المستظلون بظل العرش (4)"رجلان تحابا في الله"

د. منصور الصقعوب
1434/02/07 - 2012/12/20 08:56AM
[font="]
[/font]
[font="][/font]
[font="]إن الحمد لله نحمده سبحانه، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.[/font]
[font="]أما بعد [/font]
[font="]{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}[/font]
[font="]عباد الله: الإنسان بطبعه يألف ويخالط, جبله ربه على الخلطة والمصاحبة, وجعله يميل إلى أشباهه, وإذا كانت المخالطة جبلة فإنها تكون في الخير وربما في الشر, وإذا كان في الأصحاب من يقربك للرحيم الوهاب, فإن منهم من يهوي بك في الردى والعصيان, ويقربك من الشيطان, وحينها تعرف قدر الصاحب في الله, الأخ المعين على طاعة الله, وحديث اليوم متمم لأحاديث مضت عن المستظلين بظل العرش وهو عن رجلين تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه [/font]
[font="]معشر الكرام[/font][font="]: حينما يتكاثر الناس بالأموال ويتفاخرون بالأعراض والجاه, ويتسابقون إلى نيل الملذات وعقد العلاقات فليس ثمة علاقةً أوثق, وعملاً أسعد من الأخوة في الله, نعم, إنها الصداقة الصادقة والمحبة الصافية والأخوة الحقة [/font]
[font="]ولأن الصحبة قد تعين على الطاعة وتثبت على الاستقامة أكد الشرع على فضيلة الصداقة إذا كانت لله خالصة, ولله در المحب لله, والاخ الصادق الذي كانت محبته لا لأجل دنيا ولا مال بل لله وفي الله, فقد نال من المطالب أسناها ومن المراتب أعلاها, وكفاه شرفاً أن رسول الله [/font][font="]<[/font][font="] قال[/font][font="]"[/font][font="]ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان. أن يحب المرء لا يحبه إلا لله[/font][font="]"[/font][font="] [/font]
[font="]كفاه عزاً وفخراً أن النبي [/font][font="]<[/font][font="] قال فيهم كما في حديث عمر بن الخطاب «إن من عباد الله لأناسا ما هم بأنبياء، ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة، بمكانهم من الله تعالى» قالوا: يا رسول الله، تخبرنا من هم، قال: «هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم، ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور، وإنهم على نور لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس» وقرأ هذه الآية {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} [/font][font="][يونس: 62].رواه أبو داود.[/font]
[font="]منقبة إذا كانت صداقتهم لله أنهم من قوم يستظلون بظل العرش فمن السبعة الذين يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه.[/font]
[font="]أيها المبارك[/font][font="] : تلفت من حولك تجد أناساً كثيراً كلهم يقول إنه صديق لك, محب يبحث عن مصلحتك, وفي الرخاء ما أكثر الأصدقاء ولكن يوم أن تأتي الشدة تلتفت فلا ترى إلا الندرة [/font]
[font="]وما أكثر الأصحاب حين تعدهم* ولكنهم في النائبات قليل[/font]
[font="]فمن هو الأخ حقاً يا ترى؟[/font]
[font="]إن الأخ والصاحب ليس من جمعك معه عمل أو دراسة ولا من دعاك لعشاء أو مناسبة إنما الصاحب من نصح لك وقام بحق الصحبة, وما أقلهم في هذا الزمان [/font]
[font="]وليس المراد بالصاحب ذلك القرين الذي يصحبك كما يصحبك الشيطان, يعينك على المعصية , فذاك ممن لا خير لك إلا في مباعدته, إنما الأخ والصاحب هو الذي يدعوك إلى الخير, ويعينك على أمر الدين والدنيا.[/font]
[font="]إنه الصاحب الذي قال فيه الحسن [/font][font="]"[/font][font="]إخواننا أحب إلينا من أهالينا وأولادنا, لأن أهلنا يذكِّروننا بالدنيا, وإخواننا يذكرونا بالأخرة [/font][font="]"[/font][font="].[/font]
[font="]وما ذاك إلا لأن كل صداقة في الدنيا فستؤول إلى عداوة في الأخرة, إلا الصداقة التي وثق الدين بين أصحابها . { الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ }[/font]
[font="]وكم من صاحب سيبرأ من صاحبه يوم القيامة وآخر سيندم على أن صاحب أهل الشر, ويقول { يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا }[/font]
[font="]فآكد الأمور أيها المبارك أن تجعل أخوتك لله, لا يزيدها برٌ ولا ينقصها جفاء[/font]
[font="]أيها الفضلاء[/font][font="]: وفي زمن غاب فيه طعم الأخوة, وندر الصديق الوفي فكم نحن بحاجة إلى التذكير بحقوق الصحبة لتكون الأخوة صادقة وليدخل أصحابها في وصف المتحابين في الله رجاء أن يكونوا من المستظلين بظل العرش. [/font]
[font="]فمن حقوق الصحبة: المواساة بالمال, فالمتواخيين إذا احتاج أحدهما لمالٍ سدّ خلتَهُ صاحبُه, وأي صداقة وأخوة تدّعى إذا كان الأصحاب يظل أحدهما محتاجاً والأخر موسراً لا ينظر لحال أخيه, وقد رأى بعض الحكماء رجلين يصطحبان لا يفترقان فسأل عنهما فقيل صديقان, فقال: فما بال أحدهما غنياً والآخر فقير. [/font]
[font="]إن الأخ الصادق يعين في سداد دين إخوانه تقرباً لله, لقي حكيم بن حزام عبد الله بن الزبير بعد ما قُتل الزبير فقال : كم ترك أخي عليه من الدين فقال ألفي ألف, فقال : علي نصفها .[/font]
[font="]وكان ابن سوقه له جرار فيها مال . وعندما دخل عليه إخوانه قال لهم : من احتاج إلى شيء فليأخذ . [/font]
[font="]وقال الحسن : كنا نعد البخيل الذي يقرض أخاه [/font]
[font="]وقال: ليس من المروءة أن يربح الرجل على صديقه . وقال يزيد بن عبد الملك: إني لأستحي من الله أن أسال الجنة لإخواني وأبخل عليهم بدينار أو درهم, ومعلوم أن هذه أمثلة لقومٍ مقتدرين. [/font]
[font="]نعم, إنها أمثله ونماذج عالية لربما لم تجدها في زماننا, ولكن لا أقل من أن يتفقد المرء اخوانه ويسد حاجتهم فذاك من حق اخوتهم لك . [/font]
[font="]وكمال ذلك بأن تتفقدهم قبل أن يتعرضوا ويدوم التفقد لهم ولأهلهم ولو بعد رحيلهم بسفر أو بموت . [/font]
[font="]قال الغزالي: وقضى ابن شبرمة حاجةً لبعض إخوانه كبيرة فجاءه بهدية فقال ما هذا, فقال لما أسديته إلي, فقال : خذ مالك, إذا سألت أخاك حاجة فلم يجهد نفسه في قضائها فتوضأ وكبر عليه أربع تكبيرات وعده في الموتى[/font]
[font="]وكان في السلف من يتفقد عيال أخيه وأولاده بعد موته أربعين سنة يقوم بحاجتهم ويتردد إليهم ويمونهم من ماله . فكانوا لا يفقدون من أبيهم إلا عينه [/font]
[font="]عباد الله :[/font][font="]والتزاور والتواصل حق من حقوق الصحبة وكم تطيب الزيارة يوم أن تكون لله, ولقد قال النبي [/font][font="]<[/font][font="] قال الله تعال " وجبت محبتي للمتحابين في وجبت محبتي للمتزاورين فيَّ " فأين التزاور في الله أيها الإخوان.[/font]
[font="]وفي الصحيح " أن رجلا زار أخاً له في قرية أخرى، فأرصد الله له، على مدرجته، ملكا فلما أتى عليه، قال: أين تريد؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه من نعمة تربها؟ قال: لا، غير أني أحببته في الله عز وجل، قال: فإني رسول الله إليك، بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه "[/font]
[font="]وعند الترمذي أن رسول الله قال " وجبت محبتي للمتزاورين فيّ"[/font]
[font="]إن مشاغل الدنيا لا تنتهي فما أجمل أن يقطع المرء من وقته وقتاً يسيراً ويؤم أخاً له في الله, ويخلص قصده لله, ليتحادثا في خير أو مباح, فكم لهذه الجلسة من أثر وأجر عند الله [/font]
[font="]أيها المسلمون : ورفع الأكف بالدعاء للأصحاب في حياتهم وبعد مماتهم من روائع الحقوق, وذاك دليل على أن المرء لم ينسهم يوم أن يفتح له باب الدعاء .[/font]
[font="]لقد قال [/font][font="]<[/font][font="] كما في حديث أبي الدرداء " ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب، إلا قال الملك: ولك بمثل "[/font]
[font="]والأئمة نقل عنهم أنهم كانوا يدعون لإخوانهم وأصحابهم فيحيى القطان يدعوا لألف إنسان كل يوم , ولقي أحمد بن حنبل ولد الشافعي فقال له: أبوك أحد الستة الذين أدعو لهم كل سحر, وكان لأبي حمدون صحيفة مكتوب فيها ثلاثمائة من أصدقائه يدعوا لهم كل ليلة فهل يظفر منك إخوانك بدعوة في ظهر الغيب, لتنفع نفسك واخوانك وهذا من حقهم عليك, ولا سيما يوم أن يرحلوا عن الدنيا [/font]
[font="]ورحم الله محمد بن يوسف الاصفهاني إذ يقول : وأين مثل الأخ الصالح ؟ أهلك يقتسمون ميراثك ويتنعمون بما خلّفت وهو منفرد بحزنك مهتم مما قدمت وما صرت إليه ويدعو لك في ظلمة الليل وأنت تحت أطباق الثرى [/font]
[font="]وفقنا الله لما يحب ويرضى [/font]
[font="] [/font]
[font="]الحمد لله ذو الفضل العميم واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك الكريم . واشهد أن محمد عبده ورسوله الذي نصح لأمته وهو بالمؤمنين رؤوف رحيم . وعلى آله وصحابته والتابعين [/font]
[font="]أما بعد: قال علي بن الحسين لولده موصياً لا تصاحبن خمساً ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق: [/font][font="][/font]
[font="]لا تصحبن فاسقا فإنه يبيعك بأكله ولا تصحبن البخيل فإنه يمنعك ماله أحوج ما تكون إليه ولا تصحبن كذابا فإنه بمنزلة السراب فإنه يبعد منك القريب، ويقرب منك البعيد, ولا تصحبن حمقا فإنه يريد أن ينفعك فيضرك ولا تصحبن قاطع رحم فإنه موجته ملعوناً في كتاب الله في ثلاث مواضع" فخذها وصية من إمام وطبقها على أصحابك, وإذا وجدت أخاً, فتمثل قول الشافعي في زمنه: إذا وجدت أخا في الله فشد يدك عليه فما أقل الإخوان في هذا الزمن.[/font]
[font="]أيها المسلمون[/font][font="]: اللسان له دور في ردم الخلافات ودوام الأخوة وله دور في قطع العلاقات وإيقاع العداوات وكم من كلمة قالت لصاحبها دعني [/font]
[font="]وأنت أيها الفاضل؛ لإخوانك حق عليك في لسانك بأن تتودد اليهم بمقالك, وتدعوهم بأحب أسمائهم إليهم وتثني عليهم بما هم عليه من خير عند غَيبتهم, ولا تجرحهم بسوء الحديث, وتذب عن أعراضهم, ومن ذب عن عرض أخيه كان حقاً على الله أن يعتقه من النار " رواه احمد وصححه الالباني [/font]
[font="]وإذا أحببت أخاك في الله فأعلمه بذلك فهذا ما أرشد إليه النبي عليه السلام[/font]
[font="]ايها المبارك : والأخ الحق يكون مرآةً لأخيه المسلم, إن استشاره نصح له بما يحب لنفسه, وإن رآه على تقصير ومعصية أخذ بيده وناصحه, وليست الأخوة أن تراه سالكاً طريق معصية فتدعه وتقصيره[/font]
[font="]أخوك يوم أن يغويه الشيطان فيقع في حبال الخطيئة فهو محتاج لأخ ناصح يذكره بالله وقد حكي عن أخوين من السلف انقلب احدهما عن الاستقامة فقيل لأخيه ألا تهجره وتقطعُه فقال: أحوج ما كان إلي في هذا الوقت لما وقع في عثرته أن آخذ بيده [/font]
[font="]أيها المسلم: وتجنب كثرة العتاب واقبل المعاذير, واعلم أن المرء طبع على الخلل, ولا كمال لمخلوق, ومن رام صاحبه بلا عيب فقد طلب الوحدة [/font]
[font="]إذا كنت في كل الأمور معاتبا*صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه [/font]
[font="]واحمل أقوال إخوانك وافعالهم تجاهك على أحسن المحامل, وأحسن الظن بهم ولا يخدعْك الشيطان بتأويلات وتفسيرات فيها اساءة ظن بهم, وقد دخل الربيع بن سليمان على الشافعي يزوره وهو مريض فقال له الربيع قوى الله ضعفك فقال الشافعي لو قوى ضعفي لقتلني فقال الربيع والله ما أردت إلا الخير، فقال أعلم أنك لو شتمتني لم ترد إلا الخير.[/font]
[font="]وبعد معاشر المسلمين: [/font][font="]فلا خير في الدنيا إذا لم يكن بها صديق صدوق صادق الوعد منصفا.[/font]
[font="]لأجل الإخوان بكى الصالحون عند الموت، حزنا على فراقهم وبالإخوان يكون المؤمن من قوم يستظلون بظل العرش إذا كانت المحبة لم تجمعهم دنيا ولا مال، ولا يزيدها يزيدها بر وينقصها جفاء فلتكن همتك أن تكسب في الدنيا أخاً، يعينك إذا أحسنت ويناصحك إذا عصيت، ويذكرك بالأخرة في زمن أشغلتنا الدنيا فهذه هي الأخوة الباقية, يوم أن تتهاوى الصداقات وتنقلب يوم القيامة إلى عداوات[/font][font="][/font]
[font="] [/font]
المشاهدات 4403 | التعليقات 2

جزاكم الله خيرا شيخ منصور على هذه الخطبة


جزاك الله خيرا