المداومة على الأعمال الصالحة بعد رمضان. 1432/10/4ه
عبد الله بن علي الطريف
المداومة على الأعمال الصالحة بعد رمضان. 1432/10/4ه
أما بعد: أيها الإخوة: اتقوا الله تعالى وأطيعوه واعلموا أن اللهَ تعالى ما خلقَ الخلقَ وأسكنَهم هذه الأرضَ إلا ليبلوَهم أيُهم أحسنُ عملاً؛ فأرسلَ إليهم الرسلَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ.. وختمَ الرسلَ بأفضلِهم والأممَ بخيرِها، فدعاهم للإيمانِ والعملِ الصالح.. (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ).
وأفضلُ الأعمالِ وأحبُها إلى الله تعالى ما داومَ عليه صاحبُه، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ» [أي ما استمر منها وواظب عليه فاعله] وَكَانَتْ عَائِشَةُ إِذَا عَمِلَتْ الْعَمَلَ لَزِمَتْهُ. متفق عليه واللفظ لمسلم.
أحبتي: تظهرُ أهميةُ المداومةِ على الأعمالِ الصالحةِ من وجوه:
منها أن فرائضَ اللهِ عز وجل إنما فُرِضَتْ على الدوامِ وهي أحبُ الأعمالِ إلى الله قال رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قال الله تعالى: «وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ.» رواه البخاري.
ومنها: أن المداومةَ على الأعمالِ الصالحةِ هو هديُ رسولِنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ، وَكَانَ إِذَا نَامَ مِنْ اللَّيْلِ أَوْ مَرِضَ صَلَّى مِنْ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً.. وفي حديث آخر قالت: وَكَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى صَلَاةً أَحَبَّ أَنْ يُدَاوِمَ عَلَيْهَا. رواهما مسلم ولولا أهمية المداومة على الأعمال الصالحة ما استحب لنا قضاؤُها..
ومنها: أن المداومةَ على العملِ الصالح أحبُ إلى الله قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ. ولما سئلت عائشة رضي الله عنها عن أي الأعمال أحب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: الدائم. متفق عليه
أيها الإخوة: وللمداومة على الأعمال الصالحة آثارٌ عظيمة على النفس:
منها: تعاهد النفس عن الغفلة وترويضُها على لزوم الخيرات حتى تسهل عليها، ومن ثم تصبحُ ديدناً لها لا تكاد تنفك عنها رغبةً فيها، وكما قيل نفسك إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية..
ومن هنا ندرك أحبتي: ما يوفق له بعض المداومين على الطاعة من صبر على الجلوس لتلاوة كتاب الله، والمحافظة على صيام النوافل في الصيف الشديد، والتبكير للمساجد.. حتى أنك ترى العجب يأتي الرجل كبير السن وقد هرم وثقل وقد أُسْنِدَ إلى أن يقامَ في الصف، ويلاقي من المشقة عند القيام والقعود ما ترق له القلوب وربما أن بعضهم قد خفف الله عنه لكن المداومة على الطاعة تحمله لأدائها وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.. ومن آثار المداومة على الأعمال الصالحة: أنها سبب لمحبة الله تعالى للعبد وولاية الله له: قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ.
ومن آثارها كذلك أنها سبب للنجاة من الشدائد فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنتُ رَدِيفَ رسول الله r فقال لي: يا غلام، احفظ الله يَحْفَظْك، احفظ الله تَجِدْهُ تُجَاهَكَ تَعَرَّف إِلى الله في الرَّخاء يَعْرِفْكَ في الشدة، إِذا سألتَ فاسألِ الله، وإِذا استعنت فاستَعِنْ بالله. رواه الترمذي وهو صحيح.
ومن آثارها كذلك: أنها تنهى صاحبها عن الفواحش قال الله تعالى: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ. وجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ r فَقَالَ: إِنَّ فُلَانًا يُصَلِّي بِاللَّيْلِ، فَإِذَا أَصْبَحَ سَرَقَ قَالَ: إِنَّهُ سَيَنْهَاهُ مَا تَقُولُ. رواه أحمد وهو صحيح الإسناد.
ومن آثارها كذلك: أنها سببٌ لمحو الخطايا والذنوب قال رسول الله r : أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ.؟ قَالُوا: لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ. قَالَ: فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا. متفق عليه. ومنها كذلك: أن المداومة على الأعمال الصالحة سببٌ لحسن الختام؛ ووجه ذلك أن المؤمن يصبرُ على أداء الطاعات كما يصبرُ عن المعاصي والسيئات محتسباً الأجر على الله عز وجل فيقوى قلبه على هذا، وتشتد عزيمته على فعل الخيرات، فلا يزال يجاهد نفسه فيها وفي الانفكاك عن السيئات فيوفقه الله عز وجل لحسن الخاتمة قال الله تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ. وقال: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ. إبراهيم:27
ومن أعظم آثار المداومة على الأعمال الصالحة: أنها سبب في دخول الجنة فقد ذكر سبحانه صفات المؤمنين في سورة المعارج وبدأها بقوله: إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ. ثم ذكر أوصافا أخرى ثم قال: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ. وختم صفات المؤمنين في سورة المؤمنون فقال: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ.
أيها الإخوة: من داوم على عمل صالح ثم انقطع عنه بسبب مرض أو سفر أو نوم كُتب له أجر ذلك العمل فعن أبي موسى t قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا. رواه البخاري قال بن حجر: وهو في حق من كان يعمل طاعة فمنع منها، وكانت نيته لولا المانع أن يدوم عليها، فعن عائشة أن رسول الله قال: مَا مِنْ امْرِئٍ تَكُونُ لَهُ صَلَاةٌ بِلَيْلٍ فَغَلَبَهُ عَلَيْهَا نَوْمٌ إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَجْرَ صَلَاتِهِ وَكَانَ نَوْمُهُ صَدَقَةً عَلَيْهِ. رواه النسائي.. بارك الله لي ولكم..
الثانية:
اللهمَّ لَكَ الْحَمْدُ حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه مِلْءَ السَّمَواتِ وَمِلْءَ الأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيراً أما بعد فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى.. ثم اعلموا وفقكم الله: أن المداومة على العمل الصالح مطلب عزيز يحتاج منا إلى عزيمة صادقة على لزوم العمل، والمداومة عليه، ونبذ العجز والكسل وهما الداء الدوي الذي يُرْدِي بنشاط العبد إلى الخمول، وحياته إلى الخمود ما لم يتدارك نفسه من تلك الوهدة.. والدليل على خطرهما أن النبي r استعاذ بالله منها فقال: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل.. فاستعيذوا أيها الإخوة بالله منهما واحملوا النفس على ضدهما تفلحوا.. ولا تقفوا على حد من الطاعة معين وتقول هذا يكفي بل حاولوا أن ترتقوا في سلم الطاعة..
واعلموا أيها الإخوة: أن البركة في المداومة فمن حافظ على قراءة جزء يوميا ختم بشهر.. أخي الكريم: يا من داومت على قيام شهر رمضان لا يحسن بك ترك القيام بعده ولو بركعات قليلة؛ فعن عبد الله بن عمرو قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ r: يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو، لا تَكُنْ مِثْلَ فُلانٍ، كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ. متفق عليه. وقد تفطنت أمنا عائشة لهذا المعنى ووعته حق الوعي فقد كانت تصلي من الضحى ثماني ركاعات.. ثم تقول لو نُشِرَ لي أبواي ما تركتها.. أي لو بعثا لي..
أيها الإخوة: احمدوا الله تعالى على ما أنعم عليكم به من طاعة وبسماعكم لهذا الخبر تدركون هذه النعمة أكثر وأكثر فقد نقلت قناة السي إن إن الأمريكية مقاطع من صلاة
وما ينبغي الحرص عليه صيام ست من شوال فقد فمن وصلوا وسلموا على نبيكم