المساجد تعظيمها والعناية بها
حامد الشثري
عنوان الخطبة : المساجد وأهمية العناية بها 06/05/1446هـ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّـهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)،
أيها المؤمنون: المساجد بيوت الله عز وجل، نسبها لنفسه العلية تشريفاً وتعظيماً، قال تعالى (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ)، (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ)، (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ)، وهي من معالم دينه الظاهرة، ومحل إقامة العبادات الفاضلة، وتعظيمها من تعظيم الله تعالى وهو من الأعمال الفاضلة الجليلة، ومن تقوى القلوب وعلامات الإيمان، قال تعالى (ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ)، قال بعض أهل التفسير: الشعائر جمع شعيرة، وهي معالم الدين الظاهرة، ومنها المساجد.
أيها المؤمنون: اثنى الله عز وجل في كتابه الكريم على طائفة من المؤمنين ووصفهم بصفة يفخر بها كل أحد ألا وهي صفة الرجولة، فأثنى الله على الرجال المتطهرين الذين يعمرون المساجد فقال (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا)، وأثنى على عمّار المساجد بالطاعة والذكر فقال (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ، رِجَالٌ)
أيها المؤمنون: ولما ذكر الله عمارة المساجد أخبر أنه لا يعمرها إلا أهل الإيمان والتقوى، وهم المهتدون في الدنيا والأخرى قال سبحانه: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ)
أيها المؤمنون: وعمارة المساجد تكون بالصلاة فيها وإقامة ذكر الله تعالى والمسابقة والمسارعة إليها، وكثرة الخطى إليها وانتظار الصلاة بعد الصلاة فيها "فذلكم الرباط، فذلكم الرباط".
ومن عمارتها أيضاً تشييد بنيانها ورفع عمدها، فبناء المساجد من الأعمال الفاضلة والأوقاف النافعة، التي يجري للعبد نفعها في الحياة وبعد الممات.
أيها المؤمنون: من أنواع عمارة المساجد المغفول عن فضلها، والمذهول عن ثوابها، عمارتها بنظافتها وصيانتها وتطييبها وغسيلها، وجعلها بأبهى حله أوزكى رائحة، وكيف لا تكون بهذه الفضيلة والمنزلة والله كلف بها خليله وصفيه إبراهيم عليه السلام فقال (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) وقال سبحانه (وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)، وفي الحديث الصحيح أن عائشة رضي الله عنها قالت (أمَرَ رسولُ اللهِ e ببناءِ المساجدِ في الدورِ - أي في الأحياء - وأن تُنَظَّفَ وتُطَيَّبَ) رواه أبوداود والترمذي.
أيها المؤمنون: والقدوةُ الأسوةُ نبينا e يعرف لهذه العبادة الجليلة قدرها، وللقائمين عليها منزلتهم ومكانتهم، فيغضب في حال المخالفة، ويباشر المعالجة بنفسه، فقد روى البخاري في صحيحه من حديث أنس رضي الله عنه (أنَّ النبيَّ e رَأَى نُخَامَةً في القِبْلَةِ، فَشَقَّ ذلكَ عليه حتَّى رُئِيَ في وجْهِهِ، فَقَامَ فَحَكَّهُ بيَدِهِ) أنظر يا رعاك الله كيف أن النبي e غضب لهذا الأمر حتى رُئي في وجهه، ثم إنه لم يكل عمل تنظيفه وإزالته لأحد من أصحابه بل باشره بنفسه تعظيماً للمكان، وابتغاء للأجر والثواب، قال ابن حجر رحمه الله (وفيه الحث على الاستكثار من الحسنات وإن كان صاحبها ملياً، لكونه e باشر الحك بنفسه وهو دال على عظم تواضعه).
روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه (أنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ المَسْجِدَ، أَوْ شَابًّا، فَفَقَدَهَا رَسولُ اللهِ e، فَسَأَلَ عَنْهَا، أَوْ عنْه، فَقالوا: مَاتَ، قالَ: أَفلا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي قالَ: فَكَأنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا، أَوْ أَمْرَهُ، فَقالَ: دُلُّونِي علَى قَبْرِهِ فَدَلُّوهُ، فَصَلَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ قالَ: إنَّ هذِه القُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً علَى أَهْلِهَا، وإنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنَوِّرُهَا لهمْ بصَلَاتي عليهم)
تأملوا أيها المؤمنون في هذا الأمر العظيم، وكيف أن الصحابة رضي الله عنهم لما قللوا من شأنه، أخبرهم النبي e عن فضله وأهميته بفعله واهتمامه، فالعمل الجليل الذي تقوم به هذه المرأة هو الذي أنالها هذه المنزلة العالية، التي كانت سبباً في سؤال النبي e عنها ودعائه لها.
فاحرصوا رعاكم الله على هذه العبادة المغفول عنها وأجعلوا لبيوت الله نصيباً كبيوتكم بل أعظم، تفقدوا أرجائها وأبدلوا تالفها، وأصلحوا خرابها، وساهموا في تعطيرها وتبخيرها، وتعاونوا على تهيئتها للمصلين العابدين فيها، تنالوا أجر عبادتهم وثواب قربتهم بإذن الله تعالى.
اللهم اجعلنا من عمّار المساجد بالصلاة والطاعة، والصيانة والنظافة والرعاية، وأجعلنا من أهل التقوى والإيمان والهداية.
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني واياكم بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر الأمة، فاستغفروه وتوبوا إليه، إن ربي قريب مجيب
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وصلاة وسلاماً على عباده الذين اصطفى أما بعد:
إن عمارة بيوت الله والقيام عليها شرف وبر، وثواب وأجر.
وعلى النقيض من ذلك، عدم عمارة المساجد بل الإفساد فيها واتلافها أو مرافقها، والسعي في خرابها والله عز وجل يقول (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا ۚ أُولَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ).
وصور الإفساد والخراب كثيرة حسية ومعنوية ومنها:
- عدم المحافظة على ممتلكات المسجد، فهي أوقاف لله تعالى، فالمفسد فيها ولها، مفسدا لحقٍ لله قد أوقف، ودارٍ لله قد بنيت.
- ومنها اتلاف مرافق المسجد كدورات المياه أجلكم الله أو المغاسل بإتلاف صنبور أو كسر باب أو الكتابة على الجدران والأبواب.
- ومنها العبث بأدواتها كرفوف المصاحف وحواملها، وكراسي المسجد ومصاحفه.
- ومنها سرقة ممتلكات المسجد أو إخراجها منها أو الاستفادة منها في غير المسجد، كمن يسرق ماء المسجد أو كهرباءه، أو يحول غرف المسجد لحاجياته الخاصة كمستودع لأثاثه وأغراضه، أو تأجيرها واستحلال قيمة أجرتها له، في مخالفة للشرع والنظام.
- ومن صور ازعاج المصلين، رفع الصوت في المسجد بالصراخ والصخب، والخلاف والشقاق، والمطالبة والمشاغبة، حتى أذهبت عظمة المسجد وحرمته، ومكانته ومنزلته، في ازعاج وإيذاء للعابدين، حتى ولو كان هذا المرء مدعياً للإصلاح، فمن يرفع صوته بالصراخ في المسجد مطالباً بتشغيل جهاز التكييف أو إطفاءه، أو فتح النوافذ أو إقامة الصلاة، أو طلب شيء من الأمور المتعلقة بذلك، ولو عقل هذا العبد المؤمن لاتجه لصاحب الشأن من مؤذن أو إمام وذكر ما عنده من ملاحظة أو استنكار، وهو بهذا قد برئت ذمته، وأدى أمانته، وهم عند الله محاسبون وفي الدنيا مسؤولون.
ألا فاتقوا الله عباد الله، وعززوا في ابنائكم تعظيم المساجد وحرمتها، وأجعلوا لها منزلتها ومكانتها، اجعلوهم يتطوعون فيها بنظافتها وتبخيرها وترتيبها وتهيئتها، فهذه من أسباب تعظيمها، عودوهم على المساجد ولزومها فالمسجد بيت كل تقي، وفي الأثر (إذا رأيتم الرجل يتعاهد المسجد فأشهدوا له بالإيمان).
هذا وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة، والنعمة المسداه، محمد بن عبدالله كما أمركم الله بذلك في محكم التنزيل فقال (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)
المرفقات
1731004690_نسخة الجوال خطبة المساجد وأهمية العناية بها 06 - 05 - 1446هـ.pdf
1731004696_خطبة المساجد وأهمية العناية بها 06 - 05 - 1446هـ محدث.pdf