسْجِدِ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ يُكْتَبَ لِي مَمْشَايَ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَرُجُوعِي إِذَا رَجَعْتُ إِلَى أَهْلِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وآلِه وصحبِه وباركَ وسلَّمَ-: قَدْ جَمَعَ اللهُ لَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ".

إخواني: إنَّ الماشيَ إلى المسجدِ ضيفٌ للهِ وزائرٌ له، وحقُّ الزائرِ أن يُكرَمَ، قال رَسُولُ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وآلِه وصحبِه وباركَ وسلَّمَ-: "مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ، أَوْ رَاحَ، أَعَدَّ اللهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ نُزُلًا، كُلَّمَا غَدَا، أَوْ رَاحَ"، والنُّزُلُ هو ما يُقَدَّمُ للضيفِ عند أولِ نزولهِ بأهلِ الدار، والماشي إلى المسجدِ في ظلامِ الليلِ كالعشاءِ والفجرِ يُثيبهُ اللهُ-تعالى-بالنُّور التّامِّ يومَ القيامة؛ فإنّ الجزاءَ في الآخرةِ مِن جِنسِ العملِ الذي كانَ في الدنيا، ومُناسِبٌ له، قال رَسُولُ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وآلِه وصحبِه وباركَ وسلَّمَ-: "بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ القِيَامَةِ"، ولما كان أجرُ المشيِ إلى المسجدِ على عددِ الخُطُواتِ كان الأبعدُ منه أكثرَ أجرًا من الأقربِ؛ لكثرةِ خُطواتِه إليه، قال رَسُولُ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وآلِه وصحبِه وباركَ وسلَّمَ-: "إنّ أعظَمَ الناسِ أجرًا في الصلاةِ أبعدُهم إليها مَمْشًى فأبعدُهم"، وللحرصِ على كثرة الخُطَى إلى المسجد كان بعضُ الصحابةِ-رضي اللهُ عنهم-إذا مشى إلى المسجدِ قاربَ بين خُطاه لتكثرَ درجاتُه، ويكثرَ ما يُمحى من سيئاتِه، منهم: أنسٌ وزيدُ بنُ ثابتٍ-رضي اللهُ عنهم-، قال حَمـَّادُ بنُ سَلَمةَ-رحمه الله-: "مشيتُ مع أنسِ بنِ مالكٍ إلى الصلاةِ وقد أُقيمتْ الصلاةُ، وكان يُقارِبُ بين الخُطَا، فقال لي: أتدري لِمَ أفعلُ هذا؟ فقلت: لمَ تفعلُه؟ قالَ: كذا فعل بي زيدٌ بنُ ثابتٍ، ليكونَ أكثرَ لِخَطْوِنَا".

فَليحرصِ المسلمُ ما استطاعَ أن يتطهرَ في بيتِه وأن يخرجَ للمسجد ماشيًا، ويرجعَ منه ماشيًا، وأن يمشيَ وعليه السكينةُ وأن يقارِبَ في خَطوه ليكونَ أعظمَ لثوابه، وأرفعَ لدرجاتِه، وأكثرَ في تكفيرِ سيئاتِه.

ومن كانَ عندَه عذرٌ يمنعه من المشيِ إلى المسجدِ ويأتي إليه راكبًا، فإنه يُكتبُ له أجرُ المشيِ إلى الصلاةِ-بإذن الله-كما بين ذلك الشيخُ ابن عثيمين-رحمه الله-.

وإذا كانَ بيتُك بعيدًا عن الجامعِ الذي تصلي فيه الجمعةِ، فأبشرْ بهذه البشارةِ العظيمةِ: لك بكلِّ خُطوةٍ تخطوها إلى الجامعِ أجرُ صيامِ سنةٍ وقيامِها، بشرطٍ: أنْ تعملَ خمسةَ أشياءَ: تغتسلُ، وتبكرُ في الذهابِ إلى الجامعِ-والتبكيرُ يبدأ منْ بعدِ شروقِ الشمسِ-، وتمشي، وتقتربُ من الإماِمِ، وتنصتُ وتستمعُ ولا تلغو، والموفقُ للعلمِ به قليلٌ، وللعملِ به أقلُ، قال رَسُولُ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وآلِه وصحبِه وباركَ وسلَّمَ-: "مَنْ غَسَّلَ يومَ الجمعةِ واغتسلَ، وبَكَّرَ وابتكرَ، ومشى ولم يركبْ، ودنا من الإمامِ فاستمعَ ولم يَلْغُ، كانَ له بكلِّ خطوةٍ يخطوها عملُ سنةٍ: صيامِها وقيامِها، وذلك على اللهِ يسيرٌ"، يقولُ العالمُ الكبيرُ محمدُ بنُ خزيمةَ-رحمه اللهُ-: "لا نعلمُ حديثًا للنبيِ-صلى اللهُ عليهِ وآلِه وصحبِه وباركَ وسلَّمَ-أكثرَ ثوابًا من هذا الحديثِ".

أستغفر اللهَ لي ولكم وللمسلمين...

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:

فما أعظمَ خسارةَ منْ يكونُ في جوارِ المسجد، ثم يصلي في بيتِه فتفوتُهُ هذهِ الأجورُ..

فأجملْ بالمسلمِ أن يكونَ من عُمّارِ بيوتِ اللهِ، الذين قالَ اللهُ-تعالى-فيهم: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ*رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ*لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)، وأنْ يحرصَ على ما يُقام فيها من مجالسِ العلمِ والذكرِ وتلاوةِ القرآنِ، فإنَّها خيرُ ما مشتْ إليه الأقدامُ، وأُتعبت فيه الأجسامُ، وبُذِلتْ فيه نفائسُ الأيامِ.

يا حيُّ يا قيومُ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، لا إلهَ إلا أنتَ سبحانَك إنَّا كنَّا من الظالمينَ، أسألكَ بأسمائِك الحُسْنَى، وصفاتِك العُلَى، اللهم اجعلنا وأهلنا والمسلمين ممن لا تلهيه تجارةٌ ولا وَلدٌ عن ذكرِك وعمارةِ بيوتِك، فجزيتَهم أحسنَ أعمالِهم، وتجاوزتَ عن سيئاتِهم، ورفعتَ درجاتِهم، وزدتَهم من فضلِك، ورزقتْهم بغيرِ حسابٍ، فأنتَ أكرمُ الأكرمينَ.

اللهم إني أسألُك لي وللمسلمينَ الثَّباتَ في الأمرِ، والعزيمةَ عَلى الرُّشدِ، وشُكرَ نِعمتِكَ، وحُسنَ عبادتِكَ، ولِسانًا صَادقًا، وقَلبًا سليمًا، يا ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ، يا مصرفَ القلوبِ ومقلِبَها ثبتْ قلوبنا على دينِك وطاعتِك.

اللهم اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها، اللهم اغفرْ لوالدينا وارحمْهم واجعلْهم في الفردوسِ الأعلى من الجنةِ وإيانا والمسلمينَ، اللهم إنَّي أسألك لي وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، وأعوذُ وأعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، وأَسْأَلُكَ لي ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، والدينِ والأهلِ والمالِ، اللهم اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمينَ، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، حسبيَ اللهُ ونعمَ الوكيلُ لا إلهَ إلَّا هوَ عليهِ توكلتُ وهو ربُّ العرشِ العظيمِ، اللهُمَّ عليك بأعداءِ الإسلامِ والمسلمينَ والظالمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ، اللهُمَّ إنَّا نجعلُكَ في نـُحورِهم، ونعوذُ بكَ مِنْ شرورِهم.

اللهم أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالمينَ غانمينَ.

اللهم صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ وأنبياءِ اللهِ ورسلِه وآلِهِ وصحبِهِ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.

المرفقات

1653124374_المشي إلى الصلاةِ-19-10-1443هـ-مستفادة من خطبة الشيخ سليمان بن خالد الحربي.docx

1653124376_المشي إلى الصلاةِ-19-10-1443هـ-مستفادة من خطبة الشيخ سليمان بن خالد الحربي.pdf

المشاهدات 699 | التعليقات 0