المسيح الدجال (مجمل الأحاديث الصحاح)
محمد بن عبدالله التميمي
الحمد لله خلق فسوى، وقدر فهدى، أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أرجو بها النجاة، والفوز برضاه، وأشهد أن محمدا عبدُ الله ومولاه، وخليله ومصطفاه، بشر من اتبعه وأنذر من خالف أمره وعصاه، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله من صحبه ومن بإحسان ثبت ووالاه، أما بعد: فاتقوا الله وأعدوا العدة ليوم لقاه، بصدق الإيمان به، وحسن التوكل عليه، ونصوح التوبة إليه، وسلامة القلب من الشرك والنفاق والغل والحسد والإغلاق، وسلامة الظاهر من البدعة والمعاصي وسيء والأخلاق { وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}. عباد الله.. إن المسلم لربه مستسلم، ولخبره وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم مسلِّم، كما وصفهم الله في أول صفاتهم في سورة البقرة فقال: { الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} ومن ذلك الغيب الذي أخبر الله به علامات الساعة التي تسبقها من صغرى سلف معظمها، ومن كبرى بين يدي قيامها، روى الإمام مسلم عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ، قَالَ: اطَّلَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ، فَقَالَ: «مَا تَذَاكَرُونَ؟» قَالُوا: نَذْكُرُ السَّاعَةَ، قَالَ: «إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ - فَذَكَرَ - الدُّخَانَ، وَالدَّجَّالَ، وَالدَّابَّةَ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَأَجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَثَلَاثَةَ خُسُوفٍ: خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ، تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ». وقد رجح جمع من أهل العلم من مجموع الأحاديث أن خروج الدجال أول العلامات، فحديثنا هذه الجمعة عن هذه العلامة العظيمة والفتنة الكىرى التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة منها في عامة الأوقات، وفي خصوص أدبار الصلوات، كما في حديث أبي هريرة وسعد وعائشة وابن عباس وابن عَمْرو وأنس، فعن ابن عباس كَانَ يُعَلِّمُهُمْ هَذَا الدُّعَاءَ كَمَا يُعَلِّمُهُمُ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ يَقُولُ قُولُوا: «اللهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ» رواه مسلم. إنها فتنة كبرى قال فيها النبي ﷺ: « مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ خَلْقٌ أَكْبَرُ مِنَ الدَّجَّالِ » رواه مسلم، و« مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَنْذَرَ قَوْمَهُ الأَعْوَرَ الكَذَّابَ، إِنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ » متفقٌ عليه، وصفه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: « أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى» متفق عليه، وفيهما أنه صلى الله عليه وسلم قال: «مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ» ولمسلم: « ثُمَّ تَهَجَّاهَا ك ف ر يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُسْلِمٍ » « كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ ». عباد الله.. إن من أسباب عظِم فتنة الدجل ما أخبر به ﷺ فقال: «مَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ، فَنَارُهُ جَنَّةٌ وَجَنَّتُهُ نَارٌ» رواه مسلم، وفي رواية له أنه ﷺ قال: « لَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا مَعَ الدَّجَّالِ مِنْهُ، مَعَهُ نَهْرَانِ يَجْرِيَانِ، أَحَدُهُمَا رَأْيَ الْعَيْنِ، مَاءٌ أَبْيَضُ، وَالْآخَرُ رَأْيَ الْعَيْنِ، نَارٌ تَأَجَّجُ، فَإِمَّا أَدْرَكَنَّ أَحَدٌ، فَلْيَأْتِ النَّهْرَ الَّذِي يَرَاهُ نَارًا وَلْيُغَمِّضْ، ثُمَّ لْيُطَأْطِئْ رَأْسَهُ فَيَشْرَبَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ مَاءٌ بَارِدٌ». يسألُ الصحابةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: كم لَبْثُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: «أَرْبَعُونَ يَوْمًا، يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ، أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ؟ قَالَ: «لَا، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا إِسْرَاعُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: « كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ، فَيَأْتِي عَلَى الْقَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ، فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ، فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ، وَالْأَرْضَ فَتُنْبِتُ، فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ، أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرًا، وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا، وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ، ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ، فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ، فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ، فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ، فَيَقُولُ لَهَا: أَخْرِجِي كُنُوزَكِ، فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ" رواه مسلم. وأما أتباعه فكما قال صلى الله عليه وسلم: «يَتْبَعُ الدَّجَّالَ مِنْ يَهُودِ أَصْبَهَانَ، سَبْعُونَ أَلْفًا عَلَيْهِمُ الطَّيَالِسَةُ» رواه مسلم، ومن أتباعه: الخوارج قال صلى الله عليه وسلم: «لا يزالون يخرجون حتى يخرج آخرهم مع الدجال» رواه الإمام أحمد، ذلك أنه يخرج كما قال النبي ﷺ: «في خفقة من الدين، وإدبار من العلم» رواه أحمد، عباد الله.. لما ذكر نبي الله صلى الله عليه وسلم خروج الدجال قال: «فعاث يميناً وعاث شمالاً، يا عباد الله فاثبتوا» رواه مسلم. فاللهم ثبتنا، ومن كل فتنة أعذنا، لا حول ولا قوة إلا بك وأنت الحفيظ العليم، وأستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية الحمد لله اللطيف الخبير، والصلاة والسلام على نبينا محمد السراجِ المنير، وعلى آله وصحبه وكلِّ من تبعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن الدجال وقد سمعتم من خبره أن الناس عنه يفرون لكن القليل يثبتون، قال النبي ﷺ: «لَيَفِرَّنَّ النَّاسُ مِنَ الدَّجَّالِ فِي الْجِبَالِ» رواه مسلم، لكنه لا يدع بلدا إلا دخله، في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلَّا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ، إِلَّا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ، وَلَيْسَ نَقْبٌ مِنْ أَنْقَابِهَا إِلَّا عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ صَافِّينَ تَحْرُسُهَا، فَيَنْزِلُ بِالسِّبْخَةِ، فَتَرْجُفُ الْمَدِينَةُ ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ، يَخْرُجُ إِلَيْهِ مِنْهَا كُلُّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ». إليكم عباد الله خبر مقتلِ الدجال على يد رسول الله عيسى بن مريم عليه السلام قال صلى الله عليه وسلم: «فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ، بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ، وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ، إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ، وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ، فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ، فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ، فَيَقْتُلُهُ» رواه مسلم. اعتصموا عباد الله بالله استعاذة به من كل فتنة ومن شرِّ هذه، واعتصموا بكتاب الله وتترسوا به من كل فتنة ومن هذه، كما قال صلى الله عليه وسلم: «فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ، فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ»، ثم صلوا وسلموا على رسول الله وخليله، كما أمركم ربكم جل وعلا وهو الصادق في قيله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}
المرفقات
1625127899_خطبة عن الدجال.docx
1625127899_خطبة عن الدجال.pdf