المستقبل للإسلام خطبة للشيخ د عبدالعزيز بن محمد السدحان

سعد أبوخليل
1440/05/19 - 2019/01/25 10:39AM

المستقبل للإسلام

 إن الحمد لله... أما بعد:

فمعاشر المسلمين: من المعلوم قطعا أن دين الإسلام أعظم الأديان السماوية وأشملها وأتمها وأكملها "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا" فلا كمال بعد إكمال الله تعالى ولا تمام بعد إتمام الله تعالى ولا مرضاة بعد مرضاة الله تعالى. دين تنساق معه الفطر وتطمئن إلى أحكامه القلوب وتشهد بل تقطع بعظمته العقول. دين غيّر مجرى تاريخ البشرية، رفع أقواما وخفض آخرين، أقام دولا وأزال دولا. عز قوم في أممهم وارتفعوا فجاءهم الإسلام فنبذوه وحاربوه فذلوا بعد عز وهبطوا بعد رفعة، وذل آخرون في أممهم فجاءهم الإسلام فهشوا له ولزموه وأحبوه، فعزوا بعد ذل، وارتفعوا بعد إهانة، دين أصلح أمور الدنيا والآخرة، دين عني بما ينفع الناس في جميع شئونهم، عني بنظافة الباطن والظاهر، فهذب القلوب من أدران الشرك والبدع، وحث على نظافة الثوب والبدن، هذب الجوارح وسلك بها طرق الخير ورغبها، وحذرها من طرق الشر ورهبها، عظم شأن العدل بين الناس ووعد عليه، وعظم شأن الظلم للناس وأوعد عليه. شاهد المقال: أن دين الإسلام أصلح شئون الناس في الحياة كلها، بيّن حسنها من سيئها فأضحت أمة الإسلام خير الأمم، وأصبحت دولة الإسلام شمسا للبشرية جمعاء، فدار الخلافة في المدينة كانت محط أنظار الأمم الأخرى هيبة وشموخا بعزة الإسلام وأهله، ودار الخلافة في دمشق كانت موئلا لمختلف العلوم والمعارف، وبلغ هذا الأمر ذروته في عاصمة الخلافة العباسية بغداد، وقل مثل هذا أو زد عليه في عصور الأندلس الذهبية عندما كان المسلمون قد بهروا المجتمعات الأخرى بالتقدم العلمي والحضاري، وأصبحت قرطبة محطا لركائب الراغبين في تحصيل العلوم النظرية والتطبيقية. وكانت المجتمعات الأخرى تغط في سبات عميق من الجهل والظلام، وقد لبست ثياب الفوضى والاضطراب الفكري والحضاري والأخلاقي، وقد دون التاريخ وشهدت صفحاته بعظمة التقدم العلمي للمسلمين، وإمساكهم بزمام الأمور في تلك العصور، وكيف كان أهل الملل الأخرى يقفون موقف المتفرج والسائل الذليل، وقد شهد بذلك كثير من غير المسلمين كقول أحدهم:(كل الشواهد تؤكد أن العلم الغربي مدين بوجوده إلى الثقافة الإسلامية) إلى غير ذلك من الشواهد.

يا منكرا في جحود فضل أمتنــــــــــــــــــا    سل البريـــــــــــــــــة دانيها وقاصيـــــــــــــــها

      عن دولة العز والأمجاد من سطعت     شمس الهداية في شتى نواحيــــــــــــــــها

   قال الأمانـــــــــــــــــــــــــة في قول وفي عمل     فقلت يا صاح دين الحق داعيـــــــــــــــها

   قال النظافة في روح وفي بــــــــــــــــــــــدن     فقلت في دينــــــــــــــــنا أسمى معانـــــــيها

   قال التـــــــــــــــــــحرر من ذل ومن وهن     ومن عبــــــــــــــــــودية للنفس ترديــــــــــــــها

   فقلت في عجب –يا للجحود-فمن    سوى ديننا الحق من قد جاء يعليها

   قال المساواة بين النـــــــــــــاس كلهم     فقلت من غيرنا يسعى ليحميـــــــــــها

   قال المعارف قلت بأرضنا نبتـــــــــــت     من القديم بعذب الماء نرويـــــــــــــــــــــها

   قال العلوم وما أعطــــــــت فقلت له     سل الخبير بها من كان راعيـــــــــــها

   ارجع إلى كتب التاريخ سوف ترى     أن الحضـــــــــــــــــارة طُرّا نحن أهلوها (1)

 معاشر المسلمين: ولقد جاءت نصوص كثيرة فيها بشارات بأن المستقبل لهذا الدين. معاشر المسلمين: ومع كفاية تلك النصوص وقطعيتها بأن المجد والعز والهيمنة للإسلام فهناك أيضا شواهد كثيرة تدل أن تلك النظم من الحضارات القائمة على قوانين بشرية لم ولن تستطيع إسعاد الناس كما في أحكام الإسلام.

 معاشر المسلمين: ومن المبشرات في أن المستقبل لهذا الدين قوله صلى الله عليه وسلم:"لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى" فقالت عائشة: (يا رسول الله إن كنت لأظن حين أنزل الله:"هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون" ان ذلك تاما) قال:"إنه سيكون من ذلك ما شاء الله" أخرجه مسلم. ومن البشائر أيضا ما رواه ثوبان رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها" أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي. ومن البشائر أيضا قوله صلى الله عليه وسلم:"ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزا يعز الله به الإسلام وأهله وذلا يذل به الكفر" أخرجه الإمام أحمد عن تميم الداري رضي الله تعالى عنه، قال تميم:(قد عرفت ذلك في أهل بيتي لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز، ولقد أصاب من كان كافرا منهم الذل والصغار والجزية).

 معاشر المسلمين: ومن البشائر أيضا ما أخرجه الإمام أحمد والدارمي وغيرهما عن أبي قبيل قال: كنا عند عبدالله بن عمرو بن العاص، وسئل أي المدينتين تفتح أولا؛ القسطنطينية أو رومية؟ فدعا عبدالله بصندوق له حِلَق. فأخرج منه كتابا، فقال رضي الله تعالى عنهما: بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أي المدينتين تفتح أولا أقسطنطينية أو رمية؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مدينة هرقل تفتح أولا" يعني قسطنطينية. ورومية هي روما كما في معجم البلدان وهي عاصمة إيطاليا اليوم. قال بعض أهل العلم من المحدثين: وقد تحقق الفتح الأول –وهو فتح القسطنطينية-على يد محمد الفاتح العثماني كما هو معروف، وذلك بعد أكثر من ثمانمائة سنة من إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بالفتح، وسيتحقق الفتح الثاني بإذن الله تعالى ولا بد ولتعلمن نبأه بعد حين. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.   

 الخطبة الثانية

الحمد لله الذي يخلق ما يشاء ويحكم ما يريد، معاشر المسلمين: وهذه المبشرات النبوية العظيمة هي بعض من كل مما جاء في أخبار النبوة، فعلى المسلم أن يتفاءل ولا يتشاءم وأن ينشط ولا يكسل، وليعلم المسلم الصادق علم اليقين أن ما أصاب ويصيب الإسلام وأهله إنما هو من ابتلاء الله تعالى تارة بسبب ذنوبهم وتارة لرفعة قوم وتارة لخفض آخرين، حكمة بالغة، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وبكل حال فالنصر والغلبة والمجد والعزة والرفعة للإسلام وأهله، ولتلك البشائر أسباب يهيء الله تعالى لها مسببات، فعليك عبدالله بالتفاؤل، فالتفاؤل ماء زلال يسقي شجرة الحياة فتزهو وتخضر ويزين ريحها ومنظرها وطعمها. إياك والتشاؤم؛ فالتشاؤم داء عضال يصغر الخير ويقلله، ويكبر الشر ويكثره، يضعف الهمة ويقتل العزيمة ويجعل عاقبة الأمر خسرا. وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.

 اللهم يا ذا الأسماء الحسنى ويا ذا الصفات العلى يا رفيع الدرجات ويا مجيب الدعوات ويا مفرج الكربات، اللهم رد من ضل من المسلمين إلى الدين ردا جميلا، اللهم ارزقنا العمل للإسلام بعلم، وارزقنا الغيرة على الإسلام بعلم، اللهم واصرف عنا شر الأشرار وكيد الفجار، اللهم وفق حكامنا وحكام المسلمين إلى ما فيه صلاح الدين والدنيا. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

المشاهدات 1804 | التعليقات 0