المساجد عمارة وآداب وبناء وحماية
سعد النمشان
المساجد عمارة،وآداب ،وحماية..
الخطبة الأولى:
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71]. أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كَلَامُ اللهِ تَعَالَى، وخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أمَّا بعدُ، أيُّها المسلمون:
فإنَّ أحبَّ البِقاعِ في الأرضِ إلى اللهِ ــ جلَّ وعلا ــ هيَ المساجد، وذلكَ لِمَا صحَّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ أَسْوَاقُهَا )).
وإنَّما كانتِ المساجدُ أحبَّ البقاعِ إلى اللهِ سبحانَهُ: لأنَّها أُسِّسَتْ على التقوى، وخُصِّصَت لِعبادةِ اللهِ وحدَه، وإقامَةِ ذِكرِه، وفيها يَجتمعُ المؤمنونَ لِطاعةِ ربِّهم، وإظهارِ شعائِرِ دِينِه، وتحضُرُهُم فيها الملائكة، وهيَ مدارسُ العلمِ والفقه، ومَحاضِنُ التربية، وأماكنُ الترغيبِ في الدارِ الآخرةِ، والعملِ لَهَا، وموضعُ انشراحِ الصَّدرِ وطُمأنِنَةِ القلبِ بِذكرِ اللهِ ومُناجاتِهِ ودعائِهِ واستغفارِهِ وتلاوةِ كتابِه، ومركزُ الدعوةِ إلى ائتلافِ المؤمنينَ وتعاطُفِهِم وتراحُمِهم الأكبر.
وقد قالَ اللهُ ــ عزَّ وجلَّ ــ في شأنِ المساجدِ وأهلِها: { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ }، وصحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال مُبيِّنًا فضلَ ذِكرِ اللهِ في المساجدِ: (( مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ تَعَالَى يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ )).
وتوعَّدَ اللهُ ــ تبارَكَ وتقدَّس ــ مَن تسبَّب في منْعِ عبادتِهِ وذِكرهِ في المساجدِ، وسَعَى في خرَابِها الحِسِّي والمَعنَوِي، فقال سبحانه: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }، والخَرابُ الحِسِّيُّ يكونُ: بهدمِها، وتقذِيرها، والخَرابُ المَعنويُّ يكونُ: بمنعِ الذَّاكِرينَ لاسمِ اللهِ فيها، وعُمَّارِها مِن عبادَةِ ربِّهم بِها.
وأبانّ اللهُ ــ جلَّ وعلا ــ أنَّهُ لا يَعمُرُ المساجدَ إلا أهلُ الإيمانِ بِه، فقال تعالى: { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ }.
ونَهَى اللهُ ــ جلَّ وعزَّ ــ أنْ يُعبدَ معَهُ أحدٌ فيها، ولا في غيرِها، لا ملَكًا مُقرَّبًا، ولا نبيًّا مُرسَلًا، ولا وليًّا صالحًا، لا بعبادةِ دعاءٍ ولا بغيرِها مِن العبادات، فقال سبحانه: { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا }، ولقد خالَفَتْ ذلكَ المبتدعة فجعلوا المساجدَ أماكنَ لِعبادةِ أئِمَّتِهم فيها، حيثُ بَنوا على قبورِهِم المساجد، ودفنُوهُم في المساجد، فأصبَحوا يدعونَهُم فيها معَ الله، ويَحلِفونَ بِهِم، ويَزحفونَ إلى قبورِهم ساجدين، ويَتمسَّحونَ بقُبورِهم وأعمدتِها طلبًا للبَرَكةِ مِنهم، وذلكَ تقليدًا مِنهم لليهودِ والنَّصارى، ومُتباعَةً لهُم، وقد صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يقولُ قبلَ موتِهِ بليالٍ زاجِرًا أمَّتَهُ عن ذلك: (( أَلاَ وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ أَلاَ فَلاَ تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ ))، وصحَّ أنَّه ذُكِر لِرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كنيسةٌ بالحبشةِ فيها تصاوير، فقالَ صلى الله عليه وسلم: (( إِنَّ أُولَئِك إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، أُولَئِك شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ))، وثبت أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( إِنَّ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكُهُ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءٌ، وَمَنْ يَتَّخِذُ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ )).
أيُّها المسلمون:
دُونَكُم ــ سدَّدكم الله ــ بعض الأحكامِ والآدابِ التي تحتاجونها عندَ الذَّهاب إلى المسجد، والتواجُدِ فيه، فأقولُ مُستعينًا بالله ــ عزَّ وجلَّ ــ:
أوَّلًا ــ أنْ يَخرجَ الرَّجلُ مِن بيتِه أو عملِهِ إلى المسجدِ مُتطهِّرًا وماشيًا، لِمَا صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( مَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ، إِلَّا كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً )).
ثانيًا ــ أنْ يَأتيَ الرّجلُ إلى المسجدِ وقد اجتنبَ الروائحَ المُؤذيةَ أو الكريهةَ في لِباسِه أو بدنِهِ أو فمِهِ، لِمَا صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ ))، وبعضُ العطورِ لِرُخْصِ ثَمنِها، وقوَّةِ رائحتِها، يَتأذَّى مِنها الناسُ أكثرَ مِن غيرِها، وهذهِ ترْكُها خيرٌ مِن الإتيانِ بها
ثالثًا ــ أنْ يأتِيَ المُصلِّي إلى المسجدِ بلِباسٍ نظيفٍ، مِن أحسنٍ لِباسِه، لأمرِ اللهِ ــ جلَّ وعلا ــ له بذلك، في قولهِ سبحانَه: { يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ }.
رابعًا ــ الإتيانُ للصلاةِ بوقارٍ وسكينةٍ في المَشي، لِمَا صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ، فَلَا يَسْعَ إِلَيْهَا أَحَدُكُمْ، وَلَكِنْ لِيَمْشِ وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، صَلِّ مَا أَدْرَكْتَ، وَاقْضِ مَا سَبَقَكَ )).
خامسًا ــ أنْ يَدخلَ العبدُ المسجدَ برجلِهِ اليُمنَى ويَخرجَ باليُسرى، لِمَا ثبتَ أنَّ أنَسًا ــ رضي اللهُ عنه ــ قال: (( مِنَ السُّنَّةِ إِذَا دَخَلْتَ الْمَسْجِدَ أَنْ تَبْدَأَ بِرِجْلِكَ الْيُمْنَى، وَإِذَا خَرَجْتَ أَنْ تَبْدَأَ بِرِجْلِكَ الْيُسْرَى )).
سادسًا ــ أنْ يُقالَ الذِّكرُ الواردُ عندَ دخولِ المسجدِ والخروجِ مِنه، لِمَا صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ، فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ )).
سابعًا ــ أنْ يُصلِّيَ الداخلُ للمسجدِ ركعتينِ ــ تحيَّةَ المسجدِ ــ قبلَ أنْ يَجلسَ، حتى ولو كانَ الإمامُ يَخطبُ للجُمعة، لِمَا صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ ))، وصحَّ عن جابرٍ ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( دَخَلَ رَجُلٌ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ، فَقَالَ: «أَصَلَّيْتَ؟» قَالَ: لاَ، قَالَ: «قُمْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ» )).
ثامنَا ــ ترْكُ المُتأخِّرِ في الحضور إلى المسجدِ أذيَّةَ الناسِ وإشغالَهم بتَخطِّي رِقابِهم، لِمَا صحَّ أنَّه: (( جَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ, فَقَالَ لَهُ: «اجْلِسْ, فَقَدْ آذَيْتَ وَآنَيْتَ» ))، أي: جمَعْتَ بينَ التأخُّرِ عن الخُطبةِ وبينَ أذِيَّةِ المُبكِّرينَ للجُمعة.
تاسعًا ــ أنْ يُصلِّيَ مَن يَدخلُ المسجدَ إلى سُترَةٍ، ويَقرُبَ مِنها، ولا يَدَعَ أحدًا يَمُرُ بينَ يديهِ ولا بيينَهُ وبينَ سُترَتِهِ، وكذلكَ لا يَمُرُ بين يدَيهِ أحدٌ إذا كان يُصلِّي إمَامًا أو لِوَحدِهِ، لِمَا صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيُصَلِّ إِلَى سُتْرَةٍ، وَلْيَدْنُ مِنْهَا ))، وصحَّ أنَّه صلى الله عليه وسلم قال: (( إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَدَعْ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلْيَدْرَأْهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ))، وصحَّ أنَّه صلى الله عليه وسلم قالَ مُرَهِّبًا: (( لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ، لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ، مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ» قَالَ أَبُو النَّضْرِ: “لَا أَدْرِي قَالَ: أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً؟”)).
عاشرًا: تَرْكُ الإنسانِ السؤالَ في المسجدِ عمّا ضاعَ مِنهُ وفقدَه، والبيعَ والشِّراءَ في المسجد، لِمَا صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم: (( مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ: لَا رَدَّهَا اللهُ عَلَيْكَ، فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا ))، وفي حديث حسَّنهُ وصحَّحهُ عديدٌ مِن العلماء أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ، فَقُولُوا: لاَ أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ )).
حادي عشر: عدمُ منعِ الرَّجلِ للمرأةِ مِن أهلِهِ مِن الصلاةِ في المسجدِ إذا استأذنتْهُ ما دامَتْ تذهبُ غيرَ مُتبَرِّجةٍ ولا مُتطيِّبَة، لِمَا صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( ذَا اسْتَأْذَنَكُمْ نِسَاؤُكُمْ إِلَى الْمَسَاجِدِ فَأْذَنُوا لَهُنَّ ))، وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ، فَإِذَا خَرَجْنَ فَلْيَخْرُجْنَ تَفِلَاتٍ ))، أي: غيرَ مُتطيِّبات.
نفعَنيَ اللهُ وإياكُم بهذا التذكيرِ، وسُبحانَ اللهِ حينَ تُمسُونَ، وحِينَ تُصبِحون.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ المَلِكِ الأعلَى، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ عالِمُ السِّرِ والنَّجوى، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ الأتقَى، ورضِي اللهُ عن آلِهِ وصحبِهِ أئمَّةِ الهُدى.
أمَّا بعدُ، أيُّها المسلمون:
فاتقوا اللهَ ــ جلَّ وعلا ــ في بيوتِهِ وأماكنِ عبادتِهِ المساجد، بتَجنِيبِها الشِّركياتِ والبِدَع، وإبعادِها عن المعاصي والمَكروهات، وإعمارها بطاعةِ اللهِ وعبادتِهِ وإقامةِ ذِكرِه، وجنِّبوهَا الأذَى والقذَرَ ورفعَ الأصواتِ والشِّجارَ والخُصومات، وتجنَّبوا زَخرَفَتْها، واترُكوا التَّباهِي في بُنيانِها، حيثُ صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم: (( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَبَاهَى النَّاسُ فِي الْمَسَاجِدِ ))، وصحَّ أنَّ ابنَ عباسٍ ــ رضي اللهُ عنه ــ قال: (( لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ))،
واعلموا ــ سدَّدكم اللهُ ــ :أنَّ في بناءِ المساجدِ فضلًا عظيمًا، وأجْرًا كبيرًا، حيثُ صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم: (( مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ، أَوْ أَصْغَرَ، بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ ))، ومَفْحَصُ القَطَاةِ هو: “الموضِعُ الصغيرُ الذي يَجثُوا فيهِ طائرُ القَطَاةِ على بيضِه”، وفي الذهابِ إليها خيرًا كثيرًا، ونفعًا عظيمًا، حيثُ صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمْ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ــ وذَكرَ مِنهم ــ: رَجُلٌ رَاحَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُ فَيُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ يَرُدَّهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ وَغَنِيمَةٍ )).
يا عُمَّار المساجد :
وجهَ معالي وزيرَ الشؤونَ الإسلاميةِ والدعوةِ والإرشاد حفظه الله ......
إلى أن أراضيَ المساجدَ تُعتبرُ أوقافاً ولا يجوزُ شرعاً استخدامُها في غيرِ ما خصصت لهُ مستنداً إلى الفتوى الصادرةِ من اللجنةِ الدائمةِ للبحوثِ العلميةِ والإفتاءِ والتي نصت على: (أن ما كانَ داخلاً في أسوارِ المساجدِ سواءً كان مسقوفاً أو غير مسقوف وأسطُحِها ومنارَاتها والساحاتِ المهيئةِ للصلاةِ بجوارها لا ينبغي استغلالُها في غيرِ العبادةِ من صلاةٍ وحلقاتِ طلبِ علمٍ أو تحفيظٍ للقرآن).
كما وجه معاليه...
بأن التعديَ على المساجدِ وأراضِيها ومرافِقها باستغلالِها لغيرِ ما خصصت لهُ أو إحداثِ أي إنشاءاتٍ عليها دونَ موافقةٍ من وزارةِ الشؤونِ الإسلاميةِ والدعوةِ والإرشادِ هو من التعديَ على بيوتِ اللهِ ومن الفسادِ والمنكراتِ التي يجبُ على المسلمينَ أن يتعاونوا على منعِها والإبلاغِ عنها ،
كما وجه معاليه ...
على حرمةِ التعديَ على خدماتِ الكهرباءِ والمياهِ الخاصةِ بالمساجدِ من خلالِ استغلالها لغيرِ ما خصصت لهُ حيثُ يُعتبرُ ذلكَ اختلاساً يجبُ منعهُ والإبلاغُ عنه ، عن خولةَ الأنصارية رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُم النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، وفي الحديثِ وعيدٌ شديد لمن يتخوضُ في المالِ العام؛ أي: يأخذهُ ليتملكهُ ويتصرفَ فيهِ تَصرفَ المالك.
كما وجه معاليه ...
بأن الواجبَ على المسلمِ أن يحافظَ على جميعَ المرافقَ العامةَ .وحمايتِهَا من التلفِ وسوءِ الاستخدامِ أو السرقةِ، والحرصَ عليها من علاماتِ الصلاحِ والبرِ وصدقِ الإيمانِ، يقولُ اللهُ عز وجل: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)(سورة المائدة: 2)، فالدينُ الإسلاميٌّ دينُ البناءِ والإعمارِ، والصلاحِ والإصلاحِ، وقد جاءتْ رسالاتُ السماءِ داعيةً إلي تلك المبادئِ الساميةِ، حيثُ يقولُ الحقُّ سبحانه وتعالي:( وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَٰرُونَ ٱخْلُفْنِى فِى قَوْمِى وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ ٱلْمُفْسِدِينَ)(الأعراف: 142) ويعتبرُ المساسُ بالمرافقِ العامةِ لونًا من الفسادِ المنهيِّ عنه، قال سبحانه: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا)(سورة الأعراف: 56)، أي بعدَ أنْ أصلحَها اللهُ للعيشِ بها، بل إنّ النبيَّ الكريمَ صلى اللهُ عليه وآلهِ وسلم جعل كلَّ ما يساعدُ على تيسيرِ حياةِ الناسِ، وتسهيلِ معاشِهم، من علامات الإيمانِ فقال: (الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ)
يا عُمَّار المساجد:
إن للمساجدِ وظيفةٌ إيجابية، وأن المسلمَ يسعى إلى تحقيقِ إيجابيةِ هذهِ المساجد ،من تحقيقِ النفعِ للإسلامِ وأهله، ومن هنا فهذهِ الوظيفةَ النبيلةَ يجبُ على المسلمينَ جميعًا أن يحترموها، وأن يعلموا أن الاعتداءَ على المساجدِ، جريمةٌ عظمى، وخطرٌ عظيم؛ لأنه يأتي على الأهدافِ التي يسعى الإسلامَ لتحقيقها من المساجدِ فيهدُمها،ومن هنا جاءتِ النصوصُ عامةً وخاصةً بالوعيدِ الشديدِ في الاعتداءِ على الأوقاف، ومن النصوصِ العامةِ في ذلكَ قول الله عز وجل: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 188].
فهذا نهيٌ صريحٌ عن أكلِ أموالِ الناسٍ بالباطل، ومن ذلكَ أن المساجدَ وقفٌ محترم، قد خصصهُ صاحبهُ ليكونَ قربةً له عندَ اللهِ عز وجل، تدرُّ عليه الحسناتِ وتستمر، وتكونَ أغراضُهُ وغلاَّتهُ تُحققُ الغرضَ الصحيحَ من نفعِ المسلمينَ، فيأتيَ هذا الشخصِ المعتديَ على الوقفِ ويهدَمَ هذهِ الأغراضِ الصحيحة، فهذا مُحرَّمٌ وقطعٌ للطريقِ على تحقيقِ أغراضِ هذا الوقف، وكلُ ذلكَ ممنوعٌ في شريعةِ الإسلام.
ومن النصوصِ أيضًا قولُ اللهِ عز وجل في سببِ الوصية: ﴿ فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ﴾ [البقرة: 181]، وهذا نصٌّ صريحٌ في النهي عن تبديلِ الوصية، والوقفُ مثلها، أو أَولى؛ فإن الاعتداءَ عليها بالتبديلِ أو التغيير ِمنهيٌ عنه، بل نصت هذهِ الآيةِ على أن مَن فعلَ ذلكَ آثمٌ، فهي صريحةٌ في قولِ الله عز وجل: ﴿ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ﴾ [البقرة: 181].
جعلَنِي اللهُ وإيَّاكم: مِمَّن إذا ذُكِّرَ ادَّكَر، وإذا وعِظَ اعتبَر، وإذا أُعطِيَ شَكَر، وإذا ابتُلِيَ صبَر، وإذا أذنَبَ استغفَر، ربِّ اغفرْ وارْحم إنَّكَ أنتَ الأعَزُّ الأكرَم، اللهمَّ ارزُقنَا مِن خيراتِ بِرَّكَ وإحسانِك، وأدخِلنا في زُمرةِ أحبابِكَ المَخصُوصِينَ بِمَنِّكَ وأمانِك، واجعلْنا مِمَّن يكونُ في القبورِ وعندَ القيامةِ مُنعَّمًا مسْرورًا،
اللهم وفق وأعن ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين وسدد ولي عهدنا يارب العالمين.
وأجزل المثوبة لهم ولمعالي وزير الشؤون الإسلامية على ماقدموا ويقدمون للحرمين الشريفين خاصة ولبيوت الله في أرضه عامه.
اللهم فرج هم الحاضرين في هذا المسجد واجعل لهم من كل ضيقٍ مخرجا ومن كل بلاءٍ عافيه، وأقولُ هذا، وأستغفِرُ اللهَ لِي ولكُم.وأقم الصلاة