المُخـَـــــــــــــــــــــــــدِّراتُ (تعميم) 1444/10/15ه
يوسف العوض
الخطبة الأولى
أَيُّها المُسْلمون: لَقَدْ كَرَّمَ اللهُ الإنسانَ بالعَقْلِ, ومَيَّزَه بِه, وجعَلَ الحَفاظَ عَلَيْهِ وَحِمايَتَه مِمَّا يَضُرُّهُ, واجِبًا متَحَتِّمًا. فَهُوَ مِن ضِمْنِ الضَّرُوراتِ الخَمْسِ التي جاءَ الإسلامُ مِنْ أَجْلِ الحِفاظِ عِلَيْها, وهي: الدِّينُ, والعَقْلُ, والنَّفْسُ, والعِرْضُ, والمالُ ، ومِن الأُمُورِ المُتَعَلِّقَةِ بِحِفظِ العَقْلِ تَحْريمُ الخَمْرِ وَكُلِّ مُسْكِرٍ, قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ( مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرامٌ ). ولُعِنَ في الخَمْرِ عشَرَة, كَما قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ( أتانِي جِبْريلُ فَقالَ يا محمدُ, إِنَّ اللهَ لَعَنَ الخَمْرَ, وعاصِرَهَا, وَمُعْتَصِرَها, وشارِبَها, وحامِلَها, والمَحْمُولَةَ إِليهِ, وبائِعَها, ومُبتاعَهَا, وساقِيها, ومُسْقَاها ), وَأَمَرَ الشارعُ بِجَلْدِ شارِبِ الخَمْرِ.
أَيُّها المُسْلمون:وأَخْطَرُ مِن الخُمُورِ: اسْتِعْمالُ الحَشِيشِ والمُخَدِّراتِ, التي أَجْمَعَتْ أنْظِمَةُ الدُّوَلِ, بِما فِيها الدُّوَلُ التي تُباعُ فِيها الخُمُورُ عَلَنًا, عَلَى مَنْعِها وتَجْريمِ مُسْتَخْدِمِيها ومُرَوِّجِيها. وما ذاكَ إلّا لِأَنَّ خَطَرَها يَعُودُ عَلَى جَمِيعِ الضَّرُوراتِ الخَمْسِ التي تَقدَّمَ ذِكْرُها. فَهِي مِنْ أَعْظَمِ ما يُفْسِدُ دِينَ المَرْءِ وعَلاقَتَه بِرَبِّهِ. وهِيَ أَعْظَمُ مُدَمِّرٍ لِلْعَقْلِ البَشَرِيِّ وإِلْحاقِ صاحِبِهِ فِي عِدادِ البَهائِمِ. وَأَعْظَمُ مُتْلِفٍ لِلْمالِ. وَسَبَبٌ رَئِيسٌ في فَسادِ العِرْضِ وبَيْعِ الشَّرَفِ, وإهْلاكِ النَّفْسِ. فَكَمْ مِنْ شابٍّ, ضاعَ شَبَابُهُ ودِينُهُ وشَرَفُهُ ورُجُولتُه بِسَبَبِها. وَكَمْ مِنْ رَبِّ أُسْرَةٍ ضَحَّى بِقِوَامَتِه ومالِه وقُوتِ عِيالِهِ بِسَبَبِها. وَكَمْ مِنْ زَوْجَةٍ بائِسَةٍ ضاعَتْ بِسَبَبِ ضَياعِ زَوْجِها وما جَرّهُ إلَيْها مِنْ حَرَجٍ بِسَبَبِ المُخُدِّراتِ. ولِعِظَمِ خَطَرِها وَفَتْكِها بالفَرْدِ والمُجْتَمَعِ صارَتْ المُخُدِّراتُ وَسِيلَةً مِنْ وسائِلِ الحُرُوبِ التي يُسْتَهْدَفُ بِها المسلمون في هذه البِلادِ. فَالمُخُدِّراتُ سِلاحٌ اسْتَغَلَّهُ أعداءُ الإسلامِ لِيُحَطِّمُوا بِه شَبابَ المسلمين، تَدْمِيرًا لِدِينِهِم, وقَضَاءً عَلَى مُسْتَقْبَلِهِم، فالذِين وَقَعُوا في شَرَكِ المُخُدِّراتِ أَظْلَمَتْ حَياتُهُم بَعْدَ البَصِيرَةِ، وأَلْغَوْا عُقُولَهُم بَعْدَ استِنارَتِها بِهُدُى الله، وأَقْدَمُوا عَلَى الجَرِيمَةِ، فَيَتَّمُوا أطفالَهُم وَهُمْ أحْياءٌ, وَرَمَّلُوا نِساءَهُم وَهُم أَحْياءٌ، وأشاعُوا الفَسادَ في الأرضِ بَعْدَ إصْلاحِها. إِنَّ حَرْبَ المُخَدِّراتِ أَضْحَتْ مِنْ أَخْطَرِ أَنْواعِ الحُرُوبِ المُعاصِرَةِ، يُدْرِكُ ذلك مَنْ وَقَفَ فِي المَيْدانَ وَاقْتَرَبَ مِن المُعْتَرَكِ، سَواءً مِن المُجاهِدِينَ - رجالِ الأَمْنِ ومُكافَحَةِ المُخَدِّراتِ - أَوْ مِن العامِلِينَ فِي جَمْعِيَّاتِ المُكافُحَةِ الخَيْرِيَّةِ وأَطِبَّاءِ المُسْتَشْفَيِاتِ.
الخطبة الثانية
عِبادَ الله: إنَّ مَواجَهةَ خَطَرِ المُخَدِّراتِ لَيْسَت خاصَّةً بِرِجالِ الأَمْنِ والمُكافَحَةِ فَقَطْ, بَلْ هِيَ مَسْئُولِيَّةُ الجَمِيعِ, والتَّعاوُنُ في ذلكَ مُطْلُوبٌ ومُتَحَتِّمٌ:
عَلى وَسائِلِ الإِعْلامِ: فإنَّ دَورَها في ذلك مِنْ أَهْمِّ الأَدْوارِ.
وعَلى الأُسْرَةِ: لأنَّها نَواةُ المُجْتَمَعِ وأساسُه, والأَولادُ ذُكُورًا وإناثًا, هُمْ عُنوانُ البَيْتِ ونَتاجُه, قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ( ما مِنْ مَوْلُودٍ إلا يُولَدُ عَلى الفِطْرَةِ, فَأَبَواه يُهَوِّدانِهِ, أو يُنَصِّرانِهِ, أَوْ يُمَجِّسانِهِ ).
وَتَقَعُ المَسْؤُولِيَّةُ أيضًا: عَلى المُعَلِّمِينَ والمُعَلِّماتِ, والعُلَماءِ والدَّعاةِ والخُطَباءِ. فإنَّ الجَمِيعَ مَسْؤُولٌ, قال تعالى: ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ).
عِبادَ الله: ويَجِبُ عَلى شَبابِنا أَنْ يَعْلَمُوا عِظَمَ مَسْؤُولِيَتِهِم, وذلك بِالتَسَلُّحِ بِالتَّقْوَى, والمُحافَظَةِ عَلى الصلاةِ, ومُجالَسَةِ الصالِحين, فإنَّ الرَّجُلَ عَلى دِينِ خَلِيلِهِ, والحَذَرِ والتَّحْذيرِ, والتَّعاوُنِ مَعَ رِجالِ الأَمْنِ والمَسْؤُولينَ في مَواجَهَةِ هذا الخَطَرِ الكَبِيرِ المُدَمِّرِ.
يوسف العوض
مستفاد
تعديل التعليق