المخدرات طريق المهلكات
عبدالرزاق المضياني
الخطبة الأولى: المخدرات طريق المهلكات
أيها الناس:تأملوا هذه القصة العجيبة :
قال بعضُ الصالحين:"مات لي ولد صغير،فلما دفنتُه رأيته بعد موته في المنام وقد شابَ رأسُه،فقلت:يا ولدي، دفنتك وأنت صغير،فما الذي شيَّبك؟ فقال:يا أبتِ،دُفن إلى جانبي رجل ممن كان يشرب الخمر في الدنيا،فزفَرَتْ جهنمُ لقدومه زفْرةً لم يبق منها طفل إلا شاب رأسه؛مِن شدة زفرتها"هذه القصة ذكرها الذهبي في كتابه الكبائر.
عباد الله:من محبطات الأعمال،شرب الخمر،أمّ الخبائث ،ومجمع المصائب ،فكم أغوتْ من إنسان،وهدمتْ من بيت،ويتّمت من أولاد،وأرملت من نساء ،وأسفرت عن جريمة،وأهلكت من مال،وضيّعت من عيال.
ولذلك جاءت الشريعةُ الإسلامية الحكيمة بتحريمها والتحذير منها وعقوبةِ متعاطيها،بل جعلتها من كبائر الذنوب وحبائل الشيطان.يقول الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾وهذه الأية الكريمة تدل على تحريم الخمر أتم دلالة وأوضحها.أنه تعالى صرح بأنها رجس ، وأنها من عمل الشيطان وأمر باجتنابها أمراً جازماً في قوله { فاجتنبوه }واجتناب الشيء:هو التباعد عنه ، بأن تكون في غير الجانب الذي هو فيه . وعلق رجاء الفلاح على اجتنابها في قوله : { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } ويفهم منه - أنه من لم يجتنبها لم يفلح ، وهو كذلك .
ثم بين بعض مفاسدها بقوله : { إِنَّمَا يُرِيدُ الشيطان أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العداوة والبغضآء فِي الخمر والميسر وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ الله وَعَنِ الصلاة }.
ويدخل في الخمر والمسكرات المخدرات بأنواعها فهي أشد ضرراً من الخمر كما هو معلوم وقد أجمع العلماء على تحريمها وإلحاقها بالمسكرات.
فكم أرعبت وآلمت وأبكت من بيوت،كم فككت من أسر وشردت من أطفال،وكم من شاب طرد من وظيفته وفشل في دراسته وضاع مستقبله؟!
سجن وحرمان ونهايات منتنة وخاتمات سيئة وفضيحة في الدنيا والآخرة.
والمخدّرات بأنواعها شرٌّ من الخمر، فهي تفسد العقل، وتدمّر الجسد، وتُذهب المالَ، وتقتُل الغيرةَ، فهي تشارك الخمر في الإسكار وتزيد عليها في كثرة الأضرار، وقد أجمع الناس كلّهم من المسلمين والكفّار على ضررِ المسكرات والمخدّرات وأنها وبال على الأفراد والمجتمعات، وتنادت لحربها جميع الدول وتعاهدت، وأدرك الجميع مخاطرها، حتى قال المنظرون: إنّ خطرَ المخدّرات وتأثيرها المدمّر أشدُّ فتكًا من الحروب التي تأكل الأخضر واليابسَ وتدمِّر الحضارات وتقضي على القدرات وتعطّل الطاقات. مضارُ الخمرِ والمخدراتِ والمنشطاتِ أكثرُ من أن تحصرَ، فمن مضارِها الدينيةِ أن شاربَ الخمرِ يرتفع عنه وصفُ الإيمانِ حالَ تناولهِا، فعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ولا يشربُ الخمرَ حين يشربُها وهو مؤمنٌ)) الحديثَ رواه أبو داود.
عباد الله:الإنسان في هذه الدنيا سلاحه عقل سليم،وصحة قوية، ومال يغنيه،وكرامة وشرف يعليه،والعقل أغلى هذه الأمور،فبالعقل يستفيد الإنسان من ماله وصحته وشرفه ،وبدونه لا يستفيد منها،أو لا يحس بالاستفادة منها.
قال الحسن البصري رحمه الله:"لو كان العقل يشترى لتغالى الناس في ثمنه،فالعجب ممن يشتري بماله ما يفسده".
أخرج النسائي وابن حبان في صحيحه،أن عثمان رضي الله عنه قام خطيبا فقال:" أيها الناس،اتقوا الخمر؛فإنها أمُّ الخبائث،وإن رجلاً ممن كان قبلكم من العُبّاد،كان يختلف إلى المسجد،فلقيته امرأةُ سُوء،فأمرت جاريتها فأدخلته المنزل.فأغلقت الباب،وعندها باطيةٌ من خمر،وعندها صبي،فقالت له:لا تفارقني حتى تشرب كأساً من هذا الخمر،أو تواقعني،أو تقتل الصبي،وإلا صِحتُ،تعني: صرخت،وقلت:دخل علي في بيتي،فمن الذي يصدِّقك؟ فضعف الرجلُ عند ذلك وقال:أما الفاحشة فلا آتيها، وأما النفس فلا أقتلها،فشرب كأساً من الخمر.فقال:زيديني فزادته،فوالله ما برح،حتى واقع المرأة وقتل الصبي". قال عثمان رضي الله عنه:" فاجتنبوها،فإنها أم الخبائث، وإنه ـ والله ـ لا يجتمع الإيمان والخمر في قلب رجل، إلا يوشك أحدهما أن يذهب بالآخر".
الخطبة الثانية:
يقول بعض أصحاب المسكرات والمخدرات:إنها تجلب المسرة والفرح،وفَاتَهُم أنه فرحٌ مُزيَّفٌ مغشُوش،وسُرور كاذب،يعقبه هبوط وحسرة،وركود وذلة،وهمٌ وغمٌ لأوقات طويلة.
ويقولون:إنها تقوي الجسم،وتفيد الصحة،وفاتهم أن لها رد فعل يصحبه اصفرار وهزال،وقيء وكسل،والتهاب للكبد،والكُلى، وغيرُها من العلل.
وأعظم من هذا كله:ما ورد من الوعيد لمتعاطيها،عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ وَسَكِرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا وَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ ،فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ،وَإِنْ عَادَ فَشَرِبَ فَسَكِرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا،فَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ،وَإِنْ عَادَ فَشَرِبَ فَسَكِرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا،فَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ،فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ،وَإِنْ عَادَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ رَدَغَةِ الْخَبَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.قَالُوا:يَا رَسُولَ اللَّهِ،وَمَا رَدَغَةُ الْخَبَالِ؟قَالَ:عُصَارَةُ أَهْلِ النَّار).صححه الألباني في صحيح ابن ماجه
أيها المسلمون،سترجعون إلى الله وستقفون بين يديه،والله سائِلُكم يوم القيامة عما استرعاكم(فَكُلُّكُمْ رَاعٍ،وَكُلُّكُمْ مسؤول عَنْ رَعِيَّتِه) .
أحسنوا الرعاية على أولادكم-ذُكُورِهم وإناثِهم-وجنِّبوهم جلساءَ السوء، وامنعوهم من أماكن الفساد والاختلاط، واحذروا عليهم مِن السهر مع رُفقة السوء.
كونوا يداً واحدة مع رجال الأمن فالمسئولية مسئولية الجميع في التكاتف والتعاون على رد هذا الشر والبلاء عنا وعن بلادنا وعن عموم المسلمين.
قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله في (مجموع الفتاوى):
(لا ريبَ أن مكافحةَ المسكراتِ والمخدرات من أعظم الجهاد في سبيل الله، ومن أهمِّ الواجبات التعاون بين أفراد المجتمع في مكافحة ذلك؛ لأن مكافحَتَهَا في مصلحةِ الجميع، ولأن فُشُوَّها ورَواجَها مَضَرَّةٌ على الجميع، ومن قُتِلَ في سبيل مكافحة هذا الشرِّ وهو حَسَنُ النية، فهو من الشهداء، ومن أعان على فضحِ هذه الأوكار وبيانها للمسؤولين، فهو مأجور، وبذلك يعتبر مجاهدًا في سبيل الحقِّ، وفي مصلحة المسلمين وحماية مجتمعهم مما يضرُّ بهم) ا. هـ كلامه رحمه الله. هذا وصلوا وسلموا،،