المخدرات وأضرارها

طلال شنيف الصبحي
1437/08/19 - 2016/05/26 18:54PM
المخدرات وأضرارها
الحمد لله فارج الكربات، ومجيب الدعوات،الذي حرم علينا الخبائث، وأحل لنا الطيبات، ومنعنا من الرذائل،والمضار والمكروهات. أحمده سبحانه حمداً يملأ الأرض والسماوات، وأشكره على ما أولاه من الإحسان، والفضل، والكرامات، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له, وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، الهادي إلى سبيل الجنات، والمحذر من البغي والعدوان، وجميع الضلالات، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وأصحابه، أولي الفضل والكرامات، صلاة وسلاماً دائمين متعاقبين على مر الأوقات.
أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله حق تقواه: فما أعظم أجرَ المتقين، وما أسعد حال الطائعين!
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}
عباد الله : المخدرات وما أدراك ما المخدرات ؟ سم قاتل , وجريمة نكراء , كم جرعت من حسرات , وأفاضت من عبرات , أولاد ضائعون , وشباب مشردون , وأمهات مكلومات , وزوجات مفجوعات , وأسر مشرده , وأمول مبذرة , وجهود مهدرة , وأرواح تزهق , وأعراض تنتهك , إنها المخدرات والمسكرات...

آفةُ المجتمعات اليوم , أمّ الخبائث وأصل الشرور والمصائب، شتَّتتِ الأسَر، وهتكتِ الأعراض، وسبّبت السرقات، وجرّأت على القتل، وأودت بأصحابها إلى الانتحار، وأنتجت كلّ بليّةٍ ورذيلة.. المسكرات والمخدرات .. كلمة قليلة الحروف ، قاتلة المعاني .. وسلاح خطير، بيد فاقدي الضمير .. تفتك بالعقول والأجساد والأموال، وتدمر الأسر و المجتمعات
أجمع على ذمّها العقلاء منذ عهد الجاهليّة، وترفّع عنها النبلاء من قبلِ الإسلام، فلمّا جاء الإسلام ذمّها حرّمها ولعنها، ولعن شاربَها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولةَ إليه.
بيّن الله تعالى مفاسدَ الخمر، وأنها رجسٌ ونجَس، وأنها توقع العداوةَ والبغضاء، وتصدّ عن الصلاة، وتصدّ عن ذكر الله، وأنها سببٌ لعدم الفلاح.
والخمر المحرّمةُ هي كلّ ما خامر العقل مهما كان نوعُها وأيًّا كان اسمُها؛ قال رسول الله: "كلُّ مسكرٍ خمرٌ، وكلّ خمرٍ حرامٌ" رواه مسلم، وفي الصحيحين أن النبيَّ قال: "كلُّ شرابٍ أسكر فهو حرامٌ"، وعن جابر أن النبي قال: "كلُّ مسكرٍ حرام، إنّ على الله عزّ وجلّ عهدًا لمن يشرب المسكر أن يسقيَه من طينةِ الخبال"، قالوا: يا رسول الله، وما طينةُ الخبال؟ قال: "عرقُ أهل النار" أو: "عصارة أهل النار" رواه مسلم.
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبيَّ قال: "كلُّ مسكرٍ خمرٌ، وكلّ مسكرٍ حرامٌ، ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يُدمنها لم يتُب؛ لم يشربها في الآخرة" رواه مسلم وأخرجه البخاريّ مختصرًا، وروى الإمام أحمد بسندٍ صحيح أنّ النبيّ قال: "مُدمن الخمر إن مات لقِيَ الله كعابدِ وثنٍ".
إنّها نصوصُ زجرٍ ووعيد وتخويفٍ وتهديد يقفُ عند حدّها من يعلَم أنه محاسَبٌ غدًا أمامَ الله العظيم.
عبادَ الله: والمخدّرات بأنواعها شرٌّ من الخمر؛ فهي تفسد العقل، وتدمّر الجسد، وتُذهب المالَ، وتقتُل الغيرةَ، فهي تشارك الخمر في الإسكار، وتزيد عليها في كثرة الأضرار.
وقد أجمع الناس كلّهم من المسلمين والكفّار على ضررِ المسكرات والمخدّرات ووبالها على الأفراد والمجتمعات، وتنادت لحربها جميع الدول وتعاهدت، وأدرك الجميع مخاطرها، حتى قال المنظرون: "إنّ خطرَ المخدّرات وتأثيرها المدمّر أشدُّ فتكًا من الحروب التي تأكل الأخضر واليابسَ، وتدمِّر الحضارات، وتقضي على القدرات وتعطّل الطاقات".
أيها المسلمون: نتحدّث عن المسكرات والمخدّرات في وقتٍ ضجّت بالشكوى فيه البيوت، واصطلى بنارها من تعاطاها ومن عاشره، وأحالت حياتَهم جحيمًا لا يُطاق، فوالدٌ يشكي وأمٌّ تبكي، وزوجةٌ حيرى وأولادٌ تائهون في ضيعةٍ كبرى، ومن عوفي فليحمدِ الله.
*المخدّرات تفسد العقل وتقطع النسل وتورث الجنون وتجلب الوساوس والهموم وأمراضًا عقليّة وعضويّة ليس لها شفاء، وتجعل صاحبَها كالبهيمة هائجًا ليس له صاحب، وتُرديه في أَسوَأ المهالك، مع ما تورثه من قلة الحياء وعدم الغيرة على الأعراض.
وما تفكّكتِ الأسَر إلاّ من أثرها، وتفشّتِ الجرائم إلا بسببها، ومع غلائها فإنّ مروِّجَها من أفقر الناس وأتعسهم حالاً.
أمّا متعاطيها: فإنّها لا تزال تستنزف مالَه حتى يضيقَ بالنفقة الواجبة على أهله وأولاده وعلى نفسه، وحتى تصبح أسرتُه عالةً يتكفّفون الناس، وربّما باعَ أهلَه وعِرضَه مقابلَ جرعَةِ مخدّر أو شَربةِ مسكرٍ، فهل من قلوبٍ تعي أو عقولٍ تفكّر في النهاية الموحشة والآثار المدمّرة لهذه البلايا؟! مع فَقدِ الدين وضياعِ الإيمان، ففي الصحيحين أن النبي قال: "ولا يشرب الخمرَ حين يشربها وهو مؤمن"، وقد قال عثمان بن عفان: "إنه -والله- لا يجتمع الإيمان والخمر في قلب رجلٍ إلا يوشك أحدهما أن يذهب بالآخر"
عباد الله: لانتشار هذا الوباء أسبابٌ وبواعث؛ منها ضَعف الإيمان، وضَعفُ الوازع الدينيّ، فلا يفكّر أحدهم في عذاب الآخرة ولا عقاب الدنيا، ومن لم يكن له دين صحيحٌ يمنعه؛ فلا عقلَ ينفعه، ولا زجرَ يردعه.
والفراغ القاتل والبطالة سوقٌ رائجة للمخدّرات والمسكرات، لاسيما عند الشباب، خاصةً عند مصاحبةِ أصدقاء السوء ورفاق الشرّ، يهوّنون عليه الأمر ويجرّئونه على المنكر، ويزيّن الشيطان له المتعةَ الموهومةَ والهروبَ من الواقع،
وإذا سافر ضعيف الإيمان إلى بلاد الكفر والإباحيّة؛ وقع في المحظور وأدمن عليها، وعاد لبلده باحثًا عنها.
أيها المسلمون: إنّ أعداءكم لا يألونكم خبالاً، (وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) [آل عمران: 118]، قد اتَّخذوا المسكراتِ والمخدّرات سلاحًا فاتكًا للسيطرة والعدوان، واستلاب العقول والأموال.
وبعد هذا -أيُّها المسلمون-: فإنّ الحديثَ عن تفشي المسكرات والمخدّرات ونِسَبها وآثارها وقصصها ومآسيها لهو حديث مؤلم، ولكن السكوت عنه لا يزيد الأمرَ إلا إيلامًا؛ لذا فلا بدّ من الوعي بحقائق الأمور وإدراك حجمِ الخطر، ثم التكاتُف والتآزر بين أفراد المجتمع ومؤسّساته؛ للحدّ من هذا الوباء وصدّه قبل استفحال الداء.
لا بدّ من تنمية الرقابةِ الذاتيّة بالإيمان والخوف من اللهِ في قلوبِ الناس عامّةً والناشئة والشّباب خاصّة، ولن يردع البشرَ شيءٌ كوازع الدِّين والخوف من الله .
وواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وظيفةُ كلِّ مسلمٍ، ولو ائتمرنا بيننا وتناهينا ونصحنا وتناصحنا؛ لما وجَدَ الشيطان سبيلاً إلى ضعيفٍ بيننا.
لا بدّ أن يتكاتفَ أفراد المجتمع مع الجهاتِ المسؤولة على نبذِ المروّجين والتبليغ عنهم، والحذر من التستّر عليهم أو التهاون معهم، أما المبتلى بالتعاطي فهو مريض بحاجةٍ إلى المساعدة، لا إلى مجرّد الشفقة عليه والسكوت عنه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) [المائدة: 90-92].
بارك الله لي ولَكم في القرآنِ والسنّة، ونفعَنا بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله تعالى لي ولكم.

الخطبة الثانية :

عباد الله : في يوم الاثنين الماضي وفي برنامج بك أصبحنا ذلك البرنامج المبارك الذي يبث كل صباح عبر إذاعة القرآن الكريم , ذكر الشيخ محمد العريفي حفظه الله قصة مؤلمة محزنه عن الأثر الذي تسببه المخدرات لمتعاطيها وكانت تلك القصة سبباً في هذه الخطبة
وسوف أذكرها بتصرف يسير , يقول الشيخ : ( أنه كتبت لي إحدى الأخوات رسالة مبكية تحكي فيها معاناتها مع المخدرات , تقول أنا شابة في مقتبل العمر ومن أسرة محافظة بل متدينة وأنا حافظة لكتاب الله , ثم جائتني بعثة إلى خارج البلاد , قلت " وهذا الذي جنيناه من ابتعاث البنات إلى خارج البلاد " تقول وفرحت بذلك كثيراً فذهب معي أخي , وانتظمت في الدراسة وكانت الأمور تسير على مايرام , حتى لاحظت تغيراً على أخي في سلوكه وتصرفاته , فعرفت أنه أصبح يتعاطى المخدرات بسبب توفرها في تلك البلاد وأنه تعرف على أصحاب قادوهـ إلى هذا الطريق المظلم , فنصحته وحذرته وخوفته بالله ولكنه زاد سوءاً وعناداً , فهددته بأني سوف أخبر أبي بذلك , فجأني يوماً بعصير طازج وقد وضع فيه المخدر وقال لي اشربي هذا العصير فشربته وياليتني لم أشربه , فطلبت منه اليوم الثاني أن يأتيني بنفس العصير فجاء به إلى وهكذا حتى وقعت في شراك المخدرات وأصبحت أنا وأخي مدمنين للمخدرات وصار همنا الوحيد كيف نحصل على هذه السموم بأي وسيلة كانت ونسيت الدراسة التي من أجلها أتيت , وأصبح كل ما نحصل عليه من مال سواء ما نأخذه من الابتعاث أو ما يرسله لنا والدنا ننفقه على المخدرات والمسكرات , وازدادت حالتنا سوءا حتى أنا لا نجد ما نأكله فنذهب أنا وأخي إلى المطاعم وننتظر حتى ينتهوا فنأكل ما تبقى عنهم , الذي سوف يرمى نحن نأكله, بقايا البيتزا وفتات الخبز وحثرات الأرز , عن ماذا أحدثك يا شيخ عن دراستي التي أضعتها أم عن عرضي الذي اُنتهك , حتى أصبحت ألعوبة في أيدي أصدقاء أخي يفعلون بي ما يشاؤؤن حتى إني ذهبت إلى أحدهم في يوم من الأيام وطلبت منه المخدر فقال لي لن أعطيك المخدر حتى تنظفي جزمتي أكرمكم الله بلسانك , تقول فما كان مني وتحت تأثير المخدر إلا أن هويت على جزمته العقها بلساني لإنظفها له ثم هتك عرضي ورمى لي بالمخدر كما تُرمى العظمة للكلب أعزكم الله , تقول هكذا وصل بنا الحال حتى اتصل أحد الذين يعرفنا هناك بوالدي فجاء والدي ورجعنا إلى هذه البلاد ولكن بماذا رجعنا .. رجعنا بالخزي والعار والذلة والصغار والفضيحة في الدنيا وفوق ذلك كله أُصبت أنا وأخي بمرض الإيدز نسأل الله السلامة والعافية )

قاتل الله المخدرات .. قاتل الله المخدرات .. وقاتل الله من روجها ومن سعى في ترويجها

عباد الله .. كفى بهذه القصة والحادثة واعظاً للنفوس، كفى بها شاهداً على قبح المسكرات والمخدرات، وأنها تقتل كل المعاني الجميلة في حياتنا .
فاللهمّ أحفظنا وأحفظ علينا، وعافنا في أنفسنا وفي ديننا وأهلنا، وقنا والمسلمين شرَّ هذه البلايا، ورُدَّ ضالَّ المسلمين إليك ردًّا جميلاً.
هذا وصلّوا وسلّموا على الرحمة المهداة والنعمة المسداة محمد بن عبد الله رسول الله وخاتم أنبيائه. فقد أمركم الله بذلك في كتابه " إن الله وملائكته يصلون على النبي
اللّهمّ صلّ وسلّم وبارِك على عبدك ورسولك محمّد، وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم وارضَ عنا معهم بمنك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين. اللهم أذل الشرك والمشركين والكفر والكافرين، ودمر أعداءك أعداء الدين يا رب العالمين، واحمِ حوزة الإسلام إنك على كل شيء قدير.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح اللهم ولاة أمورنا. اللهم ألف بين قلوب المسلمين، وأصلح ذات بينهم واهدهم سبل السلام، وأخرجهم من الظلمات إلى النور.
اللهم فرج عن إخواننا المسلمين في كل مكان يا رب العالمين.
اللهم أحقن دماء المسلمين واحمي أعراضهم وصن أموالهم يا ذا الجلال والإكرام
اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى، اللهم وفقه لهداك واجعل عمله في رضاك يارب العالمين، واحفظه إنك على كل شيء قدير، اللهم وانصر به دينك وأعلِ به كلمتك، اللهم أعنه يارب العالمين على ما فيه الخيرُ للإسلام والمسلمين وللبلاد والعباد إنك على كل شيء قدير.
اللهم ربنا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
عباد الله: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [النحل: 90-91]..
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون
المرفقات

المخدرات 4.doc

المخدرات 4.doc

المشاهدات 1118 | التعليقات 0