المخدرات وأضرارها
طلال شنيف الصبحي
المخدرات وأضرارها 25 / 10 / 1440 هـ
الحمد لله فارج الكربات، ومجيب الدعوات،الذي حرم علينا الخبائث، وأحل لنا الطيبات، ومنعنا من الرذائل،والمضار والمكروهات. أحمده سبحانه حمداً يملأ الأرض والسماوات، وأشكره على ما أولاه من الإحسان، والفضل، والكرامات، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له, وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، الهادي إلى سبيل الجنات، والمحذر من البغي والعدوان، وجميع الضلالات، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه، أولي الفضل والكرامات، صلاة وسلاماً دائمين متعاقبين على مر الأوقات.أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله حق تقواه: فما أعظم أجرَ المتقين، وما أسعد حال الطائعين! {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}
عباد الله : المخدرات وما أدراك ما المخدرات ؟ سم قاتل, وجريمة نكراء, كم جرعت من حسرات, وأفاضت من عبرات, أولاد ضائعون, وشباب مشردون, وأمهات مكلومات, وزوجات مفجوعات, وأسر مشرده, وأمول مبذرة, وجهود مهدرة, وأرواح تزهق, وأعراض تنتهك, إنها المخدرات والمسكرات...آفةُ المجتمعات اليوم, أمّ الخبائث وأصل الشرور والمصائب، شتَّتتِ الأسَر، وهتكتِ الأعراض، وسبّبت السرقات، وجرّأت على القتل، وأودت بأصحابها إلى الانتحار، وأنتجت كلّ بليّةٍ ورذيلة.. المسكرات والمخدرات .. كلمة قليلة الحروف، قاتلة المعاني .. وسلاح خطير، بيد فاقدي الضمير .. تفتك بالعقول والأجساد والأموال، وتدمر الأسر والمجتمعات. أجمع على ذمّها العقلاء منذ عهد الجاهليّة، وترفّع عنها النبلاء من قبلِ الإسلام، فلمّا جاء الإسلام ذمّها حرّمها ولعنها، ولعن شاربَها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولةَ إليه. بيّن الله تعالى مفاسدَ الخمر، وأنها رجسٌ ونجَس، وأنها توقع العداوةَ والبغضاء، وتصدّ عن الصلاة، وتصدّ عن ذكر الله، وأنها سببٌ لعدم الفلاح. والخمر المحرّمةُ هي كلّ ما خامر العقل مهما كان نوعُها وأيًّا كان اسمُها؛ قال رسول اللهr:"كلُّ مسكرٍ خمرٌ، وكلّ خمرٍ حرامٌ" رواه مسلم، وفي الصحيحين أن النبيَّr قال:"كلُّ شرابٍ أسكر فهو حرامٌ"، وعن جابر أن النبي قال: "كلُّ مسكرٍ حرام، إنّ على الله عزّ وجلّ عهدًا لمن يشرب المسكر أن يسقيَه من طينةِ الخبال"، قالوا: يا رسول الله،وما طينةُ الخبال؟ قال:"عرقُ أهل النار" أو: "عصارة أهل النار" رواه مسلم. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبيَّr قال:"كلُّ مسكرٍ خمرٌ، وكلّ مسكرٍ حرامٌ، ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يُدمنها لم يتُب؛ لم يشربها في الآخرة" رواه مسلم وأخرجه البخاريّ مختصرًا، وروى الإمام أحمد بسندٍ صحيح أنّ النبيّr قال:"مُدمن الخمر إن مات لقِيَ الله كعابدِ وثنٍ". إنّها نصوصُ زجرٍ ووعيد وتخويفٍ وتهديد يقفُ عند حدّها من يعلَم أنه محاسَبٌ غدًا أمامَ الله العظيم. عبادَ الله: والمخدّرات بأنواعها شرٌّ من الخمر؛ فهي تفسد العقل، وتدمّر الجسد، وتُذهب المالَ، وتقتُل الغيرةَ، فهي تشارك الخمر في الإسكار، وتزيد عليها في كثرة الأضرار. وقد أجمع الناس كلّهم من المسلمين والكفّار على ضررِ المسكرات والمخدّرات ووبالها على الأفراد والمجتمعات، وتنادت لحربها جميع الدول وتعاهدت، وأدرك الجميع مخاطرها، حتى قال المنظرون:"إنّ خطرَ المخدّرات وتأثيرها المدمّر أشدُّ فتكًا من الحروب التي تأكل الأخضر واليابسَ، وتدمِّر الحضارات، وتقضي على القدرات وتعطّل الطاقات".
أيها المسلمون: نتحدّث عن المسكرات والمخدّرات في وقتٍ ضجّت فيه بالشكوى البيوت، واصطلى بنارها من تعاطاها ومن عاشره، وأحالت حياتَهم جحيمًا لا يُطاق، فوالدٌ يشكي وأمٌّ تبكي، وزوجةٌ حيرى وأولادٌ تائهون في ضيعةٍ كبرى، ومن عوفي فليحمدِ الله. *المخدّرات تفسد العقل وتقطع النسل وتورث الجنون وتجلب الوساوس والهموم وأمراضًا عقليّة وعضويّة ليس لها شفاء، وتجعل صاحبَها كالبهيمة هائجًا ليس له صاحب، وتُرديه في أَسوَأ المهالك، مع ما تورثه من قلة الحياء وعدم الغيرة على الأعراض. وما تفكّكتِ الأسَر إلاّ من أثرها، وتفشّتِ الجرائم إلا بسببها، ومع غلائها فإنّ مروِّجَها من أفقر الناس وأتعسهم حالاً. أمّا متعاطيها: فإنّها لا تزال تستنزف مالَه حتى يضيقَ بالنفقة الواجبة على أهله وأولاده وعلى نفسه، وحتى تصبح أسرتُه عالةً يتكفّفون الناس، وربّما باعَ أهلَه وعِرضَه مقابلَ جرعَةِ مخدّر أو شَربةِ مسكرٍ، فهل من قلوبٍ تعي أو عقولٍ تفكّر في النهاية الموحشة والآثار المدمّرة لهذه البلايا؟! مع فَقدِ الدين وضياعِ الإيمان، ففي الصحيحين أن النبيr قال:"ولا يشرب الخمرَ حين يشربها وهو مؤمن"، وقد قال عثمان بن عفانt:"إنه -والله- لا يجتمع الإيمان والخمر في قلب رجلٍ إلا يوشك أحدهما أن يذهب بالآخر" أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ*إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) بارك الله لي ولكم
الخطبة الثانية:
عباد الله: لانتشار المسكرات والمخدرات وهذا الوباء أسبابٌ وبواعث؛منها ضَعف الإيمان،وضَعفُ الوازع الدينيّ،فلا يفكّر أحدهم في عذاب الآخرة ولا عقاب الدنيا،ومن لم يكن له دين صحيحٌ يمنعه؛ فلا عقلَ ينفعه، ولا زجرَ يردعه.والفراغ القاتل والبطالة سوقٌ رائجة للمخدّرات والمسكرات،لاسيما عند الشباب، خاصةً عند مصاحبةِ أصدقاء السوء ورفاق الشرّ، يهوّنون عليه الأمر ويجرّئونه على المنكر، ويزيّن الشيطان له المتعةَ الموهومةَ والهروبَ من الواقع، وإذا سافر ضعيف الإيمان إلى بلاد الكفر والإباحيّة؛ وقع في المحظور وأدمن عليها، وعاد لبلده باحثًا عنها. أيها المسلمون: إنّ أعداءكم لا يألونكم خبالاً، (وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) قد اتَّخذوا المسكراتِ والمخدّرات سلاحًا فاتكًا للسيطرة والعدوان، واستلاب العقول والأموال. وبعد هذا -أيُّها المسلمون-: فإنّ الحديثَ عن تفشي المسكرات والمخدّرات ونِسَبها وآثارها وقصصها ومآسيها لهو حديث مؤلم، ولكن السكوت عنه لا يزيد الأمرَ إلا إيلامًا؛ لذا فلا بدّ من الوعي بحقائق الأمور وإدراك حجمِ الخطر، ثم التكاتُف والتآزر بين أفراد المجتمع ومؤسّساته؛ للحدّ من هذا الوباء وصدّه قبل استفحال الداء. لا بدّ من تنمية الرقابةِ الذاتيّة بالإيمان والخوف من اللهِ في قلوبِ الناس عامّةً والناشئة والشّباب خاصّة، ولن يردع البشرَ شيءٌ كوازع الدِّين والخوف من الله . وواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وظيفةُ كلِّ مسلمٍ، ولو ائتمرنا بيننا وتناهينا ونصحنا وتناصحنا؛ لما وجَدَ الشيطان سبيلاً إلى ضعيفٍ بيننا. فاللهمّ أحفظنا، وعافنا في أنفسنا وفي ديننا وأهلنا وذرياتنا، وقنا والمسلمين شرَّ هذه البلايا، ورُدَّ ضالَّ المسلمين إليك ردًّا جميلاً.
المرفقات
339466
339466