المرأة التّونسيّة جدل لا ينتهي

الشّيخ محمّد الشاذلي شلبي
1439/06/20 - 2018/03/08 21:40PM

                                                                      المرأة التّونسيّة جدل لا ينتهي

الحمد لله خلق وأحكم، وأنعم وتكرّم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحد لا شريك له، أرحم وأعلم، وأرأف وأحلم، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، بلّغ وفهّم، وحذر وعلّم، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على دربه الأقوم، وسلم تسليما كثيرا، أمّا بعد: أيّها النّاس:

فيا أيّتها المؤمنات الصّابرات الصّادقات المنفقات القانتات المستغفرات بالأسحار، أناديكنّ بما سمّاكنّ عالم البريّات.. السّلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته..

عباد الله: في بلادنا عليك بكثير شجاعة و جرأة و بطولة لتتطرّق إلى موضوع المرأة، و ذلك لما لها من وقع على طبيعة الأجواء المشحونة في البلاد، إذ الكلّ أصبح يلهث وراء استيعاب أكبر عدد من الإناث تحسّبا لمعاركه السّياسيّة اليومية والمناسبتيّة..

نفس الشيء أسوقه بالنّسبة لأئمّة المساجد، إذ عليهم أن يتجاوزوا مرحلة الخوف و الشكّ ليصدعوا بالحقائق و يبيّنوا للنّاس حقيقة المرأة ومكانتها قبل الإسلام وبعده.. هذا طبعا دون أن ننسى الجيوش الجرّارة التي تطبّل لهذا الرّئيس وذاك الزّعيم مدّعية أنّ له فضلا على المرأة وتحرّرها وليس الإسلام..

معاشر المسلمين: أجد من الأهميّة بمكان، أن أتحدّث عن هذا الموضوع الذي يهمّ كلّ إنسان فينا، وكلّ شخص فينا تربطه علاقات حميمة مع واقعنا التّونسي المعاش، لأنّه لا يمكن بحال من الأحوال أن ينفصل عنه، كما أنّه موضوع تساهل في النّظرة إليه بجديّة ثلّة غير قليلة من السّياسيين و الإعلاميين، واستغلّته فئة ماكرة غادرة، فغدت تعيث فسادا..

إنّ موضوعنا يا عباد الله هو المرأة، نعم المرأة التي هي الأمّ والأخت، والبنت، والزّوجة، فنحن محاطون بهذا المربّع الصّالح النّافع، ممّا يجعلها مدار اهتمام المسلم..

أيّها الأحبّة: إنّ المرأة المسلمة هي أمّ المستقبل ومربيّة اللّيوث القادمة، والحصن المنيع ضدّ تيارات الفساد والتّدمير، بل إنّها نموذج الصّبر والتّضحية، إنّها قبس مضيء في البيوت، وجوهرة تتلألأ خارج الدّار في المكان الذي يحتاجها فيه المجتمع..

ولكن لم يكن لأصحاب تيّار الرّذيلة والانحراف يد في نسف الحياة الطيّبة التي تعيشها المرأة المسلمة في ظل دينها وإسلامها فأصبحت وسائل الإعلام بمختلف أنواعها توجّه المرأة، وغدت المنظمات الدّاخلية والمؤسسات الحقوقية تتسابق في توجيه المسلمة وتعريفها بمسؤولياتها وواجباتها، وتتباكى على حال المرأة المسلمة، وتقوم بدور التوجيه لها من أجل ذلك كان لا بدّ من الحديث عن المرأة التي شرّفها الإسلام وأكرمها..

وبضدّها تتميّز الأشياء، لنقف على نافذة التّاريخ، لننظر كيف كانت المرأة تعيش، وأيّ منزلة ترتقي، وما هو دورها في الحياة، قبل أن تشرق عليها شمس رسالة محمّد صلّى الله عليه و سلّم التي نزل بها الرّوح الأمين من عند ربّ العالمين..

فقد كانت المرأة في الجاهلية، تعدّ من سقط المتاع لا يقام لها وزن، حتى بلغ من شدّة بغضهم لها آنذاك أنّ أحدهم حينما تولد له البنت يستاء منها جدّا ويكرهها ولا يستطيع مقابلة الرّجال من الخجل الذي يشعر به، و يتحاشى الحديث عن الذرّية و عن الوارث و الموروث و عمّن يحمل اسمه بعد وفاته..

ثم يبقى بين أمرين إمّا أن يترك هذه البنت مهانة، ويصبر هو على كراهيتها وتنقص الناس له بسببها، وإمّا أن يقتلها شرّ قتله، بأن يدفنها وهي حيّة ويتركها تحت التراب حتى تموت، وقد ذكر الله ذلك عنهم في قوله تعالى: " وإذا بشّر أحدهم بالأنثى ظلّ وجهه مسودا وهو كظيم * يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسّه في التراب ألا ساء ما يحكمون ". ( سورة النّحل: الآيات 58/59 ).. وأخبر سبحانه أنّه سينصف هذه المظلومة ممّن ظلمها وقتلها بغير حقّ، فقال تعالى: " وإذا الموءودة سئلت * بأيّ ذنب قتلت ". ( سورة التّكوير الآية: 8/9 )، وكانوا في الجاهلية إذا لم يقتلوا البنت في صغرها يهينونها في كبرها، فكانوا لا يورّثونها من قريبها إذا مات، بل كانوا يعدّونها من جملة المتاع الذي يورّث عن الميّت، كما روى البخاري وغيره عن ابن عباس قال: كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحقّ بامرأته، إن شاء بعضهم تزوّجها، وإن شاءوا زوّجوها، وإن شاءوا لم يزوّجوها فهم أحقّ بها من أهلها، فنزلت: " يا أيها الذين آمنوا لا يحلّ لكم أن ترثوا النّساء كرها ". ( سورة النساء الآية: 19 ). وكان الرّجل في الجاهلية يتزوّج العدد الكثير من النّساء من غير حصر بعدد ويسيء عشرتهنّ، فلمّا جاء الإسلام حرّم الجمع بين أكثر من أربع نساء واشترط لجواز ذلك تحقّق العدل بينهنّ في الحقوق الزّوجيّة قال تعالى: " فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ". ( سورة النساء الآية: 3 )..

نعم لقد جاء الإسلام والمرأة على هذا الوضع السّيئ، فأنقذها منه وكرّمها، وضمن لها حقوقها، وجعلها مساوية للرّجل في كثير من الواجبات الدّينية، وترك المحرّمات، وفي الثواب والعقاب، وعلى ذلك قال تبارك وتعالى: " مَنْ عَمِلَ صالِحا مِنْ ذَكَرٍ أو أُنْثى وَهْوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحِيَيَنَّهُ حَياةً طَيّبَةً وَلَنُجِزيَنّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ". ( سورة النحل الآية: 97 )، وقال جلّ ثناؤه: " إنّ المسلمينَ والمسلماتِ والمؤمنينَ والمؤمناتِ والقانتينَ والقانتاتِ والصّادقينَ والصادقاتِ والصّابرين والصابراتِ والخاشعينَ والخاشعاتِ والمُتصدّقينَ والمتصدّقاتِ والصائمينَ والصائماتِ والحافظينَ فُرُوجَهُمْ والحافظاتِ والذّاكرينَ اللهَ كثيرا والذّاكراتِ أعَدَّ اللهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وأجرا عظيمًا ".( سورة الأحزاب الآية: 35 ).. هذه الآية الكريمة تعطينا فكرة وافية عن ثواب الرّجل و المرأة في الأعمال الصّالحات و المساواة بينهما..

وفضّل الله الرّجل على المرأة في مقامات، ولأسباب تقتضي تفضيله عليها، كما في الميراث والشّهادة والدّية والقوامة والطلاق، لأنّ عند الرّجل من الاستعداد الخلقي ما ليس عند المرأة وعليه من المسؤولية في الحياة ما ليس على المرأة، و في ذلك يقول الحقّ تبارك وتعالى: " الرِّجالُ قَوَّامُونَ على النّساءِ بما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ على بعضٍ وبما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ". ( سورة النساء من الآية:34 )، وقال سبحانه وتعالى: " وللرّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةً ". ( سورة البقرة الآية: 228 )..

يا نساء المسلمين: لقد جعل الله للمرأة حقّا في الميراث فقال سبحانه: " للرّجالِ نصيبٌ مِمّا ترك الوَالِدَانِ والأَقْرَبُونَ وللنساءِ نصيبٌ مِمّا ترك الوَالِدَانِ والأقْرَبُونَ مِمّا قَلَّ مِنْه أو كَثُرَ نصيبا مفروضا ". ( سورة النساء الآية: 7 )، جعل الله لها التملّك والتصدّق والإعتاق كما للرّجل قال تعالى: " والمتصدقين والمتصدقات ". ( سورة الأحزاب الآية: 35 )، وجعل الله لها الحقّ في اختيار الزّوج فلا تُزوّج بدون رضاها، صانها الله بالإسلام من التبذّل، وكفّ بالإسلام عنها الأيدي الآثمة، والأعين الخائنة، التي تريد الاعتداء على عفافها، والتمتّع بها على غير وجه شرعي و باسم تحرير المرأة.. وهكذا عاشت المرأة تحت ظلّ الإسلام وكرامته.. أُمّا وزوجةً وقريبةً وأختا في الدّين، تؤدي وظيفتها في الحياة ربّة بيت وأسرة، وتزاول خارج البيت ما يليق بها من الأعمال إذا دعت الحاجة إلى ذلك مع الاحتشام والاحتفاظ بكرامتها ومع التزام الحجاب الكامل الضافي على جسمها ووجهها، وتحت رقابة وليّها، فلا تخلو مع رجل لا يحلّ لها إلاّ ومعها محرمها، ولا تسافر إلاّ مع محرمها، و هذا الإجراء إنّما هو لفائدتها بأن يحميها من الغدر و الاعتداءات و الوقوع في الشبهات بغير إرادتها.. هذا وضع المرأة في الإسلام الذي هو دين الرّحمة والكمال والنّزاهة والعدل، وأوصى بها نبيّ الإسلام عليه الصلاة والسلام وصيّة خاصّة حين قال في حجّة الوداع: " واتّقوا الله في النّساء فإنّهنّ عندكم عوان "، أي أسيرات.. هذا وصف تقريبي لوضع المرأة في الإسلام.. نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وسنة نبيّه صلّى الله عليه وسلم.. أقول قولي هذا و أستغفر الله لي و لكم و للمسلمين و المسلمات..

الثّانية:

الحمد لله الذي أطعم وسقى، وآوى وكسى، ومن كلّ ما سألناه أعطى، والصلاة والسلام على عبده المصطفى ورسوله المجتبى، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجهم واقتفى، أمّا بعد: عباد الله،

أمّا وضعها في المجتمعات الكافرة، والمجتمعات التي تتسمى اليوم بالإسلام، وهي تستورد نظمها وتقاليدها من الكفار، إن وضعها اليوم في هذه المجتمعات أسوأ بكثير من وضعها في الجاهلية الأولى، فقد جعلت فيها المرأة سلعة رخيصة تعرض عارية، أو شبه عارية أمام الرجال في مواطن تجمعهم على شكل خادمات في البيوت وموظفات في المكاتب، وممرضات في المستشفيات، ومضيفات في الطائرات والفنادق، ومدرسات للرجال في دور التعليم، وممثلات في أفلام التلفزيون والسينما والفيديو، وإذا لم يمكن ظهور صورتها في هذه الوسائل جاؤوا بصوتها في الراديو مذيعة أو مطربة، وإلى جانب إظهار صورتها المتحرّكة في وسائل الإعلام المرئية يظهرون صورتها الفوتوغرافية في الصحف والمجلات، بل وعلى أغلفة السلع التجارية، فيختارون أجمل فتاة يجدونها ويضعون صورتها على هذه الصحف  والمجلات السيارة أو على أغلفة السلع التجارية، ليتخذوا منها دعاية لترويج صحفهم وبضائعهم، وليغروا أهل الفساد الخلقي بفسادهم وليفتنوا الأبرياء، وهكذا أصبحت المرأة سلعة رخيصة تعرض في كلّ مناسبة، لقد ظلموا المرأة فسلبوها حقّها الشرعي فمنعوا قوامة الرّجل عليها بالإنفاق والرّعاية، وعزلوها من ولايتها على البيت وتربية الأولاد وتكوين الأسرة، وهكذا قطعوا عنها كلّ الروافد التي تعينها على أداء وظيفتها في الحياة حتى اضطرّوها للخروج لطلب لقمة العيش ولو على حساب عفافها وانتهاك عرضها عند كلّ فاجر وماجن وحمّلوها القيام بعمل الرّجل، وخلعوا عنها لبأس الستر، وتركوها عارية مظهرة لمفاتن جسمها، تَنْفَذُها سهام الأنظار المسمومة من كلّ جانب، كانت على شاطئ السلامة وبرّ الأمان، بعيدة عن متناول الأيدي ومماسة الرجال، فقذفوها في بحار الاختلاط المغرقة عرضة للأيدي الآثمة ومطمعا للنّفوس الأمّارة بالسّوء، حرّموا ما أحلّ الله وأحلّوا ما حرّم الله في حقّها، فمنعوا تعدّد الزوجات، الذي هو عين المصلحة للنّساء بحيث يتحمّل الرّجل القوامة على أكبر قدر ممكن منهنّ، إذ من المعلوم أنّ عدد النّساء في المجتمعات أكثر من عدد الرّجال مع ما يعتبر الرّجال ويتعرّضون له من الأخطار التي تقلّل عددهم، فقصروا الرّجل على واحدة وتركوا البقية منهنّ أيامى معرّضات للفساد والإفساد، قد يتآكلن بأعراضهن، أو  يزاولن الأعمال الشّاقّة مشرّدات عن البيوت يبحثن عن العمل الذي يعشن من ورائة ولو في بلاد بعيدة عن أوطانهن..

ألا وصلّوا و سلّموا عباد الله على رسول الهدى، فقد أمركم بذلك في كتابه فقال: " إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ". (الْأَحْزَابِ: 56 )..

اللهم صَلِّ على محمّد وأزواجه وذرّيته، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد، وبارك على محمّد وأزواجه وذرّيته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد، وارض اللهمّ عن الخلفاء الأربعة الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، وعن الآل والصَّحْب الكرام، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أرحم الراحمين..

 

المشاهدات 717 | التعليقات 0