المشروع الرمضاني - doc + pdf
عبدالله اليابس
المشروع الرمضاني الجمعة 27/8/1442هـ
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، يَسْمَعُ دُعَاءَ الخَلَائِقِ وَيُجِيبُ، يُؤْنِسُ الوَحِيدَ، وَيَهدِي الشَّرِيدَ، وَيُذْهِبُ الوَحْشَةَ عَنِ الغَرِيبِ، يَغْفِرُ لِمَنِ اِسْتَغْفَرَهُ، وَيَرْحَمُ مَنِ اِسْتَرْحَمَهُ، وَيُصْلِحُ الـمَعِيبَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الـمُهَيْمِنُ وَالرَّقِيبُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الـمُقَرَّبُ وَالحَبِيبُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيهِ كُلَّمَا أَثْنَى عَلَيهِ شَاعِرٌ أَوْ أَدِيبٌ، وَعَلَى الصَّحْبِ وَالآلِ وَكُلِّ مَنِ اِنْتَسَبَ إِلَيهِ مِنْ بَعِيدٍ أَوْ قَرِيبٍ.
أَمَّا بَعْدُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.
يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ.. هَا هِيَ أَنْسَامُ الخَيْرِ تَتَسَلَّلُ لِتَمْلَأَ أَجْوَاءَنَا عِطْرًا وَعَبِيرًا، وَهَا هِيَ أَيَّامُ رَمَضَانَ تَقْتَرِبُ لِتُعْلِنَ دُخُولَ شَهْرٍ مِنْ أَفْضَلِ شُهُورِ السَّنَةِ عَلَى الإِطْلَاقِ.
نَعَمْ.. هُوَ شَهْرُ الخَيْرِ، شَهْرُ البَرَكَةِ، شَهْرُ العِتْقِ مِنَ النَّارِ.
شَهْرٌ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُبَشِّرُ أَصْحَابَهُ إِذَا دَخَلَ، أَخْرَجَ النَّسَائِيُ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَتَاكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، فَرَضَ اللهُ عَلَيكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ).
كُلُّ عَمَلٍ نَاجِحٍ لَابُدَّ أَنْ يَسْبِقَهُ تَخْطِيطٌ، وَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ يَكُونَ رَمَضَانُكَ لِهَذَا العَامِ نَاجِحًا، فَهَلْ خَطَّطْتَ لِذَلِكَ؟
اِسْمَحْ لِي أَنْ أَسْأَلَكَ: هَلْ فَكَّرْتَ فِي مَشْرُوعِكَ الرَّمَضَانِيِّ؟ أَمْ لَا زِلْتَ تَنْتَظِرُ أَنْ يَدْخُلَ الشَّهْرُ وَيَنْتَهِي دُونَ أَنْ يَكُونَ لَكَ أَيُّ مَشْرُوعٍ؟!
هَا هُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ بَدَأَتْ تَهُلُّ نَفَحَاتُهُ، وَصِرْنَا نَسْتَمِعُ خُطُوَاتِهِ الأُولَى تَقْتَرِبُ، وَهَا أَنْتَ مَا زِلْتَ حَيَّاً وَغَيْرُكَ فِي بُطُونِ القُبُورِ! وَمُعَافَىً وَغَيْرُكَ يَئِنُّ مِنْ أَمْرَاضِهِ، وَحُرَّاً طَلِيقَاً وَغَيْرُكَ فِي غَيَاهِبِ السُّجُونِ، فَمَاذَا تَنْتَظِرُ؟
إِنَّ لَدَيكَ طَاقَةً هَائِلَةً، وَإِرَادَةً قَوِيَّةً، وَرَمَضَانُ هُوَ الوَقْتُ الـمُنَاسِبُ لِتَفْجِيرِ هَذِهِ الطَّاقَاتِ، وَإِطْلَاقِ هَذِهِ القُدُرَاتِ.
إِنَّ رَمَضَانَ فُرْصَةٌ لَا تَتَكَرَّرُ فِي تَارِيخِ الِإنْسَانِ كَثِيرًا، كَونُهُ فِي العَامِ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَزَمَنُهُ مَحْدُودٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يُسْتَهْلَكَ فِي أَعْمَالٍ بَسِيطَةٍ، وَجُهُودٍ غَيْرِ مُرَتَّبَةٍ.
إِنَّ تَحْدِيدَكَ لِمَشْرُوعِكَ الرَّمَضَانِيِّ يَجْعَلُكَ تُرَتِّبُ أَوْلَوِيَاتِكَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَتَسْتَنْفِرُ كُلَّ طَاقَاتِكَ لِتَحْقِيقِ هَذَا الـمَشْرُوعِ.
وَكَمْ هِيَ الأَعْوَامُ التِي عَانَقْنَا فِيهَا رَمَضَانَ، وَبَكَيْنَا فِيهَا أَسَفَاً لِفَوَاتِ حَظِّنَا مِنْهُ لَيْلَةَ العِيدِ.
إِنَّ مَشْرُوعَكَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ تَوْبَةً خَالِصَةً للهِ تَعَالَى، تُقْبِلُ فِي هَذَا الشَّهْرِ عَلَى إِعْلَانِ عِزِّكَ بِالهِدَايَةِ، وَتَمَيُّزِكَ بِالاِسْتِقَامَةِ، وَتُعْلِنَ فِيهَا رُجُوعَكَ إِلَى رَبِّكَ وَمَوْلَاكَ، وَسُلُوكَكَ الطَّرِيقَ الصَّحِيحَ الذِي أَوَّلُهُ سَعَادَةٌ فِي الدُّنْيَا، وَآخِرُهُ جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضِ، وَيَكْفِيْكَ مَحَبَّةُ اللهِ لَكَ: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ}.
كَمْ مِنْ إِنْسَانٍ كَانَ رَمَضَانُ بِدَايَةَ حَيَاتِهِ السَّعِيدَةِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا أَفْرَاحُ قَلْبِكَ، وَسُمُوُّ رُوحِكَ، لَكَانَ كَافِياً، فَكَيفَ إِذَا عَلِمْتَ حَدِيثَ رَسُولِكَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الذِي رَوَاهُ اِبْنُ مَاجَهْ وَغْيرُهُ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ عَنِ اِبْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ).
أَيُّهَا الأَخُ الـمُبَارَكُ.. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَشُرُوعُكَ: تَجْدِيدَ الصِّلَةِ بِاللهِ تَعَالَى، فَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَعِيشُ شَعَثَاً فِي وَقْتِهِ وَعِبَادَتِهِ، وَصِلَتِهِ بِاللهِ تَعَالَى، فَلَيسَ لَهُ وِرْدٌ مُحَدَّدٌ مِنْ صَلَاةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَو قِرَاءَةِ قُرْآنٍ أَوْ بِرٍّ وَصِلَةٍ وَمَعْرُوفٍ.
رَتِّبْ قَبْلَ دُخُولِ الشَّهْرِ وِرْدَاً ثَابِتَاً فِي هَذَا الـمَشْرُوعِ.. مِنْ قِرَاءَةِ قُرْآنٍ.. أَوْ أَذْكَارٍ وَتَسْبِيحَاتٍ وَأَوْرَادٍ.. أَوْ عَمَلِ صَالِحٍ آخَر.. وِرْدٌ ثَابِتٌ لَا تَتَنَازَلُ عَنْهُ فِي أَيَّامِ وَلَيَالِي شَهْرِ رَمَضَانَ كُلِّهِ، وَسَتَجِدُ مِنْ صَفَاءِ قَلْبِكَ وَرِقَّةِ مَشَاعِرِكَ وَحَيَاةِ رُوحِكَ مَا لَا تَسَعُهُ مَشَاعِرُ إِنْسَانُ.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالقُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، قَدْ قُلْتُ مَا سَمِعْتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَه إِلَّا اللهُ رَبُّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ وَقَيَّومُ السَّمَاوَات وَالأَرَضِين، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى الْمَبْعُوثِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين، وَعَلَى مَنْ سَارَ عَلَى هَدْيِهِ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ إِلَى يَوْمِ الدِّين.
أَمَّا بَعْدُ: {ياأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}.
يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ.. مَا زَالَ الحَدِيثُ فِي الـمَشْرُوعِ الرَّمَضَانِيِّ.. فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَشُروعُ الإِنْسَانِ: تَدَبُّرُ كِتَابَ اللهِ تَعَالَى، بِحَيثُ يَجْعَلُ لَهُ أَوْقَاتَاً مُحَدَّدَةً لِهَذَا الـمَشْرُوعِ بَعْدَ أَنْ يُحَدِّدَ لَهُ كُتُبَاً مِنْ كُتُبِ التَّفْسِيرِ تُعِينُهُ عَلَى تَحْقِيقِ مَشْرُوعِهِ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَشْرُوعُ الإِنْسَانِ: إِغَاثَةُ الفُقَرَاءِ وَالأَيْتَامِ وَالأَرَامِلِ وَالـمَسَاكِينِ، وَالقِيَامِ عَلَى رِعَايَتِهِمْ فِي هَذَا الشَّهْرِ، وَإِيصَالِ كُلِّ صَاحِبِ فَضْلٍ إِلَيْهِمْ، وَتَرْتِيبِ أَوْضَاعِهِمْ وَالقِيَامِ عَلَى خِدْمَتِهِمْ.
إِنَّ الـمُجْتَمَعَ اليَوْمَ بِحَاجَةٍ لِأَنْ يَنْزِلَ إِلَى مَيْدَانِ العَمَلِ الأَفْرَادُ الذِينَ يَجْلِسُونَ عَلَى دَكَّةِ الاِحْتِيَاطِ، فَالنَّارُ إِنْ كُنْتَ تَرَاهَا اليَوْمَ وَلَمْ تُطْفِئْهَا، فَسَتَصِلُ إِلَى طَرَفِ ثِيَابِكَ غَدًا لَا قَدَّرَ اللهُ، وَتَذَكَّرْ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (فَوَ اللَّهِ لَإِنْ يَهْدِي اللهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ).
إِنَّ رَمَضَانَ فُرْصَةٌ لِإِحْدَاثِ نَقْلَةٍ مَشَاعِرِيَّةِ وَجَسَدِيَّةٍ فِي حَيَاتِنَا، وَفُرْصَةٌ أَنْ نَقِفَ عَلَى الفَرْقِ الكَبِيرِ بَيْنَ العَمَلِ العَشْوَائِيِّ غَيرِ الـمُرَتَّبِ، وَبَيْنَ الـمَشْرُوعِ فِي حَيَاةِ الإِنْسَانِ.
تَذَكَّرْ أَنَّ القَنَـاعَةَ بِالدُّونِ دَنَاءَةٌ:
وَتَعْظُمُ فِي عَيْنِ الصَّغِيرِ صِغَارُهَا *** وَتَصْغُرُ فِي عَيْنِ الكَبِيرِ العَظَائِمُ
أَيُّهَا الأَخُ الحَبِيبُ.. سَتَأْتِي إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى تِلْكَ اللَّحْظَةُ التِي تَقِفُ فِيهَا عَلَى تَكْبِيرَاتِ الـمُسْلِمِينَ بِنِهَايَةِ رَمَضَانَ وَدُخُولِ العِيدِ، وَقَدْ كَتَبْتَ فِي تَارِيخِ حَيَاتِكَ أَرْوَعَ الأَمْثِلَةِ عَلَى قُدْرَتِكَ فِي إِدَارَةِ مَشْرُوعِ حِيَاتِكَ، وَعِنْدَ الصَّبَاحِ يَحْمَدُ القَوْمُ السُّرَى.
يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. أَكْثِرُوا مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِيْ كُلِّ وَقْتٍ وَحِيْنٍ، وَأَكْثِرُوا مِنْهَ فِي هَذَا اليَومِ الجُمُعَةِ، فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
عِبَادَ اللهِ.. إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى، وَيَنْهَى عَنْ الفَحْشَاءِ وَالـمُنْكَرِ وَالبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
هذه الخطبة مقتبسة من مقال (مشروعك الرمضاني) للشيخ مشعل الفلاحي.
http://www.saaid.net/Doat/mashal/62.htm
المرفقات
1617804906_المشروع الرمضاني 27-8-1442.docx
1617804909_المشروع الرمضاني 27-8-1442.pdf
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق