المسجد الاقصى الى اين

عبدالوهاب عبدالله
1436/12/25 - 2015/10/08 19:57PM
كان الإسراء من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى بالقدس، وهذان المسجدان مع المسجد النبوي بالمدينة هي المساجد التي قال عنها رسول الله : ((لا تُشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا والمسجد الأقصى))(1)[1]، فهي مساجد الأنبياء، الأول قبلة الناس وإليه الحج، الثاني أسس على التقوى، الثالث، وله تاريخ مجيد مع رسل الله عليهم السلام؛ فقد هاجر إليه الخليل عليه السلام، وبُعث في أرضه إسحاق ويعقوب، ومن أرضه أُخرج يوسف طفلا إلى مصر في قصته المشهورة، ثم عاد بنو إسرائيل إليها بعد هلاك فرعون، وفتحها يوشع بن نون، وفيها بعث داود وسليمان وزكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام في جمع من الأنبياء والمرسلين، حتى كانت بلد المسيح، ومنها رفع إلى السماء، وكانت قبلة بني إسرائيل، والقبلة الأولى للمسلمين قبل أن يحول الله تعالى القبلة إلى الكعبة. وجاء فيها من الفضل أن الصلاة في المسجد الأقصى بخمس مئة صلاة فيما سواه إلا مسجدي مكة والمدينة كما جاء في الحديث. وهذا الحديث من أعلام النبوة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر فضل الصلاة فيه كان النصارى يسيطرون عليه، فهو دليل على أنها ستفتح وتنتقل لولاية المسلمين، فكان كذلك.
فالمسجد الاقصى كان قبلة الأمم السالفة، وظل كذلك قبلة لأمة نبينا محمد تصلي نحوه ستة عشر شهرا، ثم أمروا بالبيت، وهذه المساجد هي التي يتجه إليها المسلمون من بقاع الأرض لعبادة الله، الأولى بمساجد الله تعالى من يقيم دينه، ويتبع رسله، ويعظم كتبه، ويعمل بشرعه. ولم يكن أحد كذلك بعد بعثة النبي الخاتم محمد عليه الصلاة والسلام إلا أتباعه؛ ولذا توجهت همة النبي صلى الله عليه وسلم لتطهير الشام من الشرك بعد تطهير مكة، وضم المسجد الأقصى إلى مسجدي مكة والمدينة في ولاية المسلمين عليهما، فكانت سرية مؤتة ثم غزوة تبوك باتجاه الشام، وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم، وتواصل جهد الخليفتين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما لضم المسجد الأقصى للمسلمين، حتى انتصر المسلمون في معارك الشام، فسار عمر رضي الله عنه بنفسه وهو خليفة المسلمين آنذاك من المدينة إلى بيت المقدس ليتسلم مفاتيحها من كبار النصارى الذين بدلوا دينهم، وحرفوا كتابهم. فكانت المساجد الثلاثة حقا للمسلمين إلى يوم القيامة؛ لأنها مساجد الله تعالى، شيدها أنبياؤه عليهم السلام، وشرعوا فيها ما لم يُشرع في غيرها، ولا تشد الرحال على وجه التعبد إلا إليها دون سائر بقاع الدنيا ومساجدها
ولقد عمل المسلمون عام 15 في خلافة عمر على ضم المسجد الثالث إلى أخويه، فما كان لهم أن يتركوا قبلتهم الأولى ومسرى نبيهم بيد من لا يؤمن بالله ورسوله، فهم يقرؤون في كتاب الله تعالى: سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى فإذا كانت راية الإسلام قد ارتفعت فوق جبال مكة حيث كان انطلاق الإسراء، فلا يعقل أن تبقى الأرض التي أم فيها رسول الله الأنبياء تحت حكم أعداء الله، لذلك بعث عمر بن الخطاب أبا عبيدة بن الجراح لفتح دمشق وبعد فتحها اتجه إلى بيت المقدس فحاصرها، وطلب أهلها أن يأتي عمر بنفسه. فجاء ليتمّ فتح مسرى النبي على يد الخليفة الثاني عمر، فدخل المسجد من الباب الذي دخل منه رسول الله ، وصلى بالمسجد الأقصى معلنا بذلك أن القدس ومسجدها للإسلام، وبقي المسجد الأقصى آمنا يعمره أهل الإيمان إلى أن قام عباد الصليب باحتلاله يوم 23 شعبان 492 هـ، فقتلوا فيه في يوم واحد أكثر من سبعين ألف مسلم بينما لم تسقط نقطة دم عند فتحه على يد عمر وجيش الإسلام، وظل عباد الصليب يفسدون في أرض الإسراء، وساعدهم على ذلك اختلاف حكام المسلمين فيما بينهم وتنافسهم على الكراسي حتى شاء الله تعالى أن يأتي بالفرج على يد صلاح الدين الأيوبي الذي قاد جيشا مباركا، فتح به أرض فلسطين وهزم الصليبين في معركة ((حطين)) عام 583.
والنصر والفتح لا يمنحه الله تعالى إلا للمؤمنين الصادقين المجاهدين لإعلاء كلمة الدين فصلاح الدين عاد بالمسلمين إلى عهد السلف فأقام العدل وابتعد عن اللهو والعبث وأنفق الأموال في مصالح الأمة، وعندما مات لم يخلف في ملكه إلا سبعة وأربعين درهما، وكان محبا للعلماء يحرص على مجالستهم وينتفع بإرشادهم فحرص على الجهاد ورفع راية الإسلام وتحرير أرض فلسطين، فحقق الله آماله، قال تعالى: وكان حقا علينا نصر المؤمنين ، وعندما اقترب من القدس خاف الصليبيون أن يعاملوا بالمثل فطلبوا الأمان، فأجابهم لذلك، وفتح الله القدس للمسلمين مرة أخرى دون أن تسقط نقطة دم وشاء الله أن يعود بيت المقدس إلى الإسلام يوم الجمعة 27رجب عام 583 بعد أن بقي مدة 92سنة تحت الاحتلال الصليبي .
عباد الله، في سورة الإسراء نقرأ الإشارة إلى حكمة الإسراء لنريه من آياتنا وبمناسبة المسجد الأقصى يذكر كتاب موسى وما قضى فيه لبني إسرائيل من هلاك وتشريد بسبب إفسادهم وطغيانهم، قال تعالى: وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا ، فالله تعالى يخبر أن بني إسرائيل سيفسدون في الأرض المقدسة التي بها المسجد الأقصى مرتين، خلال دولتين تقومان على الظلم والبغي والاستكبار، وأنهم كلما ارتفعوا وسيطروا واتخذوا ذلك وسيلة للإفساد سلط الله عليهم من عباده من يقهرهم ويدمرهم، ويذكر العلماء أن الإفساد الأول وقع بقتلهم للأنبياء، ومخالفة أحكام التوراة، وأن المرة الثانية لم تقع بعد، وما يقع الآن في أرض فلسطين مقدمة للمرة الآخرة.
فها هم بنو إسرائيل قد بلغوا من العلو والسيطرة ما لم يبلغوه من قبل، فاحتلوا أرض فلسطين والقبلة الأولى وأخضعوا أقوى دول العالم لسيطرتهم، وهيمنوا على الإقتصاد ووجهوا وسائل الإعلام، وتوددت إليهم مختلف الدول، وأصبح أمرهم هو المطاع وهم يعلنون، بكل وقاحة، أنهم سادة الدنيا وغيرهم عبيد، يقول أحد حاخامتهم (الأغيار، أي غير اليهود، مخلوقات شيطانية كلية لا يوجد فيها ما هو خير إطلاقا ووجود غير اليهودي ليس ضروريا حيث أن كل الخليقة كانت من أجل اليهود وحدهم) هذه عقيدتهم ولذلك تراهم اليوم يعملون على الهيمنة على اقتصاد البلاد الإسلامية، ليكونوا سادة مسيطرين، لكن نحن على يقين أن وعد الله حق، وأن وعد الآخرة آت لا ريب فيه فنبينا عليه الصلاة والسلام يقول: ((لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك، قالوا يا رسول الله وأين هم قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس)) وأخبر أن المسلمين سيقاتلون يهود، وأن الحجر سينطق مخبرا بأماكن وجودهم، ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز .
وسبب هذه الأحقية هي أن الإسلام هو دين الحق الذي ارتضاه الله تعالى لعباده، فكان حملة دينه وأتباع رسله عليهم السلام أولى بمساجده سبحانه وتعالى من غيرهم من أهل الملل والنحل، فهم يقيمون توحيده فيها، ويمنعون أهل الشرك منها. إن تاريخ المساجد الثلاثة تاريخ يشع بأنوار النبوة والوحي، وهو تاريخ يزخر بالعلم والعلماء والكتب والمصنفات التي كتبت ودُرِّست في زوايا المساجد الثلاثة وما حولها، وهو تاريخ يحكي سير العُبَّاد الذين جاوروا في المساجد الثلاثة فأحيوها بالقرآن والذكر حتى صاروا أمثلة تحتذى في العبادة والزهد. وليس ذلك لأحد إلا لأمة الإسلام، وأحاديث فضائل المساجد الثلاثة تحمل المسلمين مسئولية الحفاظ عليها من اعتداء المعتدين، وقد فعل المسلمون ذلك في سالف القرون أيام الاحتلال الصليبي لبلاد الشام، وكذلك يجب على المسلمين رد العصابات الصهيونية عن المسجد الأقصى، وهم يريدون هدمه وبناء هيكلهم؛ لنقل أرضه من أرض يسجد لله تعالى فيها ويعبد ويوحد إلى أرض يشرك فيها بالله تعالى، ويعبد غيره. اعلموا فضل مساجدكم، وحقيقة أعدائكم، وما يريدونه بكم وبمقدساتكم؛ فإنهم لا يضمرون إلا الشر للإسلام وأهله كما قال الله تعالى [وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللهِ نَصِيرًا] {النساء:45} وقد أخبرنا عن اليهود والنصارى فقال سبحانه [وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقُّ] {البقرة:109} وفي آية أخرى [وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ اليَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ] {البقرة:120} كما أخبرنا سبحانه عن المنافقين فقال [وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً] {النساء:89} وقال سبحانه [هُمُ العَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ] {المنافقون:4}
إن المسلمين هم أولياء المساجد الثلاثة، وهم الأحق بها من الصهاينة والصليبيين الذين لا يريدون إلا الإفساد في المساجد الثلاثة، وتلويثها بالشرك بعد أن صفت بالتوحيد، فمسئولية المسلمين في هذا الزمن حكاما ومحكومين عظيمة في الدفاع عن المساجد الثلاثة، وحراستها ممن يريد المساس بها، وفضح كل توجه مريب يريد الالتفاف على ولاية المسلمين عليها بدعوى تدويلها؛ فإنهم لما فعلوا ذلك بالقدس بعد النكسة سلموها لليهود.
فالمساجد الثلاثة حق خالص للمسلمين لا ولاية ليهودي ولا نصراني ولا باطني ولا لغيرهم على شيء منها، وهي وقف لا يسع أحدا التصرف فيه أو التنازل عنه، ومتى ما فهم المسلمون هذا المعنى أدركوا حجم المسئولية الملقاة عليهم بالحفاظ على المساجد الثلاثة، حفظها الله تعالى بحفظه، وجعلها أبد الدهر عامرة بذكره، وجنبها وأهلها كل سوء ومكروه، إنه سميع مجيب. نسأل الله تعالى أن يكبت الصهاينة ، وأن يردهم على أعقابهم خاسرين، وأن يحفظ المساجد الثلاثة من كيدهم وشركهم، إنه سميع مجيب.
المشاهدات 1342 | التعليقات 0